عربي21:
2025-12-13@14:37:31 GMT

جلب إسرائيل إلى لاهاي.. ملاحظات منهجية لا بد منها

تاريخ النشر: 7th, March 2024 GMT

ملاحظات منهجية وأساسية لا بد من تسجيلها والانتباه إليها في مقاربة نجاح جنوب أفريقيا بجلب إسرائيل مخفورة وموصومة ومهانة إلى قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية؛ بتهمة ارتكاب جريمة إبادة جماعية متعمدة وممنهجة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ثمة زوايا نظر وأبعاد عديدة في هذا التطور اللافت وغير المسبوق تتعلق بجنوب أفريقيا نفسها، كما بإسرائيل، وبالطبع بمحكمة العدل الدولية بوصفها الإطار والمنبر القضائي المرموق والأعلى في العالم؛ والتابع مباشرة للأمم المتحدة التي لا تستطيع هذه الأخيرة قول "لا" في مواجهته أو الاستئناف على أحكامه غير القابلة للنقض.



بداية، يتعلق الأمر بجنوب أفريقيا المدنية الديمقراطية لكل مواطنيها، صاحبة التراث والاحترام الكبير أخلاقيا وسياسيا والتي تتمتع بمناقبية عالية مع تاريخها النضالي الطويل والظافر بمواجهة نظام الفصل العنصري، رغم تراجع الأمر نسبيا إثر رحيل الزعيم التاريخي القائد نيلسون مانديلا وخليفته ورفيقه تابو إيمبيكي، والخلافات وشبهات الفساد داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم منذ الاستقلال، وتأسيس الجمهورية الجديدة والعجز والفشل في مواجهة الأزمات المتفاقمة بالقارة السمراء، والتي لا تجد فيها جنوب أفريقيا العون من قوى ودول كبرى مأزومة بأنظمتها الاستبدادية مثل مصر والجزائر ، بينما تبدو نيجيريا الديمقراطية أيضا مشغولة بأزماتها الداخلية التي لا تكاد تنتهي.

يجب الانتباه دائما إلى هذا العامل المدني الديمقراطي الذي يمثل القاعدة الجوهرية والمهمة لقضية جنوب أفريقيا أمام المحكمة الدولية، ومقولة أن الديمقراطيات لا تتقاتل بالطبع صحيحة وهي تلجأ إلى الوسائل السلمية لحلّ خلافاتها، وتذهب إلى المحاكم الدولية صحيحة أيضا، وفي المقابل الطغاة والغزاة لا يذهبون إلى ساحات العدل الدولية ويخشون حتى نطق اسم المحكمة التي تذكرهم بالقوانين والمواثيق الدولية
مع ذلك مثلت القضية الفلسطينية وهول الجرائم والفظائع الإسرائيلية في حرب غزة مناسبة لاستعادة الاحترام والزخم وشد العصب داخليا والهيبة والاحترام خارجيا، خاصة مع انتباه بريتوريا المبكر لنظام الفصل العنصري الذي أسسته إسرائيل في مواجهة الفلسطينيين، والذي تعتبره أسوأ وأشد بشاعة وبطشا مما عاشته هي نفسها القرن الماضي.

يجب الانتباه دائما إلى هذا العامل المدني الديمقراطي الذي يمثل القاعدة الجوهرية والمهمة لقضية جنوب أفريقيا أمام المحكمة الدولية، ومقولة أن الديمقراطيات لا تتقاتل بالطبع صحيحة وهي تلجأ إلى الوسائل السلمية لحلّ خلافاتها، وتذهب إلى المحاكم الدولية صحيحة أيضا، وفي المقابل الطغاة والغزاة لا يذهبون إلى ساحات العدل الدولية ويخشون حتى نطق اسم المحكمة التي تذكرهم بالقوانين والمواثيق الدولية.

