إدوارد سعيد يقرأ بنيامين نتنياهو
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
وسط الجريمة المستمرة والمعلنة التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وسط الانحطاط الإنساني وانعدام الأخلاق الفج، يهمنا استعادة ما قاله المفكر الأمريكي الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد عن بنيامين نتنياهو، ذلك لأن تراث المبدعين يبصرنا بحاضرنا وحياتنا أكثر، خاصة حين تدلهم الظلمة ويبدو ألا مخرج.
نبدأ باللقاءات المباشرة التي جمعت بين الرجلين، ولترتيب الأفكار نبدأ بالعكس من اللقاء الأخير بينهما، وهي صدفة جمعت الرجلين، وننقل هنا من كتاب إدوارد سعيد نهاية عملية السلام، دار الآداب، ط٢، ٢٠١٥م: «المرة الأخيرة التي رأيته فيها، ١٩٨٨، كنت أجلس في طائرة عندما دخل مسرعًا ولم يرني.
كان بنيامين نتنياهو آنذاك سفير إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وإضافة لهذه الحادثة هناك حادثة أخرى تؤكد الخوف الذي يشير إليه تعليق مسؤول الأمم المتحدة، وتلك الحادثة يرويها إدوارد سعيد نفسه في مقابلة تلفزيونية مسجلة معه، ولم يوردها في الكتاب، وهي تلقي ضوءًا أكثر على الموقف، وملخص القصة أن إحدى القنوات الأمريكية طلبت من إدوارد سعيد إجراء مناظرة مع نتنياهو، السفير الإسرائيلي في أمريكا كما أسلفنا، وطلب نتنياهو قبل المقابلة ليس فقط ألا يتحدث مباشرة مع إدوارد سعيد، وألا تجمعهما غرفة واحدة، بل أن يكون في مبنى آخر، وحين سأله المذيع أثناء الحلقة: سعادة السفير لماذا ترفض الحديث مع البروفيسور سعيد؟ فأجاب مباشرة «لأنه يريد قتلي»، وقد تبدو إجابته مثيرة للسخرية لأول وهلة، لكنها تكشف مقدار الحس الإجرامي لدى نتنياهو الذي يجعله يهلع من الاقتراب من الفلسطيني.
اسم بنيامين هو بمعنى ابن اليمين كما في العربية، والمراد أنه من أهل اليمين كما لدينا في الثقافة الإسلامية، أما نتنياهو فأقرب ترجمة لها هي عطية الله أو هبة الله، وهذا الاسم (الديني) له دلالة الجذور التي يأتينا منها نتنياهو كنسل مباشر للصهيونية المتطرفة بما هو ابن أحد منظريها كما هو معروف، وهو ما يلمح إليه إدوارد سعيد في موضع آخر من كتابه: «أنا مقتنع بأن لا خيار لنا الآن سوى العودة إلى خطاب المظلومين وأن نستخدم ما يفعله نتنياهو بنا فرصةً لتسليط الضوء على العلاقة المباشرة بين سياساته وتاريخ السياسات الصهيونية تجاه الفلسطينيين. لأنه ينحدر مباشرة من ذلك الخط من المنظرين الصهاينة الذين أعلنوا دومًا أن حقوق اليهود تعلو على حقوق الفلسطينيين.»
في الخامس من سبتمبر المقبل تحل ذكرى رحيل إدوارد سعيد الـ 20، وقد كتب إدوارد سعيد كلماته قبل هذه الجريمة التي يواصل نتنياهو ارتكابها اليوم بثلاثة عقود من الزمن تقريبًا، لكن للصدفة القدرية المحضة في عالمنا المعاصر يكون إدوارد سعيد هو من يذكرنا بالطريق الذي قد يبدو مسدودًا ومنغلقًا، بفعل كل الأخبار المتصلة التي تحاصرنا بالمآسي والكوارث والجرائم والإبادة التي يمارسها نتنياهو وحكومته ضد الفلسطينيين في غزة وفي عموم فلسطين:
«نحتاج أن نذكر أنفسنا بأن الصراعات السياسية هي دائمًا صراعات إرادة، يحاول طرف أن يقنع الطرف الآخر أن يستسلم، أن يفقد الإرادة في المقاومة ومواصلة الكفاح، وهذا ليس شأنًا عسكريًا بل هو شأن سياسي ومعنوي.»
إن هذه الآلة الحربية الإسرائيلية الغاشمة بكل تقنياتها وتفننها في الإجرام ضد الإنسانية عبر القتل والاستهداف والمجازر تسعى فعليًا كي يتعالى الصراخ، ويتصل النواح، حتى تزرع اليأس المطبق داخل المقهورين، فتلك غايتها المباشرة، وإذا كان منطق نتنياهو ونظرته القاصرة هي من يواصل إنتاج وتصدير هذه المآسي والجرائم للعالم، فمن الجهل الانسياق خلفه، لأنه ليس أكثر من جندي تقني كما وصفه إدوارد سعيد: «نتنياهو تقني على الطراز الأمريكي، أي أنه إداري وأيضًا جندي أيديولوجي، ويحمل أفكارًا عن اسرائيل والعالم لا يمكن وصفها إلا بأنها بسيطة إلى درجة الفجاجة»
لعل من غرائب عالمنا المعاصر أن يكون لمثل هذه السطحية وضيق النظرة كل هذا الشأن والأثر العالمي اليوم، لكن ذلك ليس بفعل مآثرها ومجدها وانتصاراتها كما لعلها تزعم لنفسها، بل بفعل انحطاطها المثبت، والواقع أن أغلب مجرمي الحروب هم في دواخلهم بمثل هذه السطحية والأيدلوجية والفجاجة، التي يفصح لنا إدوارد سعيد على المزيد من جوانبها، بما يلقي الضوء حتى على مباحثات الهدنة المزعومة الجارية التي ما زالت تفشل: « (من) الاستحالة الدخول في أي نوع من التباحث معه، عندما كنا نطرح قضايا رئيسية مثل حقوق الإنسان وحق المقاومة والصراع من أجل العدالة، تلخص موقف نتانياهو وقتذاك في تكرار ممل لحفنة من العبارات الجاهزة عن أمن إسرائيل، والحاجة إلى مقاومة الإرهاب، ثم مرارًا وتكرارًا- أهمية دحر الإرهاب.»
إن (دحر الإرهاب) هذا هو كل ما يراه نتنياهو، مع أن هذا الدحر المزعوم لم يتحقق حتى اللحظة والساعة، وما زالت حركة حماس هي المفاوض الرئيسي الذي يرد عليه، ولنا أن نتساءل ما حجم الثمن المطلوب الذي يريد نتنياهو من الفلسطينيين والعرب أن يدفعوه كي يحقق ما يدعوه بـ (أمن إسرائيل)؟ كم مزيدًا من القتلى والأطفال والنساء والمستشفيات والمدارس والرضع والجوعى والمخيمات والتهجير والحصار والنكبات والنكسات؟ ويجيبنا إدوارد سعيد: «نتنياهو أو بيريز لا يهمه الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون شعبًا نتيجة أعمال إسرائيل، الفرق هو أن بيريز يريد إقناع العرب وغيرهم أخلاقيًا بمواقفه. في حين لا يهتم نتنياهو بما يفكر به الآخرون.. ويريد سيطرة مباشرة، ويريد للكل أن يروا المستوطنين والجنود الإسرائيليين وهم يغزون ويحتلون المناطق الفلسطينية.» هل نقول أن إدوارد سعيد كان يرى من وراء الغيب؟ لأن هذا ما يفعله نتنياهو اليوم فعلًا حين يجعل «الكل» يرون بأم أعينهم ما يقوم به المستوطنون والجنود الإسرائيليون اليوم.
إن الأثمان التي دفعها الفلسطينيون خلال نضالهم الطويل ضد ضيق الأفق الصهيوني، وخاصة أهل غزة اليوم هي بلا شك أثمان باهضة، لكن الواقع أن كل تلك الأثمان العظيمة والغالية إنما بذلت كي تتجنب الانصياع لهذه الفجاجة والسطحية والرثاثة الإنسانية التي تسفر عنها الحكومة الإسرائيلية اليوم بكل جلاء، وما هذه القوة الساحقة التي سعت إسرائيل لامتلاكها إلا لتحقيق غايات بائسة ولا أدل على ذلك البؤس من موقفها اليوم بكل أسلحتها وآخر تقنياتها أمام أهل غزة الجوعى المحاصرين. فإذا كان هذا هو الهدف وهذه هي الغاية فإنهما لا يدللان على المعدن الروحي والفكري لمن يديرون المشهد، مشهد البؤس الذي تكبر جريمته وتتضخم كل يوم، أمام أعين العالم أجمع، ولم يعد بالإمكان، بأي وسيلة مهما بلغت، دفن الجريمة نفسها تحت التراب والركام والتضليل.
إن نتنياهو من حيث لا يشعر لقصر نظره وسطحيته إنما يعمل بالعكس على فضح حقيقة الصهيونية وانحطاطها أمام العالم بأسره، وفضح كل داعميها كذلك، ولا يقدم في كل ما فعله وتفعله قواته حتى اليوم غير تأكيد ذلك البؤس والانحطاط بالأدلة والإثباتات الحية، حتى أصبحت الحقيقة جلية للعالم بأسره شرقًا وغربًا، وهذه الحقيقة اسمها فلسطين، وأبطالها هم أهلها، الذين ما زالوا يقاومون بكل ما يملكون الانحطاط الأخلاقي والإنساني المريع للصهيونية ودولتها الإسرائيلية، ولا أدل من أن رئيس حكومة إسرائيل اليوم، بنيامين نتنياهو نفسه، ليس أكثر من مجرم حرب مطلوب للقبض دوليًا.
إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بنیامین نتنیاهو إدوارد سعید
إقرأ أيضاً:
لاعب الزمالك السابق: مصطفى شلبي رحل من الباب الكبير.. وجون إدوارد احترافي
أشاد صلاح سليمان، لاعب الزمالك السابق، بالطريقة التي غادر بها مصطفى شلبي صفوف الفريق الأول لكرة القدم بنادي الزمالك، مؤكدًا أن اللاعب اختار الرحيل بـ”أدب واحترام”، وهو ما سيحفظ له مكانة طيبة لدى جماهير القلعة البيضاء.
مصطفى شلبي.. تقدير رغم التحديات
وفي تصريحات له خلال برنامج “زملكاوي” الذي يقدمه الكابتن محمد صبري عبر قناة نادي الزمالك، قال سليمان: “مصطفى شلبي لاعب كبير ويمتلك إمكانيات مميزة، ربما لم يكن موفقًا في بعض الفترات مع الفريق، لكن طريقة خروجه من النادي تعكس أخلاقه واحترامه للكيان”.
وأضاف: “اللاعب وجه الشكر لإدارة النادي والجهاز الفني والجماهير، وهو أمر يُحسب له ويثبت نضجه واحترافيته، وسيظل محل تقدير دائم من جماهير الزمالك”.
إشادة بجون إدوارد: رجل يعمل في صمت
وتحدث سليمان كذلك عن جون إدوارد، مدير التعاقدات بنادي الزمالك، مثنيًا على طريقة عمله داخل النادي، حيث وصفه بالشخص الذي يعمل باحترافية ولا يفضل الظهور الإعلامي.
وقال: “جون إدوارد لا يحب الحديث الكثير، بل يركز على العمل فقط، وهو ما يجعله مناسبًا تمامًا لهذا المنصب، وأنا أرى أنه سينجح مع الزمالك في ظل الدعم الكبير من الجماهير والإدارة”.
دعم جماهيري وثقة متبادلة
اختتم سليمان تصريحاته بالتأكيد على أن جماهير الزمالك تثق في الأشخاص الذين يعملون بجد وإخلاص، معربًا عن أمله في أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدًا من الاستقرار والنجاحات داخل أروقة النادي الأبيض.