نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في افتتاحيتها، تقريرًا سلطت من خلاله الضوء على الوضع في الساحل الإفريقي؛ حيث تعود الصراعات إلى مرحلة جديدة من الحرب الباردة، مشيرة إلى تنامي التوترات بين القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، وتأثيرها على الديناميات السياسية والأمنية في المنطقة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "الإهانة التي تعرضت لها واشنطن من قبل المجلس العسكري الحاكم في النيجر، والذي طالب يوم السبت بالانسحاب الفوري للجنود الأمريكيين من البلاد، يشير إلى الرغبة في تغيير التحالفات بشكل جذري، حيث أصبحت نيامي الآن حليفة لموسكو".



‌وأوضحت الصحيفة أنه "منذ اندلاعها في سنة 2020، كان يُنظر إلى سلسلة الانقلابات العسكرية التي أوصلت ضباطًا معادين لفرنسا إلى السلطة في ثلاثة دول بالساحل، وهي مالي وبوركينا فاسو ثم النيجر، على أنها ناجمة عن رغبة في الانفصال عن مستعمرهم السابق". 

وتابعت: "قد أضاف الإخلاء الوحشي للجنود الأمريكيين، الذي أعلنه يوم السبت 16 آذار/ مارس المجلس العسكري النيجري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني، بُعدًا آخر للموجة الاستبدادية التي اجتاحت هذه المنطقة من القارة الأفريقية: وهي العودة إلى "الحرب الباردة"، كما كان الحال عندما أصبحت إفريقيا، في الستينيات والتسعينيات، بعد إنهاء الاستعمار، ساحة للمواجهات بالوكالة بين الشرق والغرب".

وأضافت الصحيفة أن "القطيعة مع فرنسا التي تلت انقلاب 26 تموز/ يوليو 2023 أسفرت عن التنديد باتفاقيات الدفاع مع باريس ورحيل آخر جندي فرنسي من النيجر نهاية كانون الأول/ ديسمبر؛ وكانت الولايات المتحدة بدورها حريصة على عدم مواجهة نفس المصير لجنودها البالغ عددهم نحو ألف، والمتمركزين بشكل رئيسي في أغاديز، وهي قاعدة إستراتيجية للقتال ضد الجهاديين وكذلك لوقف النفوذ المتزايد لروسيا".‌

"وقد نأوا بأنفسهم عن "الأخطاء الفادحة" في باريس، واستغرقوا شهرين ونصف لوصف الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال تياني على أنه "انقلاب دولة" واحتفظوا بسفارتهم في نيامي، بينما تم طرد الممثل الفرنسي. واعتقدت دول أوروبية أخرى، مثل ألمانيا وإيطاليا، أن بإمكانها تحرير نفسها من الموقف الفرنسي والحفاظ على العلاقات مع النيجر"، استرسل التقرير نفسه.

وأضاف: "وجاء ذلك بعد الإعلان، في كانون الأول/ ديسمبر، عن تعزيز التعاون العسكري بين نيامي وموسكو، وقد وجّه رئيس المجلس العسكري النيجري صفعة لواشنطن، حين رفض استقبال مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، ثم أعلن طرد الجنود الأمريكيون. كل ذلك يعكس الرغبة في عكس حقيقي للتحالفات. وبالنسبة للنيجر، التي يعتبرها الغربيون آخر دولة في المنطقة قد تستضيف قواتهم العسكرية، فأصبحت الآن حليفة لموسكو".

خطأ في تحليل الولايات المتحدة
ووفق الصحيفة، فإن "واشنطن تدعي ـرسمياـ أنها تنتظر "توضيحات" من نيامي، لكنها لا تستطيع إلا أن تلاحظ خطأها في التحليل فيما يتعلق بالمسار الذي اتخذته بعض دول غرب إفريقيا. وأثبت الموقف الأمريكي البهلواني أنه كان خطأً في التقدير. لكن ذلك لم يمنع من التشكيك في نفوذ الدول الغربية في هذا الجزء من القارة الأفريقية".

وأبرزت الصحيفة أن "تعليق المساعدات الأمريكية، وهو التزام قانوني بعد الانقلاب، لم يشجع النظام القائم في نيامي منذ 26 تموز/ يوليو على العودة إلى الديمقراطية. على العكس من ذلك، فإن هذا الطلب من واشنطن، حتى وإن تم التعبير عنه بصوت خافت، وتحذيرها من التأثيرات الخارجية الأخرى، فقد أدى إلى إثارة غضب المؤسسة العسكرية". 


