الدكتورة رولا شرقي، أستاذ مساعد في الهندسة والعلوم الفيزيائية، جامعة هيريوت وات دبي
في السنوات الأخيرة، خطت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خطوات كبيرة في قطاع الطاقة، مدفوعة بمبادرات طموحة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز الكفاءة، وتعزيز الاستدامة. وفي خضم هذا المشهد المتغير، برز دور القيادات النسائية كعامل حاسم وقوى في دفع الابتكار وتشكيل مستقبل الطاقة في المنطقة.
يعد التنوع بين الجنسين والشمول من الضروريات الأساسية لقطاع الطاقة المزدهر والمستدام. تكشف الإحصاءات أن النساء لا يمثلن سوى جزء صغير من القوى العاملة في قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفقاً لتقرير البنك الدولي الذي يحمل عنوان “نحو وظائف أكثر وأفضل للمرأة في مجال الطاقة”، فإن تمثيل المرأة في الأدوار الفنية أو المناصب الإدارية في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عادة ما يكون أقل من 10%، بمتوسط 5%. علاوة على ذلك، تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن 19% فقط من النساء في الدول العربية يشاركن في القوى العاملة.
وتشير توقعات منظمة العمل الدولية أيضاً إلى أنه من بين 400 ألف فرصة عمل يمكن خلقها للشباب العربي نتيجة لتدابير السياسة الخضراء، فإن أقل من 10% منها ستشغلها النساء. وتؤكد هذه الأرقام الحاجة الملحة لمعالجة العوائق التي تعيق مشاركة المرأة وتقدمها في الصناعة.
فالنساء يقدمن وجهات نظر متنوعة، ومهارات في حل المشاكل، وأساليب تعاونية إلى بيئة العمل وهي سمات أساسية لمعالجة التحديات المعقدة التي يواجهها قطاع الطاقة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز مشاركة المرأة وقيادتها في قطاع الطاقة يؤدي إلى فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة. أظهرت الدراسات أن الشركات التي تتمتع بقدر أكبر من التنوع بين الجنسين على مستوى القيادة تتفوق على نظيراتها الأقل تنوعًا من حيث الأداء المالي والابتكار. وتشير أبحاث “بنك أوف أمريكا” إلى أن شركات ستاندرد آند بورز التي تتمتع بتمثيل نسائي في مناصب قيادية عليا أعلى من المتوسط شهدت زيادة بنسبة 15% في العائد على حقوق المساهمين وانخفاض مخاطر معدل الربح بنسبة 30% مقارنة بالشركات ذات التصنيف الأدنى.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم تمكين المرأة في قطاع الطاقة في تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأوسع، بما في ذلك الحد من الفقر، وخلق فرص العمل، والاندماج المجتمعي. تستثمر النساء المتمكنات اقتصاديًا في أسرهن ومجتمعاتهن، مما يؤدي إلى تحسين الصحة والتعليم والرفاهية بشكل عام. ومن خلال إنشاء مسارات للنساء للتفوق في قطاع الطاقة، يمكن لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تسخير الإمكانات الكاملة لرأسمالها البشري وتسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن سد الفوارق بين الجنسين يمكن أن يساهم بأكثر من 20% في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. علاوة على ذلك، يشير تقرير مركز سياسة الطاقة العالمية إلى أن الشركات التي تضم 30% من النساء في مناصب قيادية هي أكثر احتمالا للنجاح في القطاعات المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مقارنة بالشركات التي لا يوجد فيها تمثيل نسائي.
ومع ذلك، فإن تحقيق المساواة بين الجنسين في قطاع الطاقة يتطلب بذل جهود متضافرة للتغلب على الحواجز التنظيمية والتحيزات التي تعيق النهوض بالمرأة. غالبًا ما تؤدي المعايير الثقافية والقوالب النمطية والتحيزات اللاواعية إلى خلق الفوارق بين الجنسين في ممارسات التوظيف والترقية والاحتفاظ داخل الصناعة. إن محدودية الوصول إلى فرص التعليم والتدريب والإرشاد تزيد من عرقلة التقدم الوظيفي للمرأة في قطاع الطاقة.