هذا العامل مهم وجوهري جدا أيضا كونه يتعلق بالربط بين الأخلاق والسياسة، وهو يفضح بالطبع المعايير الغربية المزدوجة، ويفسر من جهة أخرى الغياب العربي الرسمي عن القضية والمشهد القضائي الأممي، كما غياب السلطة الفلسطينية باعتبارها استبدادية فاقدة للشرعية والمصداقية، وكانت فرّطت بفتوى المحكمة الشهيرة حول الجدار الفاصل 2004 بتجاهلها وعدم وضعها على جدول الأعمال السياسي القانوني بشكل جدي، كما بقبولها بفكرة تبادل الأراضي مع الاحتلال؛ التي نقضت نظريا قرار المحكمة باعتبار الجدار الفاصل غير شرعي ومقاما على أراض فلسطينية محتلة، علما أن المحكمة نظرت بقضية أخرى تتعلق بوضع الاحتلال نفسه في شباط/ فبراير الماضي، لإصدار فتوى عما إذا تحول الاحتلال الى دائم مع سعي إسرائيل لتأبيده عبر ممارسات التهويد والاستيطان وخلق الوقائع في الضفة الغربية، وهي قضية وصلت متأخرة جدا وسيستغرق النظر فيها سنوات والسلطة غير أمينة عليها؛ كما كانت كذلك تجاه فتوى الجدار الفاصل.

وفيما يخص إسرائيل، فهي ولا شك ديمقراطية لليهود ويهودية وعنصرية للعرب، تماما كما نظام الفصل العنصري الساقط في جنوب أفريقيا الذي كان ديمقراطيا للبيض وعنصريا للسود، مع الانتباه الى أن الدولة العبرية موقّعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية وحرصت دوما على تقديم نفسها كممثلة لضحايا الهولوكوست والإبادة الجماعية في ألمانيا.

اختارت جنوب أفريقيا صاحبة التراث المدني الديمقراطي والنضالي فريقا مهنيا خبيرا ومنسجما؛ أعدّ وقدّم مرافعات مبهرة متماسكة ومثيرة للإعجاب أكدت ارتكاب إسرائيل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان في غزة، عبر استهداف البشر والحجر وكافة مناحي الحياة بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمصانع والمزارع والمساجد والكنائس، مع تدمير 70 في المائة من قطاع غزة تقريبا، وقتل وإصابة 100 ألف من مواطنيه، وتهجير مليونين أي قرابة 90 في المائة من أهل غزة.

وإن لم تكن هذه الإبادة الجماعية فما هي؟ خاصة مع التصريحات العلنية ليس فقط من الوزراء المتطرفين المهووسين -لم يعودوا هامشيين- مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وعميحاي إلياهو، وإنما من وزير الزراعة وقائد جهاز الشاباك السابق الجنرال أفي ديختر؛ الذي هو من متن الطبقة السياسية والأمنية الإسرائيلية، وعندما سئل عما إذا ما كانت الحرب ستنتهي بنكبة 2023 للفلسطينيين أجاب بنعم مرتين، معتبرا ذلك أحد أهدافها غير المعلنة رسميا. وإثر ذلك تعرض لتوبيخ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تماما مثل المتطرّف المهووس عميحاي إلياهو الذي دعا إلى استخدام القنبلة النووية ضد غزة.

ردّ فعل الفريق القانوني الإسرائيلي كان مقبولا من الناحية التقنية والإجرائية، فقط لكن مع البقاء في دائرة الاتهام التي وضعته فيها جنوب أفريقيا شكلا ومضمونا، في ظل الافتقاد إلى ردود واضحة وجوهرية على البراهين والأدلة والقرائن التي قدّمها الفريق الجنوب أفريقي، حيث جاءت الدفوع الإسرائيلية شكلية بالتركيز على طوفان الأقصى وما شابه من أخطاء لا تبرر بأي حال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين بغزة، مع تهويل غياب حركة حماس عن المحكمة واتهام جنوب أفريقيا بالدفاع عنها وتمثيلها، بينما ردت هذه الأخيرة بثقة وحزم أنها تدافع عن القضية الفلسطينية والعدالة واحترام المواثيق والمعاهدات الدولية والقضية الفلسطينية كما عن جنوب أفريقيا وقناعاتها ومبادئها وتاريخها.

