يقف رئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس، أمام واحدة من أكثر المهام تعقيدًا في مسيرته السياسية، وهي استكمال تشكيل “حكومة الأمل” التي أعلن عنها في خطاب التأسيس عقب تكليفه و أداء اليمين في 31 مايو الماضي والتي لم تكتمل حتى الآن سوى بتعيين خمسة وزراء فقط من أصل 22، وفق ما نصّت عليه الوثيقة الدستورية المعدّلة لعام 2025.

تكمن المعضلة الأساسية في أن الشعب السوداني، بخبرته الطويلة في مراقبة الأداء السياسي، لم يعد يتعامل مع التشكيل الوزاري كمجرد محاصصة أو توازن بين الكفاءات، بل كمؤشر مباشر على اتجاهات الحكومة القادمة ومواقفها من القضايا المصيرية، وعلى رأسها “حرب الكرامة”. هذه الحرب التي تجاوزت في وجدان الناس الانتماءات الحزبية والجهوية، وأعادت تعريف الوطنية على أساس الانحياز الصريح للجيش، والدفاع عن سيادة الدولة، وعدم الارتهان للخارج.

لقد أصبح الموقف من هذه الحرب معيارًا جوهريًا يحدّد مدى شرعية أي شخصية عامة أو مسؤول محتمل. فالشعب، الذي خاض هذه المعركة بدمه وماله وشرفه، لا يقبل أن يتولى أمره من ظلّ مترددًا أو صامتًا أو متواطئًا في لحظة التهديد الوجودي. لهذا، فإن الحكومة التي يجري إعدادها الآن لن تُقاس بكفاءتها فقط، بل بمواقف أعضائها وانحيازهم المعلن للوطن، وللشعب، وللمؤسسات الوطنية.

في المقابل تبدو بعض دوائر القرار وكأنها لم تستوعب هذا التحوّل الكبير في وعي الشارع، لذلك لا تزال تراهن على توازنات النخب، أو ما يُعرف بـ”هندسة الغرف المغلقة”. هذه الرهانات، إن استمرت، ستصطدم لا محالة بجدار الرفض الشعبي، كما حدث في تجارب إقليمية سقطت فيها حكومات خلال أسابيع من تشكيلها، لأنها حملت في بنيتها بذور الفشل منذ لحظة الميلاد، ولأنها لم تعبّر عن تطلعات الشعب.

وتزداد مؤشرات القلق عندما تتداول الأوساط السياسية والإعلامية تسريبات عن استبعاد شخصيات وطنية وفاعلة من التشكيل، مثل الوزير السابق خالد الأعيسر، الذي ارتبط اسمه بالمواقف الواضحة في معركة الكرامة الإعلامية. الأعيسر كان صوتًا وطنيًا نادرًا، واجه حملات التضليل بكفاءة وجرأة، وأسهم في إعادة بناء خطاب الدولة في واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا وتحدّيًا. تجاهله يبدو أقرب إلى استجابة لضغوط مراكز نفوذ لا ترتاح للحديث الصريح أو الحضور المستنير المستقل.

وإذا ما أُسندت حقيبته – كما يُشاع – إلى شخصية ملتبسة، أو محسوبة على مؤسسات إعلامية معروفة بعدائها الصريح للقضية الوطنية، فإن ذلك سيطرح أسئلة جدية حول استقلالية القرار السياسي الوطني، وجدية الحكومة في الانحياز لمصالح السودان، لا لمصالح الأطراف الخارجية أو مراكز القوى الخفية.

ولعل ما يعيد التوازن إلى بوصلة القرار الوطني ويساعد في ترسيخ الموقف هو الانفتاح الحقيقي على الميدان. على رئيس الوزراء أن يغادر أسوار النخب، ويزور أحد المتحركات القتالية، حيث يرابط الجنود في ظروف قاسية دفاعًا عن تراب هذا الوطن. هناك فقط، يمكن فهم معنى الانحياز الحقيقي للشعب، وتقدير التضحيات، ورؤية الصورة كاملة: من عمق الأرض التي تُدافع عن بقاء الدولة وصمودها.

رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، أمام اختبار حقيقي، ليس في قدرته على اختيار الوزراء فحسب، بل في مدى استعداده لمواجهة مراكز النفوذ التي تحاول فرض أجندتها على حكومة قيل إنها تمثّل الأمل للسودانيين.

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن الشعب السوداني يطالب اليوم بحكومة تعبّر بصدق عن تطلعاته، لا تُصاغ في أروقة معزولة لا تمثّله. فالشرعية السياسية لم تعد تُقاس بالشعارات أو المواقف الرمادية، بل بالقدرة على تجسيد الإرادة الشعبية التي تشكّلت تحت وطأة الحرب والتضحيات. وإذا لم تكن الحكومة القادمة انعكاسًا لهذا الوعي المجتمعي المتقدّم والمنتبه ، فإنها لن تملك سوى شرعية شكلية، سرعان ما تتآكل أمام جمهور أصبح أكثر قدرة على فرز المواقف وإعادة تشكيل المعادلة الوطنية الجديدة .

دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 10 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

أردوغان: سنواصل التنسيق مع الحكومة السورية والشركاء الدوليين

أنقرة-سانا

أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستواصل العمل والتنسيق مع الحكومة السورية والشركاء الدوليين حيال قضايا المنطقة.

ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن أردوغان قوله في كلمة خلال اجتماع استشاري لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالعاصمة أنقرة اليوم: “نواصل العمل مع الحكومة السورية وشركائنا الدوليين، وأؤمن بأن صفحة الإرهاب ستُطوى هناك أيضاً وتنتصر الأخوة”.

وأضاف أردوغان: “إن فجر تركيا العظيمة والقوية يبزغ اليوم مع دخول آفة الإرهاب مرحلة النهاية”، في إشارة الى تخلي عدد من عناصر من حزب العمال الكردستاني عن أسلحتهم لافتاً في ذات الوقت إلى أن تركيا ستصبح أقوى وأكثر ثقة بنفسها من ذي قبل مع انتهاء الإرهاب.

وكان عناصر من حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا سلموا أمس أسلحتهم في مراسم قرب السليمانية بإقليم كردستان العراق في خطوة رمزية لكنها مهمة في النزاع الممتد منذ عقود بين تركيا وحزب العمال.

كما أكد الرئيس التركي أن بلاده تتابع عن كثب كل أنواع المبادرات التي من شأنها وقف إراقة الدماء ودموع الأمهات، وتخفيف الألم وتعزيز الأخوة وفق تعبيره.

أردوغان الحكومة السورية لحزب العدالة والتنمية 2025-07-12BOUTHINA BOUTHINAسابق مراسل سانا: اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي وفداً من المحامين السوريين، لمناقشتهم حول نظام الانتخابات والاستماع لآرائهم ومقترحاتهم، وذلك في مبنى مجلس الشعب بدمشق. انظر ايضاً أردوغان: ندعم سوريا بكل ما يسهم في ازدهارها ويعزز الاستقرار فيها

أنقرة-سانا جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم بلاده لسوريا بكل ما يسهم في ازدهار …

آخر الأخبار 2025-07-12أردوغان: سنواصل التنسيق مع الحكومة السورية والشركاء الدوليين 2025-07-12مراسل سانا: اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي وفداً من المحامين السوريين، لمناقشتهم حول نظام الانتخابات والاستماع لآرائهم ومقترحاتهم، وذلك في مبنى مجلس الشعب بدمشق. 2025-07-12التعاون الاقتصادي والاستثمار في سوريا هدف الشركات الأجنبية في معرض “الصناعات التجميلية” بدمشق 2025-07-12توقيع مذكرة تفاهم في مجالات الطاقة وتوريد الغاز الطبيعي بين سوريا وأذربيجان 2025-07-12قمة حاسمة في نهائي كأس العالم للأندية بين تشيلسي وباريس سان جيرمان غداً 2025-07-12فرنسا وشبكة الآغا خان توقعان اتفاقية للتعاون في مجال دعم سوريا 2025-07-12صندوق مساعدات سوريا يطلق تمويلاً طارئاً لدعم الاستجابة العاجلة للحرائق فيها 2025-07-12مساعدات قطرية تصل مطار حلب دعماً لجهود إخماد حرائق اللاذقية 2025-07-12رئيس الجمهورية العربية السورية يلتقي رئيس جمهورية أذربيجان في قصر زوغولبا بالعاصمة باكو 2025-07-12لأول مرة منذ 14 عاماً.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة في مدينة رأس العين بالحسكة

صور من سورية منوعات لأول مرة منذ آلاف السنين: وجه كاهنة مصرية يرى النور من جديد 2025-07-10 محرك طائرة “يبتلع” رجلاً في أحد مطارات إيطاليا 2025-07-09
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • أردوغان: سنواصل التنسيق مع الحكومة السورية والشركاء الدوليين
  • نص تعديل إجازات الأعياد لموظفي الجهات الحكومية التي تطبق الخدمة المدنية
  • الحبتور: تابعت باهتمام بيان الحكومة المصرية بشأن أرض الساحل الشمالي
  • سرايا القدس تبارك العملية الفدائية التي نفذت في متجر صهيوني بالخليل
  • الجبهة الوطنية: اختيار مرشحي الحزب لمجلس الشيوخ تم وفق معايير شفافة
  • محافظ المنيا: مد فترة التقديم لتراخيص سيارات الأجرة التي تعمل بالغاز حتى 10 أغسطس
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: اللاجئون واختراق الأمن الوطني
  • د.حماد عبدالله يكتب: الأغنية الوطنية !!
  • الحكومة الوطنية تتابع تسريع تنفيذ مشروعات جامعة طرابلس