هذا ثانى كتاب أقرؤه للأديبة الشابة هاجر قطب؛ الكتاب الأول كان رواية (يا ليتنى لم أقع) وهى من الروايات الكبيرة، حيث تجاوزت عدد صفحاتها ربعمائة. كان محتواها إنسانيًا والثابت فى كتاباتها التركيز على الخلفية الاخلاقية وتقديرها للقيم والتقاليد الاجتماعية التى ربما تغيب عن كثيرين ولم تعد هى الأولى من بين اهتماماتهم.
كتابها الجديد بعنوان (ربى أكرمنى) ويضم ثلاث قصص طويلة؛ أو روايات قصيرة بل هى تحمل فى طياتها كل خصائص الرواية.. وهذا النوع من الأدب عرفناه فى مصر عند روائى ظلمته أقلام النقاد؛ وأنصفته فقط السينما هو إسماعيل ولى الدين وقد كتب بتمكن وحرفية الرواية القصيرة فى ما يقرب من خمسين رواية وعالميًا برغم من شعبية الرواية الطويلة عرفنا مئات الأعمال الناجحة فى مجال الرواية القصيرة وأهم من كتبها: غابرييل جارسيا ماركيز وجيمس جويس وفيليب كيندرد ديك والدوس هكسلى باولو كويلو وإرنست هيمنجواى وغيرهم.. هذا النوع نجح وانتشر فى بدايات القرن العشرين وزاع صيته فى نهاياته وبدايات القرن الحالى.. خاصة بعد أن حصدت أغلب هذه الأعمال جوائز عالمية..
المهم أن هاجر قطب اقتحمت هذا النوع الأدبى الصعب وأتمنى أن تستمر فيه طويلًا لما يتميز من تركيز فى الفكرة وتكثيف فى اللغة؛ واعتبر كتابها هذا بداية ناجحة وخاصة فى اختيارها جوانب اجتماعية مهجورة مثل رواية (ما زلت صامدة) وأنا عشت فى كلماتها لأن بها روح السيرة الذاتية ونابضة بروح التحدى الكبير لإثبات الحق.
فإذا حللنا التصورات الوضعية على اختلاف مسمياتها وادعاءاتها؛ وجدنا جميعًا تشترك معًا فى اعتبار الظاهرة الموضوع الأساسى للنشاط العلمى؛ وفى المقابل فإن التصورات الواقعية فى فحص خفايا الشخصيات مهما كانت تعقيداتها؛ ولهذا فإن دعم العلوم والتكنولوجيا الآداب الحديثة- والعكس- هو دعم للأعمال التقدمية الطموحة نحو الاختيارات التى لا تزال أمامنا تنتظر مجيبا.
دراسة هاجر قطب العلمية الأدبية دعمت كتاباتها بروح سيكلوجية تشرح خفايا النفس البشرية وردود أفعالها أمام أزمات العصر الحديث..
نجحت هاجر قطب فى مضمون كتابها الثانى وأحسب أن تستمر فى الرواية القصيرة وهى فرصة أيضاً لعودة هذا اللون المهجور عندنا فى مصر وفى الأدب العربى عمومًا.
وان كان أول عمل بالكتاب يجنح نحو ظاهرة ضياع واغتراب إنسان نهايات العالم فى قصة أو رواية (الرجل المستحيل) لم تصل هاجر إلى مستواها الأدبى فى تحليلها بل التى إلى أسهل طرق الحكى حتى صار الرجل المستحيل.. رجل عادى جدا!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نادر ناشد كاريزما إنساني ا مصر
إقرأ أيضاً:
أرضٌ آمنة.. رواية البحث عن الخلاص في عوالم متناقضة
الجزائر "العُمانية": تدور أحداث رواية "أرض آمنة"، للروائيّة الجزائرية، مريم بلعاليا، وسط أجواء دراميّة تشويقيّة بنفحات رومانسية، تُبحر بنا في عالم منقسم بين النور والظل، بين الثراء الطاغي والبؤس المتجذّر، حيث تنبض الحكاية وسط أجواء مستوحاة من العصر الفيكتوري، لتعكس صراع الإنسان مع الطبقيّة والقدر والحبّ والمبادئ، وتغوص في أعماق النفس البشرية التي تبحث عن الخلاص والحرية والانتماء.
وتدور أحداث الرواية في مدينتين متناقضتين تمامًا؛ بلدة العِز، حيث تعيش النخبة في عالم من الترف، وبشر مطيعون، وقوانين تُفصَّل على مقاس الأغنياء، وحياة لا تعرف معنى النقص أو الحرمان؛ إنّها مدينةٌ وتحكمها سلطة تتستّر على هشاشتها خلف الأقنعة اللامعة.
وفي الجهة المقابلة، بلدة العوز؛ وهي أرض الفقراء والمهمّشين، ببيوت متداعية، وبطون جائعة، وأرواح أنهكها الجوع والبرد والحروب. مدينةٌ تحيا على الهامش، لا يُذكر اسمها إلا في سياق الإشفاق أو الاستغلال، ولكنّها تحمل بين أزقتها طاقة لم تنفجر بعد، وأحلامًا تنتظر أن تُروى.
وفي هذا العالم المزدوج، تبرز "لارا"، فتاة في العشرين من عمرها، ابنة عمدة بلدة العز، ورغم انتمائها للطبقة المخمليّة، إلا أنّ قلبها ينبض بنبض مختلف. عيناها الزرقاوان لا ترَيان فقط الجمال، بل الألم خلف الجدران العالية. وشعرها الكستنائي يُخفي عقلًا حالمًا، وطموحًا يتعدّى حدود بلدتها المحصّنة.