من المهم المواصلة والمراكمة وعدم الخشية من الذهاب إلى ساحات القضاء الدولية سواء العدل أو الجنائية، حيث بالتوازي أو بالإضافة قامت ديمقراطيات أخرى بالتوجه إلى المحكمة الجنائية لمحاسبة إسرائيل على ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية بغزة، وهي قضايا لا تدخل ضمن صلاحيات العدل
منذ اللحظة الأولى بدا قبول المحكمة دعوى جنوب أفريقيا أكيدا حتى لو طالت المداولات حولها لسنوات، كما هو معتاد في عمل المحكمة المرموقة. ورغم رفض طلب وقف النار الاحترازي، إلا أن الدولة العبرية بدت مدانة بالجريمة أمام الرأي العام العالمي الذي أصدر الحكم فعلا في حواضر العالم وميادينه الكبرى، بغض النظر عن حكم لاهاي.

ورغم عدم إصدار قرار بوقف النار، إلا أن المحكمة طلبت من إسرائيل اتخاذ إجراءات احترازية خلال شهر لمنع أفعال جرائم الإبادة أو حتى التحريض عليها وتقديم المساعدات الإنسانية الى الفلسطينيين، مع رفض طلب تل أبيب بعدم اختصاص المحكمة وبالتالي رد الدعوى، ليتم المضي قدما بها حتى لو استغرق الأمر زمنا طويلا.

وعليه اضطرت إسرائيل للتعاطي والرد حتى لو شكلا، ولكن مع التلاعب والتذاكي عبر استمرار السياسة نفسها حتى بعد جلسة كانون الثاني/ يناير الماضي، ما يؤكد التهمة والوصمة عليها سياسيا وإعلاميا وجماهيريا ويجعل الإدانة القضائية مسألة وقت فقط.

قرار المحكمة التمهيدي والأولي زاد ولا شك منسوب الضغط والإحراج على الولايات المتحدة والدول الغربية الداعمة لإسرائيل؛ التي هربت إلى الأمام عبر تضخيم قصة الأونروا، ما يمثل تحايلا وتهربا من مواجهة قرار المحكمة الذي يؤكد بالجوهر تهمة ارتكاب اسرائيل جريمة إبادة بحق الفلسطينيين في غزة.

من المهم المواصلة والمراكمة وعدم الخشية من الذهاب إلى ساحات القضاء الدولية سواء العدل أو الجنائية، حيث بالتوازي أو بالإضافة قامت ديمقراطيات أخرى بالتوجه إلى المحكمة الجنائية لمحاسبة إسرائيل على ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية بغزة، وهي قضايا لا تدخل ضمن صلاحيات العدل.

يفترض أن تمهد المرافعات والحيثيات أمام محكمة العدل الدولية- ستستغرق القضايا شهورا طويلة سواء في تهمة الابادة أو تداعيات الاحتلال- الطريق أمام الجنائية لمحاسبة قادة إسرائيليين وغربيين أيضا على جرائم الحصار والتجويع والتهجير القسري، والاستهداف المتعمد للمدارس والمستشفيات وأماكن الإيواء والصحفيين والأطباء والأكاديميين والمحامين ومختلف فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني في غزة
بينما بدا مشهد جلسة محكمة العدل الخاصة للنظر في التداعيات والتبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية -نهاية شباط/ فبراير الماضي- معبرا وملخصا الواقع الدولي الراهن، حيث قدمت أكثر من 50 دولة ومنظمة وهيئة أممية مرافعاتها دعما للحق الفلسطيني في مواجهة أمريكا، وقلة قليلة معها، رغم أن واشنطن نفسها لم تنكر الاحتلال بحد ذاته ولكنها رفضت إصدار المحكمة قرارا بإنهائه فورا ودون شروط؛ في سياق انحيازها ونفاقها وازدواجية معاييرها تجاه القضية الفلسطينية.

