في فبراير الماضي، دشن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” – ٨١ عامًا -، حسابه الشخصي على منصة “تيك توك الشهيرة” للفيديوهات القصيرة، لينضم إلى ١٧٠ مليون أمريكي مستخدم لها، وذلك بناء على نصيحة مستشاري حملته الانتخابية بهدف جذب شرائح الشباب الذين يُشكلون ٦٠٪ من مستخدميها للتصويت له بالانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها نوفمبر المقبل.
والآن فإن إدارته تسعى لتمرير مشروع قانون بالكونجرس من شأنه إحداث أحد أمرين، الأول حظر التطبيق نهائيًا داخل الولايات المتحدة لتشكيله تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للبلاد، والثاني إجبار الشركة المالكة، وهى “بايت دانس” الصينية، على بيعه لطرف أمريكي، ومن المؤكد أن إقراره بمجلسي النواب والشيوخ لن يكون سهلًا كما يأمل “بايدن” وأركان إدارته الديمقراطية.
ومعركة حظر “تيك توك” ليست سوى قمة جبل الجليد للحرب التكنولوجية الصاخبة والمستعرة بين أكبر اقتصادين بعالمنا، وهما أمريكا والصين، إذ إن واشنطن تسيطر عليها الشكوك والظنون الدائمة حيال تكثيف بكين عمليات التجسس عليها بواسطة التكنولوجيا المتقدمة التي تطورها وتصدرها للآخرين، وفي مقدمتها ما له صلة بأشباه الموصلات، التي لا تستغني عنها البلدان الكبرى، والبرمجيات، والتطبيقات المثبتة تلقائيًا على الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، مثل “تيك توك”، البالغ عدد مستخدميه حاليًا ١٫٩ مليار شخص في ١٥٠ دولة.
وهذه ليست المحاولة الأولى، فقد سبقها محاولات جرت بعهد سلفه “دونالد ترامب”، منافس “بايدن” الساعي للعودة للبيت الأبيض، ولم يُكتب لها النجاح حتى حينه، على الرغم من الدخول في مفاوضات ومناقشات مرهقة ومطولة مع الشركة المالكة لـ”تيك توك”، وعلى أثرها اتخذت إجراءات لطمأنه السلطات الأمريكية بأن بيانات المستخدمين الأمريكيين وخصوصيتهم مؤمنة تمامًا وبعيدة عن متناول الحكومة الصينية التي لا تستطيع الوصول إليها، أو استغلالها لاختراق المؤسسات الأمريكية عبر التطبيق، وهو ما أبدت واشنطن قلقها منه، وأن عليها حماية الأمن القومي بكل ما لديها من قوة وطاقة.
شخصيًا لا أتوقع أن يُحالف التوفيق “بايدن” في موقعة حصار “تيك توك” استنادًا إلى حيثيات محددة، منها أن هذه المنصة منتشرة ومتغلغلة بالأوساط الأمريكية، لا سيما مشاهير السينما والغناء والمسرح الذين يتابعهم الملايين، وكلما زاد عددهم ارتفع نصيبهم من الإعلانات وعوائد المشاهدات المالية، وهؤلاء لا يريدون فقد مصدر دخل معتبر لهم ولغيرهم، وسيتقدمون الصفوف دفاعًا عنه، وإلى جوارهم أناس عاديون يستمتعون بالتواجد عليه، وشركات أمريكية تتعاون مع شركة “تيك توك” التي سجلت أرباحًا بلغت قيمتها ٦٠ مليار دولار، ويعمل بها أكثر من ١٠٠ ألف موظف.
وفوجئ نواب الكونجرس بطوفان جارف من المكالمات الهاتفية يجتاح مكاتبهم من مواطنين عاديين، فور شيوع أنباء اعتزامهم مناقشة مشروع قانون “تيك توك”، لمطالبتهم بعدم الموافقة عليه، واتهموا الشركة الصينية بممارسة الضغط عليهم بطريقة غير مباشرة بالإيعاز للمستخدمين بالولايات المتحدة بحشد قواهم وإجهاضه في المهد قبل أن يقطع شوطًا بين أروقة ودهاليز الكونجرس، وهنا تم اللعب على وتر حساس، حيث إن النواب يضعون في اعتبارهم وجهات نظر الناخبين بدوائرهم الانتخابية وعدم إغضابهم، خشية حرمانهم من أصواتهم، وهو ما قد يدفع بعضهم لإعاقة مشروع القانون مبكرًا.
فضلا عن أن مصلحة الولايات المتحدة تصب في اتجاه عدم الاندفاع والمبالغة في استفزاز الصين والتضييق الخانق عليها، لأن التجارة التكنولوجية تمثل عصبًا مهمًا جدًا في علاقات البلدين الاقتصادية والاستثمارية، حيث تصدر أمريكا تكنولوجيا قيمتها ١٢٠ مليار دولار سنويًا، بينما تبلغ قيمة الصادرات التكنولوجية الصينية لأمريكا ٣٠٠ مليار دولار، وكلاهما لا يرغبان في الإضرار الزائد على الحد بها، بسبب ما بينهما من خصومات واحتكاكات سياسية، وصراع على النفوذ والسيطرة على كوكب الأرض واقتصاده.
والقائمون على الحملة الانتخابية لبايدن يعلمون أن “تيك توك” من أسرع المنصات المضمونة إيصال الرسائل وجس نبض الرأي العام من خلال تحليل بياناتها تحليلًا دقيقًا وشاملا، فهي مفيدة للغاية لجمع أصوات بواسطتها، وهو ما لا يمكنهم التفريط فيه ولا التنازل عنه في معركتهم المعقدة مع “ترامب” السائر بخطى ثابتة وواثقة بين الناخبين الأمريكيين على وجه العموم، وليس فقط بين أعضاء حزبه الجمهوري.
إن “تيك توك” ليس سوى تجسيد واقعي لقدرة التنين الصيني على إنهاك وإزعاج العم سام في عقر داره، دون أن يمنحه فاصلًا زمنيًا يستريح فيه من عناء الحركة المتواصلة خلفه لتفكيك ما يضعه من ألغام تنفجر من حوله باستمرار.
محمد ابراهيم الدسوقي – بوابة الأهرام
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: تیک توک
إقرأ أيضاً:
مصادر لرويترز: أميركا حجبت معلومات مخابرات عن إسرائيل خلال عهد بايدن
ذكرت 6 مصادر مطلعة لوكالة رويترز أن مسؤولي المخابرات الأميركية علّقوا مؤقتا تبادل بعض المعلومات الأساسية مع إسرائيل خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن بسبب مخاوف تتعلق بسلوك إدارة الحرب في قطاع غزة.
وفي النصف الثاني من عام 2024، قطعت الولايات المتحدة البث المباشر من طائرة مسيّرة أميركية فوق غزة، كان يستخدمها الجيش الإسرائيلي في ملاحقة الأسرى الإسرائيليين ومقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقال 5 من المصادر إن هذا التعليق استمر لعدة أيام على الأقل، بينما ذكر اثنان من المصادر أن الولايات المتحدة قيّدت أيضا كيفية استخدام إسرائيل لبعض معلومات المخابرات في سعيها لاستهداف مواقع عسكرية بالغة الأهمية في غزة. ورفض المصدران تحديد متى اتُّخذ هذا القرار.
وجاء القرار مع تزايد مخاوف مجتمع المخابرات الأميركية بشأن عدد المدنيين الذين قُتلوا في الحرب الإسرائيلية على غزة.
وأفادت مصادر بأن المسؤولين كانوا قلقين من إساءة معاملة جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) للأسرى الفلسطينيين.
وقال 3 من المصادر إن المسؤولين أبدوا قلقهم أيضا من عدم تقديم إسرائيل ضمانات كافية بالتزامها بقانون الحرب عند استخدام المعلومات الأميركية.
وبموجب القانون الأميركي، يتعين على أجهزة المخابرات الحصول على هذه الضمانات قبل مشاركة المعلومات مع أي بلد أجنبي.
وذكر مصدران أن قرار حجب المعلومات داخل أجهزة المخابرات كان محدودا وتكتيكيا، وأن إدارة بايدن ظلت تتبع سياسة الدعم المستمر لإسرائيل من خلال تبادل معلومات المخابرات والأسلحة.
وأفادت المصادر بأن المسؤولين سعوا إلى ضمان أن تستخدم إسرائيل معلومات المخابرات الأميركية، وفقا لقانون الحرب.
إعلانوقال مصدر مطلع إن مسؤولي المخابرات يتمتعون بصلاحيات اتخاذ بعض قرارات تبادل المعلومات بشكل فوري دون الحاجة إلى أمر من البيت الأبيض.
وذكر مصدر آخر مطلع أن أي طلبات من إسرائيل لتغيير طريقة استخدامها لمعلومات المخابرات الأميركية تتطلب تقديم ضمانات جديدة بشأن كيفية استخدامها لهذه المعلومات.
تبادل واسع للمعلومات المخابراتيةوأفاد مصدران بأن بايدن وقّع -بعد هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023- مذكرة توجّه أجهزة الأمن القومي الأميركية بتوسيع نطاق تبادل معلومات المخابرات مع إسرائيل.
وقالت 3 مصادر مطلعة إن الولايات المتحدة شكلت في الأيام اللاحقة فريقا من مسؤولي المخابرات ومحللين بقيادة وزارة الدفاع (البنتاغون) والمخابرات المركزية (سي آي إيه) التي أطلقت طائرات مسيّرة فوق غزة وقدمت بثا مباشرا لإسرائيل لمساعدتها في تحديد مواقع مقاتلي حماس واعتقالهم. وساعد البث أيضا في جهود إطلاق أسرى إسرائيليين، حسب قولهم.
وجاء قرار وقف تبادل معلومات المخابرات بعدما قررت إدارة بايدن أن إرسال الولايات المتحدة لأسلحة ومعلومات مخابراتية لإسرائيل لا يزال قانونيا، رغم تزايد مخاوف بعض المسؤولين من أن الجيش الإسرائيلي انتهك القانون الدولي خلال عملياته في غزة.
وذكر عدد من المسؤولين السابقين أن محامي إدارة بايدن ظلوا يرددون أن إسرائيل لم تنتهك القانون الدولي رغم تصاعد تلك المخاوف.
وقال مصدران مطلعان إن كبار مسؤولي الأمن القومي في البيت الأبيض اجتمعوا لعقد اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة بايدن في الأسابيع الأخيرة من ولايته بعد أشهر من قطع معلومات المخابرات واستئنافها.
واقترح مسؤولو المخابرات خلال الاجتماع أن تقطع الولايات المتحدة بشكل رسمي بعض معلومات المخابرات التي كانت تقدم لإسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وأضاف المصدران أنه كان من المقرر أن تنتهي شراكة تبادل معلومات المخابرات، وقال مسؤولو المخابرات إن مخاوفهم بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة زادت.
وذكر المصدران أن بايدن اختار رغم ذلك عدم قطع تبادل معلومات المخابرات، قائلا إن إدارة الرئيس المقبل -آنذاك- دونالد ترامب ستجدد الشراكة على الأرجح، وإن محامي الإدارة خلصوا إلى أن إسرائيل لم تنتهك القانون الدولي.
وذكرت وكالة رويترز أن كل المصادر اشترطت عدم نشر أسمائها للحديث عن معلومات المخابرات الأميركية.