ترامب وحلف الناتو وأوروبا..
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
في تجمع انتخابي بولاية كارولينا الجنوبية الأمريكية مؤخرا بدا دونالد ترامب وكأنه يدعو روسيا لغزو أي عضو في الناتو يعجز عن الوفاء بنسبة 2% من موازنته على الإنفاق الدفاعي. (تعهد الحلفاء بإنفاق هذه النسبة على الأغراض الدفاعية في عام 2014- المترجم).
وفي حين بدا أن تعليقاته وجدت استحسانا وسط حشد «ماغا» الذي حضر اللقاء الانتخابي إلا أنها أدينت على الفور على جانبي المحيط الأطلسي.
إلى ذلك، وصف ناطق باسم البيت الأبيض التعليقات بأنها «مروِّعة وغير متَّزنة». كما ردَّ عليها الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ بلغة غير دبلوماسية، حيث قال: «أي إيحاء بأن الحلفاء لن يدافعوا عن بعضهم البعض من شأنه أن يقوض أمننا كله بما في ذلك أمن الولايات المتحدة ويعرِّض الجنود الأمريكيين والأوروبيين لأخطار أكبر».
من زاوية ما، يمكن ببساطة وصف تعليقات ترامب بأنها خطاب حملة انتخابية. فالوعود التي تطلق أثناء الحملات الانتخابية ليست بالضرورة تعهدات. ومعظم الساسة يتراجعون عنها بمجرد انتخابهم. لكن ترامب ليس سياسيا تقليديا وما قاله ليس تعليقا معزولا.
سيجادل مؤيدوه بأن أوروبا إلى حدٍّ ما تركت الولايات المتحدة تسدد فاتورة الأمن الأوروبي أثناء الحرب الباردة ومنذ نهايتها. وسيقولون عن تهديداته السابقة عندما كان رئيسًا أنها أسهمت في زيادة المجهود الدفاعي لأوروبا. ترامب يملك حجة قوية في هذا الجانب.
في أثناء معظم فترته الرئاسية الأولى كان العقلاء في حكومته بمن فيهم مختلف مستشاريه للأمن القومي ووزراء الخارجية والدفاع يلطّفون من تشدده. ويبدو أنه لن يكون هنالك احتمال لمثل هذا النفوذ الملطِّف للتشدد في إدارة ترامب الثانية إذا فاز في الانتخابات القادمة. وفي الواقع يهدف مشروع مؤسسة «هيرتدج فاونديشن» لعام 2025 إلى تمكين ترامب من تطبيق أهداف سياسته من اليوم الأول لتوليه الحكم.
وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تفصلنا عنها 8 أشهر أو نحو ذلك ونتيجتها أبعد من أن تكون حتمية إلا أن الكونجرس أجاز تشريعا لضمان ألا يكون بمقدور الرئيس الأمريكي إخراج الولايات المتحدة من حلف الناتو بدون موافقته.
لكن هذا لن يكون كافيًا. فالبند الخامس في معاهدة الناتو أو ما يسمى فقرة «الفرسان الثلاثة» ليس ضمانة قوية. (البند الخامس هو بند الدفاع الجماعي في المعاهدة وينص على أن شن هجوم مسلح على عضو أو أكثر من أعضاء الناتو يعتبر هجوما على كل أعضائه. أما وصفه ببند الفرسان الثلاثة فمستعار من شعار «الكل للواحد والواحد للكل» الذي يرفعه الفرسان الثلاثة في رواية بهذا الاسم للكاتب الفرنسي اليكساندر دوما. وهو شعار يتَّسق مع فكرة الدفاع الجماعي- المترجم).
هذا البند ضمانة بأن الهجوم على أحد أعضاء الناتو يعني أن أعضاءه الآخرين سينظرون في احتمال الرد. ويمكن لترامب كرئيس أن يختار ببساطة عدم الرد على مثل هذا الهجوم. وفي هذه الحالة لن يكون بمقدور الكونجرس، الى حد بعيد، فعل أي شيء.
لكن خطاب ترامب الانتخابي أيضا يقوِّض هذا البند الذي يُفترض أن يكون له تأثير رادع للخصوم المحتملين. ويمكن أن يشجع روسيا والآخرين على التصرف على النحو الذي يعتبرونه مناسبا.
لعب ستولتنبرج دورًا مفتاحيًا لكن لم يُقدَّر حق قدره في إدارة علاقة ترامب مع الناتو أثناء فترته الرئاسية الأولى. وردُّه الفوري على تعليقات ترامب الأخيرة هذه صدر أيضا عنه كشخص له خبرة في التفاعل مع ترامب ومع المخاطر التي يحتمل أن يأتي بها.
