أتشيربي.. اتهام بـ «تجاوز الحدود»!
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
ميلانو (أ ف ب)
غادر مدافع إنتر الدولي فرانتشيسكو أتشيربي معسكر تدريب منتخب إيطاليا لكرة القدم، قبل خوضه مباراتين وديتين في الولايات المتحدة، وذلك بعد تقارير عن أنه سيتم التحقيق معه بشأن مزاعم عن توجيهه إساءة عنصرية للبرازيلي جوان جيسوس مدافع نابولي.
وقال الاتحاد الإيطالي في بيان، إن مدافع إنتر أتشيربي قدّم «روايته للأحداث» لزملائه في الفريق والمدرب لوتشانو سباليتي «بشأن التصريح العنصري المزعوم».
وتابع أن أتشيربي قال إنه «ليس لديه أي نية للتشهير أو للتشويه أو للعنصرية»، ولكن سيتم استبعاده من التشكيلة المكونة من 28 لاعباً التي تم استدعاؤها، لخوض وديتي فنزويلا والإكوادور في الفترة التي تسبق دفاع إيطاليا عن اللقب الأوروبي.
وسيحلّ مدافع روما جانلوكا مانشيني بدلاً من أتشيربي الذي من المقرر أن يتم استجوابه من قبل السلطات التأديبية في الاتحاد الإيطالي، بعد ادعاء جيسوس أنه كان ضحية إهانة عنصرية، خلال تعادل الإنتر المتصدر مع نابولي حامل اللقب 1-1 مساء الأحد.
وشوهد البرازيلي جيزوس وهو يحتج أمام الحكم فيديريكو لا بينا، مشيراً إلى شارة «إبعاد العنصرية» الموجودة على قميصه، وقال على ما يبدو إن «أتشيربي نعتني بالزنجي».
وبعد المباراة، قلل جيسوس الذي سجل هدف التعادل المتأخر لنابولي، من أهمية الحادث بقوله إن أتشيربي «تجاوز الحدود» من دون أن يشرح كيف أهانه قلب الدفاع، مضيفاً أن الاثنين قاما بتخفيف حدة الأجواء.
وقال جيسوس لشبكة «دازون» للبث التدفقي «لقد اعتذر لأنه أدرك أنه تمادى كثيراً، ما يحدث على أرض الملعب يبقى في الملعب».
في المقابل، نفى فيديريكو باستوريلو وكيل أعمال أتشيربي في مقابلةٍ مع إذاعة «راديو سبورتيفا» أن يكون اللاعب قد أساء لجيزوس بشكلٍ عنصريّ.
وقال «وفقاً لما قاله لي أتشيربي، حصل سوء تفاهم (بين اللاعبين) على أرض الملعب لكنه لم يقل شيئاً عنصرياً».
وأضاف «لأكون واضحاً، كلمة «نيجرو» (زنجي) لم تُستخدم».
وقالت رابطة الدوري الإيطالي لوكالة فرانس برس، إن التقرير الدوري من «القاضي الرياضي» جيراردو ماستراندريا سيصدر الثلاثاء. ويجب أن تؤكد تلك الوثيقة، التي يتم نشرها عادة في اليوم التالي لنهاية كل جولة من المباريات، ما إذا كان سيتم التحقيق مع أتشيربي بشأن الحادث.
ويواجه أتشيربي خطر الإيقاف لعشر مباريات على الأقل إذا ثبتت إدانته بالإساءة العنصرية بحق جيزوس، ويمكن للسلطات أن تطلب حظراً أطول إذا رأت ذلك مناسباً، ومن شأن الحكم بالإدانة أن ينهي موسمه مع الإنتر الذي يتجه للفوز بلقب الدوري للمرة العشرين في تاريخه، مع إمكانية تمديد أي حظر في جميع أنحاء العالم مع انطلاق منافسات كأس أوروبا في 14 يونيو المقبل.