ولمواجهة هذه التحديات، يجب على أصحاب المصلحة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إعطاء الأولوية للتنوع بين الجنسين والشمول كعنصرين أساسيين في سياسات واستراتيجيات الطاقة الخاصة بهم. ويستلزم ذلك تنفيذ تدابير استباقية لتوظيف النساء والاحتفاظ بهن وترقيتهن في المناصب القيادية، بما في ذلك تحديد أهداف لتمثيل الجنسين وإنشاء برامج الإرشاد وتنمية المهارات القيادية المصممة خصيصًا للنساء في هذا القطاع. علاوة على ذلك، فإن تعزيز ثقافة الشمول أمر ضروري لخلق بيئة تشعر فيها المرأة بالتقدير والدعم والتمكين لتحقيق النجاح. إن تحدي الصور النمطية في عمليات صنع القرار، وتعزيز ثقافة مكان العمل التي تحتفي بالتنوع وتشجع التعاون هي أمور ضرورية.
علاوة على ذلك، تلعب الحكومات والجمعيات الصناعية ومنظمات المجتمع المدني دوراً حاسماً في الدعوة إلى إصلاحات السياسات والتغييرات المؤسسية التي تعزز المساواة بين الجنسين في قطاع الطاقة. على سبيل المثال، يضم ما يقرب من 20% من برنامج الطاقة النووية السلمية في دولة الإمارات العربية المتحدة نساءً يشغلن أدوارًا محورية تشمل الهندسة، وعمليات المفاعلات، والسلامة النووية، ومجالات تقنية مختلفة. ظلت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية (ENEC) ملتزمة بالنهوض بالمرأة الإماراتية، ووضعها في مكانة بارزة في سعي دولة الإمارات العربية المتحدة لتحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050. وتعزز مبادرات مثل فرع الشرق الأوسط لمنظمة “المرأة في الطاقة النووية” (WiN)، الذي تم إنشاؤه في ديسمبر 2023، ثقافة التميز في مجال الطاقة النووية والتكنولوجيا، وتمكين المرأة من التفوق من خلال التطوير المهني، وفرص التواصل، والتعاون مع أقرانها العالميين. بالإضافة إلى ذلك، تهدف مبادرة التعليم والتمكين في مجال الطاقة النظيفة التابعة للوكالة الدولية للطاقة ، والتي تدعمها حكومات مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، إلى تعزيز التنوع بين الجنسين في مهن الطاقة النظيفة، وبالتالي زيادة مشاركة المرأة في كلٍ من القطاعين العام والخاص.
وفي الختام، تقف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عند منعطف محوري في رحلة التحول في مجال الطاقة، حيث تستعد النساء للعب دور اساسى في تشكيل مستقبلها. ومن خلال تبني التنوع بين الجنسين والشمول، وتسخير مواهب ورؤى القيادات النسائية، والتغلب على الحواجز والتحيزات النظامية، تستطيع المنطقة أن تفتح آفاقا جديدة للابتكار والكفاءة والاستدامة في قطاع الطاقة. إن تمكين المرأة في صناعة الطاقة لا يؤدي فقط إلى دفع النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، بل يسرع أيضًا من تحقيق أهداف التنمية المستدامة. يجب على أصحاب المصلحة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إعطاء الأولوية لخلق بيئة تمكينية حيث يتم تقدير المرأة ودعمها وتمكينها لتحقيق النجاح. ومن خلال الاعتراف بالنساء والارتقاء بهن كمحفزات للتغيير، تستطيع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رسم مسار نحو مستقبل طاقة أكثر ازدهارا وإنصافا واستدامة للأجيال القادمة.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا فی قطاع الطاقة بین الجنسین فی فی مجال الطاقة علاوة على ذلک المرأة فی من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
الوفد الدائم لدولة قطر بجنيف ينظم حدثا جانبيا حول "التعليم من أجل تمكين النساء والفتيات"
نظم الوفد الدائم لدولة قطر بجنيف، بالتعاون مع البعثة الدائمة لمملكة البحرين الشقيقة بجنيف، ومركز مناظرات قطر، ومعهد جنيف لحقوق الإنسان والشؤون الإنسانية، حدثا جانبيا حول "نبذ التمييز: التعليم من أجل تمكين النساء والفتيات"، وذلك على هامش الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف.
