كيف تنفق العائلات في غزة على نفسها بعد خمسة أشهر من الحرب؟
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
دفعت حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة للشهر الخامس على التوالي الفلسطينيين إلى العمل ضمن أي فرصة أو مهنة لتوفير احتياجاتهم الأساسية، وسط تشديد الحصار والارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع والمحروقات وغيرها.
وأتت 151 يوما من الحرب على معظم مدخرات وأموال الفلسطينيين القليلة أصلا وسط الحصار الذي فرض منذ عام 2007.
ورصدت "عربي21" أساليب يعمل عليها الفلسطينيون لتدبير أمورهم المالية والمادية خلال الحرب.
يقول محمد الذي كان يمتلك مطعما شهيرا للوجبات السريعة في مدينة غزة إنه اضطر لبيع سيارته من أجل الإنفاق على اسرته بعدما نفد كل ما معه من أموال ومدخرات بسبب توقف مصادر الدخل التي كانت متوفرة له.
ويضيف محمد لـ"عربي21": "الحرب دمرت ماضينا ومستقبلنا وكل ما حققناه وما نمتلكه، والاستقرار الاقتصادي كان شيئا صعبا في غزة حتى قبل الحرب، وكانت كل السلع والمواد الخام بسعر مرتفع عن سعرها الأصلي، وكل ارتفاع جديد بالأسعار كان المواطن يتحمله من خلال رفع سعر السلع والخدمات".
ويشرح بالقول: "طبعا نحن لا نتحدث عن رفاهيات لننفق عليها، إنما بعض الأساسيات وجزء صغير منها، كيف يمكن لأسرة بسيطة شراء علبة جبنة فيتا من الحجم الصغير بسعر 7 شيكلات (دولارين) التي كان سعرها أقل من شيكلين (نحو نصف دولار)، حتى أوقية الدقة أصبح سعرها 12 شيكلا (3.3 دولار) والتي كان سعرها شيكلين أيضا".
ويوضح أن العامل الماهر كان يتقاضى ما معدله 40 أو 50 شيكلا يوميا (11 أو 14 دولار)، وهذا المبلغ لا يكفي لشراء كيلو بصل الآن، وهذا إن توفرت أصلا فرصة العمل.
بدوره، يؤكد حسام الذي كان يعمل في شركة حسابات إنه بات يعمل على إعداد "الزلابيا"، وهو نوع من الحلويات المصنوعة من العجين وتقلى بالزيت، ويبيعها في الطرقات ضمن الأسواق المبتكرة حديثا حول مراكز تجمع النازحين في مدينة رفح.
ويضيف حسام لـ"عربي21": "توصي التعليمات الوظيفية حول العام بعدم ترك وظيفة إلا بالحصول على أخرى أو بتوفير رواتب ستة أشهر، وأنا كنت أتبع هذه التعليمات بدقة، لكن الآن صرفت رواتب ستة أشهر خلال ثلاثة أشهر فقط ثم أنفقت كل ما كان معي من مدخرات لمساندة إخوتي الذين خسروا أيضا مصادر دخلهم".
ويقول: "كنت أدخر شهريا مبلغا من المال من أجل تأسيس مكتب حسابات خاص لي ضمن مشروع شخصي، وهي الأموال ذاتها التي صرفتها من أجل شراء خضار وخبز وأمور أساسية مفترض أن تكلفتها بسيطة خلال الأوضاع العادية".
ويشير إلى أن ثمن ما يبيعه من الزلابيا بالكاد يكفي بعضا من مصاريفه اليومية التي تزداد باستمرار، مضيفا أنه "بصراحة أنا ليس معي سوى القليل من المال الذي وضعته على جنب علشان بس نرجع على غزة إن شاء الله".
من ناحيتها، تقول أم فادي إنها تعمل على صنع الخبز من داخل خيمتها من أجل هامش ربح بسيط يساند أسرتها خلال هذه الظروف الكارثية، مضيفة أنه "من بعد الفجر أبدأ في صنع العجين والخبز على فرن الطينة باستخدام جريد النخيل وبعض الكراتين الورقية، صحيح أنه بطلع دخان كثير يخنقني لكن هذا الموجود".
