لجريدة عمان:
2024-06-15@04:09:48 GMT

مقولة: نهاية الغرب

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

ربما يكون المصطلح المتداول الآن هو «نهاية الغربنة»؛ لأن الغرب لن ينتهي مثلما أن الشرق لن ينتهي، وإنما ما يمكن أن ينتهي إليه الأمر هو سيادة ثقافة شعوب على ثقافة شعوب أخرى، وهو ما يتبدى منذ عهود طويلة في اختراق الثقافة الغربية لثقافات الشعوب الأخرى على سائر المستويات، بما في ذلك الفن (وتلك هي «الغربنة»، وهي كلمة مستحدثة دخيلة على التصريف اللغوي، إلا إنها تعبر عن المعنى المقصود، وهو هيمنة الخطاب الغربي على الخطاب العربي، وهو الخطاب الذي يؤثر في كثير من المثقفين والأساتذة والكتاب والفنانين، وفي النُّخب بوجه عام.

ومن هذا المنطلق شاع مؤخرًا في واقعنا الثقافي الترويج «لعلم الاستغراب العربي» في مقابل علم الاستشراق؛ فبدلًا من أن نكون خاضعين لرؤية الغرب لنا ولتراثنا وتاريخنا من خلال المستشرقين الغربيين، فإننا يجب بدلًا من ذلك أن نجعل الغرب نفسه موضوعًا لدراستنا من خلال تقييم تاريخه وفكره وثقافته، ويشمل هذا أيضًا نقد كتابات المستشرقين وتصويب أخطائها؛ وهذا ما فعله عبد الرحمن بدوي في أواخر حياته من أجل الدفاع عن محمد -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عن الإسلام ضد منتقديه.

اكتشف الناس عبر العالم أن القيم الإنسانية العليا التي يؤمن بها قطاع واسع من الغرب، هي قيم تؤمن بها الدول الديمقراطية في هذا العالم المتحضر، ولكنها تعتد فقط بهذه الديمقراطية والحرية والعدالة في حكم شعوبها؛ فهي لا يشغلها كثيرًا ما يدور في العالم الثالث المتخلف، إلا فيما يتعلق بمصالحها، وليس بالديمقراطية أو الحرية أو العدالة. ولذلك نجد على مواقع شبكة المعلومات حضورًا دائمًا لتلك المنظمات في الغرب التي تهتم بحقوق الحيوان في الغذاء والعلاج والرعاية الطبية المستدامة، والتي تخصص لها أموالًا هائلة، ولكنها لا تهتم ولا تنشغل (حتى من خلال الإعلان) بحقوق الأطفال الخُدج في غزة الذين يموتون من الجراح ومن الجوع والبرد، بينما ينزف الكبار الدماء حتى الموت.

***

الاستشراق هو المنظور الذي كنا ننظر من خلاله إلى أنفسنا لكي نفهمها ونتعرف عليها؛ ولكننا خلال العقود الأخيرة بدأنا نسمع عن «علم الاستغراب» الذي يسعى إلى وضع الفكر الغربي نفسه موضع الفحص والنقد والتقييم. وهذا يعني أن وجود رؤية واحدة مهيمنة على العالم هي رؤية بدأت في التزعزع، ومن ذلك- على سبيل المثال: كتاب فوكوياما عن «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، وكتاب هنتنجتون عن «صراع الحضارات»؛ فكلا هذين المفكرين وأمثالهما هم صنيعة السياسة الأمريكية وأجهزة مخابراتها. فكتاب فوكوياما- وهو مفكر محدود القيمة- كان مجرد مقال يروِّج فيه إلى أن الديمقراطية الغربية في نموذجها الذي يتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية هي النموذج الذي ينبغي أن تتطلع إليه جميع شعوب العالم؛ فهذا النموذج هو غاية ما يمكن أن تصل إليه الإنسانية من تطور (وهو- بالمناسبة- تحدث مؤخرًا عن إمكانية وجود فرصة لإنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية من التدهور!). كتب فوكوياما كتابه هذا بوحي من النشوة التي أعقبت سكرة اللحظة التي قام فيها جورباتشوف بتسليم اتحاد الجمهوريات السوفييتية على طبق من فضة إلى الغرب. ومن هنا كانت أهمية «علم الاستغراب» الذي بدأ يتعالى صوته في عالمنا العربي منذ بضعة عقود؛ ليس فقط من أجل أن يكشف لنا عما هنالك من أخطاء وأغاليط في كتابات المستشرقين عن الثقافة العربية، وإنما أيضًا من أجل أن يقدم لنا نقدًا لبعض المفاهيم والتصورات السائدة في الحضارة الغربية نفسها.

غير أن الشأن الثقافي والفكري والقيمي ليس هو الأمر الحاسم هنا؛ ببساطة لأنه نتاج لموازين القوى السياسية التي تحكم العالم، منها قوة الغرب بزعامة الولايات المتحدة التي لا تزال تنظر إلى نفسها باعتبارها القوة الأكبر المهيمنة على العالم. ولكن هذا ليس صحيحًا تمامًا؛ لأن موازين هذه القوى بدأت تتغير بصعود دول كبرى أخرى تريد أن تستدعي تاريخها الإمبراطوري، وعلى رأسها روسيا والصين، فضلًا عن إيران وتركيا. ومع تغير موازين القوى السياسية تتغير هيمنة ثقافة وقيم بعينها، وتصبح محل شكوك وانتقادات. وفضلًا عن ذلك، فإن نقد رؤية الغرب لنا ولكل ما يُسمى «بالآخر» (بحسب تعبير هنتنجتون في فصل بعنوان «الغرب والآخر» في كتابه «صدام الحضارات) - هو نقد يمكن أن يقوم بخلخلة الأسس التي تقوم عليها هيمنة نظم الغرب السياسية.