وقال الإنتر في بيانٍ مقتضب إن الإدارة «ستقابل اللاعب في أسرع وقت ممكن لمعرفة تفاصيل ما حدث».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الدوري الإيطالي الكالشيو منتخب إيطاليا إنتر ميلان نابولي
إقرأ أيضاً:
السفر.. تجاوز الجغرافيا إلى عالم الروح
لا تكاد تبدأ الإجازة الصيفية، إلا ونجد العوائل تبدأ في وضع الخطط والبرامج لكيفية قضاء هذه الإجازة، فيما يحقق المتعة والفائدة، ومن بين تلك البرامج وضع خطط للسفر، الذي هو في حقيقته تجربة إنسانية وروحية، يستطيع المسلم أن يستلهم منها الكثير من المعاني التأملية العميقة، التي تعود إليه بفوائد مختلفة على مستوى الجسم والعقل والروح.
فالشريعة الإسلامية، لم تغفل جانب الترويح عن النفس بل أكدته من خلال الدعوة إلى المراوحة لكي لا تقع في الرتابة المملة، التي من شأنها أن تكون مغيبة لجانب الإتقان في الأعمال، والله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الترويح عن النفس: «روحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت»، فالسفر ترويح عن القلوب لما توفره وسائل النقل والبرامج السياحية من رفاهية ومتعة بعيدة عن المشقة التي يمثلها السفر في القديم والتي كان يقول العرب عنه إنه «قطعة من العذاب».
وعلى الرغم من ذلك لا يزال السفر يمثل تغيرا حقيقيا، لأنه في ذاته انتقال من منطقة الراحة التي تمثل الأمان، إلى منطقة مجهولة ربما يخلطها نوع من التوجس، فعندما يسافر الإنسان خاصة إذا كان هذا السفر يتجاوز الجغرافيا التي تمثل حدود الوطن إلى دول ذات بيئات وثقافات مختلفة، في ظل الأوضاع العالمية الراهنة، فإنه يدخل في غربة مؤقتة، يستطيع من خلالها أن يكتشف الإنسان ذاته، فهو يتجرد من روتينه اليومي فيبدأ في تأمل ذاته ومراقبة تصرفاته، وأفعاله وردودها.
ومن أجل تلك التغيرات يبدأ ظهور المعدن الحقيقي للنفس البشرية، وتكون تصرفاته وأطباعه ليست ناجمة عن عادات يومية، وإنما على ارتجال للمواقف، ولذلك تعرف معادن الرجال من خلال السفر، وهذا ما تعلمناه من قصة عمر بن الخطاب الذي كان يرى أن السفر يكشف أخلاق الناس وطباعهم، فإذا لم تكن قد صاحبته في السفر، فأنت لا تعرفه معرفة حقيقية، لأن الناس قد يتجملون في الحضر، لكن في السفر تظهر معادنهم من صبر وكرم وتواضع وتحمل وتعاون.
والقرآن الكريم زاخر بالإشارات إلى السفر، والتأمل في مصائر الحضارات، وفي تقلب أحوال الأمم، واختلاف الخلق، فنجد الله عز وجل يقول: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، كما أمرنا الله أن ننظر في ما خلفته الأمم السابقة التي ما زالت شواهد حضاراتهم ومكاسبهم المادية شاهدة عليهم وكيف أن الله أمدهم الله بالقوة والمال، ومكن لهم في الأرض، إلا أنهم كذبوا دعوته التي أتى بها رسله، فكان أن عاقبهم الله بتكذيبهم، فأصبحوا أثرا بعد عين، فقال الله تعالى: «قُلْ سِيرُواْ في الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ»، فالسفر في الرؤية الإسلامية هو مدرسة نأخذ منها الدروس والعظات والعبر، وهو تجربة روحية عميقة، ووسيلة للتزكية، والتقرب إلى الله، وترقية للنفس.
ومن خلال هذه الدعوة القرآنية نجد أن الكثير من العرب الأوائل اهتموا بجانب السفر واكتشاف الأمم، فنجد أن هنالك رحلات في العصور الإسلامية المبكرة، ففي سنة 309 هجرية قام أحمد بن فضلان برحلة فريدة في اكتشاف الشعوب والثقافات وقد أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله مع وفد إلى بلاد البلغار بعد أن طلب ملكهم المساعدة في بناء مسجد وتعليم شعبه الإسلام، وكان الوفد يتكون من علماء وفقهاء ومعماريين، وقد اكتشف ثقافة العرق التركي والعرق الروسي في تلك المنطقة البعيدة عن الجزيرة العربية.
كما ظهرت بعد ذلك مجموعة من الرحالة الذين ألّفوا كتبا في رحلاتهم منها كتاب «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» لابن بطوطة، وكتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» للإدريسي، وغيرهم من الرحالة العرب الذين التفتوا إلى أهمية السفر في الثقافة العربية الإسلامية، وتم دعم رحلاتهم من خلال الخلفاء المسلمين.
ونجد في السفر فرصة ثمينة للتأمل في عجائب خلق الله في الطبيعة بكل مكوناتها في الجبال والأشجار والحقول والبحار، فكل مشهد غير مألوف في بيئتك يمثل دهشة حقيقية، وتغذية للبصر والمخيلة، فلا تملك أمام تلك المشاهد الجميلة والمناظر الخلابة، إلا أن تسبِّح الله، بطريقة تلقائية كردة فعل فطرية لما تراه العين من هذا الإبداع الإلهي فهو بديع السماوات والأرض.
كما أن التأمل يتجاوز المخلوقات ليصل إلى تأمل أحوال الناس ومعايشهم وأوضاعهم الاجتماعية، وثقافاتهم، وطرق معيشتهم، ومن خلال معرفة كل تلك التفاصيل، تطفوا على قلب المتأمل مسحة الشعور بالرضا والامتنان لما وهبه الله إياه في بلده من مقومات للحياة، ووفرة في المأكل والمسكن والمشرب، وبما أنعم الله على وطنه من نعمة الأمن والأمان والطمأنينة.
ومن صور السفر التي يؤمر بها المسلم هو الهجرة إلى الله ورسوله، وزيارة بيته الحرام، وهو ما يسمى كمصطلح معاصر «السياحة الدينية» وهي فرصة ثمينة لاغتنام أكثر من منفعة في هذه الرحلة الطاهرة، فالزائر لبيت الله الحرام يمكنه التعرف على التنوع الثقافي الإسلامي، فالمعتمر يرى إخوانه من كل دول العالم، يلبسون نفس اللباس، ويدعون نفس الدعاء، ويتجهون لنفس القبلة، وتذوب بينهم الفوارق الطبقية والاجتماعية، وهي فرصة للتعارف والتواصل مع المسلمين من مختلف الجنسيات، ما يعزز روح الأخوة الإسلامية.
وقد جعل الإسلام مجموعة من الآداب والضوابط في السفر، وجعل هنالك أحكاما خاصة في العبادات، وأول تلك الآداب هو النية، فهو يقصد في قلبه الغرض من هذا السفر، ويجعله سفرا في طاعة الله يخلص فيه إلى خالقه ويتوكل عليه، ويسن أن يقرأ أدعية السفر إذا استوى على وسيلة سفره، سواء كان سفرا بريا أو جويا أو بحريا، فيذكر الدعاء الذي أمرنا الله به في كتابه العزيز في قوله في سورة الزخرف: «لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14)»، كما يجب عليه أن ينتقي الصحبة الصالحة التي تعينه على المعروف، وتنهاه عن المنكر، يلتزم بأحكام العبادات في السفر، من حيث قصر الصلاة وجمعها، والالتزام بالأخلاق الحسنة التي تمثله وتمثل دينه ووطنه.