وبالعموم يفترض أن تمهد المرافعات والحيثيات أمام محكمة العدل الدولية- ستستغرق القضايا شهورا طويلة سواء في تهمة الابادة أو تداعيات الاحتلال- الطريق أمام الجنائية لمحاسبة قادة إسرائيليين وغربيين أيضا على جرائم الحصار والتجويع والتهجير القسري، والاستهداف المتعمد للمدارس والمستشفيات وأماكن الإيواء والصحفيين والأطباء والأكاديميين والمحامين ومختلف فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني في غزة.

أخيرا، ثمة ملاحظة مؤلمة ولكنها مهمة ولا بد منها، حيث كانت الدول العربية لحظة الاستقلال قبل 8 عقود تقريبا (مثل جنوب أفريقيا) مدنية ديمقراطية وناهضة، لكن للأسف حولتها أنظمة الاستبداد العسكرية خاصة بحواضرنا العربية الكبرى إلى مدمرة أو مدمرة ومحروقة، بينما كانت إسرائيل منذ تأسيسها موصومة ومنبوذة ومدانة بارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، وبعد عقود من التطبيع والتبييض واتفاقات السلام مع الأنظمة العربية الفاشلة أعادتها حرب غزة وجنوب أفريقيا إلى قفص الاتهام وسيرتها الأولى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه جنوب أفريقيا إسرائيل العدل الدولية غزة الإبادة الجماعية إسرائيل غزة جنوب أفريقيا الإبادة الجماعية العدل الدولية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة القضیة الفلسطینیة الإبادة الجماعیة الجنائیة لمحاسبة الفلسطینی فی جنوب أفریقیا إلى ساحات فی غزة

إقرأ أيضاً:

بطاريق جنوب أفريقيا تواجه خطر الانقراض.. والسردين يلعب دوراً حاسماً في مصيرها

تخضع بطاريق أفريقيا كل عام لدورة انسلاخ تتخلص خلالها من ريشها القديم وتستبدله بآخر جديد، وهي عملية ضرورية للحفاظ على العزل الحراري لجسدها وضمان مقاومته للماء أثناء السباحة.

تعرضت أعداد كبيرة من بطاريق أفريقيا والتي تعيش على سواحل جنوب أفريقيا للموت خلال موسم انسلاخها السنوي، وهي الفترة التي تعجز فيها هذه الطيور عن دخول المياه للبحث عن الطعام.

وربطت دراسة علمية حديثة بين هذه الوفيات الحادة وبين تراجع حاد في توفر الغذاء، خصوصاً سمك السردين، الذي يشكّل المصدر الرئيسي لتغذية هذه الفصيلة.

وتشير تقديرات الباحثين إلى أن نحو 95% من بطاريق أفريقيا التي تكاثرت في عام 2004 على جزيرتي داسن وروبن—وهما من أهم مستعمرات التكاثر تاريخياً—نفقت خلال السنوات الثماني التالية بسبب ندرة الغذاء.

ونشرتالنتائج المذكورة في دراسة أجراها علماء من وزارة الغابات ومصايد الأسماك والبيئة في جنوب أفريقيا، بالتعاون مع باحثين من جامعة إكستر البريطانية، ونُشرت في 4 ديسمبر 2025 بمجلة Ostrich: Journal of" African Ornithology"، وهي مجلة علمية محكّمة متخصصة في طيور أفريقيا.

وقال الدكتور ريتشارد شيرلي، عالم الأحياء المحافظة والمؤلف المشارك في الدراسة: "بين عامَي 2004 و2011، ظلّت أرصدة سمك السردين قبالة سواحل غرب جنوب أفريقيا دون 25% من ذروة وفرتها، وهو ما تسبب على الأرجح في نقص غذائي حاد أدى إلى فقدان نحو 62,000 فرد من بطاريق أفريقيا المتكاثرة".

وأضاف شيرلي أن "في عام 2024، صُنّفت بطاريق أفريقيا ضمن الفصائل المهددة بالانقراض بشكل حرج، ويبدو أن استعادة كتلة السردين الحيوية في مناطق التغذية الأساسية أمرٌ أساسي لبقائها المستقبلي".

الانسلاخ: مرحلة صيام قسري تمليها الطبيعة

تخضع بطاريق أفريقيا كل عام لدورة انسلاخ، تتخلّص خلالها من ريشها القديم وتستبدلها بريش جديد. وتُعدّ هذه العملية ضرورية للحفاظ على عزل جسدها حرارياً ولضمان مقاومته للماء أثناء السباحة. لكن خلال هذه الفترة، التي تمتدّ عادةً نحو 21 يوماً، لا تستطيع الطيور النزول إلى البحر، إذ يترك نقص الريش جلدها معرّضاً لانخفاض حرارة الجسم في المياه الباردة. ولهذا، يتعيّن عليها البقاء على اليابسة دون طعام طوال هذه المدة.

ولكي تنجو دون غذاء، يجب أن تكون قد جمعت احتياطيات دهنية كبيرة قبل بدء الانسلاخ. وأوضح شيرلي: "تكيّفت هذه الطيور على تجميع الدهون ثم الصيام، حيث يعتمد جسدها على استقلاب تلك الدهون بالإضافة إلى البروتين في عضلاتها للوصول إلى نهاية فترة الانسلاخ. وبعد ذلك، تحتاج إلى استعادة حالتها الجسدية بسرعة. لذا، إذا تعذّر عليها العثور على غذاء كافٍ قبل الانسلاخ أو مباشرةً بعده، فلن تمتلك ما يكفي من الاحتياطيات للبقاء على قيد الحياة".

Related بدء موسم تعشيش البطاريق في حوض أسماك شيكاغونفوق جماعي لبطاريق أفريقية بسبب نقص الغذاء جراء تغير المناخ والصيد الجائرالبحار تزداد دفئًا... وبطاريق القطب الجنوبي في خطر تراجع السردين: تفاعل قاتل بين البيئة والصيد

ومنذ عام 2004، انخفضت الكتلة الحيوية لسمك السردين (Sardinops sagax)—وهو مصدر غذائي رئيسي لبطاريق أفريقيا—في كل عام تقريباً إلى أقل من 25% من ذروتها قبالة سواحل غرب جنوب أفريقيا.

ويعزى ذلك جزئياً إلى تغيرات في درجة حرارة وملوحة مناطق التفريخ، وفق شيرلي: "أدت هذه التغيرات إلى تراجع نجاح التفريخ في المناطق التاريخية على الساحل الغربي، وزيادة نجاحه على الساحل الجنوبي. لكن بسبب الهيكل التاريخي لصناعة الصيد، ظلّ تركيز الصيد غرب رأس أغولهاس، مما أدى إلى مستويات عالية من الاستغلال في أوائل ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين".

وحلّل الباحثون، في دراستهم، عدد أزواج بطاريق أفريقيا المتكاثرة وأعداد البالغين في طور الانسلاخ على جزيرتي داسن وروبن بين عامَي 1995 و2015.

وبالنظر إلى الأهمية التاريخية لهاتين الجزيرتين—اللتين كانتا تستضيفان نحو 25 ألف زوج (داسن) و9 آلاف زوج (روبن) في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين—فهما يُعدّان موقعَي رصد بيئي طويل الأمد.

البيانات تربط معدلات البقاء بتوفر الفرائس

وأدخل الباحثون تقديرات لمعدّلات بقاء البالغين استناداً إلى تحليل "الإمساك-الوسم-إعادة الإمساك" خلال الفترة 2004–2011، وقارنوا بين معدلات البقاء ونسبة المتكاثرين الذين لم يعودوا إلى مستعمراتهم للانسلاخ، مقابل مؤشر مطوّر لتوفر الفرائس في المنطقة.

وقال شيرلي: "ارتبط معدل بقاء البالغين—وخاصة أثناء الانسلاخ السنوي الحاسم—ارتباطاً وثيقاً بتوفر الغذاء. وربما ساهمت معدلات الاستغلال المرتفعة للسردين—التي وصلت لفترة وجيزة إلى 80% في عام 2006—في تفاقم وفيات البطاريق، في وقت كان يشهد فيه السردين تراجعاً بسبب التغيرات البيئية".