والحقيقة أن الغرب نفسه بدأ مؤخرًا- خاصة بعد مذابح غزة- يدرك أن هيمنته على العالم بدأت تتراجع؛ فقد بدا واضحًا للعيان لدى الآخر في كل مكان أن هذا الغرب يدافع عن جرائم العدوان الإسرائيلي الذي يبلغ حد الإبادة الجماعية، والذي يدينه كل ضمير إنساني. ولقد انعكس كل ذلك في الآونة الأخيرة في ساحات الإعلام، بما في ذلك المجادلات التي تجري في البرامج التلفزيونية التي يبدو فيها المذيع في القناة مدافعًا عن رؤية الغرب التي تمثلها دولته فيما يتعلق بالأحداث الراهنة، بينما يبدو الضيف العربي مدافعًا عن الحق المُثبَت وكاشفًا عن الانحياز في عرض القضية. هذه المفارقة بين الرؤية الغربية والرؤية العربية نجدها ماثلة بوضوح في القنوات الإعلامية، بل إننا نجد هذه المفارقة حاضرة حتى في القناة الواحدة التي تُذَاع بلغة عربية وبلغة إنجليزية: فالقناة الناطقة بالعربية تسمح بإذاعة شيء من أحداث القتل والدمار التي تنشرها القنوات الإعلامية العربية كافة. ولكن النسخة الإنجليزية من القناة، قلما تركز على ذلك، وتأخذك إلى سياق آخر بعيد عن مَشَاهد الحرب والإبادة والدمار غير المسبوقة في التاريخ!

ينبغي إذن إن نعيد قراءة التاريخ، بما في ذلك تاريخنا الراهن؛ لكي نحدد موقعنا منه، والموقف الذي ينبغي أن يكون جديرًا بنا؛ وأن نعي في النهاية أن نهاية الغرب لا تعني انتهاء الغرب وإنما نهاية المركزية الغربية.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة ومؤلف كتاب «ماهية اللغة وفلسفة التأويل»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رؤیة الغرب من خلال

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: عدد اللاجئين والنازحين حول العالم يتجاوز الـ 120 مليون

قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في تقريرها السنوي للاتجاهات العالمية، إن عدد اللاجئين والنازحين وصل إلى 117.3 مليون شخص في أواخر عام 2023، وبحسب التقديرات الأخيرة، تجاوز 120 مليون شخص بنهاية أبريل 2024.

وقالت هيئة الأمم المتحدة: "في نهاية عام 2023، نزح ما يقدر بنحو 117.3 مليون شخص في جميع أنحاء العالم قسراً بسبب الاضطهاد والصراع والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والأحداث التي تزعزع النظام العام بشكل خطير، وتشكل الزيادة إلى 117.3 في نهاية عام 2023 ارتفاعا بنسبة 8 في المائة أو 8.8 مليون شخص مقارنة بنهاية عام 2022".. وفق لوكالة الأنباء الروسية "تاس".

واستناداً إلى "البيانات التشغيلية"، تقدر المفوضية أن النزوح القسري استمر في الزيادة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024، وبحلول نهاية أبريل 2024 ، ومن المرجح أن يكون قد تجاوز 120 مليوناً من الاجئين".

فيما يكشف التقرير إن 43.4 مليوناً من أصل 117.3 مليوناً هم لاجئون، و68.3 مليوناً نازحون داخلياً، في حين يندرج الباقون تحت فئات أخرى، وقالت المفوضية إن "النزوح القسري هو نتيجة الفشل في الحفاظ على السلام والأمن".

وفي عام 2023، تم إجبار ما لا يقل عن 27.2 مليون شخص على الفرار من منازلهم، واضطر ربعهم إلى الفرار من وطنهم.

5 بلدان موطن اللاجئين

ويأتي ما يقرب من ثلاثة أرباع اللاجئين في جميع أنحاء العالم من واحدة من البلدان الخمسة - أفغانستان وسوريا وفنزويلا وأوكرانيا والسودان. 

وفي أواخر عام 2023، بلغ عدد اللاجئين من أوكرانيا 6 ملايين، بزيادة خمسة % منذ عام 2022، وقد وجد حوالي 2.6 مليون شخص، أو 44% من اللاجئين الأوكرانيين، مأوى في البلدان المجاورة، بينما عاد حوالي 6.1 مليون شخص إلى منازلهم العام الماضي.

مقالات مشابهة

  • بايدن يقود حملة لتعزيز جهود الغرب الحربية فى أوكرانيا ضد بوتين وترامب
  • بيسكوف: الغرب سيدرس مبادرة بوتين بشأن أوكرانيا على الأرجح
  • بوتين: سرقة الغرب للأصول الروسية لن تمر بدون عقاب
  • بوتين: الولايات المتحدة قوضت أسس الاستقرار العالمي ولا تفهم مدى خطورة تصرفاتها
  • ميدفيديف: الغرب مزدهرًا بسبب سحب الموارد من الجنوب العالمي
  • بمبدأ العين بالعين.. مدفيديف يدعو لتحويل حياة الغرب لكابوس
  • مدفيديف يدعو إلى تطبيق مبدأ "العين بالعين" وتحويل حياة الغرب إلى "كابوس"
  • الأمم المتحدة: عدد اللاجئين والنازحين حول العالم يتجاوز الـ 120 مليون
  • الحرب على غزة ونهاية التاريخ
  • ماتفيينكو: مستقبل البشرية تم تحديده حقا وروسيا بديل عن مسار الغرب المسدود