وتوضح أم فادي: "أبيع كل سبعة أرغفة بخمسة شواكل، هذا سعر أغلى بكثير من ما كان قبل الحرب، لكن كل شيء صار غالي.. الملح والخميرة وحتى الطحين، الحمد لله إحنا لاقيين الطحين أصلا لأنه أهلنا وباقي عائلتنا بغزة مش لاقيين حاجة ياكلوها".
من ناحيته، يكشف سعيد أنه تمكن من العمل بنظام اليومية مع مؤسسة دولية إغاثية، بعدما كان في غزة يعمل بذات النظام ضمن مجال تبليط الأرضيات، مضيفا: "أول ما وصلت رفح وكنت قبلها نازح في مستشفى الشفاء، عملت في بيع القهوة الجاهزة، ثم بيع الفستق المحمص، لكن سعرهما ارتفع جدا وصرت مش قادر أشتريهما من أجل توفير دخل بسيط لي ولعائلتي".
ويذكر سعيد لـ"عربي21": "أنا مستعد أعمل في أي شيء حتى تنظيف وتسليك المجاري، الشغل أبدا مش عيب لكن العيب هو الطلب من الناس أو اسغلالهم من خلال رفع الأسعار".
ويكشف: "عملي الحال هو الإشراف على عاملين مسؤولين عن نظافة حمامات متنقلة تم وضعها في بعض تجمعات النازحين، ومستعد أنظف بنفسي وعملت هيك وأنا بشرح للعمال كيف يكون العمل الصحيح".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الفلسطينيين غزة رفح فلسطين غزة خانيونس قطاع غزة رفح المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من أجل
إقرأ أيضاً:
المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدولية للتوصل إلى هدنة توقف نزيف الدم في قطاع غزة، تكشف المقترحات المتبادلة بين الأطراف المعنية عن حجم الهوة التي تفصل بين مواقف كل من حركة "حماس" وإسرائيل، برعاية ومتابعة أمريكية مباشرة.
ومع كل اقتراب من نقطة الاتفاق، تظهر الشروط المتبادلة كحواجز أمام تحقيق اختراق سياسي حقيقي، مما يُبقي المشهد مفتوحًا على مزيد من التعقيد والمعاناة الإنسانية.
كشفت تقارير إعلامية، الإثنين، أن حركة "حماس" وافقت مبدئيًا على مقترح هدنة تقدّم به المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يقضي بوقف إطلاق النار لمدة 70 يومًا مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء على دفعتين، إلى جانب إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، بينهم محكومون بأحكام عالية ومؤبدات.
غير أن متحدثًا باسم ويتكوف نفى هذه الموافقة، مشيرًا إلى أن المفاوضات لا تزال مستمرة، وسط تضارب في الروايات. ووفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن مسؤولًا إسرائيليًا رفيعًا – لم يُكشف عن اسمه – وصف المقترح بأنه لا يعكس "نية حقيقية من قبل حماس للمضي قدمًا"، مشددًا على أن "أي حكومة مسؤولة في إسرائيل لا يمكن أن تقبل بهذا الطرح"، ما يعكس موقفًا إسرائيليًا رافضًا للعرض الأمريكي – أو على الأقل لبعض بنوده.
مطالب جديدة تثير الجدلالمقترح الذي طُرح عبر وسطاء تضمن بنودًا غير مسبوقة من قبل حركة حماس، من بينها طلب مصافحة علنية بين خليل الحية، القيادي في الحركة ورئيس وفدها المفاوض، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كرمز لضمانة بعدم استئناف القتال عقب فترة التهدئة. كما تضمن الإفراج التدريجي عن 10 رهائن، 5 منهم في اليوم الأول من الهدنة، والباقون بعد شهرين.
هذه البنود – بحسب الصحافة العبرية – تتناقض مع الخطة الأصلية التي قدمها ويتكوف، والتي تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن على مرحلتين: الأولى مع بداية التهدئة، والثانية في نهايتها. كما شملت مطالب حماس انسحابًا واسعًا للقوات الإسرائيلية من المناطق التي سيطرت عليها في قطاع غزة، إضافة إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وهو ما تعتبره إسرائيل "تنازلات مفرطة".