وعن بطلة هذه الرواية، تقول الروائيّة مريم بلعاليا، لوكالة الأنباء العمانية، "لارا ليست فتاة مدلّلة، كما يُفترض بابنة عمدة، بل طبيبة شابة، تهوى الطب، وتعشق فكرة التغيير، وتحمل بين يديها شغفًا بمداواة الجراح، ليس الجسدية فقط، بل تلك التي تُعشّش في الأرواح. وتشعر دائمًا أنّ حياتها ناقصة، وأنّ هناك جزءًا مفقودًا منها، ربما يكون في الجهة الأخرى من العالم الذي لم تره يومًا: بلدة العوز.
ومدفوعة بفضول عميق ورغبة صادقة في تقديم يد العون، تُقرّر مغادرة عالمها الآمن والذهاب إلى بلدة العوز، متحدّيةً والدها الغاضب، وقوانين مدينتها، وحتى خوفها الداخلي من المجهول، وتبدأ رحلتها على متن سفينة، وسط أمواج البحر التي لا ترحم، في مشهد عاصف يقلب مجرى حياتها، بعد أن تتحطّم السفينة، وتنجو لارا بأعجوبة، لتجد نفسها غريبة فاقدة للذاكرة على أحد شواطئ بلدة العوز. هناك، في قلب الفقر والضياع، تبدأ لارا رحلة جديدة، وتكتشف عالمًا مغايرًا لكلّ ما عرفته. لكنّها أيضًا تكتشف نفسها.
وتضيف الروائيّة بالقول "تقوم عجوز حكيمة تُدعى العمّة "تينا" بإنقاذ لارا، وتُطلق عليها اسم نورة، وتُعاملها مثل ابنتها. ومن هذا المنعطف، تبدأ نورة في بلدة العوز بالتعرُّف على معنى الصبر، والتعاطف، والنضال من أجل الآخرين. وتتعلّم كيف يُمكن للجمال أن يولد من الألم، وكيف يزهر الحب وسط الخراب، وكيف يتسلّل النور حتى من بين الشقوق الضيّقة.
وخلال هذه المغامرة، تلتقي شخصيات فريدة مثل "أمان"؛ الشاب البسيط الذي يحمل قلبًا شجاعًا، وندوبًا تُخفيها نظراته الصّلبة. وتبدأ بينهما علاقة عميقة، تمزج بين الحذر والجاذبية، وبين القوة والضعف، ويكتشفان أنّهما توأما روح، يجمعهما أكثر من مجرّد لقاء عابر. كلاهما يحمل جرحًا قديمًا، وكلاهما يبحث عن معنى جديد للحياة. وفي خلفية الأحداث، يظهر "ستيف"، الشاب الغني والمتعجرف من بلدة العز، والذي يبدأ بالتغيُّر، شيئًا فشيئًا، بعد لقائه لارا في السوق، ثم بعد علاقته بخادمة لارا المخلصة "لورا"، التي هي الأخرى تعيش صراعًا بين الوفاء وحبّها الجديد، وبين عائلتها العالقة وسط الجحيم في بلدة العوز.
وتؤكّد مريم بلعاليا، أنّ "لورا، بطيبتها وهدوئها، تُمثّل صوت البسطاء الذين لا يتكلّمون، لكنّها تحمل في داخلها قوة قادرة على تغيير مصيرها، وأنّ الرواية تتصاعد دراميًّا مع تصاعد التوتر بين البلدتين، خاصّة حين يُعيَّن رجل حالم وذكي اسمه "جمال" عمدة جديدًا لبلدة العوز، وتبدأ أولى بوادر الثورة، ويسعى السكان للنهوض، يتحدّون فقرهم، ويُشيّدون قوارب، ويُقيمون مشاريع، ويتبادلون المعرفة والكرامة. لكن هذا لا يُعجب عمدة بلدة العز، والد لارا، الذي يرى في نهوض العوز تهديدًا مباشرًا لمكانته وسلطته، فيُشعل فتيل الحرب. ووسط ألسنة اللّهب، والجروح التي لا تُرى، تظهر لارا مثل قائدة إنسانيّة، تقود قافلة من الأمل، تمسح الجراح، وتُنقذ الأرواح، وتُرسل خطابات سلام، رافضة أن تكون ابنة العمدة المتغطرس، بل صوتًا جديدًا لعالم آمن، تتجاوز فيه الهُويات، والحدود، والأسماء.
وتُشير مريم بلعاليا إلى أنّ "أرض آمنة" ليست فقط رواية عن الحب، أو عن الاختلاف الطبقي، بل هي رحلة في عمق الإنسان؛ في الرغبة بالتغيير، في صراعات الهُوية، وفي التمرُّد، وفي الشفاء، وفي القوة الكامنة داخل كلّ قلب لم يُنسَ بعدُ كيف يحب، ولم يُطفئ داخله الشغف ببناء عالم أجمل، حتى ولو كان فوق رماد العالم القديم.
يُشار إلى أنّ الكاتبة، مريم بلعاليا (2001)، روائيّة وشاعرة جزائرية، وهي حاليًّا طالبةٌ جامعيّة، تدرس البيولوجيا (تخصُّص علم الطفيليات) بجامعة باب الزوار بالجزائر العاصمة.