وأبرزت أنه "كما أنهم لم يترددوا في انتقاد الرغبة الأمريكية في "حرمان الشعب النيجري صاحب السيادة"، الذي لم تتح له الفرصة بعد للتعبير عن نفسه، من "الحق في اختيار شركائه"، مضيفة أنه: "‌لا يقتصر هؤلاء الشركاء على روسيا، فقد ضمت النيجر صوتها إلى أصوات مالي وبوركينا فاسو لتهنئة فلاديمير بوتين على إعادة انتخابه بعد مسرحية انتخابية".‌

وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن "واشنطن كانت تشعر بالقلق أيضًا بشأن التقارب المحتمل بين طهران ونيامي، وهو قلق مدفوع بالتواجد الكبير لمخزون اليورانيوم في النيجر، بالنظر إلى الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية. وبالتالي فإن النكسة الإستراتيجية التي ألحقها المجلس العسكري بالبلاد أصبحت أشد مرارة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية الصين الولايات المتحدة روسيا الولايات المتحدة الصين روسيا المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجلس العسکری

إقرأ أيضاً:

اليمن.. وطن أكلته الحروب وأنهكته الصراعات

 

خالد بن سالم الغساني

 

اليمن عند مفترق تاريخي يزداد تشعبًا وقتامة مع مرور الوقت، حيث تتشابك أنواع المعاناة، وتتقاطع مسارات الصراع لتخلق واقعًا مركبًا أصبح من الصعب لأي جهة داخلية أو خارجية احتواؤه. وعلى الرغم من أن جذور الأزمة تعود إلى عقود من الاختلالات والتركيبات البنيوية، فإن السنوات الأخيرة دفعت بالبلاد وإنسانها نحو حافة الانهيار، وجعلت مواطنيها يعيشون في دائرة مغلقة من الجوع والضيق والقلق وانعدام الأمن والاستقرار.

الإنسان اليمني، المعروف بصبره وصلابته، والمتمسك بالأمل مهما اشتدت عليه الظروف وازدادت المحن والمعاناة، أصبح اليوم محاصرًا بثلاثية ثقيلة: الفقر الممتد، وانهيار الخدمات على اختلافها، والاصطفاف والاقتتال الذي يعني غياب الأمن والاستقرار. ملايين يعيشون بلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا منظومة صحية قادرة على التعامل مع أبسط الأزمات، فيما ترتفع أسعار الغذاء والدواء إلى مستويات غير مسبوقة حتى بالمقاييس اليمنية. المدارس تتراجع إمكاناتها، والمستشفيات شبه خالية من التجهيزات، والطرقات باتت شاهدًا على اتساع رقعة الاضطراب، بين مناطق تتبدل فيها السيطرة أو تتقلص فيها سلطة الدولة، والمطارات والموانئ مغلقة.

ومع تفاقم الوضع الاقتصادي، تآكلت الطبقة المتوسطة التي كانت تمثل صمام أمان اجتماعي مهم. كثير من الأسر التي كانت تعيش بكرامة أصبحت اليوم تعتمد على التحويلات من الخارج أو على مساعدات لا تكفي لتأمين أساسيات الحياة. وبدلًا من أن يكون الشباب قوة دافعة للتنمية، أصبحوا رهائن الاقتتال والبطالة والظروف المعيشية القاسية، ما يخلق بيئة مساعدة على مزيد من الانفجارات على المدى الطويل. وحتى أولئك الذين يبحثون عن الاستقرار خارج الوطن يواجهون تحديات الهجرة، والتشتت الأسري، والضياع بين المنافي.

أما الأرض اليمنية، التي كانت مزيجًا من الجبال الخصبة والسهول الساحلية والموانئ الحيوية، فأصبحت تعاني مما هو أبعد من الدمار المباشر، الطرق الزراعية تعطلت، والحقول هجرت، ومناطق كانت تغذي الأسواق المحلية والخارجية أصبحت شبه خالية من الإنتاج. تراجع الزراعة يعني تراجع الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار السلع يعني مزيدًا من الضغط على المواطن. كما أن البنية التحتية المتهالكة تزيد من صعوبة نقل البضائع، وترفع كلفة التجارة، وتغلق أبواب الرزق أمام آلاف الأسر.

وتسببت حالة عدم الاستقرار في تشكل جغرافيا سياسية جديدة، تتوزع فيها السيطرة بين مناطق وإدارات مختلفة، لكل منها رؤيتها الخاصة وطريقتها في إدارة شؤونها. هذا التوزع لا يقتصر على الخريطة العسكرية فقط، بل يتسرب إلى تفاصيل الحياة اليومية، فهناك قوانين مختلفة، خدمات متفاوتة، مستويات معيشية متباينة، وضرائب أو جبايات تختلف من منطقة لأخرى. ومع مرور الوقت، يترسخ هذا التمايز، ما يهدد بتوسع الشرخ الاجتماعي ويمهد لاحتمالات تقود إلى انفصال فعلي، حتى دون إعلان رسمي.

هذا الواقع المأساوي الداخلي لا يبقى محصورًا داخل الحدود اليمنية، بل يمتد تأثيره إلى دول الجوار التي تتابع ما يجري بقلق متزايد. فاستمرار الأزمة يعني استمرار الضغوط الأمنية على الحدود، وزيادة احتمالات التسلل غير القانوني وتجارة السلاح، وتصاعد الأخطار المتعلقة بالملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وهي مناطق تمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا للعالم، وليس فقط للمنطقة. كما أن التوترات الاقتصادية والإنسانية في اليمن تنعكس على دول الجوار من خلال موجات النزوح والبحث عن فرص العمل.

دول الجوار تجد نفسها مضطرة للتعامل مع سيناريوهات معقدة: اليمن المُمزق جغرافيًا وسياسيًا يشكل تحديًا مباشرًا لأي رؤية للاستقرار الإقليمي؛ سواء للأمن الحدودي، أو لحركة التجارة، أو لمشاريع الربط الاقتصادي التي تعتمد على وجود دولة مستقرة وقادرة على إدارة مواردها. وفي حال استمر الاتجاه نحو التشظي، فقد يظهر في جنوب الجزيرة كيان غير مستقر، وآخر في الشمال يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية، ما سيجعل المنطقة بأكملها أمام احتمالات مفتوحة، قد تزيد من الأعباء الأمنية والاقتصادية على الجميع.

ومع ذلك، لا يزال الأمل قائمًا، وإنْ بدأ بعيدًا؛ فخيار التماسك ممكن إذا توفرت إرادة سياسية تتجاوز المصالح الضيقة، وإذا كان هناك دعم إقليمي ودولي يركز على المصالحة الشاملة والتنمية بدلًا من إدارة الأزمات فقط. الشعب اليمني، رغم معاناته، ما زال يملك القدرة على النهوض إذا حصل على فرصة عادلة للسلام، والوقت كفيل بأن يعيد تشكيل المشهد إذا اتجهت الأطراف نحو التهدئة الحقيقية والتفاهم البنّاء.

اليمن اليوم يقف بين طريقين، طريق يعيد له مكانته كجسر حضاري بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وطريق آخر يأخذه نحو مزيد من الضياع والانقسام. لكن المؤكد أن مستقبل هذا الوطن سيحدده في النهاية صمود الإنسان اليمني وإصراره؛ فهو جوهر هذا البلد وروحه التي لا تنطفئ، والقوة التي يمكنها أن تعيد جمع ما تفرّق، ثم صدق جيرانه وحرصهم على المساعدة في بناء يمن موحد آمن مسالم وقوي.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • نيامي.. التحالف الإسلامي يختتم برنامج محاربة تمويل الإرهاب
  • بيانات ملاحية تكشف تحركات عسكرية.. ما الذي يجري قبالة الساحل الفنزويلي؟
  • عاجل.. مصدر في الرئاسة يكشف المهمة التي جاء من أجلها الفريق السعودي الإماراتي العسكري إلى عدن.. إخراج قوات الانتقالي من حضرموت والمهرة
  • ترامب: نحضر لمرحلة جديدة في غزة.. والسلام بالشرق الأوسط أقوى من أي وقت
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • اليمن.. وطن أكلته الحروب وأنهكته الصراعات
  • معلومات جديدة… هذا ما كشف عن العظام التي عثر عليها في محيط بركة دير سريان
  • مسؤول إيراني: اتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية لا يصلح لمرحلة ما بعد الحرب
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى