بوابة الوفد:
2024-06-03@00:14:32 GMT

وداعا هيجل الشرق.. يوسف سلامه !

تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT

رحل فى الرابع من مارس 2024م عن دنيانا الفانية أحد أساتذة الفلسفة العظام الذين أصنفهم بالأساتذة أصحاب الرسالة لأنهم ينيرون لمجتمعاتهم الطريق الى المستقبل ويظلون على إخلاصهم لرسالتهم التنويرية دون كلل أو ملل، ويسخرون حياتهم بكل أريحية وبدون صخب لهذه الرسالة أياً كان موقعهم وأياً كانت المصاعب والظروف التى تواجههم !
وهكذا كان د.

يوسف سلامة أستاذ الفلسفة الفلسطينى– السورى الذى عاش حياته بين فلسطين وسوريا ومصر واستقر به المقام مؤخراً فى مهجره الأخير بدولة السويد! لقد عرفته منذ حضوره إلى القاهرة مبتعثاً للحصول على الدكتوراه التى كانت بإشراف د. حسن حنفى، وكم كان التوافق بين الأستاذ والتلميذ، فقد كانا من محبى هذا الفيلسوف الألمانى صعب المراس صاحب أكثر المذاهب الفلسفية تأثيراً فى تاريخ الفلسفة بعد أرسطو. وقد تميز يوسف من بين تلاميذ حسن حنفى بالإصرار على مواصلة مشروعه للحصول على الدرجة العلمية رغم المشاكسات والصعوبات التى كان دائماً ما يضعها الأستاذ أمام تلاميذه ليختبر صلابتهم ومدى شغفهم بالبحث الفلسفى وتدريبهم على الكتابة الفلسفية متجاوزين درجة الانبهار بما يكتبه الآخرون حتى لو كان الفيلسوف الذى تخصصوا فى دراسته، فهم ليسوا أقل من هذا الفيلسوف عقلاً وعليهم دائماً أن يرتفعوا لمكانته ويعبروا عن رؤيتهم النقدية له! وكم كان يوسف يشكو لى قائلاً «هو حسن حنفى عايز منى ايه بعد عشر سنوات قضيتها مع هيجل! وبعد أن قدمت له حسب توجيهاته أكثر من خمسمائة صفحة عن موضوعى مفهوم السلب عند هيجل؟!»، فكنت أرد عليه «يا صديقى انه يريدك هيجل جديداً!!».
وإن نسيت فلا أنسى ذلك اليوم الذى جلسنا معاً فى شقتى المتواضعة بالهرم نتناقش ونتبادل الهموم، فهو كان يكتب عن هيجل أعظم فلاسفة أوروبا وأنا أكتب عن أرسطو أعظم فلاسفة اليونان فى نهار رمضان الذى لحقنا فيه وقبل الإفطار مباشرة أستاذ الأدب الانجليزى الشهير د.فخرى قسطندى، حيث اقترب وقت الإفطار فحاولت أن أدعوهم للذهاب لأى مطعم قريب لنفطر وكنت أعلم أن د. فخرى يصوم معنا رمضان فقالا: لم يعد هناك وقت!! فلم أجد الا أن أعد لهم طبق الفول وطبق البيض فهذا ما أجيده! فضحكا معا قائلين : تمام هات ما عندك..هل كنا متصورين أن لديك أكثر من ذلك؟! 
كان يوسف سلامة رغم أنه كان كفيفاً يمتلك من خفة الروح وعمق البصيرة ما جعل شقته فى المهندسين قبلة لكل الأساتذة والباحثين العرب يلجأ إليه الجميع وتهفو قلوبهم قبل عقولهم للقاء معه! وكم كنت أقول له: شقتك هذه وأريحيتك تلك هزمت الجامعة العربية! فقد كان شديد الكرم وكثير الاحتفاء بكل الضيوف من عرب وأجانب !
لقد عرف يوماً أننى سأصحب الطلاب فى أسرتى الجامعية فى رحلة الى الأقصر وأسوان ووجدته يذهب للطالب المسئول عن الرحلة ويدفع الاشتراك لنزور معاً تلك المنطقة التى كان يعلم مدى عشقى لها لحبى للفكر والحضارة المصرية القديمة. وكما واجهنا فى هذه الرحلة من أهوال؛ حيث تشاجر الطلاب معاً فى أحد شوارع أسوان وسطوا على أحد محال الجزارة وأخذوا السكاكين فقضينا بقية اليوم والليلة فى قسم الشرطة لفض الاشتباك والحيلولة دون أن يحتجز البوليس الطلاب! ولما ذهبنا الى الفندق بعد أن فككنا أسر الطلاب وجدنا إحدى الطالبات تشكو أنها قد سرقت! فقلت لها يا ابنتى: لا يمكن أن يكون قد فعلها كما تدعين أحد العاملين بالفندق، فأهل أسوان معروفون بالأمانة والصدق!! فأدرك يوسف بحدسه الجميل أن إحدى زميلاتها هى الفاعلة ولكيلا تتصاعد المشكلة قرر يوسف أن يدفع لها ما فقدته وانتهت المشكلة! وظللنا طوال طريق العودة فى حالة من الضحك على ما حدث لنا لدرجة أننا كنا نظل جالسين طوال الليل فى طرقة الفندق بين حجرات الطلاب والطالبات حتى لا يحدث تحرش أو مشكلة بينهم! لقد ذهبنا للاستمتاع والراحة فاذا بنا لا نجدهما! 
وهكذا أيضاً حلمنا بأن نلتقى فى مصر أو أوروبا من خلال زيارة مركز الدراسات الذى أسسه فى السويد ومجلة قلمون التى كان يرأس تحريرها أو بمشاركته فى المؤتمر السنوى للجمعية الفلسفية المصرية، لكن لم تسمح لنا تعقيدات الحصول على التأشيرات! لعنة الله على من اخترعها وجعلها حائلاً بين أن يزور البشر بعضهم البعض! 
لكم عانيت يا يوسف طوال حياتك ومع ذلك لم تفقد يوماً ابتسامتك ولا شغفك بالحياة ولا حماسك للدفاع عن أفكارك وقضية شعبك فى فلسطين وسوريا، فنم قرير العين اذ اشتعلت المقاومة فى الأرض المحتلة وصرنا فى الأمتار الأخيرة لتحرير القدس ان شاء الله.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نحو المستقبل التى کان

