الحرب القانونية للاحتلال.. تحقيق أوروبي يكشف ذراعا لتعطيل ملاحقة الجنود
تاريخ النشر: 13th, December 2025 GMT
كشف موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي، في تحقيق موسع أنجزه بالتعاون مع ثماني وسائل إعلام أوروبية ضمن شبكة التحقيقات الأوروبية (EIC)، عن إنشاء الحكومة الإسرائيلية قسما خاصا داخل وزارة العدل، كرس حصريا لخوض ما تسميه تل أبيب “الحرب القانونية”، بهدف حماية قادتها وجنودها من الملاحقة أمام المحاكم الأوروبية والدولية، في ظل تصاعد الاتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وبحسب تحقيق حمل عنوان “ملفات إسرائيل”، استند الصحفيون إلى تسريب ضخم يضم أكثر من مليوني رسالة إلكترونية داخلية من وزارة العدل الإسرائيلية، تعود إلى الفترة الممتدة بين عامي 2009 و2023. وتكشف هذه الوثائق عن استراتيجية ممنهجة لتسخير القانون الدولي نفسه كأداة دفاع وهجوم، عبر تعطيل أو إجهاض أي مسعى قانوني يهدف إلى ملاحقة مسؤولين إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة.
ذراع الحرب القانونية
وأوضح التحقيق أن الحكومة الإسرائيلية أنشأت عام 2010 داخل وزارة العدل قسما خاصا يعرف باسم “قسم الشؤون الخاصة”، ووضع تحت سلطة محام عسكري سابق كان مكلفا سابقا بصياغة مرافعات قانونية لتبرير عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء التي نفذها الجيش الإسرائيلي.
وتتمثل المهمة الرسمية للقسم، وفق الوثائق المسربة، في “إدارة جميع القضايا المتعلقة بالإجراءات القضائية الدولية الناشئة عن أفعال الدولة”، بما يشمل تقييم مخاطر توقيف مسؤولين سياسيين أو عسكريين إسرائيليين أثناء سفرهم إلى الخارج.
ويشير التحقيق إلى أن هذا القسم نجح في عدة مناسبات في إجبار شخصيات سياسية وعسكرية بارزة على إلغاء زيارات خارجية خشية تعرضها للاستجواب أو التوقيف في دول أوروبية.
وفي وثيقة سرية تعود إلى عام 2020، تفاخر القسم بأنه “غير بشكل لا رجعة فيه طريقة تعامل إسرائيل مع تحديات الحرب القانونية”، معلنا تحقيق “إنجازات مهنية استثنائية”، تمثلت في إغلاق عشرات القضايا الجنائية والمدنية حول العالم ضد الدولة الإسرائيلية وكبار مسؤوليها.
منع الملاحقات القضائية
ويكشف “ميديابارت” أن الجزء الأكبر من عمل هذا القسم جرى خلف الكواليس، حيث تدخل بشكل متكرر للتأثير على إجراءات قضائية في دول غربية تستهدف شركات تزود الجيش الإسرائيلي بالسلاح أو تنشط في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية المحتلة.
وفي عام 2018، على سبيل المثال، نظرت قضية أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي تتعلق بقانونية قرار فرنسي يلزم بوسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية. وإدراكا لخطر تحول القضية إلى سابقة قضائية أوروبية، مارس القسم ضغوطا مباشرة على منتج النبيذ الإسرائيلي “بسغوت” لسحب شكواه.
وفي وثيقة داخلية مؤرخة في أيلول/سبتمبر 2019، حذر القسم من أن “مجرد خطر صدور قرار سلبي في مسائل أساسية من القانون الدولي، في وقت تحاول فيه إسرائيل منع فتح تحقيق محتمل من المحكمة الجنائية الدولية، يعد أمرا مقلقا للغاية”.
كما أظهرت الوثائق اتفاق وزارات العدل والخارجية والتجارة الإسرائيلية على حشد “الدول الصديقة” داخل الاتحاد الأوروبي لتقديم مذكرات داعمة لإسرائيل أمام محكمة العدل الأوروبية.
ضغوط خفية على القضاء الأوروبي
ويشير التحقيق إلى أن هذه الضغوط، التي يرجح أنها خالفت القانون الإسرائيلي نفسه، أسهمت في إسقاط قضايا عدة، من بينها قضية ضد شركة الهولندية المتورطة في بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية.
