سودانيون: لا يهم أن نقتل أو نضرب أو نعتقل.. المهم أن يأكل الناس
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
القاهرة «أ.ف.ب»: يبعد مطبخ سامح مكي الشعبي 100 متر فقط عن السوق التي يشتري منها احتياجاته، لكنه غالبًا ما احتاج إلى ساعتين للوصول إليها محاولًا تجنُّب النيران المتبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع في صراعهما على السلطة في السودان منذ 11 شهرًا.
رغم ذلك، جازف مكي الموظف السابق في منظمة غير حكومية البالغ الثالثة والأربعين، مرات عدة من أجل شراء ما يلزم لتوفير الطعام لنحو 150 أسرة فتح لها مطبخ منزله العائلي.
منذ اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الحليفين السابقين، في 15 أبريل 2023، أقام المئات على غرار مكي مطاعم توفر الطعام مجانًا في مختلف أنحاء السودان، أحد أفقر بلدان العالم الذي بات على شفا المجاعة إن لم تكن قد تمكنت منه بالفعل، وفق المنظمات الإنسانية.
يقول عبد الغفار عمر، وهو منسق لأحد هذه المطاعم منذ الأيام الأولى للحرب «بدأ شباب في الطبخ بمنازلهم وتوزيع الوجبات مجانًا على جيرانهم» فيما استحالت الخرطوم ومناطق أخرى «مدن أشباح» بسبب النزوح الذي خلّف «أكبر أزمة نازحين في العالم»، وفق الأمم المتحدة.
انطلقت هذه العمليات بسرعة لأن السودانيين كانوا منظمين منذ فترة. ففي أثناء التظاهرات ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي أسقط في 2019، تشكلت «لجان مقاومة» في كل حي لتنظيم الاحتجاجات. وتم تفعيل هذه اللجان بعد الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في العام 2021.
في 2020، نظمت تلك اللجان حملة مكافحة فيروس كورونا. واليوم باتت تشكل آخر شبكة أمان لنحو 48 مليون سوداني أصبحوا بلا دولة ولا بنية أساسية ولا خدمات أساسية.
ففي «قاعات التدخل السريع» الموجودة في جميع أنحاء البلاد يقوم أطباء ومهندسون وخبراء متطوعون بجمع تبرعات ويضعون قوائم بالأسر التي تحتاج المساعدة وبأسماء الجرحى لتوجيههم إلى المطاعم الشعبية المجانية والى المراكز الطبية الميدانية.
تقول الأمم المتحدة العاجزة عن الوصول إلى المدنيين العالقين خلف خطوط القتال، إن هؤلاء المتطوعين يساعدون أربعة ملايين سوداني محاصرين بسبب الحرب بين البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
في الخرطوم يتناول عشرات آلاف المواطنين يوميا أطباق أرز وفاصوليا أو عدس بفضل هذه المطابخ العامة، بحسب ما أوضح لوكالة فرانس برس الكثير من المتطوعين.
ويقول برنامج الأغذية العالمي: إن «أقل من 5%»من السودانيين يمكنهم أن «يوفروا لأنفسهم وجبة كاملة».
في أم درمان ينجح مكي وآخرون أحيانا في تنظيم توزيع وجبات مجانية في مسجد. ولكن هذا غير ممكن في منطقة بحري، الضاحية الشمالية للخرطوم المحاصرة جراء الصراع.
ويقول أحد المتطوعين لوكالة فرانس برس، طالبا عدم الكشف عن هويته: «إننا نختبئ لتوزيع» الطعام.
ويضيف: «لا يهم أن نقتل أو نضرب أو يتم اعتقالنا.. المهم هو أن يأكل الناس».
ويشرح أن الجيش يعد بحري «قلعة لقوات الدعم السريع وأن أي إمدادات غذائية تستفيد منها تلك القوات». ومن ناحية أخرى تقوم قوات الدعم السريع بمصادرة ونهب أي إمدادات تصادفها.
