كيف ينظر السوريون للرسوم والضرائب المفروضة عليهم؟
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
داخل مقر إدارة الهجرة في مدينة غازي عنتاب التركية جنوبي البلاد حيث يتجمع مئات اللاجئين السوريين يوميا لتصحيح أوضاعهم وتحويل بطاقات لجوئهم إلى إقامات إنسانية أو عائلية تتكشف مشكلات عديدة وصعوبات تزيد معاناتهم، في مقدمتها الحصول على جواز سفر جديد أو تجديد الجواز القديم، وهو ما يعد شرطا أساسيا لإنجاز المعاملات الرسمية التي تتطلب جواز سفر ساري المفعول.
كانت يدا أحمد مضطربة وهو يحاول ترتيب ملفه داخل مصنف شفاف أعده لتسوية وضعه القانوني والحصول مع أفراد أسرته على إقامة عائلية بعد أن أمضى 12 عاما تحت بند الحماية المؤقتة.
"ماذا نفعل؟"هكذا بدأ أحمد حديثه قائلا "أوراقي أصبحت جاهزة، لكنها لن تُقبل كما أخبرني الموظف ما لم نجدد جوازات سفرنا، تكلفة التجديد لعائلتي المكونة من 5 أفراد رغم التخفيضات الأخيرة تصل إلى نحو ألف دولار، لا أملك هذا المبلغ، ونحن نعيش تحت ضغوط اقتصادية ومعيشية تفوق قدرتنا على التحمل".
وفي 26 يونيو/حزيران الماضي صدّقت وزارة الداخلية السورية على تعرفة جديدة لرسوم إصدار أو تجديد جواز السفر داخل البلاد وخارجها، خُفّضت بموجبها الرسوم القنصلية لمن هم في الخارج من 300 إلى 200 دولار.
ورغم اعتبار بعض السوريين أن هذه الخطوة -إلى جانب الزيادة الأخيرة في رواتب وأجور العاملين في القطاع الحكومي- مؤشر إيجابي لمرحلة جديدة أكثر تحسنا فإن أحمد يرى أن الرسم القنصلي رغم خفضه بمقدار الثلث تقريبا يفتقر إلى العدالة، لأنه ساوى بين لاجئين يعيشون على المساعدات في الخارج وآخرين مقيمين في دول تتيح لهم دخلا مستقرا وبيئة عمل آمنة.
ويقول "للأسف، لم يلحظ القرار أي استثناءات للاجئين رغم أنهم الحلقة الأضعف بين السوريين، في حين شمل التخفيض رسوم جوازات سفر الحجاج".
بين العودة والاستقرارويواجه عدد كبير من اللاجئين السوريين في دول الجوار اليوم خيارات صعبة، فالذين دُمرت منازلهم بفعل الحرب لا يجدون في العودة إلى البلاد خيارا آمنا، في حين يُفرض عليهم في دول اللجوء التكيف مع واقع جديد يتسم بارتفاع معدلات التضخم واضطراب سوق العمل غير الرسمي.
أحمد -الذي دخل تركيا عام 2013- يعمل محاسبا في معمل سوري لإنتاج المواد الغذائية بمدينة غازي عنتاب، مكّنه راتبه الشهري من إعالة أسرته وتأمين احتياجاتها الأساسية، لكنه اليوم يعيش قلقا من فقدان قدرته على مواصلة ذلك.
إعلانوبحسب دراسة استقصائية لمؤسسة "راند" الأميركية، أظهرت نتائج استطلاع شمل 600 لاجئ سوري أن 48% من المشاركين في تركيا يشتكون من انخفاض الأجور مقابل 40% في الأردن.
كما اشتكى 28% في تركيا و56% في الأردن و48% في لبنان من قلة فرص العمل، في حين أبدى 32% في الأردن و34% في لبنان صعوبة في الحصول على تصاريح عمل.
وأشارت الدراسة إلى أن 80% من اللاجئين السوريين في تركيا لا يستطيعون تحمّل تكاليف رسوم تصاريح العمل والإقامة، مقابل 54% في الأردن و86% في لبنان.