السؤال: هل هذا هو الوقت الذي يجب أن تتولى فيه أوروبا مسؤولية أمنها الخاص بها؟ على أية حال خطاب ترامب الانتخابي تودَّدَ إلى الفئات الانعزالية والقومية في الولايات المتحدة والتي ستظل موجودة حتى إذا مُنِع من خوض الانتخابات الرئاسية أو خسرها في نوفمبر.
ربما فعلت إدارة بايدن الكثير لترميم العلاقة الأمريكية الأوروبية داخل الناتو وقيادة الرد على اجتياح روسيا لأوكرانيا. لكن اهتمام الولايات المتحدة يتركز أساسا على الصين. فمع تحول الحجم النسبي للاقتصاد العالمي من المحيط الأطلسي الى المحيط الهادي حتما سينحسر التزام الولايات المتحدة تجاه أوروبا.
في هذا الخصوص تعليقات ترامب المذكورة مجرد تنبيه للقادة الأوروبيين وخصوصا في برلين ولندن وباريس. لقد تقدمت أوروبا كثيرا بعد سفك دم غزير (في حربين عالميتين) حوَّلَها من القارة الأشد عنفا في العالم الى الأكثر سلمية. أما استعداد ألمانيا وبريطانيا وفرنسا على العمل معا فموضوع آخر. التاريخ يقول لنا أنه من النادر أن تتسق مواقف كل عواصم هذه البلدان الثلاثة. لكن ربما لا بُدَّ من ذلك.
الخيار الأكثر سهولة سيكون ببساطة تجاهل خطاب ترامب أو مجرد إدانته وعمل أقل شيء يمكن أن يحافظ على استمرار الولايات المتحدة في تمويل الدفاع عن أوروبا.
أما الخيار الأكثر شجاعة ومسؤولية فسيكون التأكيد على الحاجة لبناء القدرات الدفاعية الأوروبية وضمان قدرة أوروبا على ردع روسيا، بمفردها على الأقل في الأجل المتوسط. وإذا لم يكن بمقدور دونالد ترامب توحيد قادة أوروبا في الدفاع عن أوروبا فلن يكون هنالك حقا أمل يذكر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة لن یکون
إقرأ أيضاً:
أبك يقرب كوريا الجنوبية من اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة
قال كبير مستشاري السياسة في كوريا الجنوبية الأحد إن فرص توصل بلاده إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة باتت أكبر مع اقتراب موعد منتدى التعاون الاقتصادي لدول أسيا والمحيط الهادي (أبك) في كوريا الجنوبية في وقت لاحق من الشهر الجاري.
وقال المستشار كيم يونج بوم للصحفيين، عقب عودته من زيارة إلى واشنطن التقى فيها بوزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، إن الجانبين أحرزا تقدما ملموسا في معظم القضايا لكنهما بحاجة إلى تسوية بعض القضايا المتبقية.
وعبر مسؤولون من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة عن تفاؤلهم إزاء إحراز تقدم في المحادثات التجارية عندما يلتقي زعيما البلدين على هامش قمة أبك المقررة في مدينة جيونج جو الكورية الجنوبية هذا الشهر.
وقال الرئيس دونالد ترامب في 30 تموز / يوليو إن الولايات المتحدة وافقت على خفض الرسوم الجمركية على واردات المنتجات من كوريا الجنوبية إلى 15 بالمئة مقابل استثمار بقيمة 350 مليار دولار من سول في الولايات المتحدة. ولكن الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات لا تزال قائمة في ظل استمرار الخلاف بين الجانبين حول تفاصيل الاستثمارات.
وبينما قال ترامب إن كوريا الجنوبية ستدفع "مقدما" قيمة الاستثمار البالغة 350 مليار دولار، قالت كوريا الجنوبية إن هذا المبلغ سيتألف في معظمه من قروض وضمانات، مع استثمارات مباشرة محدودة.
وقال كبير مستشاري السياسة في كوريا الجنوبية إن الجانبين يعملان على تسوية خلافات بينهما وإن واشنطن تبدي تفهما لمخاوف كوريا الجنوبية إزاء تداعيات الاتفاق على سوق تداول العملات.
وقال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت الأربعاء إن البلدين على وشك إبرام اتفاق تجاري، وتوقع صدور إعلان خلال الأيام العشرة المقبلة.
وكشفت تقارير إعلامية من كوريا الجنوبية أن ترامب التقى السبت مع عدد من قادة الأعمال من كوريا الجنوبية وتايوان واليابان في منتجعه الخاص في مار إيه لاجو بدعوة من ماسايوشي سون مؤسس مجموعة سوفت بنك. وذكرت التقارير أن اللقاء جمع مسؤولي كبرى الشركات من كوريا الجنوبية مثل سامسونج وإس.كيه وهيونداي موتور.