ويقول محمود مختار لوكالة فرانس برس: «لا يمكننا نقل كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة حتى لا نلفت انتباه» قوات الدعم السريع.
فقد مختار الذي لجأ إلى القاهرة بعدما كان في صفوف المتطوعين في بلده، الكثير من رفاقه. يقول وهو يحاول تمالك دموعه: «هناك ناس قتلوا واحتجزوا وضربوا».
ويتابع: «المطابخ العامة تتعرض للقصف من قبل الطرفين» المتحاربين. ويستطرد «لكن ليس أمامنا خيار، من دونها سنموت من الجوع».
لكن، تحتاج هذه المطابخ للاستمرار في العمل، إلى توافر مخزون من السلع. ويقول المنسق عمر: «نخشى دائما من ألا يكون لديها هذا المخزون» مؤكدا أن المطابخ لديها عادة كميات تكفي أسبوعين فقط خوفا من النهب وبسبب نقص السيولة أيضا في بلد كان التضخم فيه جامحا حتى قبل اشتعال الحرب.
في فبراير عندما انقطع الإنترنت، توقف التطبيق المستخدم في السودان للدفع إلكترونيا عن العمل. بعد ذلك بأسبوعين توقفت الكثير من هذه المطاعم المجانية عن تقديم خدماتها.
في مارس عاودت نصف المطابخ المغلقة العمل، لكن مع استمرار انقطاع الاتصالات في الخرطوم، يضطر المتطوعون للقيام برحلات طويلة للوصول إلى منطقة يمكنهم فيها الاتصال بالإنترنت والحصول على نقود. ومن ثم يتعين عليهم في طريق العودة تجنب نقاط التفتيش والرصاص المتبادل حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بالسيولة التي بين أيديهم من أجل شراء المواد الغذائية.
يشرف مكي الآن من القاهرة على جزء من التحويلات بعدما اضطر للسفر لمعالجة ابنته المصابة بالسكري. وتولت والدته الستينية إدارة المطبخ الذي كان مسؤولا عنه في أم درمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يوجه ضربة موجعة لقوات الدعم السريع ويستعيد السيطرة على أهم المناطق الإستراتيجية بدارفور
أعلنت سلطات إقليم دارفور السوداني استعادة القوات المسلحة السودانية السيطرة على منطقة العطرون الإستراتيجية من قبضة قوات الدعم السريع، بولاية شمال دارفور (غرب).
وقال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، في تدوينة عبر فيسبوك، أمس الأحد، إن القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة (للحركات المسلحة) "تحقق انتصارات عظيمة بتحرير منطقة العطرون الإستراتيجية من قبضة مليشيا الدعم السريع الإرهابية"، وفق تعبيره.
من جانبها، قالت القوات المشتركة للحركات المسلحة في بيان "نعلن بفخر واعتزاز عن تحرير منطقة العطرون الإستراتيجية في صحراء شمال دارفور من قبضة مليشيات الدعم السريع".
وأضاف البيان، أن ما وصفه بالإنجاز العظيم جاء نتيجة عملية عسكرية دقيقة ومنسقة، نفذتها القوات المشتركة بالتعاون مع القوات المسلحة السودانية، حيث تم تكبيد "العدو" خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وحتى الساعة لم يصدر أي تعليق من قوات الدعم السريع على بيان حاكم دارفور.
أهمية العطرون
وتتمتع منطقة العطرون بموقع إستراتيجي، حيث تقع في أقصى شمال ولاية شمال دارفور، على طريق حيوي يربط بين الولاية الشمالية وشمال دارفور، ويمتد باتجاه المربع الحدودي الذي يجمع السودان بمصر وليبيا وتشاد.
وفي 9 أبريل/نيسان الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع استيلاءها على العطرون، بعد مواجهات مع الجيش والقوات المشتركة.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة الدعم السريع في ولايات السودان لصالح الجيش، وتمددت انتصارات الأخير في العاصمة الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقار أمنية وعسكرية.
وفي الولايات الـ17 الأخرى في السودان، لم تعد الدعم السريع تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور.