وداعا هيجل الشرق.. يوسف سلامه !
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
رحل فى الرابع من مارس 2024م عن دنيانا الفانية أحد أساتذة الفلسفة العظام الذين أصنفهم بالأساتذة أصحاب الرسالة لأنهم ينيرون لمجتمعاتهم الطريق الى المستقبل ويظلون على إخلاصهم لرسالتهم التنويرية دون كلل أو ملل، ويسخرون حياتهم بكل أريحية وبدون صخب لهذه الرسالة أياً كان موقعهم وأياً كانت المصاعب والظروف التى تواجههم !
وهكذا كان د.
وإن نسيت فلا أنسى ذلك اليوم الذى جلسنا معاً فى شقتى المتواضعة بالهرم نتناقش ونتبادل الهموم، فهو كان يكتب عن هيجل أعظم فلاسفة أوروبا وأنا أكتب عن أرسطو أعظم فلاسفة اليونان فى نهار رمضان الذى لحقنا فيه وقبل الإفطار مباشرة أستاذ الأدب الانجليزى الشهير د.فخرى قسطندى، حيث اقترب وقت الإفطار فحاولت أن أدعوهم للذهاب لأى مطعم قريب لنفطر وكنت أعلم أن د. فخرى يصوم معنا رمضان فقالا: لم يعد هناك وقت!! فلم أجد الا أن أعد لهم طبق الفول وطبق البيض فهذا ما أجيده! فضحكا معا قائلين : تمام هات ما عندك..هل كنا متصورين أن لديك أكثر من ذلك؟!
كان يوسف سلامة رغم أنه كان كفيفاً يمتلك من خفة الروح وعمق البصيرة ما جعل شقته فى المهندسين قبلة لكل الأساتذة والباحثين العرب يلجأ إليه الجميع وتهفو قلوبهم قبل عقولهم للقاء معه! وكم كنت أقول له: شقتك هذه وأريحيتك تلك هزمت الجامعة العربية! فقد كان شديد الكرم وكثير الاحتفاء بكل الضيوف من عرب وأجانب !
لقد عرف يوماً أننى سأصحب الطلاب فى أسرتى الجامعية فى رحلة الى الأقصر وأسوان ووجدته يذهب للطالب المسئول عن الرحلة ويدفع الاشتراك لنزور معاً تلك المنطقة التى كان يعلم مدى عشقى لها لحبى للفكر والحضارة المصرية القديمة. وكما واجهنا فى هذه الرحلة من أهوال؛ حيث تشاجر الطلاب معاً فى أحد شوارع أسوان وسطوا على أحد محال الجزارة وأخذوا السكاكين فقضينا بقية اليوم والليلة فى قسم الشرطة لفض الاشتباك والحيلولة دون أن يحتجز البوليس الطلاب! ولما ذهبنا الى الفندق بعد أن فككنا أسر الطلاب وجدنا إحدى الطالبات تشكو أنها قد سرقت! فقلت لها يا ابنتى: لا يمكن أن يكون قد فعلها كما تدعين أحد العاملين بالفندق، فأهل أسوان معروفون بالأمانة والصدق!! فأدرك يوسف بحدسه الجميل أن إحدى زميلاتها هى الفاعلة ولكيلا تتصاعد المشكلة قرر يوسف أن يدفع لها ما فقدته وانتهت المشكلة! وظللنا طوال طريق العودة فى حالة من الضحك على ما حدث لنا لدرجة أننا كنا نظل جالسين طوال الليل فى طرقة الفندق بين حجرات الطلاب والطالبات حتى لا يحدث تحرش أو مشكلة بينهم! لقد ذهبنا للاستمتاع والراحة فاذا بنا لا نجدهما!
وهكذا أيضاً حلمنا بأن نلتقى فى مصر أو أوروبا من خلال زيارة مركز الدراسات الذى أسسه فى السويد ومجلة قلمون التى كان يرأس تحريرها أو بمشاركته فى المؤتمر السنوى للجمعية الفلسفية المصرية، لكن لم تسمح لنا تعقيدات الحصول على التأشيرات! لعنة الله على من اخترعها وجعلها حائلاً بين أن يزور البشر بعضهم البعض!
لكم عانيت يا يوسف طوال حياتك ومع ذلك لم تفقد يوماً ابتسامتك ولا شغفك بالحياة ولا حماسك للدفاع عن أفكارك وقضية شعبك فى فلسطين وسوريا، فنم قرير العين اذ اشتعلت المقاومة فى الأرض المحتلة وصرنا فى الأمتار الأخيرة لتحرير القدس ان شاء الله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل التى کان
إقرأ أيضاً:
فى الذكرى الخامسة لرحيله.. محمود يس حدوتة فنية
تحل اليوم الذكرى الخامسة لرحيل الفنان الكبير والتقدير محمود يس هذا الفنان الذى يعتبر بلا شك علامة مضيئة فى تاريخ السينما المصرية قدم للسينما أكثر من ١٦٠ فيلمًا على مدى أكثر من نصف قرن، محمود يس لم يكن أبدًا فنانًا عاديًا برع فى تجسيد كافة الشخصيات استحق لقب جان السينما منذ مطلع السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات برع فى السينما والمسرح والتليفزيون، شاء القدر أن يرحل فى شهر النصر والعبور، وهو الفنان الذى عبر عن النصر العظيم فى العديد من الأفلام، لسنا بصدد عرض تاريخ محمود يس، ولكننا نؤكد أنه كان فنانًا من العيار الثقيل جدًا، برع فى دور الجندى والضابط والمحامى والطبيب والمهندس والموظف المرتشى وتاجر المخدرات حتى دور جامع القمامة فى فيلم "انتبهوا أيها السادة" عام ١٩٧٨ وحتى "العربجى" ولا ننسى براعته فى تجسيد الأدوار الرومانسية فى العديد من الأفلام، وكون مع الفنانه نجلاء فتحى ثنائيًا رائعًا فى هذا المجال لا ننسى براعته فى تجسيد شخصية تاجر المخدرات فى فيلم "الباطنية" عام ١٩٨٠ الفنان الراحل كان سعيد الحظ فى الوقوف أمام كبار النجمات وهو فى بداية مشواره، أمام شادية فى "نحن لا نزرع الشوك" وفاتن حمامة فى "الخيط الرفيع" وماجدة فى فيلم "أنف وثلاث عيون".