كما ساهمت جهود اللوبي الإسرائيلي عام 2009 في حفظ قضية جنائية في إسبانيا، كان يشتبه فيها بتورط وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك بنيامين بن إليعازر وستة ضباط كبار في مقتل 14 مدنيا فلسطينيا في غزة، بينهم أطفال ورضع.
ويكشف التحقيق أن القسم عمل أيضا على حماية الجنود الإسرائيليين مزدوجي الجنسية، عبر إنفاق عشرات ملايين اليوروهات على أتعاب محامين في دول عدة، من بينها إسبانيا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا.
كسب الوقت أمام المحكمة الجنائية الدولية
وتعد أبرز “نجاحات” القسم – وفق تقاريره الداخلية – تأخير فتح تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي الفلسطينية لمدة عشر سنوات.
فبعد عملية “الرصاص المصبوب” (2008–2009) التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 1400 فلسطيني في غزة، طالبت السلطة الفلسطينية بفتح تحقيق دولي.
وفي عام 2015، وبعد إعلان المدعي العام فتح تحقيق أولي، سمح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ببدء “حوار سري” مع مكتب الادعاء للطعن في اختصاص المحكمة.
لعب قسم الشؤون الخاصة دورا محوريا في هذا الحوار، معلنا في تقاريره أنه “حافظ على حضور دائم في لاهاي، وحدد مراكز النفوذ داخل مكتب الادعاء، وبنى علاقات مع شخصيات رئيسية”. وقد زار مدير القسم، روي شوندارف، مقر المحكمة مرتين على الأقل بين عامي 2015 و2018.
ورغم فتح التحقيق رسميا عام 2021، يرى القسم أنه نجح في كسب “وقت ثمين”، بعدما “ساهم بشكل كبير في تأخير قرار فتح التحقيق لعقد كامل”.
التدخل في قضايا وطنية أوروبية
ولم تقتصر أنشطة القسم على المحاكم الدولية، بل امتدت إلى قضايا وطنية داخل أوروبا. ففي هولندا، تدخلت وزارة العدل الإسرائيلية سرا في قضية ضد شركة Four Winds التي تزود الجيش الإسرائيلي بالكلاب العسكرية.
وتعود القضية إلى عام 2014، حين هاجم كلب عسكري فتى فلسطينيا يبلغ من العمر 16 عاما، متسببا له بجروح خطيرة. وطالبت محاميته بتعويض مالي وبمنع الشركة من تصدير الكلاب للاحتلال الإسرائيلي.
وكشفت الوثائق أن وزارة العدل الإسرائيلية كلفت محاميا هولنديا بتمثيل الشركة سرا، دون الإفصاح عن أنه يعمل في الوقت نفسه لصالح الحكومة الإسرائيلية. وانتهت القضية بتسوية مالية بلغت 20 ألف يورو مقابل إسقاط الدعوى، ليتبين لاحقا أن الحكومة الإسرائيلية هي من دفعت المبلغ وليس الشركة.
ونقلت وسائل الإعلام عن المحامية قولها: “كنت أعتقد أنني أتفاوض مع شركة هولندية، بينما كان المحامي في الواقع تحت سيطرة إسرائيل”.
صمت رسمي إسرائيلي
وفي ختام التحقيق، أكدت وسائل الإعلام الأوروبية المشاركة أنها وجهت أسئلة تفصيلية إلى وزارة العدل الإسرائيلية، إلا أن الأخيرة اكتفت بتأكيد تسلمها الأسئلة دون تقديم أي رد.
وأشار التحقيق إلى أن قانون وسائل الإعلام في الاحتلال الإسرائيلي يمنع نشر أو مناقشة مضمون هذا التسريب، ما يسلط الضوء على حجم الحساسية التي تحيط بهذا الملف داخل أروقة الحكم في تل أبيب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية الإسرائيلية الملاحقة القضاء الجنائية الدولية إسرائيل الجنائية الدولية القضاء ملاحقة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وزارة العدل الإسرائیلیة الحکومة الإسرائیلیة الحرب القانونیة فتح تحقیق
إقرأ أيضاً:
ما الذي تخطط له العدل الإسرائيلية بشأن العفو الرئاسي عن نتنياهو؟
تتهيأ وزارة العدل في دولة الاحتلال الإسرائيلي لاتخاذ قرار بشأن الطلب الذي تقدم به رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للعفو الرئاسي من المحاكمة التي قد تفضي إلى سجنه حال إدانته بتهم الفساد الموجهة إليه.