ورغم عودة العديد من معارف أحمد إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي فإنه لا يزال يفضل البقاء في غازي عنتاب، متأقلما مع ظروفها.
وبحسب تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عاد أكثر من 500 ألف لاجئ سوري إلى بلدهم، معظمهم من دول الجوار، في حين بلغت حصة غازي عنتاب وحدها نحو 100 ألف لاجئ، وفقا لما أعلنه الوالي كمال شيمشاك.
وتتوقع المفوضية أن يتجاوز العدد الإجمالي للعائدين مليون لاجئ خلال الأشهر الأخيرة من العام.
رماد الحرب الذي يضعفهمتعيش شريحة واسعة من السوريين اليوم بين الشك والأمل، فرغم تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل انخفاض التضخم وهبوط أسعار الغذاء، وتضييق فجوة الدخل والإنفاق بفضل الزيادة الأخيرة على الرواتب الحكومية فإن آمال ملايين السوريين الفقراء -الذين يشكلون 90% من السكان بحسب تصنيف البنك الدولي– ما زالت معلقة بقرارات أكثر عدالة تنصفهم وتساعدهم في النهوض من رماد الحرب.
ويرى الخبير الاقتصادي فراس السيد أن اللاجئين السوريين المقيمين في دول الجوار -الذين لم يتمكنوا من العودة- هم الأكثر هشاشة واحتياجا للإنصاف، ويتحمل نحو مليوني لاجئ منهم أعباء إضافية فاقمتها الرسوم القنصلية الجديدة.
ويربط السيد هذا الضعف بعوامل رئيسية عدة:
غياب دخل ثابت بعد توقف المساعدات الدولية. اضطراب سوق العمل الموازي نتيجة الركود الاقتصادي. صعوبة الحصول على تصاريح العمل بسبب ارتفاع رسومها. ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية بسبب التضخم. تصاعد الإيجارات -خاصة في تركيا- إلى مستويات تفوق ما كانت عليه بـ4 أضعاف خلال سنوات قليلة.وأوضح السيد في حديثه للجزيرة نت أن مساواة اللاجئين بالمقيمين في الخارج في ما يخص الرسوم القنصلية -رغم تفاوت ظروفهم- ساهم في خلق حالة من عدم اليقين.
وأضاف أن استمرار الظلم بحق فئة لا تزال تواجه تداعيات الحرب -من فقدان الأحبة وتدمير المساكن وتغيّر نمط الحياة بالكامل- يحمّل الحكومة الحالية مسؤولية كبيرة، ويستدعي إعادة نظر جادة في السياسات المالية.
من غياب العدالة إلى عدم المساواةمن جهته، عبّر الأكاديمي السوري عماد الدين المصبح أستاذ الدراسات العليا في كليات الشرق العربي بالسعودية عن استغرابه من اعتماد مبدأ الشمولية في الرسوم وتجاهله في الرواتب.
وأوضح المصبح في حديثه للجزيرة نت وجود فجوة كبيرة بين رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، إذ يتقاضى العاملون القادمون من مناطق إدلب رواتب تتراوح بين 125 و250 دولارا شهريا، في حين لا يتجاوز الحد الأدنى لرواتب موظفي المناطق الأخرى 75 دولارا حتى بعد الزيادات الأخيرة، أي أن الفارق يفوق الضعف.
إعلانوعزا المصبح هذا التفاوت إلى سياسات مالية غير متجانسة طبقتها الإدارات المختلفة خلال السنوات الماضية، فبينما شهدت رواتب موظفي إدلب زيادات تراكمية بلغت 68% منذ عام 2020 بقيت الرواتب في باقي المناطق مجمدة لفترة طويلة، قبل أن تشملها زيادات متأخرة وغير كافية.
ورأى أن غياب العدالة في توزيع الأجور أدى إلى خلق بيئة عمل غير مستقرة تكرس التمييز بين الموظفين بناء على مناطقهم وليس كفاءاتهم، مما يُنتج شعورا بالظلم ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص داخل القطاع العام.
وحذر المصبح من أن استمرار هذه الفجوة سيفضي إلى شعور بالطبقية داخل مؤسسات الدولة، وينقل الانقسام من بيئة العمل إلى المجتمع الأوسع، حيث يعمل نحو 1.5 مليون موظف في القطاع الحكومي يعاني معظمهم من ظروف معيشية قاسية.
وأكد أن السياسات المتعلقة بالرسوم والرواتب لا يمكن النظر إليها بعيدا عن العدالة الاجتماعية، لأنها تمس جوهر حياة السوريين اليومية وسبل استقرارهم، مما يتطلب تحسين الحوكمة، ورفع مستوى الشفافية، وتعزيز كفاءة المؤسسات الاقتصادية والمالية، لتكون القرارات الحكومية جسرا حقيقيا نحو تعافي مجتمع أنهكته سنوات طويلة من الفشل والحرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات اللاجئین السوریین غازی عنتاب فی الأردن فی ترکیا فی دول فی حین
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت ترصد توقعات السوريين في حماة من مجلس الشعب الجديد
حماة- أعلنت اللجان الفرعية في المحافظات السورية انتهاء الانتخابات الأولية لمرشحي مجلس الشعب، عقب فرز الأصوات بحضور الهيئات الناخبة ومشاركة وسائل الإعلام، كما كشفت عن أسماء الفائزين، في انتظار اعتماد النتائج رسميا من اللجنة العليا للانتخابات خلال 48 ساعة من انتهاء عملية الاقتراع.
وخلال عملية الاقتراع في محافظة حماة، التي مددتها اللجنة الفرعية 5 ساعات إضافية لاستكمال التصويت وفرز الأصوات، أجرت الجزيرة نت استطلاعا رصَد تطلعات الناخبين تجاه أعضاء مجلس الشعب الجديد، وهو الأول في سوريا بعد مرحلة التحرير.
أكد الناخب حافظ طيفور من دائرة حماة أن "الانتخابات لم تكن لتُعقد لولا حضور أكثر من 80% من أعضاء الهيئة الناخبة، وقد تحقق ذلك فعلا مع إقبال كبير".
وأضاف في حديثه للجزيرة نت، أن "العملية الانتخابية جرت بحرية تامة ودون أي ضغوط، حيث صوت كل ناخب وفق قناعته وبرنامجه الانتخابي"، موضحا أنه اعتمد في اختياره المرشحين على الكفاءة والخبرة القانونية بالدرجة الأولى.
وتمنى طيفور من أبناء مدينة حماة ومن الشعب السوري عموما، أن يحتفظوا بالبرامج الانتخابية لكل مرشح فائز، بهدف تعزيز الرقابة الشعبية على مدى التزام النواب بتنفيذ ما ورد في برامجهم ومتابعة تطبيقه على أرض الواقع.
وأعربت الصيدلانية زينة عبيسي، وهي من أعضاء الهيئة الناخبة في حماة، عن أملها في أن يعمل الفائزون على توفير فرص عمل للشباب، ودعم القطاع التنموي بما يعزز قدراتهم، إلى جانب فتح قنوات تواصل مستمرة أو عقد اجتماعات دورية مع المواطنين ولجان الأحياء، لنقل مطالبهم وصوتهم إلى قبة المجلس.
وأكدت عبيسي في حديثها للجزيرة نت، "أهمية العمل على تعديل القوانين الناظمة للجامعات وغيرها من المؤسسات"، مشيرة إلى أن ما يميز هذه الانتخابات هو خلو الشوارع من صور المرشحين التي اعتادها السوريون طوال ستين عاما، وغياب تأثير "المال السياسي" المتمثل في الولائم أو شراء الأصوات.
إعلانوأضافت أن قِصر المدة بين الترشح والانتخاب -والتي لم تتجاوز ثلاثة أيام-، كان كافيا برأيها لتحكيم الضمير والاختيار بحرية تامة دون أي ضغوط من أي جهة.
كما أعربت المهندسة عبير حموية، وهي عضو في الهيئة الناخبة بحماة، عن أملها في أن يسهم الفائزون في تطوير مختلف قطاعات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والشبابية والتعليمية، للوصول إلى مستوى متكامل من التنمية المطلوبة.
من جانبه، قال وائل المرعي، وهو عضو مراقب لصالح أحد المرشحين في دائرة حماة، إن "أجمل ما ميز هذا اليوم هو استبعاد مناصري الأسد أو من يؤيده عن العملية الانتخابية"، معبرا عن إعجابه بسير التنظيم منذ انطلاق الانتخابات، بدءا من تشكيل الهيئات الناخبة وصولا إلى عملية الاقتراع.
وأشار المرعي خلال حديثه للجزيرة نت، إلى أن آلية اختيار أعضاء مجلس الشعب رسمت ملامح المجلس مسبقا، إذ قامت على معايير محددة توجهت نحو خيارات معينة دون غيرها.
من جانبه، أكد الدكتور عماد برق، عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب والمشرف على الدوائر الانتخابية في حماة، أنه تابع مجريات العملية الانتخابية ميدانيا، واطلع على الأجواء العامة، مؤكدا في حديثه للجزيرة نت حرص اللجنة على تأمين بيئة مناسبة للناخبين أثناء الاقتراع.
وأشار إلى أن جميع المراكز الانتخابية فُتحت أمام وسائل الإعلام لضمان الشفافية والنزاهة، في تجربة وصفها بأنها "الأولى من نوعها" التي يخوضها السوريون بحرية وديمقراطية حقيقية، لإعادة تأسيس سلطتهم التشريعية بعد عقود من حكم الأسد، لافتا إلى عدم وجود أي نتائج كاسحة، ما يعكس حجم المنافسة بين المرشحين.
بدوره، قال محمد عبيدة سوتل، مسؤول العلاقات الإعلامية في دائرة الانتخابات بحماة، إن مديرية الإعلام اتخذت إجراءات خاصة بتوزيع منسقين إعلاميين في المراكز الانتخابية الخمسة بمحافظة حماة، كالسلمية، ومصياف، والسقيلبية، ومحردة بهدف تسهيل عمل وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، وضمان سرعة تدفق المعلومات ووضوحها.
واعتبر في حديثه للجزيرة نت، أن هذه الخطوة أسهمت في تعزيز الشفافية، خاصة أنها المرة الأولى التي يُسمح فيها لوسائل الإعلام بتغطية العملية الانتخابية مباشرة بعد تحرير سوريا.
أما نافع البرازي، رئيس اللجنة الفرعية لدائرة حماة الانتخابية، فأوضح أن النتائج المعلنة حتى الآن أولية، مؤكدا -للجزيرة نت-، أن النتائج الرسمية ستصدر عن اللجنة العليا للانتخابات يومي الاثنين أو الثلاثاء.
وقال "نأمل أن يكون المجلس القادم ممثلا حقيقيا لجميع السوريين، وأن يعكس احتياجات الناس وطموحاتهم في بناء وطن مزدهر ومستقبل مشرق لسوريا الجديدة”.
وفي السياق ذاته، تحدثت مؤمنة عربو، المرشحة الحاصلة على أعلى عدد من الأصوات في دائرة حماة، أن حصولها على هذا الدعم الواسع جاء من تواصلها المباشر بالناخبين خلال اليومين السابقين، وحرصها على مناقشة برنامجها الانتخابي معهم.
إعلانوأعربت عن أملها في الوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها لخدمتهم، سواء على المستوى التشريعي أو الخدمي، مشيرة إلى أنها وضعت خطة عمل تتضمن آليات تواصل فعالة مع المجتمع، لضمان استمرارية الحوار ونقل احتياجات المواطنين إلى مجلس الشعب، واختتمت "فوزي لم يكن إنجازا فرديا، بل ثمرة عمل جماعي متكامل".