استوقفنى مانشيت جريدة «المصرى اليوم»، أمس، وكان بعنوان «صيام الجائعين»، ومع الخبر صورة طابور طويل من الأطفال ينتظرون حصة قليلة من الغذاء، ومعهم «أطباق»، أو «حلل» صغيرة، لأخذها، رغم أنها لا تُسمن ولا تُغنى من جوع، والأخطر أنهم قد يأخذون هذه الحصة التى لا تكفى أحدا وقد لا يأخذونها نتيجة نفاد الكمية قبل وصولهم إليها.
المانشيت نفسه، تقريبا، خرجت به جريدة «الشرق الأوسط» بعنوان «غزة الجائعة تصوم وسط حرب بلا هدنة»، وفى السياق نفسه أشار الخبر المنشور بالجريدة إلى أن هناك ٢٥ حالة وفاة جراء انعدام الطعام فى اليوم الأول من رمضان، حيث أعلنت وزارة الصحة فى غزة وفاة ٢٥ فلسطينيا من الأطفال الرضع، ومعهم مُسنان، وشابة اُستشهدوا نتيجة سوء التغذية، والجفاف فى مناطق شمال القطاع.
تخيل عزيزى القارئ صائما يصوم بلا سحور ، ولا ينتظر إفطارا!.. هو ضرب من الجنون، واللاإنسانية فى أغرب، وأقذر حرب إبادة يشهدها العالم منذ قرون طويلة بعد أن صدعنا الغرب، والأمريكان بحقوق الإنسان، والحق فى الحياة، والمساواة، واحترام حياة الإنسان، والحرص على كرامته، وآدميته.
سقط الأمريكان، والغرب فى مستنقع غزة، وسوف يُلاحقهم العار مدى الحياة، لأنهم مَن يساعدون، ويدعمون إسرائيل منذ قيامها عام ١٩٤٨ فى كل أعمالها الإرهابية، والعدوانية على شعوب المنطقة، بدءا من حرب ١٩٥٦ على مصر، ثم حرب ١٩٦٧، وحتى فى حرب أكتوبر المجيدة، التى نجح خلالها الجيش المصرى فى هزيمة إسرائيل، وإذلالها- تدخلوا بكل ما يملكون لمساعدتها، ودعمها لعدم اتساع رقعة الانتصار عليها.
المشهد نفسه يتكرر الآن، حيث يقوم الأمريكان، والغرب بالدور نفسه فى دعم العدوان الإسرائيلى على غزة، ويكتفون بالتصريحات، و«الكلام الأجوف» عن سكان القطاع، فى حين يتركونهم نهبا للجوع، والأمراض، والحصار القاتل.
الجوع فى رمضان له شكل، وطعم مختلف، فالمسلمون يصومون لكى يشاركوا الجوعى مشاعرهم، ويكونوا أكثر قربا منهم، وتعاطفا معهم، أما أن يصوم الجائع ليل نهار، ولا يجد ما يُفطر عليه فتلك هى الكارثة، وهى «حرب إبادة» بكل ما تعنيه حرب الإبادة من معانٍ، فهل يتحرك العالم لإنقاذ أهالى غزة من «الصيام الإجبارى الدائم» ليل نهار فى مشهد إنسانى مروع، وغير مقبول؟!
عبدالمحسن سلامة – بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
ما بعد حل حزب العمال الكردستاني نفسه
أعلن حزب العمال الكردستاني، الاثنين، حل نفسه وانتهاء أكثر من أربعة عقود من الأعمال الإرهابية والقتال ضد القوات التركية. واتخذ هذا القرار في المؤتمر الذي عقده قادة التنظيم الإرهابي الانفصالي في شمال العراق، بناء على طلب مؤسس الحزب عبد الله أوجلان. وكان رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، قال الخميس الماضي إن التنظيم سيعلن حل نفسه خلال أيام.
قرار حزب العمال الكردستاني لا يهم تركيا فحسب، بل يهم المنطقة برمتها، لأن التنظيم الإرهابي الانفصالي ينشط في عدة دول ويهدد أمنها واستقرارها، على رأسها سوريا والعراق. وتعتبر هذه الخطوة "تاريخيّة"، مهما كان ما بعدها، لأنها إعلان انتصار تركيا على الإرهاب الانفصالي الذي استنزف قدراتها لسنوات طويلة. ومن المؤكد أن أنقرة ستراقب عن كثب مدى تطبيق القرار وعملية تسليم الأسلحة.
قرار حزب العمال الكردستاني لا يهم تركيا فحسب، بل يهم المنطقة برمتها، لأن التنظيم الإرهابي الانفصالي ينشط في عدة دول ويهدد أمنها واستقرارها، على رأسها سوريا والعراق
هذا القرار لم يأت في يوم وليلة، بل هو ثمرة جهود مكثفة، ونتيجة محاولات عديدة بدأ بها رئيس الجمهورية التركي الأسبق تورغوت أوزال، لحل المشكلة الكردية وطي صفحة الإرهاب الانفصالي، إلا أنه أخفق آنذاك ودفع حياته ثمنا لتلك المحاولة، في ظل رفض القوى التي تفرض وصايتها على الإرادة الشعبية، لجميع أنواع الإصلاحات الديمقراطية. كما أن تطهير الجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات من خلايا الكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن، حال دون عرقلة الجهود من قبل تلك الخلايا.
الظروف الدولية والإقليمية لها دور كبير في دفع حزب العمال الكردستاني إلى حل نفسه، لأن التنظيم الذي ظن أن أمامه فرصة لا تعوض لإقامة دولة له في الأراضي السورية، رأى أن تلك الفرصة ضاعت بعد سقوط نظام الأسد وانتصار الثوار السوريين؛ الذين يرفضون مشاريع التقسيم والفيدرالية ويسعون إلى بناء سوريا الجديدة على أسس المواطنة دون تمييز بين أبناء البلاد. وإضافة إلى ذلك، عاد ترامب إلى البيت الأبيض ليغير موقف واشنطن من ملفات مختلفة بينها الملف السوري، ولم يعد التواجد العسكري الأمريكي في سوريا أو دعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يشكل حزب العمال الكردستاني عمودها الفقري، من أولويات الولايات المتحدة. كما أن الدول الأوروبية الداعمة للتنظيم الإرهابي الانفصالي أصبحت في وضع يفرض عليها التنسيق والتعاون مع تركيا لحماية أمنها.
هناك سؤال يطرح نفسه بعد حل حزب العمال الكردستاني نفسه، وهو: "هل سيلتزم الجناح السوري بقرار التنظيم الأم، أم أنه سيواصل احتلاله لثلث الأراضي السورية ولن يلقي سلاحه بحجة أن القرار لا يشمله؟". ومما لا شك فيه أن قرار حزب العمال الكردستاني يشمل كافة التشكيلات المسلحة المنضوية تحت مظلته بما فيها وحدات حماية الشعب الكردي، وبالتالي، لا بد من أن تلقي هذه الأخيرة سلاحها وتنهي أنشطتها المسلحة في سوريا بموجب القرار. ومن المؤكد أن حل حزب العمال الكردستاني نفسه منح الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع مزيدا من الفرصة للضغط على "قسد" كي تنهي احتلالها لشرق الفرات، إلا أنه في ذات الوقت يحمِّلها مسؤولية التحرك والقيام بعملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردي، إن لم تلتزم بقرار إلقاء السلاح.
ما يميز المحاولة الأخيرة بتلك المحاولة الفاشلة وهو أن قرار حل حزب العمال الكردستاني لم يأت بعد التفاوض مع التنظيم، بل الضربات المتتالية والظروف الدولية والإقليمية التي تغيرت أجبرت حزب العمال الكردستاني على هذا القرار، كما أن تركيا لم ولن تتخلى عن محاربة التنظيمات الإرهابية بغض النظر عن أسمائها وألوانها
إنهاء حزب العمال الكردستاني أنشطته المسلحة سيلقي بظلاله على الساحة السياسية التركية، إلا أنه من المبكر التكهن فيما ستؤول إليه الخارطة السياسية. وكان حزب مساواة الشعوب والديمقراطية الموالي لحزب العمال الكردستاني تحالف في الانتخابات المحلية الأخيرة مع حزب الشعب الجمهوري، وقد ينهار ذاك التحالف في ظل الانقسام الذي يشهده المعسكر المعارض. وهناك من يرحب فيه بالقرار ومن يبدي استياءه منه، لأنه يرى أن نجاح مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" سيخدم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية.
رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزل، رحب بقرار حزب العمال الكردستاني، وأشار إلى أن طريق حل جميع المشاكل بما فيها المشكلة الكردية يمر من تأسيس دولة القانون والعدل والديمقراطية، مطالبا بإطلاق سراح من سماهم "المعتقلين السياسيين"، على رأسهم أكرم إمام أوغلو وصلاح الدين دميرطاش وأميت أوزداغ. كما أبدى إمام أوغلو ترحيبه بالخطوة، وتحدث في بيان عن أن الجمهورية التركية فشلت في جعل الأكراد يشعرون بأنهم مواطنون متساوون مع الأتراك. إلا أن تطرق إمام أوغلو، ولو عن طريق التلميح ببعض الكلمات إلى أخطاء المؤسسين للجمهورية؛ أغضب الأتراك القوميين المؤيدين لحزب النصر برئاسة أوميت أوزداغ والعلمانيين الأتاتوركيين الموالين لحزب الشعب الجمهوري، فيما طالب رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، بعرض الإصلاحات الديمقراطية التي ستعقب حل حزب العمال الكردستاني، على الاستفتاء الشعبي.
تركيا سبق أن أطلقت في بداية العقد الثاني لهذا القرن عملية سلام لإنهاء إرهاب حزب العمال الكردستاني، وكانت تلك المحاولة مبنية على التفاوض مع التنظيم الإرهابي الانفصالي، إلا أن الأخير استغل وقف عمليات مكافحة الإرهاب لتكديس السلاح في المدن ذات الأغلبية الكردية استعدادا للتمرد، ظنا منه أن بإمكانه استغلال ثورات الربيع العربي لصالحه. ولذلك، يسود تفاؤل حذر في الأوساط المؤيدة للحكومة التركية، إلا أن هناك ما يميز المحاولة الأخيرة بتلك المحاولة الفاشلة وهو أن قرار حل حزب العمال الكردستاني لم يأت بعد التفاوض مع التنظيم، بل الضربات المتتالية والظروف الدولية والإقليمية التي تغيرت أجبرت حزب العمال الكردستاني على هذا القرار، كما أن تركيا لم ولن تتخلى عن محاربة التنظيمات الإرهابية بغض النظر عن أسمائها وألوانها.
x.com/ismail_yasa