إقرأ أيضاً:

قطار كامل الوزير يجدد شباب السكة الحديد

فى يقينى أن أفضل وسيلة للتغلب على الصعاب هو اقتحامها، ولمن لا يعلم فإنه منذ ما يقارب 180 سنة تم مد أول خط سكك حديد فى مصر، تحمل عقول المصريين وقلوبهم ذكريات من استقلوها ذهاباً وإياباً مسافرين ومودعين، فهى رافد مهم جداً ساهم فى تطوير حياة المصريين لعقود من الزمن مما يعكس أهمية كبرى لهذا المرفق العام والحيوى، وأرى أن السكة الحديد هى تجسيد لواقع مصر يبزغ نوره فترة ويخفت فترات وباتت تنتظر من يتغلب على الصعاب ويجدد لها شبابها.

وشاء القدر أن يقوم على رأس منظومة النقل فى مصر قائد جسور هو الفريق كامل الوزير، الذى اتخذ قرارات جذرية كانت لها مفعول السحر فى القضاء على البيروقراطية وحققت نجاحات لا يتخيلها أحد فلقد تحققت خلال الفترة من (2014 - 2024) إنجازات ومشروعات بتكلفة إجمالية 2 تريليون جنيه، تمت خلال التسع سنوات الماضية، وذلك وفى إطار الخطة الشاملة لتطوير وتحديث عناصر منظومة النقل (طرق وكبارى – سكك حديدية – الأنفاق والقطار الكهربائى – الموانئ البحرية – الموانئ البرية والجافة والمناطق اللوجيستية – النقل النهرى).

ينظر مجلس النواب فى جدول أعماله لجلسات هذا الأسبوع عددا من القضايا المهمة، على رأسها نظر قرار رئيس الجمهورية رقم ٣٤ لسنة ٢٠٢٤ بشأن الموافقة على اتفاق التسهيلات الائتمانية بين حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة إسبانيا لتوريد عدد ٧ قطارات نوم فاخرة من شركة «تالجو»، قيمة هذا القرض أو التسهيلات الائتمانية 200 مليون يورو تسدد على 40 عاما مع إعفاء لمدة 10 سنوات.

اعتقد أن هناك قطارات النوم العاملة فى مصر لا تتخطى عددها صوابع الأيدى الواحدة، هرمت وشاخت، وتستحق أن توضع فى متحف السكك الحديد لا لشىء ولكن تكريماً لها على خدمة المصريين على طول خط السكة الحديد لمدة تزيد على 50 عاما تم تجديدها وإعادة هيكلتها أكثر من مرة.

تستحق مصر الكثير والكثير فكما قفزت الدولة المصرية إلى مواكبة التحديث والتطوير، نحتاج إلى أن تساير مرافق الدولة ركب التقدم، لأن قطار التطوير والإنجازات (قطار كامل الوزير) قد انطلق ولن ينتظر أحدا، ولا مكان لأى فكر لا يريد الخير لمصر ولا يريد التطوير، فإن من يريد أن تظل وتستمر البيروقراطية عنوان العمل فى هذا المرفق المهم لن يستقل هذا القطار، لأن السكة الحديد فى مصر هى شريان الحياة بين الأقاليم المصرية.

قرأت الاتفاقية التى وردت إلى لجنة النقل بالبرلمان، ووجدت أنها جديرة بالاحترام وتستحق التنفيذ الفورى لتبدأ الأيادى المصرية فى مشاركة المجموعة الإسبانية فى تصنيع 7 قطارات نوم ستغير وجه الحياة وتسهل حياة المصريين والسياح الراغبين فى زيارة الأقصر وأسوان، وستكون لها دلالات إيجابية كبيرة لنلحق بركاب التقدم الذى ننشده جميعاً.

تناولى لهذا الموضوع من باب المسئولية الوطنية التى تحتم علىَّ إسناد الفضل لأهله، ولرجل يستحق من مصر الكثير هو الفريق كامل الوزير الذى يستحق أن نقيم له تمثالا فى محطة مصر الجديدة لما أحدثه من تغييرات ساهمت فى تذليل حياة المصريين فى رحالهم وترحالهم، تحية واجبة للفريق كامل الوزير قطار الإنجازات، الذى يسير بأقصى سرعة للوصول إلى محطة الإنجاز التى طالما حلمنا بها.

وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية.

 

المحامى بالنقض 

عضو مجلس الشيوخ

 

مقالات مشابهة

  • عن "أحوال" الصحة
  • طريق الأمل!!
  • الإخوان الإرهابية ومسيرة التلون والتواطؤ (١٤٢)
  • ذكرى دخول العائلة المقدسة أرض مصر ‏
  • رغيف الفقير
  • قطار كامل الوزير يجدد شباب السكة الحديد
  • دفتر أحوال وطن «٢٧٣»
  • حين تعوض السياسة فشل الحرب
  • أيادٍ تتحدى الموجة الحارة ولهيب النار سعيا وراء الرزق (ملف خاص)
  • 150 شخصية روائية مصرية.. مصطفى بيومي يكتب: جمال الغيطاني..  حسن أنور من «وقائع حارة الزعفراني» «٢»