وشددت سعادة الدكتورة هند عبد الرحمن المفتاح، المندوب الدائم لدولة قطر بجنيف، في كلمة خلال افتتاح الحدث، على أن التعليم يُعد حقا إنسانيا أساسيا ومحوريا، يمكّن الأفراد من تطوير جميع المهارات اللازمة، ويوفر منبرا يمكن من خلاله المطالبة بالحقوق الأخرى، والتمتع بها، وحمايتها.
وأوضحت سعادتها أن التعليم يمثل أداة تغيير جوهرية بالنسبة للنساء والفتيات، مشيرة إلى أنه يزوّدهن بالمعرفة والمهارات والثقة للمشاركة الفاعلة في المجتمع، وتحسين ظروفهن الصحية والمعيشية، والمساهمة في التنمية الاقتصادية.
وبيّنت سعادتها أن تمكين النساء يرتبط ارتباطا مباشرا بالتعليم، لافتة إلى أنه يفتح لهن أبواب العمل، ويعزز من قدرتهن على اتخاذ قرارات صحية سليمة، والمشاركة في الحياة العامة وصنع القرار، والدفاع عن حقوقهن ومصالحهن.
وأعربت سعادة المندوب الدائم لدولة قطر بجنيف، عن قلقها إزاء الأرقام العالمية الصادمة التي تعكس الفجوة الكبيرة في فرص التعليم بين الفتيات والفتيان، مشيرة إلى أن 66% فقط من الدول حققت المساواة في التعليم الابتدائي، و45% في المرحلة المتوسطة، و25% فقط في المرحلة الثانوية.
وجددت سعادتها الدعوة إلى اتخاذ إجراءات فورية لتعجيل الجهود الدولية نحو تعزيز تمتع النساء والفتيات بجميع حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في التعليم الجيد، الكامل، الفعّال، وغير المقيّد.
وأكدت سعادتها أن دولة قطر تُعد من أبرز الداعمين للحق في التعليم، إذ أولته أولوية قصوى على المستويين الوطني والدولي، مشيرة إلى مبادرات بارزة قادتها، من بينها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 74/275، الذي أعلن اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات.
وأضافت سعادتها أن دولة قطر كانت من أوائل الدول الموقعة على "إعلان المدارس الآمنة" منذ عام 2015، مؤكدة التزامها الدائم بحماية التعليم، لا سيما في مناطق النزاع والأزمات.
ونبّهت سعادتها إلى أن جهود دولة قطر التعليمية لا تقتصر على الفئات الأسهل وصولا، بل تمتد لتشمل الفئات الأكثر هشاشة، مثل الأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات.
وأشادت سعادة المندوب الدائم لدولة قطر بجنيف، بالدور الرائد الذي تقوم به مؤسسة التعليم فوق الجميع، مشيرة إلى أن برنامجها "علّم طفلا" قد نجح في تنفيذ مشاريع في 50 دولة بالتعاون مع 82 شريكا، وتمكن من تسجيل أكثر من 19 مليون طفل محروم من التعليم.
وأكد المحاضرون في مداخلات نقاشية خلال الحدث الذي حضره أكثر من 70 مسؤولا يمثلون البعثات الدبلوماسية، والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية، ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بشؤون التعليم والأسرة والتنمية، أن التعليم لا يُعدّ مجرد حق أساسي، بل يمثل رافعة حقيقية للتغيير، لاسيّما بالنسبة للفتيات والنساء، إذ يفتح أمامهن أبواب الفرص، ويصون كرامتهن، ويمكّنهن من المشاركة الكاملة في المجتمع.