ونقلت "هآرتس" عن مصادر رفيعة في النظام القضائي الإسرائيلي قولها، إنه من غير المتوقع أن توصي إدارة العفو بوزارة العدل الرئيس إسحاق هرتسوغ بقبول طلب العفو المقدم من نتنياهو دون إجراء تعديلات.
وأضافت المصادر التي وصفتها الصحيفة بـ"العليا" أنه في حال إجراء تعديلات على الطلب، فقد يؤثر ذلك على القرار النهائي لإدارة العفو. مشيرة إلى أن قسم العفو في وزارة العدل الإسرائيلية طلب مؤخراً من مكتب المدعي العام للدولة رأياً قانونياً رسمياً بشأن طلب العفو كجزء من عملية التقييم.
ويبدو أن النيابة العامة، التي تتولى حاليًا محاكمة نتنياهو الجنائية ، ستعارض العفو عنه، وهو ما يُرجّح أن يؤثر على توصية دائرة العفو للرئيس هرتسوغ. ويُتهم رئيس الحكومة بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وهو ينفي ارتكاب أي مخالفة.
وقالت المصادر، إنه بإمكان هرتسوغ العفو عن نتنياهو حتى لو نصحت إدارة العفو بعدم القيام بذلك. إلا أن مثل هذه الخطوة قد تثير معارضة شعبية شديدة، وقد تُشكّل أساساً للمحكمة العليا الإسرائيلية لإلغاء قرار الرئيس.
وذكرت "هآرتس" أن هرتسوغ من المرجح أن يعقد اجتماعاً بين ممثلين عن دائرة العفو ونتنياهو ومحاميه لمناقشة طلب العفو الذي قُدِّم الشهر الماضي. ولا يُتوقع صدور قرار نهائي بشأن توصية دائرة العفو قبل أسابيع أو حتى أشهر.
ولا يتضمن الطلب، الذي يحمل رسالة من نتنياهو نفسه، أي اعتراف بالذنب أو إبداء ندم من جانبه. ويستند رئيس الوزراء إلى موقف مفاده أن الرئيس يملك صلاحية منحه العفو حتى دون إدانة في القضية، لأن المحاكمة لا تزال جارية. كما أن رسالة نتنياهو لا تشير إلى أي نية لديه للاعتزال من العمل السياسي.
قال هرتسوغ إنه سينظر في الطلب "بمسؤولية وجدية تامة". وأفاد مسؤولون في مقر إقامة الرئيس بأن الإجراءات ستستغرق عدة أسابيع. ويمكن أن يتخذ العفو الرئاسي بموجب القانون أشكالاً عديدة، منها تخفيف الغرامات، وعقوبات السجن، ومتطلبات الخدمة المجتمعية، ومحو السجل الجنائي للمتهم.
قبل البتّ في طلبات العفو، التي يأتي بعضها من أشخاص يقضون حالياً عقوبات سجن، يستشير الرئيس إدارة العفو في وزارة العدل. وتستشير الإدارة، قبل إصدار توصيتها، جميع المسؤولين المعنيين، بمن فيهم موظفو مصلحة السجون الإسرائيلية، والشرطة الإسرائيلية، ومكتب المدعي العام، وموظفو الرعاية الاجتماعية، فضلاً عن ضحايا الجرائم.
ويقوم محامو إدارة العفو بعد ذلك بإصدار تحليل مفصل يأخذ في الاعتبار الظروف الشخصية للشخص الذي يطلب العفو وتفاصيل القضية. ويُرفع هذا التحليل إلى الرئيس مصحوباً ببيان حول موقف وزير العدل من القضية.
ولفتت الصحيفة إلى أن طلب نتنياهو يأتي في وقت تواجه فيه الوزارة عددًا متزايدًا من طلبات العفو بسبب الوضع الأمني منذ هجوم حماس السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والحرب التي أعقبت ذلك.