الفنان الراحل كان غزير الإبداع، ربما هناك العديد من الأفلام تألق فيها ولا تعرض كثيرًا منها "الكداب"، "سنة أولى حب"، "رجل بمعنى الكلمة"، "شقة فى وسط البلد"، "موعد مع القدر"، "لا يا من كنت حبيبى".
الفنان الراحل برع كثيرًا فى تجسيد شخصية ضابط المخابرات فى فيلم "الصعود إلى الهاوية" عام ١٩٧٦، وجملته الشهيرة دى مصر يا عبلة، ربما لا يعلم الكثيرون أن محمود يس جسد شخصية الرئيس الراحل أنور السادات فى المسلسل الإذاعى "البحث عن الذات" الذى أذيع على شبكة البرنامج العام فى شهر مايو من عام ١٩٨١.
محمود يس كان الفنان الشاب الوحيد الذى تم تكريمه فى أول عيد للفن من الرئيس الراحل أنور السادات عام ١٩٧٦، من الصعب للغاية حصر إبداعات الفنان الراحل، من ينسى دور الزوج المخدوع فى فيلمى "وما زال التحقيق مستمرًا" و"الجلسة سرية" ودوره الخالد فى فيلم "الرصاصة لا تزال فى جيبى".
الفنان الراحل استطاع التعبير عن الشخصية المصرية الأصيلة فى العديد من أعماله الفنية المختلفة، من ينسى إبداعه فى أفلام الشريدة وسونيا والمجنون و"اذكرينى" و"أفواه وأرانب" مع سيدة الشاشة فاتن حمامة إبداعه لم يتوقف فى عالم السينما حتى بعد تقدمه فى العمر وتألق بشدة فى فيلم "الجزيرة". الفنان الراحل كان نجمًا تليفزيونيًا من الطراز الرفيع قدم العديد من المسلسلات الرائعة الناجحة التى حققت نجاحًا كبيرًا نذكر منها "الدوامة" و"أخو البنات" و"غدًا تتفتح الزهور" و"أبوحنيفة النعمان" و"اللقاء الثانى" و"سوق العصر"، ولا ننسى براعته فى تجسيد شخصية أمير الشعراء أحمد شوقى فى مسلسل تناول مشوار حياة أمير الشعراء الفنان الراحل كانت له أياد بيضاء على المسرح المصرى، حيث إنه بدأ مشواره الفنى فى المسرح وشارك فى مسرحية "ليلة مصرع جيفارا" عام ١٩٦٤ تولى منصب مدير المسرح القومى وشهد المسرح القومى على يديه العديد من الإنجازات قبل كل هذا محمود يس كان إنسانًا من الطراز الرفيع، أسعدنى الحظ أن أكون قريبًا منه لعدة سنوات كان إنسانًا شديد التواضع مثقفًا لاعبًا بدرجة متحدث لبق معلومات غزيرة فى كل شيء كان شديد الأدب تعلمت منه كيف يكون الإنسان، لم يقترب منه الغرور فى أى لحظة من حياته، رغم نجوميته الطاغية التى تجاوزت نصف قرن من الزمان، كان فنانًا متكاملًا، كان يتمتع بصوت معبر للغاية حتى إنه شارك المطربة الراحلة وردة فن أنشودة مصر عام ١٩٨٠، حيث كان يلقى شعر شوقى وسط الأغنية، كما غنى فى مسلسل "غدًا تتفتح الزهور" مع سميرة أحمد أغنية "حلوة يا زوبة" كان بحق فنانًا أصيلًا وشاملًا.
من ينسى دوره فى فيلم "بدور" عامل المجارى الذى يتحول لبطل مغوار فى حرب أكتوبر المجيدة، اليوم نحتفل بذكرى رحيل فنان أصيل موهوب بمعنى الكلمة، أحد رموز زمن السينما الجميل، فنان عبر عن شخصية الإنسان المصرى الحقيقى، فنان حافظ على مكانته أكثر من نصف قرن من الزمان الفنان الذى تمتع بحب جل من عرفه أو اقترب منه.
أعتبر محمود يس نموذجًا حقيقيًا للفنان المصرى بل قدوة لأى فنان شاب مهما تحدثنا عنه لن نعطيه إنه الفنان الذى حظى بحب الملايين عبر الأجيال المختلفة، رحم الله الفنان الكبير محمود يس الذى رحل عن دنيانا يوم ١٤ أكتوبر عام ٢٠٢٠ عن عمر ناهز ٧٩ عامًا، شاء القدر أن يرحل فى شهر النصر، وهو أكثر فنان عبر عن النصر العظيم، تمر السنوات ويبقى محمود يس فنانًا يسكن وجدان الملايين.