فشل الخطة الأمريكية الناعمة في النيجر بعد أشهر من مغادرة القوات الفرنسية البلاد
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
إعداد: دافيد ريش إعلان اقرأ المزيد
المحادثات في نيامي كانت بناءة و"صريحة"، وفقا للولايات المتحدة. لكن بعد بضعة أيام من مغادرة الوفد الأمريكي، أعلن المتحدث باسم نظام النيجر في 16 مارس/آذار إنهاء "الاتفاق العسكري" الموقع بين البلدين بشكل "فوري".
وخلال خطاب متلفز، وجه العقيد أمادو عبد الرحمان انتقادات لاذعة لواشنطن منتقدا "تواجدها العسكري غير الشرعي" في النيجر والذي كان نتيجة لاتفاق "فُرض" على البلاد حسب رأيه.
وجاء إعلان نهاية الاتفاق العسكري بين البلدين بعد أشهر من محادثات شاقة بين سلطات النيجر الجديدة، التي وصلت إلى سدة الحكم في 26 يوليو/تموز 2023 بعد انقلاب عسكري أزاح الرئيس محمد بازوم من الحكم، وواشنطن. فيما دارت المحادثات حول الشراكة العسكرية بين الجانبين والعودة إلى المسار الانتخابي.
وبذلت واشنطن جهودا دبلوماسية معتبرة للحيلولة دون مواجهة نفس السيناريو الذي عرفته فرنسا، التي اضطرت لمغادرة البلاد نهاية 2023. ما جعل واشنطن تختار نهجا أكثر تصالحا إزاء الطغمة العسكرية التي تحكم البلاد منذ الانقلاب العسكري، متمنية أن تصل إلى تفاهم معها، لكن دون جدوى.
اقرأ أيضاالولايات المتحدة تقيم خياراتها العسكرية في النيجر بعد قرار فرنسا بالانسحاب
تردد عن الحديث عن انقلاب عسكريهذا الاختلاف في التعامل مع الأزمة النيجرية برز في البداية على الصعيد اللفظي الذي استخدمته كل دولة. فعلى سبيل المثال، انتقدت باريس بـ"شدة" الانقلاب العسكري الذي استهدف الرئيس محمد بازوم وطالبت بـ"عودته إلى سدة الحكم بشكل فوري". بالمقابل، اتبعت واشنطن خطة مغايرة إذ وصفت الوضع في النيجر في 8 أغسطس/آب 2023 على "أنه محاولة من قبل العسكريين للاستلاء عن السلطة".
ويمكن تفسير النهج الذي اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية إزاء الوضع في النيجر بالإطار القانوني الذي ينظم المساعدات التي تقدمها واشنطن لبلدان أخرى. بمعنى أن قانون الاعتمادات المالية السنوية تسمح للخارجية الأمريكية بتقليص المساعدات المالية واللوجستية لأي بلد وقع فيه انقلاب عسكري وتمت " الإطاحة برئيسه أو برئيس حكومته وصل للسلطة بشكل ديمقراطي".
لكن واشنطن منحت في السنوات الأخيرة للنيجر ملايين الدولارات في إطار برامج المساعدة الإنمائية ومن أجل تعزيز الشراكة العسكرية معه، معتبرة أنه "ركيزة قوية في مجال محاربة الإرهاب بالمنطقة".
فعلى سبيل المثال، دشنت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في منطقة أغاديس في 2019، والتي تعد من بين أبرز القواعد المتخصصة في مجال الاستخبارات والمراقبة في منطقة الساحل. هذه القاعدة التي تحتضن حوالي 1100 عسكري أمريكي والمعززة بطائرات مسيرة عن بعد (درون) كلفت 100 مليون دولار.
تحول كبيرقررت واشنطن فتح محادثات مع سلطات النيجر في خطوة هدفها عودة الحكومة المدنية إلى السلطة، لكن دون جدوى. فيما اعترفت المبعوثة الأمريكية فكتوريا نولاند التي أرسلت على جناح السرعة إلى نيامي بأن المحادثات مع السلطات الجديدة كانت "شاقة نوعا ما". والدليل أنها لم تتمكن من لقاء قائد العسكريين العقيد عبد الرحمان تياني ولا الرئيس المخلوع محمد بازوم.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، صعدت الولايات المتحدة من لهجتها واعترفت للمرة الأولى بأن ما وقع في النيجر هو "انقلاب عسكري"، فيما علقت غالبية البرامج الإنمائية والداعمة للبلاد، من بينها برنامج مساعدة وتدريب القوات النيجرية بمبلغ قيمته 500 مليون دولار.