غضب إسرائيلي داخليردًا على هذه التطورات، أصدر "منتدى عائلات الرهائن" بيانًا غاضبًا، انتقد فيه استمرار الحرب ورفض الاتفاقات الجزئية، واصفًا إياها بأنها "خسارة إسرائيلية يمكن، بل يجب، تجنبها". وطالب المنتدى بعقد اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى الـ58 وينهي الحرب، مشيرًا إلى أن "الحكومة يمكنها التوصل إلى مثل هذا الاتفاق صباح الغد إذا اختارت ذلك"، في إشارة إلى وجود دعم شعبي واسع لهذا الخيار.
مقترح "بحبح" بين التفاؤل والتشكيكفي خضم هذا التوتر، كشفت تقارير إعلامية عن وثيقة جديدة يُبحث فيها حاليًا، قدمها الوسيط الفلسطيني–الأمريكي بشارة بحبح، بالتنسيق مع ويتكوف، تقضي بوقف شامل للحرب خلال فترة الهدنة، وتعهد من حماس بعدم تنفيذ هجمات أو تهريب أسلحة أو تطوير ترسانتها العسكرية خلال هذه الفترة.
لكن هذه الوثيقة لم تُعلن رسميًا، وتُقابل بقدر من التشكيك في إسرائيل، خصوصًا في ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي جدّد فيها التزامه بإعادة جميع الرهائن "أحياء وأموات"، تزامنًا مع مواصلة جيشه قصفه المكثف على القطاع.
وفي ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، انتقد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، موقف المجتمع الدولي، وخصوصًا الإدارة الأمريكية، مؤكدًا أنها لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات.
أمريكا لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على الاحتلالوأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن ما تفعله إدارة ترامب لا يتجاوز الضغط السياسي، عبر مقترحات مثل تلك التي تقدم بها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتي رفضتها إسرائيل رغم قبول حماس بها، في محاولة لإفشال الجهد الأمريكي.
وأوضح الرقب أن واشنطن، رغم قدرتها على التأثير الفعلي، تكتفي بتصريحات سياسية لا ترقى إلى مستوى الأفعال، مضيفًا: "لو أرادت الإدارة الأمريكية وقف العدوان لعلّقت إمدادات السلاح والذخيرة، لكنها تتواطأ ضمنيًا مع حكومة نتنياهو المتطرفة". ولفت إلى أن تصريحات ترامب المتناقضة توحي برغبته في وقف الحرب، دون أي تحرك عملي يجسد هذه الرغبة، معتبرًا أن ما يصدر عن واشنطن ليس سوى "دغدغة مشاعر" ومحاولة لتبرئة الذات من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وفي ما يخص الموقف الأوروبي، أشار الرقب إلى وجود تحول نسبي في الخطاب الأوروبي نتيجة الجرائم المتواصلة في غزة، واستخدام الاحتلال لسياسة التجويع، وهو ما بدأ يحرج الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن دولًا مثل فرنسا تتحرك فعليًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، بينما ما تزال دول أخرى كالمجر والنمسا ترفض أي ضغط على الاحتلال.
وأكد أن أوروبا تمتلك أوراق ضغط مهمة، لكنها لم توظفها بعد بشكل مؤثر.
وفي ختام تصريحاته، شدد الرقب على أن واشنطن وبروكسل قادرتان على وقف الحرب وإنهاء معاناة غزة، لكن غياب الإرادة السياسية واستمرار سياسة الكيل بمكيالين، يمنحان الاحتلال مزيدًا من الوقت لارتكاب مجازره دون رادع، وسط تصريحات دولية شكلية لا تغير من واقع المعاناة اليومية للفلسطينيين.
وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هجومها على غزة، يتبيّن أن الطريق نحو هدنة حقيقية ما زال طويلًا، وأن أي تقدم مشروط بقبول تنازلات مؤلمة من الطرفين.
ومع تعنّت الحكومة الإسرائيلية، ومطالب حماس التي تعكس عمق معاناة الشعب الفلسطيني، يبقى أفق التهدئة رهينًا بإرادة سياسية غير متوفرة بعد، ما ينذر باستمرار الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يقبع تحت نار الحرب منذ أكثر من 19 شهرًا.