خبير مصري يعلق على اتهام واشنطن لإيران بتزويد روسيا بصواريخ باليستية
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
قال إسماعيل صبري مقلد، أستاذ العلوم السياسية وعميد كلية تجارة أسيوط الأسبق إن الاتهامات الأمريكية لروسيا وإيران سخيفة.
وأضاف: "آخر ما تناقلته وسائل الإعلام الدولي اليوم هو عن اتهام إدارة الرئيس الأمريكي بايدن لإيران بإقدامها على تزويد روسيا بصواريخ باليستية إيرانية وبتكنولوجيا تصنيعها، مع إنذارها بتوقيع عقوبات صارمة جديدة عليها إذا لم تمتثل بالتوقف فورا عن تنفيذ هذه الصفقة، وشمل التهديد الأمريكي لإيران وقف جميع الرحلات الجوية الإيرانية إلى المطارات الأوروبية، هذا بخلاف عقوبات أمريكية ودولية أخرى بطبيعة الحال لم يكشفوا عنها".
وتابع: "أغرب ما في هذا الاتهام الأمريكي لإيران وروسيا، هو موضوع الاتهام نفسه، فإيران وروسيا هما دول مستقلة ذات سيادة ومن حقها أن تعقد ما تشاء من صفقات بيع السلاح سواء فيما بينها، أو مع غيرها، فهذا حق سيادي غير مشروط لهما وليس من حق أي طرف ثالث أن ينازعهما فيه، وإلا كان من حق روسيا هي الأخرى أن تعترض علي بيع أمريكا وحلفائها الاوروبيين في الناتو السلاح لأوكرانيا وأن تعتبره عملا عدائيا موجها ضدها وأن من حقها وهي تحارب في أوكرانيا وأن تطالبهم بوقفه علي غرار ما يفعلونه الآن مع إيران ويصرون عليه، ولكنها لم تفعل ولم تهدد أو تتوعد ولم توقع عقوبات على أي من هذه الدول وتركتها تزود أوكرانيا بكل منظومات الأسلحة بعشرات المليارات من الدولارات حتي كاد مخزون بعض هذه الدول من السلاح أن ينفذ لضخامة ما أرسلوه لأوكرانيا علي مدار عامين كاملين.. ورضخت روسيا للأمر الواقع ولم تبالغ في رد فعلها رغم ما في تصرف دول الناتو من أضرار شديد بأمنها القومي وبمجهودها العسكري في هذه الحرب".
وأوضح أن "وجه الغرابة الثاني في هذا الاتهام الأمريكي لإيران حول صفقة صواريخها الباليستية المزعومة لروسيا، فهو أنه اتهام يفتقر إلى أدنى أساس من المصداقية وتدحضه كل الشواهد، لأن روسيا لا تحتاج كثاني أكبر قوة عسكرية نووية وتقليدية في العالم لشراء صواريخ بالستية وتكنولوجيا تصنيعها من إيران، روسيا من تعتبر رائدة صناعة الصواريخ البالستية العابرة للقارات في العالم بإطلاقها لصاروخها سبوتنيك 1 في أكتوبر 1957 إلى الفضاء الخارجي والذي أذهلت به أمريكا والعالم وخلقت به ما يعرف بفجوة الصواريخ missile gap بينها وبين أمريكا والتي استمرت حتي عام 1961 كان الاتحاد السوفيتي فيها هو دولة الصواريخ العابرة للقارات الأولى في العالم بلا منازع، وكان لدي علمائه من خبرة تصنيع هذه الصواريخ ما يضعهم على قمة علماء العالم المتخصصين في هذا المضمار..وهذه حقيقة معروفة للعالم كله".
وأضاف: "في السنوات الأخيرة حققت روسيا طفرة مذهلة في مجال تصنيع الصواريخ البالستية الفرط صوتية، وغيرها من المنظومات الصاروخية فائقة الدقة ذات التكنولوجيا العالية، وهو ما يغنيها عن استيراد صواريخ من إيران أو من اي دولة أخرى، فلديها اكتفاء ذاتي كامل من هذه النوعيات من الأسلحة المتطورة والكثير منها مجهز برؤوس نووية قادرة علي تدمير دول بأكملها، ثم لماذا صواريخ من إيران وليس من الصين أو كوريا الشمالية، ولكلتا الدولتين باعهما الطويل في تصنيع الصواريخ البالستية بما يفوق إيران بكثير فضلا عن أنهما شركاء استراتيجيين كبار لروسيا وعلى مستوي لا تقارن به علاقة روسيا بايران؟ وما الذي كان يمنع روسيا من ذلك اذا ارادت؟ ولو أن العكس كان صحيحا لربما صدقناه، وهو اتهام أمريكا لروسيا بتزويد إيران بالصواريخ، حتى وإن لم يكن ثمة ما يدعو إيران إلى استيراد صواريخ من روسيا أو من غيرها لعدم حاجتها إليها..فالموضوع كله يكاد يكون بلا أساس ولا يقوم شاهد عليه".
إقرأ المزيدوختم": "القصة كلها سخيفة ومفبركة ولا تعدو أن تكون ذريعة واهية جديدة من تلفيق أجهزة المخابرات الأمريكية لترهيب إيران وتعنيف الضغوط الأمريكية والأوروبية عليها لترك الحبل لإسرائيل في حربها علي غزة، بخنق إيران وتشديد الحصار المفروض عليها بالمزيد من العقوبات الدولية الصارمة ضدها وقد يكون ذلك هو أحد دوافع هذا الاتهام الجديد لإيران، ويجب ألا ننسى أنه قد سبق لأمريكا وشركائها الأوروبيين في الناتو أن اتهموا إيران بتزويد روسيا بآلاف المسيرات الإيرانية الهجومية لاستخدامها في حربها في أوكرانيا، وفشلوا في إقامة دليل موثوق فيه على صحة اتهامهم لإيران حتي وإن لم يكن لهم الحق في اتهامهم لها كدولة ذات سيادة ومن حقها أن تبيع مسيراتها لمن تشاء، وهو ما يكشف عن مدي مبالغاتهم وتهويلاتهم في اتهاماتهم المستمرة لروسيا وإيران ولإظهار إيران في صورة الدولة المتورطة في الحرب الأوكرانية بدعمها العسكري لروسيا، وقبلها أقاموا العالم ولم يقعدوه حول البرنامج النووي الإيراني وكيف أن إيران أوشكت على إنتاج أسلحة نووية وأن هذه الأسلحة النووية الإيرانية سوف تشكل خطرا داهما على أمن إسرائيل ودول الخليج وأوروبا والعالم، وثبت بعد ذلك مدى زيف كل تلك الاتهامات الأمريكية والغربية، فرغم أن إيران انفردت بإدارة مفاعلاتها النووية منذ عام 2018 وتحديدا منذ انسحاب أمريكا من اتفاق 2015 النووي، وأصبحت حرة في تخصيب اليورانيوم بمعدلات عالية وفي تشغيل مفاعلاتها النووية بكامل طاقتها دون أن يكون للوكالة الدولية للطاقة الذرية أي دور في مراقبة وتفتيش ما يدور فيها من أنشطة نووية بعد أن خرجت الوكالة من الصورة بحكم عدم التزام إيران ببنود هذا الاتفاق بعد انسحاب أمريكا منه، إلا أن إيران لم تنتج السلاح النووي الذي حذروا العالم منه وبالغوا في تصوير أخطاره".
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أخبار إيران صواريخ
إقرأ أيضاً:
أمريكا.. إمبراطورية الأزمات
عمليا لم تعد أمريكا تلك الإمبراطورية التي نعرفها وترسخت في ذاكرتنا بقدراتها الخارقة، باعتبارها عاصمة العالم الحر، ودوحة الحريات، وبلد الحلم الأمريكي، حيث الليبرالية والديمقراطية والثروة والمجد والشهرة وقبلة كل الحالمين في العالم، في المقابل لم يعد الكيان “الإسرائيلي” الحليف الاستراتيجي الوحيد لأمريكا على خارطة العالم، هو الكيان الديمقراطي، المتقدم والمتحضر الوحيد في المنطقة المطوق ” بغابة من الحاقدين والديكتاتوريين المتخلفين” ، هذا الكيان الذي حاول ويحاول أن يزرع في النفوس أساطيره ويسوقها كحقائق وثوابت لا تقبل الابتسار أو الانتقاص.
حقائق لم تفضحها أحداث 7 أكتوبر 2023م من خلال معركة ” طوفان الأقصى” بل لها خلفيات ومقدمات سابقة، تبدأ حين بدأت أمريكا والكيان يعتمدان على القوة لفرض خياراتهما على دول وأنظمة المنطقة والعالم، وحين توسعت أمريكا بزراعة قواعدها العسكرية بالمنطقة.
أتذكر أنني كتبت سلسلة مقالات مطولة” في مجلة الموقف التي كان يصدرها المركز اليمني للدراسات والبحوث برئاسة الأستاذ أحمد الشرعبي -حفظه الله -بعد الغزو الأمريكي للعراق أشرت فيها إلي كل ما نعيشه ويعيشه العالم على يد أمريكا، التي تخلت بالمطلق عن قيم الليبرالية، وعن القيم والمفاهيم، التي رفعتها وظللت بها شعوب العالم ردحا من الزمن، وأشرت حينها أن أمريكا تتجه للتخلي عن الليبرالية وتبني القيم الإمبريالية والتحول إلي إمبراطورية استعمارية، و أن ما حدث للاتحاد السوفييتي من انهيار وتفكك المعسكر الاشتراكي، لم يكن هزيمة للمعسكر الاشتراكي، بل وهزيمة أيضا للمعسكر الليبرالي.
وأن مرحلة -الثنائية القطبية -انتهت، وأن الهزيمة الكبرى طالت الليبرالية فكرا وأنظمة وليس النظام الاشتراكي وحده، الذي هزم كنظام اثخنته البيروقراطية المترهلة.. ولم يجانبني الصواب في توصيفي المبكر للحالة الأمريكية، بدليل أن الفكر الاشتراكي نهض بالصين، فيما الليبرالية تحولت بغياب التجديد إلى حالة من إمبريالية استعمارية تستخدم القوة والقمع بدلا عن الفكر والحرية في تحقيق أهدافها.
تزامنا مع انهيار الاتحاد السوفييتي برزت في أوروبا وتحديدا من ” ألمانيا” مجموعة فكرية نخبوية راحت تناقش أزمة الليبرالية فكريا والحاجة إلى تطويرها مع ما يتناسب مع التحولات الحضارية داخل أمريكا والغرب والعالم، فكانت فكرة النيو ليبرالية أو الليبرالية الجديدة محاولة استباقية من قبل النخب الفكرية الغربية، فكرة النيو ليبرالية قدمها كوكبة من مفكرين ألمان المثير إنهم ينحدرون فكريا من المدرسة الماركسية، لكنهم تحولوا بدرجة مريعة من الثقافة الشمولية والفكر الماركسي، إلى الليبرالية الجديدة متجاوزين الفكر الليبرالي التقليدي إلى آخر ليس أكثر تطورا كما أرادوا، بل أكثر تطرفا تجاه العالم، انتقلت الفكرة الي” لندن” ومنها إلى واشنطن التي تلقت نخبها أسس الفكرة، فطورتها وقدمتها تحت مسمى المحافظين الجدد وكان من رموزها طاقم الرئيس جورج بوش -الأبن -أبرزهم “وول ولفوز، وديك تشيني، ورامسفيلد وآخرين من أعضاء إدارة بوش -الأبن الذين اعتبروا سقوط الاتحاد السوفييتي هزيمة للفكر الاشتراكي، وانتصارا للفكر الليبرالي، الأمر الذي آثار ضجة في أوساط المفكرين الليبرالين في أمريكا وفي أوروبا، الذين اعترضوا، بل وأدانوا النخب النيو ليبرالية كما اتبعوا لاحقا سياسة وأفكار المحافظين الجدد.
اعتمد المحافظون الجدد على نظرية القوة هيمنة -السوبر باور – القائمة على تحالف مقدس بين الصهيونية -المسيحية المبنية على إبقاء التفوق الصهيوني واعتبار الكيان اهم ركيزة استراتيجية لهيمنة أمريكا وعدم تراجعها أمام الصين أو أي قوة محورية صاعدة قد توجد.
اعتمدت هذه الاستراتيجية على جعل الكيان الإسرائيلي في حالة تفوق عسكري، وتقني، وعلمي، ومعرفي، واقتصادي، وأن يحافظ على قدرات تفوق قدرات كل دول المنطقة مجتمعة.
غير أن ثمة تداعيات وأحداثاً شهدتها المنطقة والعالم حالت دون تحقيق هذه الاستراتيجية، رغم تحول أمريكا من دولة ليبرالية إلى أخرى إمبريالية ورغم أن أحداث سبتمبر 2001م في نيويورك مثلت بداية هذا التحول الأمريكي..
ومن غزو أفغانستان، إلى غزو العراق، وقبلهما غزو يوغسلافيا وتقسيمها، وتدعيم حرب الشيشان، و”الثورات الملونة” في دول آسيا الوسطى وخاصة في الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، في محاولة أمريكية لإعادة رسم خرائط العالم دفاعا عن مصالحها وديمومة هيمنتها من خلال القوة وإبقاء الكيان الإسرائيلي في حالة تفوق شامل باعتباره القاعدة العسكرية المتقدمة لأمريكا والغرب في الوطن العربي، فارضة حد التحريم على أي قوة المس بهذا الكيان أو زعزعة امنه واستقراره بأي شكل من الأشكال سواء من قبل دول في المنطقة أو من قبل أبناء الشعب الفلسطيني المحتل والمحرم عليه مقاومة الاحتلال، بذريعة الحوار، فيما الحوار لم يجدي مع مخلوقات قتلوا الأنبياء والرسل وعلى ذبح بقرة قعدوا يحاورون الله سبحانه وتعالى 40 عاما”.
فكيف الحال إن تعلق الحوار بفلسطين ومقدساتها؟
المشهد أيضا لا يخرج عن سياق الصراع الجيوسياسي الدائر بين أمريكا والغرب من ناحية، وروسيا الاتحادية والصين، من ناحية أخرى، ومعهما مجموعة من دول الجنوب المنظوية في إطار دول البريكس المطالبة بعالم متعدد الأقطاب، وهو ما لم ترغب به واشنطن ولندن تحديدا.
أحداث وتداعيات شهدتها المنطقة والعالم منذ انهارت أبراج منهاتن كشفت عن إخفاق أمريكا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية رغم تحولها إلى دولة إمبريالية استعمارية تعتمد على القوة في فرض خياراتها على العالم.
إن أمريكا التي تتلذذ بإبادة الشعب العربي في غزة وفلسطين، ومن دمرت سوريا، ولبنان، واليمن، وليبيا، والسودان، وتخلت عن واجبها كقوي عظمى معنية بحماية الأمن والسلم الدوليين قانونيا واعتباريا سقطت أخلاقيا وحضاريا كإدارة على مستوى الداخل الأمريكي من خلال الإجراءات التعسفية التي تتخذها بحق المهاجرين وبحق حريات الرأي والتعبير، لدرجة انها أصبحت تهدد ملايين الطلاب بالطرد، فقط لأنهم عبروا عن تضامنهم مع أطفال ونساء غزة، وهو مالم يحدث في كل تاريخها الممتد لثلاثمائة عام، سلوك يعبر عن أزمة وجودية تعيشها هذه الإمبراطورية، التي تعاني حالة رعب وقلق من النفوذ الصيني المتنامي على خارطة العالم، ومن قدرات روسيا الاتحادية، فسعت بكل قوتها العسكرية لاستباق نفوذهما بضرب النطاقات الجيوسياسية التي يمكن أن تكون جزءا من نفوذهما.
في ذات الوقت الذي تحاول فيه فرض هيمنتها المطلقة على الوطن العربي الذي به والسيطرة عليه تستمد أمريكا نفوذها وسيطرتها على الخارطة الكونية..
بيد أن التصدع الذي أصاب المجتمع الصهيوني يمثل بدوره حصيلة طبيعية لما يحدث في المجتمع الأمريكي الراعي الرسمي لهذا الكيان.
رد الفعل الصهيوني على معركة طوفان الأقصى والمبالغ فيه لدرجة الهوس، لا يعكس حالة قوة صهيونية بل يعبر عن ضعف وارتباك، وخوف لدرجة الرعب، لأن ما حدث كان زلزالاً كارثياً وليس مجرد فعل مقاوم مشروع، في كل القوانين والتشريعات الأرضية والسماوية.. لكنه صهيونيا وأمريكيا وغربيا حدث مزلزل وغير مسبوق، وإهانة لكل أساطير الكيان ولأمريكا، التي خرجت من أفغانستان بصورة مذلة ومهينة فحاول ترامب استعادة مجدها من خلال حرب الإبادة في غزة ولبنان والهجوم على إيران، فيما اتخذ من التعرفة الجمركية سلاحا في مواجهة الصين.