ولا يقتصر التراجع على جزيرتي داسن وروبن، وفق الفريق البحثي. فقد أشار شيرلي إلى أن "هذه الانخفاضات تنعكس في مواقع أخرى"، مضيفاً أن الفصيلة شهدت تراجعاً عالمياً في أعدادها بنسبة تقارب 80% خلال العقود الثلاثة الماضية.

ويستند مؤشر توفر الفرائس—الذي طوّره الفريق في دراسة سابقة نُشرت بمجلة ICES Journal of Marine Science—إلى نسبتي السردين والأنشوفة في غذاء طيور "الأطيش الرأسية" (Morus capensis)، وهي من الطيور البحرية التي تتغذى أيضاً على هذين النوعين.

وأوضح الدكتور أزويانيوي ماخادو، من وزارة الغابات ومصايد الأسماك والبيئة والمؤلف المشارك في الدراسة: "يُعتبر غذاء طيور الأطيش مؤشراً جيداً لتوفر السردين والأنشوفة، لأنها الأبعد انتشاراً بين الطيور البحرية في جنوب أفريقيا التي تعتمد على هذين النوعين".

إجراءات حماية جديدة وآمال في التعافي

ورغم صعوبة استعادة أعداد بطاريق أفريقيا، إذ يعتمد تحسين تفريخ السردين بشكل أساسي على الظروف البيئية، يرى الباحثون أن هناك خطوات فعّالة يمكن اتخاذها.

وقال شيرلي: "يمكن لسياسات إدارة المصائد التي تحدّ من استغلال السردين عندما تكون كتلته الحيوية أقل من 25% من ذروتها، وتسمح لمزيد من البالغين بالبقاء للتفريخ، وكذلك تلك التي تقلّل وفيات الصغار (السردين اليافع)، أن تُسهم في تحسين الوضع، رغم وجود خلافات حول فعاليتها بين بعض الأطراف".

وإلى جانب ذلك، تم اتخاذ إجراءات حماية مباشرة للبطاريق، تشمل توفير أعشاش اصطناعية، وإدارة الحيوانات المفترسة، وإنقاذ البالغين والصغار وإعادة تأهيلهم وتغذيتهم يدوياً. كما حُظر مؤخراً الصيد التجاري بالشباك الطوقية (purse-seine) في محيط أكبر ست مستعمرات لتزاوج البطاريق في جنوب أفريقيا.

وقال ماخادو: "يُرجى أن يؤدي هذا الإجراء إلى تحسين وصول البطاريق إلى غذائها في مراحل حاسمة من دورة حياتها، مثل تربية الصغار ومراحل ما قبل وما بعد الانسلاخ".

ويواصل الفريق حالياً مراقبة نجاح التكاثر، وحالة الصغار، وسلوك التغذية، والمسار السكاني، ومعدلات البقاء لبطاريق أفريقيا.

ويختم شيرلي قائلاً: "نأمل أن تبدأ التدخلات المحافظة التي تم تطبيقها مؤخراً، بالتزامن مع خفض معدلات استغلال السردين عندما تكون وفرته أقل من 25% من العتبة القصوى، في وقف هذا التراجع، وأن تُظهر الفصيلة بعض مؤشرات التعافي".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • تعلن محكمة ونيابة جنوب غرب الأمانة أن على المدعى عليه أشرف نجيب الحضور إلى المحكمة
  • ترحيب فلسطيني بالإجماع الدولي على تنفيذ فتوى محكمة العدل الدولية بشأن "أونروا"
  • بشأن الأونروا.. فلسطين ترحب بالإجماع الدولي على فتوى "العدل الدولية"
  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو
  • ألمانيا تَطعن المحكمة الجنائية الدولية
  • النواب الأميركي يقر مشروع قانون التجارة مع أفريقيا
  • بطاريق جنوب أفريقيا تواجه خطر الانقراض.. والسردين يلعب دوراً حاسماً في مصيرها
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • تعلن محكمة جنوب غرب الامانة بأن على/ طه وكهلان الحيضي الحضور إلى المحكمة