الجزيرة:
2025-07-28@20:07:10 GMT

ماذا تقول لأحفادك في رمضان؟

تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT

ماذا تقول لأحفادك في رمضان؟

كنتُ قبل حلول الشهر بأيام قليلة في السنوات الماضية أحدث أحفادي عن فريضة الصيام وفضائلها وثواب فاعلها عند الله، وأجيب عما يسألون بقدر معرفتي واستطاعتي.

كنت أحدّثهم عن انتصارات المسلمين في رمضان ومعاركه الفاصلة، وأذكرهم ببدر، واليرموك، والقادسية، وحطين، وعين جالوت، وأروي لهم شيئًا من سيرة خير خلق الله محمّد وصحبه.

وأقصّ عليهم بطولات أبي عبيدة عامر بن الجراح، وخالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، والمثنى بن الحارث الشيباني، وعقبة بن نافع، وطارق بن زياد، وغيرهم كثير من المجاهدين والفاتحين.

زمن الخذلان

هذا العام عجزت عن الحديث البتة. ماذا يمكن للمرء أن يقول عن الصوم، وفي بقعة من هذه الأرض أناس يصومون على ما تبقى من شحم بطونهم ويفطرون على كسرات خبز اختلطت بالتراب وبالدم. فهل في غزة شبر من الأرض لم يختلط ترابه بدم شهيد، شيخ، طفل، أم، والد، أخ، أخت، قريب أو بعيد؟

أقفل أهل المعابر حول غزة بواباتهم حين صدرت الأوامر، و"هبوا لنجدتها" من الجو هم وأعداؤها الذين يقصفونها فتساقطت الصناديق على رؤوس أطفال يسابقون الجوع فقتلتهم.

ماذا تقول لأحفادك في زمن الجبن والجبناء، والخذلان والمتخاذلين؟ ماذا تقول حين يسألك أحدهم عما يفطر عليه أهل غزة حين يؤذن المؤذن؟

أهل غزة لا يسمعون صوت الأذان وسط هدير محركات الطائرات ودوي الانفجارات وأزيز الرشاشات، ولكنهم يدركونه بقلوبهم المؤمنة.

أهل غزة لا يستعجلون الإفطار، فهم لا يجدون ما يفطرون عليه، وإن وجدوا منه القليل فهم مشغولون بدفن شهدائهم وتضميد جراحهم. لا تَمْرَ في خيام أهل غزة ليجبروا به صيامهم، ولا ماء نقيًا ليرووا ظمأهم.

ليس في غزة أسواق ولا "مولات" امتلأت بكل الأطايب والملذات قبل أن يُرى الهلال بوقت طويل، كما في البلاد حولهم.

لن يجتمع أهل غزة حول موائد الإفطار الزاخرة، ولن يسهروا ويتسامروا ويتنادموا.

الناس حول غزة يسهرون ويتسامرون ويتنادمون ويتضاحكون كما يفعلون كل رمضان. تكتظ بهم المساجد وتفيض، ويتسابقون بعد التراويح لا يفوتهم السمر ودخان الأراجيل وأصوات المغنيات والمغنين.

أمة عاجزة

أهل غزة تبينوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود فحان فجر جهادهم. كبروا وصهلت بنادقهم، وبرقت سيوفهم في الليل البهيم من حولهم. لم يسمع تكبيراتهم أحد، الناس حولهم نيام صم. لم يرَ بريق سيوفهم أحد، الناس حولهم نيام عمي. لم يُغْثهم أحد، الناس حولهم نيام بُكْم، أُتْخِم الناس حول غزة وتكرشوا فلا تسمع في البلاد عن جراح غزة إلا همسًا.

يُكَبِّر أهل غزة كل الوقت، مع كل صلية من رشاش أو قذيفة من مدفع.

يتخافت الناس حول غزة كما يتخافت دجاج في قُنِّه حين يتسلل المفترس الصغير.

يبتهل أهل غزة لمن يرمون باسمه سهامهم يسبحون بحمده، وينتظرون من عنده النصر.

يُسَبِّح الناس من حول غزة بحمد من أتخمهم خبزًا، وجوّعهم كرامة، وأفقرهم عزًا.

ماذا أحدث أحفادي عن رمضان وغزة؟ أأقول لهم إن أمة، تتباهى بتاريخها وبملايينها الأربعمائة، عجزت أن تقطع مترًا واحدًا فحسب ليصل الغذاء إلى غزة في رمضان، ووقفت تنتظر سفنًا غربية تقطع أربعمائة كيلومتر من قبرص لتنزِل على الشواطئ طعامًا لغزة؟

أأقول لهم إن كل ما حدثتكم عنه سابقًا، عن وَحدة الوطن العربي، كان حُلمًا زائفًا، وأنه لا وجود لوطن عربي، بل أقطار مبعثرة لا يجمع شتاتها جامع ولا يحرّكها وازع؟

أأقول لهم إن كل الشعارات التي تشدقت بها أمامكم عن جحافل الفاتحين القادمين التي ستدخل القدس يومًا، كما دخلها عمر وصلاح الدين، لن تروها أبدًا؟

لا، لن أقول ذلك أبدًا! سأقول إن محمدًا وأهله من آل هاشم حوصروا في الشعب ثلاث سنين، فما ضعفوا ولا استكانوا ولا قبلوا الدنية، وغزة وفلسطين كلها تذكر محمدًا وتسير على دربه.

سأقول لهم إن في غزة خوالد وعوامر وسعودًا وطوارق ومثاني يعيدون سيرة أولئك الفاتحين ولا ينتظرون عونًا إلا من الله.

أقول لهم سنقاتل ونجوع ونتألم، وسوف ننتصر ونحيي الأمة كلها، ويومئذ يفرح المؤمنون، وينزوي من خَذَلوا وأخلدوا إلى الأرض في قيعان التّاريخ السحيقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الناس حول حول غزة أهل غزة لهم إن

إقرأ أيضاً:

مراسل الجزيرة على متن السفينة حنظلة: لم يبقَ إلا القليل

"لم يبقَ إلا القليل" يردد النشطاء على متن سفينة حنظلة وهم يتتبعون خط سير السفينة حنظلة.

"ما أقرب غزة" يقول أنطونيو الإيطالي، فيرد عليه سانتياغو من إسبانيا: بل ما أبعدها، فبيننا وبينها بحرية وسلاح وجنود.

أما القبطان فيقول لنا في الاجتماع الصباحي: بقي 150 ميلا بحريا، وهذا يعني أننا قريبون جدا من المنطقة التي احتُجزت فيها السفينة مادلين.

ومعنى ذلك كله أننا سنعرف مصير السفينة خلال أقل من 20 ساعة، هل يسمح لها بالوصول أم يكون مصيرها مثل مصير عشرات قبلها في قبضة الجيش الإسرائيلي.

يفترض في من ينتظر مصيره أن يقلق.

لكن لا ألمح أي قلق على متن السفينة.

جايكوب بيرغر يواصل هوايته المفضلة، الحديث إلى مئات الآلاف من متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يحكي لهم قصص السفينة، وحنظلة وفلسطين ويغني أحيانا لهم. فهو مغني راب وممثل ولديه هوايات أخرى في أوقات الفراغ.

جايكوب يهودي أميركي من نيويورك يفضل تسميته بجاكوب الفلسطيني. لديه حب استثنائي لفلسطين، أسأله: كيف حدث التحول الكبير في حياتك يا جاكوب؟

يجيب: لم يحدث أي تحول، منذ البداية كنت مؤمنا بقيم العدالة، ويكفي ذلك كي تدافع عن فلسطين.

أما سيرجيو أو سيرخيو، فقصة أخرى.

هذا الرجل الإسباني من بلاد الباسك مهندس ميكانيكي مختص بالسفن، سافر على متن سفينة حنظلة قبل 40 يوما، وعندما رحل رفع دعوى ضد نتنياهو. وهو الآن هو عائد على متن حنظلة.

أسأله: ألا تخشى أن يضطهدوك يا سيريجيو؟ يجيبني بضحكته المجلجلة التي تسعد كل من على متن السفينة: نعم قليلا، لكن لا أفكر في الأمر.

هناك أيضا بوب، وبوب هذا له قصة تستحق أن تُروى.

فهو يهودي أميركي ويحمل الجواز الإسرائيلي، مهدد بتهمة الخيانة، ورغم ذلك يواصل نشاطه من أجل فلسطين.

على امتداد أيام السفينة السبعة يلبس القميص نفسه، وعليه كتب "ليس باسمي"، الرسالة واضحة لا تكاد تحتاج إلى تأويل رغم ذلك أطلب رأيه، وهذا جوابه:

إعلان

"اليوم تتم حرب الإبادة باسم اليهودية، وبدعم أميركي، وأنا يهودي وأميركي. أريد أن أقول لهم ليس باسمي".

انتظار وأمل

على ظهر السفينة انتظار وأمل.

كل شيء سيتبين خلال الساعات المقبلة، هل تصل السفينة إلى وجهتها أم يُحال بينها وبين ما تبغي؟

لا ضير، تقول كلوي أو شمس كما تحب أن نناديها أحيانا.

هي شابة في الثلاثين من عمرها، فرنسية أيرلندية. بدأت العمل في الأمانة العامة للأمم المتحدة قبل سنوات. قبيل أيام أرسلت رسالة لرئيستها "شكرا لكم على كل شيء، سأستقيل وألتحق بحنظلة".

وكذلك كان.

في استقالتها ما يشبه الصرخة في وجه نظام عاجز.

تقول لي "في الأمم المتحدة لدينا التقارير والمعطيات والمعلومات الموثقة. لكنه نظام عاجز عن فعل شيء. ببساطة لا أرغب في البقاء في نظام مثل هذا بصمْته وعجزه الفاضح، أريد أن أفعل شيئا ملموسا لذلك شاركت في حنظلة".

على متن السفينة 21 شخصا من 10 جنسيات مختلفة، كلهم يحملون جوازات أجنبية باستثنائي وحاتم من تونس الذي فعل كل شيء من أجل الالتحاق بهذه الرحلة.

ماذا سيفعلون بنا؟

الجميع يدرك مصاعب الرحلة ومخاطرها.

لكن ماذا يساوي ذلك أمام ما يواجهه أطفال غزة؟ تقول لنا جوستين الممرضة الفرنسية التي تحرص على تقديم الدواء، خاصة حبوب منع دوار البحر للمشاركين.

على ظهر السفينة شخصية محورية، لا يكاد يُسمَع صوتها.. والجميع يتساءل: ماذا كنا سنفعل بدونها؟

الجدة فيديكس من النرويج، في الخامسة والسبعين من عمرها ركبت البحر.

أتساءل كم تحتاج من العزم ومن الشجاعة كي تفعل هذا في سنها؟

فيدتكس والجميع يناديها بالجدة، تقضي معظم وقتها في المطبخ.

وهو أسوأ مكان يمكن أن يقضي فيه المرء وقته على متن هذه السفينة. مكان ضيق وحار وعندما توجد فيه يتضاعف إحساسك بتمايل المركب بسبب موقعه، لكن الجدة فيديكس تقضي جُل وقتها هناك.

لا تبدي فيديكس أي خوف أو توجس.

خلال التدريبات التي يجريها الفريق تم تحديد أماكن وجود كل شخص في حال تعرض السفينة للهجوم، كان موقعي جانبها تماما. قالت لي: ابق بجانبي سأحميك، وأنا أصدقها.

عند الحديث عن التدريب فهو يندرج ضمن ما يُسمى بالمقاومة السلمية، فهذه سفينة مدنية ومن عليها نشطاء وسياسيون وصحافيّون مسالمون. ولا أحد منهم يمثل تهديدا لأي أحد، كما تذكر بشكل مستمر هويدا عراف التي تخوض البحر للمرة الثامنة ضمن سفن أسطول الحرية.

يقوم التدريب على سرعة الاستجابة بارتداء سترات النجاة تحسبا لاحتمال انقلابها في البحر، واتخاذ كل شخص موقعه.

والأهم أنه يشجع على السكينة والهدوء في مواجهة لحظات التوتر استنادا للقيم التي من أجلها خرج هؤلاء النشطاء.

لا يخلو الأمر من صعوبات، في اليوم السابع بدأت السفينة تعاني من شح المياه.

أصبحنا نعتمد على البحر كليا في غير الشرب، منذ اليوم الأول قيل لنا تعاملوا مع الماء كأغلى ما عندكم.

لحسن الحظ بقي ما يكفي من ماء الشرب لبضعة أيام آخر، وحينها سنكون قد وصلنا إلى غزة أو دخلنا السجن.

مقالات مشابهة

  • الأسكتلنديون يستقبلون ترامب بالاحتجاج اللاذع ونفخ القرب والتضامن مع فلسطين
  • شابة فلسطينية ترسم وجع غزة ب ـ”سواد القدور
  • مصطفى بكري لـ خليل الحية: مصر لم تقصر في دعم غزة.. وعلى حماس أن تصدر بيانا تقول فيه الحقيقة
  • بالخيط والقماش والذاكرة يستمر حنين العودة إلى غزة
  • مراسل الجزيرة نت: هذه حكايتي مع الجوع في غزة
  • عرب الجزيرة وفيلق كردفان!
  • مراسل الجزيرة على متن السفينة حنظلة: لم يبقَ إلا القليل
  • ماذا ينتظر كتائب الإخوان الإرهابيين الإلكترونية بعد شائعة احتجاز ضابط؟
  • هل يقصد عمرو دياب ؟.. تامر حسني لمطرب شهير: عيب تقول كده
  • قضية خور عبدالله تتفاعل.. البصرة تقول كلمتها أمام قنصلية الكويت (صور)