اقرأ أيضابمفعول فوري"...النيجر تلغي اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وتصفه بـ"المجحف"
لكن رغم هذا التغيير في الاستراتيجية، لم تكن واشنطن ترغب في إنهاء الشراكة مع النيجر ولم يصرح أي طرف عن احتمال مغادرة القوات الأمريكية هذا البلد.
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، وبعد الزيارة التي قامت بها مولي في، نائبة كاتبة الدولة للشؤون الأفريقية في الإدارة الأمريكية، أعلنت الولايات المتحدة أنها تريد استئناف الشراكة الأمنية والاقتصادية مع هذا البلد شرط أن يتخذ سلسلة من الاجراءات التي تسمح بعودة الديمقراطية.
تدخل أمريكيوخلال الخطاب الذي ألقاه في 16 مارس/آذار، عاد العقيد أمادو عبد الرحمان ليؤكد من جديد "إرادة الحكومة الانتقالية القوية" بتنظيم في "أسرع وقت ممكن انتخابات من أجل العودة إلى المسار الدستوري". لكن في نفس الوقت لم تتمكن دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ولا الولايات المتحدة بفرض أية روزنامة أو تاريخ لتنظيم هذه الانتخابات.
وإضافة إلى سعي واشنطن للحفاظ على القاعدة العسكرية في أغاديس، حاولت أيضا أن تضغط على النيجر لكي لا تحذو حذو مالي التي استقبلت على أراضيها مقاتلي مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية.
كما أن واشنطن لم تنظر بعيون إيجابية إلى التقارب الذي وقع بين مالي وبوركينا فاسو من جهة وإلى نهاية الاتفاقيات الأمنية بين النيجر والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
وفي هذا الشأن، قال باحث متخصص في شؤون النيجر دون أن يكشف عن هويته: "الحكام العسكريون ساندوا الموقف الأمريكي الذي كان قد دعا إلى إعطاء الأفضلية للحوار السلمي عوضا عن التدخل العسكري لدول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. لكن يبدو أن واشنطن لم تفهم جيدا بأن نيامي وباماكو ووغادوغو كانت ترفض أي تدخل في شؤونها أو الانحياز إلى جهة ما".
من جهته، نفى الناطق الرسمي باسم الطغمة العسكرية الحاكمة في النيجر وجود أي اتفاق مع إيران لبيع اليورانيوم"، واصفا تصريحات مولي في بـ"الكاذبة". بالمقابل، دافع عن الشراكة مع روسيا واعتبرها "شراكة بين دولة وأخرى من أجل الحصول على معدات عسكرية لمحاربة الإرهاب".
اتفاق عسكري غير متوازنوانتقد أمادو عبد الرحمان الاتفاق الأمني "غير العادل" و"غير الشرعي" الذي يربط البلدين (النيجر والولايات المتحدة). وحسب الباحث المتخصص في شؤون النيجر الذي تحدثنا إليه، فإن "العسكريين في النيجر لم يرضوا بإرسال 1100 جندي إلى القاعدة العسكرية الأمريكية ولا بالدعم الاستخباراتي الأمريكي".
لكن في نفس الوقت، رحيل القوات الأمريكية لا يخلو من المخاطر لأن نيامي يمكن أن تعرض نفسها إلى عقوبات سياسية واقتصادية وفي مجال التدريب العسكري من قبل الولايات المتحدة مع العلم أن الطائرات العمودية من طراز "إيركول سي 130 التي يستخدمها الجيش النجيري هي هبة من واشنطن".
دافيد ريش
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل روسيا الحرب في أوكرانيا ريبورتاج نيامي النيجر محمد بازوم النيجر مالي النيجر الولايات المتحدة فرنسا انقلاب عسكري دفاع للمزيد محمد بازوم نيامي إسرائيل الحرب بين حماس وإسرائيل الولايات المتحدة دبلوماسية السعودية الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا الولایات المتحدة انقلاب عسکری عبد الرحمان فی النیجر
إقرأ أيضاً:
لقاء زيلينسكي وميلوني.. ما الدور الذي يمكن أن تلعبه إيطاليا في محادثات السلام؟
يتمحور النقاش حول مراجعة خطة السلام، فيما تسعى إيطاليا إلى لعب دور الوسيط بين واشنطن والاتحاد الأوروبي. ويتحدث كالوفيني عن "الدور الإيطالي الأكثر براغماتية" مقارنة بمواقف بعض الحلفاء الأوروبيين.
بعد ساعات من اجتماعاته في لندن وبروكسل، وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى روما حيث التقى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني يوم الثلاثاء، في لحظة بالغة الحساسية لمسار السلام في أوكرانيا وللدعم الأوروبي المقدم لكييف.
وكانت المحادثات تتمحور حول مراجعة خطة السلام عقب المواجهات التي شهدتها العاصمة البريطانية.
وكان الحلفاء الأوروبيون قد دعوا في لندن إلى مزيد من التقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا للتوصل إلى اتفاق يضع حدًا للغزو الروسي.
وهي نقطة يلتقي عندها زيلينسكي وميلوني في مرحلة تبدو فيها الولايات المتحدة أنها تميل إلى تسريع المفاوضات، مقابل إظهار قدر أكبر من البرود تجاه المواقف الأوروبية، في ظل الاستراتيجية الأمنية الجديدة التي توجّه فيها واشنطن انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي على أكثر من جبهة.
وقال زيلينسكي للصحافيين الإيطاليين قبل انعقاد القمة الثنائية: "أنا أثق بجورجيا ميلوني، فهي ستساعدنا"، في إشارة تعكس الدور المتصاعد الذي يمكن أن تضطلع به روما.
وبذلك، تبقى إيطاليا ملتزمة بقوة في دعم كييف حتى بلوغ السلام، فيما تظل العلاقة مع البيت الأبيض، وفق ما شدد عليه رئيس المجلس مرارًا، عنصرًا ثابتًا في مسار عمل الحكومة.
وبحسب جيانجياكومو كالوفيني، رئيس الأمانة العامة في حزب Fratelli d'Italia، يمكن لروما أن تؤدي دورًا حاسمًا في هذه المرحلة من المفاوضات الدولية.
ويقول كالوفيني: "لقد أدّت حكومة ميلوني دورًا مهمًا حتى الآن، وهي مرشحة للقيام بدور أكبر في المرحلة المقبلة. وقد تكون الدولة الوحيدة القادرة على تنسيق العلاقة بين واشنطن وبروكسل بعد تصريحات ترامب".
وهو دور، يوضح كالوفيني، أصبح ممكنًا بفضل المصداقية التي بنتها رئيسة الوزراء في الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة.
ويُضيف كالوفيني: "أعتقد أن ميلوني سبق أن أدّت دور الوسيط: في ملفات الحلف الأطلسي، وداخل الناتو، وحتى في قضية الرسوم التجارية رغم أنها شأن أوروبي. ومن المعروف أنها تتمتع بمصداقية لافتة في واشنطن وفي البيت الأبيض. وفي لحظة معقدة كهذه، قد تتحول هذه المصداقية إلى عامل حاسم".
Related خبير قانوني: "من الصعب تقديم ميلوني للمحاكمة بعد شكوى تتهمها بالتواطؤ في الإبادة بغزة"ميلوني في مرمى الاتهام: دعوى أمام الجنائية الدولية بتهمة التواطؤ في "الإبادة الجماعية" بغزةخلال لقاء تبون وميلوني.. اتفاق بين إيطاليا والجزائر لمكافحة الإرهاب والهجرة الانتقادات الموجهة للاتحاد الأوروبي والموقف الإيطالييتردد صدى الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الجديدة، التي تقدّم أوروبا بوصفها ضعيفة وغير مؤثرة، في ما يقوله كالوفيني عن المشهد السياسي القاري: "استطلاعات الرأي تشير إلى أن أوروبا لا تعيش أفضل مراحلها، يكفي النظر إلى ما يجري في باريس ولندن وبرلين".
ومع ذلك، يصرّ كالوفيني على دفاعه عن الخط الإيطالي الأكثر براغماتية مقارنة ببعض الشركاء الأوروبيين الذين اتخذوا مواقف أكثر تشددًا لصالح كييف من دون تحقيق نتائج ملموسة: "موقفنا الداعم لكييف، كما يؤكد، هو الأكثر واقعية. لا يمكننا التضحية بتحالفنا مع واشنطن، لكننا في الوقت نفسه لا نريد إدارة ظهرنا لأوكرانيا".
الجبهة الداخلية والانقساماتمع إقراره بوجود تباينات داخل التحالف، خصوصًا في ما يتعلق بتوقيت الدعم العسكري – مع بروز تشكيك ماتيو سالفيني حيال إطالة أمد إرسال الأسلحة – ينفي كالوفيني وجود انقسامات جوهرية، مؤكدًا أن "الأغلبية لطالما صوّتت بشكل منسجم وستواصل ذلك".
وعلى مستوى العلاقات الخارجية، يشير إلى أن إيطاليا تتمتع بمصداقية يعزّزها وصول زيلينسكي إلى روما: "زيلينسكي نفسه يقرّ بمصداقية إيطاليا باختياره زيارتها اليوم بعد لندن وبروكسل".
ويرى كالوفيني أن السلام يبقى الهدف النهائي، لكنه لا يتحقق من دون الردع: "نحن نؤمن بأن السلام يمكن بلوغه أيضًا عبر إرسال الأسلحة، وهو خيار دافعنا عنه باستمرار في السنوات الأخيرة".
حول دور إيطاليا وأهمية اللقاء بين زيلينسكي وميلوني في روما في هذه المرحلة الدقيقة من محادثات السلام، استمعنا أيضًا إلى رافاييلي ماركيتي، مدير مركز لويس لدراسات الشؤون الدولية والاستراتيجية في روما.
يقول ماركيتي: "أرادت إيطاليا أن تُظهر أنها لاعب مهم، لكنها غير منخرطة بالكامل في الخط الأوروبي، بما يتيح لها استعادة الدور الذي رسمته لنفسها سابقًا كجسر بين الأوروبيين والولايات المتحدة. ولو كانت ميلوني ذهبت إلى لندن، لكان حضورها أقل بروزًا، وكأنها أرادت القول إن الأوروبيين التقوا، وأن الوقت حان لتساعدهم في فتح قناة حوار مع ترامب".
ويضيف ماركيتي أنها "تسعى إلى تقديم محور بديل في العلاقة مع واشنطن".
ووفقًا له، فإن ميلوني لا ترغب في ربط نفسها بشكل كامل بمواقف الحلفاء الأوروبيين: "حتى قراءة استراتيجية الأمن القومي قبل أيام توضح أن صورة الأوروبيين ليست إيجابية، وهذه الصورة ترتبط بكيفية إدارتهم لملف أوكرانيا".
Related فيديو: زيلنسكي يزور جدة لمناقشة صيغة السلام مع ولي العهد السعوديماكرون: حضور زيلنسكي قمة مجموعة السبع يمكن أن يغير قواعد اللعبةالرئيس الأوكراني زيلنسكي: "قد يرتفع عدد القوات الكورية الشمالية إلى 100 ألف عند الحدود مع أوكرانيا" الدعوة إلى قصر شيغييشير ماركيتي إلى نقطة أخرى تستحق التوقف عندها، وهي أن الاجتماع الثنائي مع ميلوني جاء متزامنًا مع زيارة الرئيس الأوكراني للفاتيكان.
في هذا السياق، يُشير إلى أن "ميلوني استفادت من زيارة البابا لدفع زيلينسكي إلى القدوم. لا أعرف ما إذا كان سيزور روما لوحدها لو لم تكن زيارة البابا قائمة. من خلال ذلك، أرادت أن تؤكد أنها ما زالت جزءًا من اللعبة. العلاقة بينهما جيدة".
ومع ذلك، يميّز ماركيتي بين الصورة التي تسعى رئيسة الوزراء إلى تقديمها وبين الواقع الفعلي لقدرتها على التأثير: "ما يمكن أن تحققه ميلوني محدود للغاية. والأمر نفسه ينطبق على الأوروبيين".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة