القدس ـ (أ ف ب) – رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتانياهو سياسي محنّك يهيمن منذ تسعينات القرن الماضي على المشهد السياسي في الدولة العبرية التي تشهد اليوم انقساما مجتمعيا هو الأكثر تعقيدا منذ عقود. يقدّم نتانياهو أو “بيبي” كما يلقبّه أتباعه في حزب الليكود، نفسه على أنه المدافع عن الشعب اليهودي، ويقول إن ذلك يمثل “مهمة حياته” ضد التهديدات التي تواجهها بلاده من العرب أو العدو اللدود المتمثّل بإيران.

أما بالنسبة لمعارضيه فهو “وزير الجريمة” الذي يقود البلاد في وقت يحاكم فيه بتهم تتعلق بالفساد ينفيها. ويتطلّع نتانياهو اليوم إلى تصويت البرلمان على خطة إصلاحية للقضاء يريدها بقوة لكن منتقديها يقولون إنها تقوّض الديموقراطية. ويبدأ النقاش في البرلمان بعد ظهر الأحد فيما نتانياهو في المستشفى بعد أن خضع قبل ساعات لجراحة لزرع جهاز ينظّم ضربات القلب حالت دون تمكنه من ترؤس جلسة مجلس الوزراء اليوم. قضى نتانياهو (73 عاما) ذو الشعر الأبيض المائل إلى الفضي ما مجموعه 15 عاما كرئيس للوزراء، وهي أطول مدة لزعيم إسرائيلي في منصبه. في ظل حكمه، توقفت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي بدأت في تسعينات القرن الماضي تقريبا، في مقابل ازدياد النشاط الاستيطاني بشكل ملفت ما جعل تحقيق حلم الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية حلما بعيدا. في كانون الأول/ديسمبر، عاد نتانياهو إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية بدعم أحزاب يمينية متشددة. وفي ظل حكومته التي يُنظر إليها على أنها الأكثر يمينية وتطرفا، يشهد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني فصلا من العنف منذ أشهر مع عمليات عسكرية إسرائيلية كبيرة في الضفة الغربية وتبادل إطلاق قصف وصواريخ مع قطاع غزة. داخليا، يشهد المجتمع الإسرائيلي اهتزازات مع خروج احتجاجات أسبوعية حاشدة إلى الشوارع ضد خطة الإصلاح القضائي التي يطرحها نتانياهو والتي حذّر البعض من تداعياتها بما يشبه “الحرب الأهلية” في الدولة التي يبلغ عمرها 75 عاما. وتسبّبت سياسات نتانياهو بتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة، الحليف الأقوى للبلاد، إذ انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن مرارا الخطة وكذلك التوسّع الاستيطاني. – مقتل شقيقه – ولد نتانياهو في 21 تشرين الأول/أكتوبر 1949 في تل أبيب، وورث عن والده المؤرخ عقيدة متشددة، إذ كان الأخير المساعد الشخصي لزئيف جابوتنسكي، زعيم تيار صهيوني يقدّم نفسه على أنه “تصحيحي” ويسعى الى تأسيس “إسرائيل الكبرى”. في العام 1976، كان شقيقه يوناتان الجندي الإسرائيلي الوحيد الذي قتل أثناء مشاركته في عملية عسكرية نفذتها وحدة كان يشرف عليها لتحرير رهائن محتجزين في طائرة خطفتها منظمتان فلسطينية وألمانية في أوغندا. في مذكراته التي نشرها العام الجاري، قال إنه “لن يتعافى أبدا” من مقتل شقيقه. ويضيف “عندما وصلني خبر وفاة يوني في عنتيبي، شعرت وكأن حياتي قد انتهت”. نشأ نتانياهو في جزء من حياته في الولايات المتحدة، وتخرّج من معهد ماساتشوستس العريق للتكنولوجيا. بفضل طلاقته باللغة الانكليزية، ركّزت القنوات التلفزيونية الأميركية عليه أثناء كلامه عن إسرائيل بين أواخر ثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي، وهو ما ساهم في صعود نجمه كشخصية سياسية على الصعيدين المحلي والدولي. في الثمانينات، شغل منصبا دبلوماسيا في سفارة بلاده في واشنطن. تولّى نتانياهو الذي لطالما شكّك في اتفاقيات أوسلو للسلام، زعامة حزب الليكود العام 1993، وفاز في الانتخابات العام 1996، ليكون أصغر رئيس وزراء لإسرائيل سنا، عندما كان يبلغ من العمر 46 عاما. خسر السلطة سنة 1999، لكنه استعادها بعد عشر سنوات ليبقى على رأسها حتى العام 2021. لدى نتانياهو ابنان من زوجته سارة وابنة من زواج سابق. – “عش الإرهابيين” – لم ينخرط نتانياهو في محادثات سلام فعلية مع الفلسطينيين خلال فترة حكمه، بل ساهم في دفن عملية السلام مع الفلسطينيين، وارتفع عدد المستوطنات في الضفة الغربية خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة خمسين في المئة. فبات عدد المستوطنين نحو 490 ألفا يعيشون وسط 2,8 مليون فلسطيني. أعطت حكومته الحالية خلال الأشهر القليلة الماضية ضوءا أخضر لمزيد من العمليات العسكرية ضد معاقل النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وخصوصا في مدينة جنين (شمال) التي وصفها نتانياهو مؤخرا بأنها “عشّ الإرهابيين”. في السياسة الخارجية، ركّز نتانياهو على إيران وبرنامجها النووي والمجموعات المتحالفة معها مثل حزب الله اللبناني. وشهد العام 2020 نجاح نتانياهو في إبرام أربع اتفاقات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، ونجح أيضا في إخراج البلاد من الإغلاق بعدما أطلق حملة تطعيم طموحة ضد فيروس كورونا. ورغم تقدمه في السن واتهامات الفساد الموجهة اليه من القضاء وقلة عدد الأصوات التي حصدها في الانتخابات الأربع الماضية، يبقى طموحه الى السلطة على ما هو عليه. وجاء في مذكراته “كجندي، كافحتُ للدفاع عن إسرائيل في ساحات القتال، وبصفتي دبلوماسيا صدّيت الهجمات على شرعيتها في المحافل الدولية، وبصفتي وزير مالية سعيت إلى مضاعفة قوتها الاقتصادية والسياسية بين الدول”. وكتب “ساعدت في تأمين مستقبل لشعبي القديم”.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

إدوارد سعيد يقرأ بنيامين نتنياهو

وسط الجريمة المستمرة والمعلنة التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وسط الانحطاط الإنساني وانعدام الأخلاق الفج، يهمنا استعادة ما قاله المفكر الأمريكي الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد عن بنيامين نتنياهو، ذلك لأن تراث المبدعين يبصرنا بحاضرنا وحياتنا أكثر، خاصة حين تدلهم الظلمة ويبدو ألا مخرج.

نبدأ باللقاءات المباشرة التي جمعت بين الرجلين، ولترتيب الأفكار نبدأ بالعكس من اللقاء الأخير بينهما، وهي صدفة جمعت الرجلين، وننقل هنا من كتاب إدوارد سعيد نهاية عملية السلام، دار الآداب، ط٢، ٢٠١٥م: «المرة الأخيرة التي رأيته فيها، ١٩٨٨، كنت أجلس في طائرة عندما دخل مسرعًا ولم يرني.. وقضى الساعة الأولى يتصفح أعدادًا قديمة من التايم والنيوزويك، ورآني عندما عاد من الحمام، وتجمّد وجهه، ودعا المضيفة فورًا وطلب تغيير مقعده، وهذا ما حدث فورًا، فعلق مسؤول كبير في الأمم المتحدة: «السيد السفير يبدو خائفًا منك».

كان بنيامين نتنياهو آنذاك سفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وإضافة لهذه الحادثة هناك حادثة أخرى تؤكد الخوف الذي يشير إليه تعليق مسؤول الأمم المتحدة، وتلك الحادثة يرويها إدوارد سعيد نفسه في مقابلة تلفزيونية مسجلة معه، ولم يوردها في الكتاب، وهي تلقي ضوءًا أكثر على الموقف، وملخص القصة أن إحدى القنوات الأمريكية طلبت من إدوارد سعيد إجراء مناظرة مع نتنياهو، السفير الإسرائيلي في أمريكا كما أسلفنا، وطلب نتنياهو قبل المقابلة ليس فقط ألا يتحدث مباشرة مع إدوارد سعيد، وألا تجمعهما غرفة واحدة، بل أن يكون في مبنى آخر، وحين سأله المذيع أثناء الحلقة: سعادة السفير لماذا ترفض الحديث مع البروفيسور سعيد؟ فأجاب مباشرة «لأنه يريد قتلي»، وقد تبدو إجابته مثيرة للسخرية لأول وهلة، لكنها تكشف مقدار الحس الإجرامي لدى نتنياهو الذي يجعله يهلع من الاقتراب من الفلسطيني.

اسم بنيامين هو بمعنى ابن اليمين كما في العربية، والمراد أنه من أهل اليمين كما لدينا في الثقافة الإسلامية، أما نتنياهو فأقرب ترجمة لها هي عطية الله أو هبة الله، وهذا الاسم (الديني) له دلالة الجذور التي يأتينا منها نتنياهو كنسل مباشر للصهيونية المتطرفة بما هو ابن أحد منظريها كما هو معروف، وهو ما يلمح إليه إدوارد سعيد في موضع آخر من كتابه: «أنا مقتنع بأن لا خيار لنا الآن سوى العودة إلى خطاب المظلومين وأن نستخدم ما يفعله نتنياهو بنا فرصةً لتسليط الضوء على العلاقة المباشرة بين سياساته وتاريخ السياسات الصهيونية تجاه الفلسطينيين. لأنه ينحدر مباشرة من ذلك الخط من المنظرين الصهاينة الذين أعلنوا دومًا أن حقوق اليهود تعلو على حقوق الفلسطينيين.»

في الخامس من سبتمبر المقبل تحل ذكرى رحيل إدوارد سعيد الـ 20، وقد كتب إدوارد سعيد كلماته قبل هذه الجريمة التي يواصل نتنياهو ارتكابها اليوم بثلاثة عقود من الزمن تقريبًا، لكن للصدفة القدرية المحضة في عالمنا المعاصر يكون إدوارد سعيد هو من يذكرنا بالطريق الذي قد يبدو مسدودًا ومنغلقًا، بفعل كل الأخبار المتصلة التي تحاصرنا بالمآسي والكوارث والجرائم والإبادة التي يمارسها نتنياهو وحكومته ضد الفلسطينيين في غزة وفي عموم فلسطين:

«نحتاج أن نذكر أنفسنا بأن الصراعات السياسية هي دائمًا صراعات إرادة، يحاول طرف أن يقنع الطرف الآخر أن يستسلم، أن يفقد الإرادة في المقاومة ومواصلة الكفاح، وهذا ليس شأنًا عسكريًا بل هو شأن سياسي ومعنوي.»

إن هذه الآلة الحربية الإسرائيلية الغاشمة بكل تقنياتها وتفننها في الإجرام ضد الإنسانية عبر القتل والاستهداف والمجازر تسعى فعليًا كي يتعالى الصراخ، ويتصل النواح، حتى تزرع اليأس المطبق داخل المقهورين، فتلك غايتها المباشرة، وإذا كان منطق نتنياهو ونظرته القاصرة هي من يواصل إنتاج وتصدير هذه المآسي والجرائم للعالم، فمن الجهل الانسياق خلفه، لأنه ليس أكثر من جندي تقني كما وصفه إدوارد سعيد: «نتنياهو تقني على الطراز الأمريكي، أي أنه إداري وأيضًا جندي أيديولوجي، ويحمل أفكارًا عن اسرائيل والعالم لا يمكن وصفها إلا بأنها بسيطة إلى درجة الفجاجة»

لعل من غرائب عالمنا المعاصر أن يكون لمثل هذه السطحية وضيق النظرة كل هذا الشأن والأثر العالمي اليوم، لكن ذلك ليس بفعل مآثرها ومجدها وانتصاراتها كما لعلها تزعم لنفسها، بل بفعل انحطاطها المثبت، والواقع أن أغلب مجرمي الحروب هم في دواخلهم بمثل هذه السطحية والأيدلوجية والفجاجة، التي يفصح لنا إدوارد سعيد على المزيد من جوانبها، بما يلقي الضوء حتى على مباحثات الهدنة المزعومة الجارية التي ما زالت تفشل: « (من) الاستحالة الدخول في أي نوع من التباحث معه، عندما كنا نطرح قضايا رئيسية مثل حقوق الإنسان وحق المقاومة والصراع من أجل العدالة، تلخص موقف نتانياهو وقتذاك في تكرار ممل لحفنة من العبارات الجاهزة عن أمن إسرائيل، والحاجة إلى مقاومة الإرهاب، ثم مرارًا وتكرارًا- أهمية دحر الإرهاب.»

إن (دحر الإرهاب) هذا هو كل ما يراه نتنياهو، مع أن هذا الدحر المزعوم لم يتحقق حتى اللحظة والساعة، وما زالت حركة حماس هي المفاوض الرئيسي الذي يرد عليه، ولنا أن نتساءل ما حجم الثمن المطلوب الذي يريد نتنياهو من الفلسطينيين والعرب أن يدفعوه كي يحقق ما يدعوه بـ (أمن إسرائيل)؟ كم مزيدًا من القتلى والأطفال والنساء والمستشفيات والمدارس والرضع والجوعى والمخيمات والتهجير والحصار والنكبات والنكسات؟ ويجيبنا إدوارد سعيد: «نتنياهو أو بيريز لا يهمه الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون شعبًا نتيجة أعمال إسرائيل، الفرق هو أن بيريز يريد إقناع العرب وغيرهم أخلاقيًا بمواقفه. في حين لا يهتم نتنياهو بما يفكر به الآخرون.. ويريد سيطرة مباشرة، ويريد للكل أن يروا المستوطنين والجنود الإسرائيليين وهم يغزون ويحتلون المناطق الفلسطينية.» هل نقول أن إدوارد سعيد كان يرى من وراء الغيب؟ لأن هذا ما يفعله نتنياهو اليوم فعلًا حين يجعل «الكل» يرون بأم أعينهم ما يقوم به المستوطنون والجنود الإسرائيليون اليوم.

إن الأثمان التي دفعها الفلسطينيون خلال نضالهم الطويل ضد ضيق الأفق الصهيوني، وخاصة أهل غزة اليوم هي بلا شك أثمان باهضة، لكن الواقع أن كل تلك الأثمان العظيمة والغالية إنما بذلت كي تتجنب الانصياع لهذه الفجاجة والسطحية والرثاثة الإنسانية التي تسفر عنها الحكومة الإسرائيلية اليوم بكل جلاء، وما هذه القوة الساحقة التي سعت إسرائيل لامتلاكها إلا لتحقيق غايات بائسة ولا أدل على ذلك البؤس من موقفها اليوم بكل أسلحتها وآخر تقنياتها أمام أهل غزة الجوعى المحاصرين. فإذا كان هذا هو الهدف وهذه هي الغاية فإنهما لا يدللان على المعدن الروحي والفكري لمن يديرون المشهد، مشهد البؤس الذي تكبر جريمته وتتضخم كل يوم، أمام أعين العالم أجمع، ولم يعد بالإمكان، بأي وسيلة مهما بلغت، دفن الجريمة نفسها تحت التراب والركام والتضليل.

إن نتنياهو من حيث لا يشعر لقصر نظره وسطحيته إنما يعمل بالعكس على فضح حقيقة الصهيونية وانحطاطها أمام العالم بأسره، وفضح كل داعميها كذلك، ولا يقدم في كل ما فعله وتفعله قواته حتى اليوم غير تأكيد ذلك البؤس والانحطاط بالأدلة والإثباتات الحية، حتى أصبحت الحقيقة جلية للعالم بأسره شرقًا وغربًا، وهذه الحقيقة اسمها فلسطين، وأبطالها هم أهلها، الذين ما زالوا يقاومون بكل ما يملكون الانحطاط الأخلاقي والإنساني المريع للصهيونية ودولتها الإسرائيلية، ولا أدل من أن رئيس حكومة إسرائيل اليوم، بنيامين نتنياهو نفسه، ليس أكثر من مجرم حرب مطلوب للقبض دوليًا.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية بريطانيا: هدن إسرائيل الإنسانية لا تكفي لتخفيف معاناة الفلسطينيين في غزة
  • بريطانيا: هدن إسرائيل غير كافية لتخفيف معاناة الفلسطينيين
  • عاجل | الوكالة الوطنية للأمن في هولندا: إدراج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • هولندا تدرج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • قائد توتنهام سون هيونغ يدعم الفلسطينيين ضد التجويع الإسرائيلي
  • الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جنديين اثنين في جنوب قطاع غزة
  • إدوارد سعيد يقرأ بنيامين نتنياهو
  • الجثث المُحتجزة ومقابر الأرقام.. إسرائيل ترتهن جثامين الفلسطينيين
  • بعد قرار الضم من قبل الكنيست الإسرائيلي.. غضب في الضفة الغربية: جزء من أهداف الحرب على الفلسطينيين
  • الاحتلال الإسرائيلي يجدد مساعيه لتهجير الفلسطينيين إلى دول منها ليبيا