غالبا ما تكون ممارسات الرق في العالم الإسلامي، رغم أنها لم تدرس بما فيه الكفاية، موضوعا للمقارنة مع تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وربما يتم إبرازها لتبرئة العبودية الأوروبية.

وتناسوا أن العبودية كانت ممارسة مشتركة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط وفي أوروبا وشمال أفريقيا، حتى العقدين الأولين من القرن 19.

بهذا الملخص، قدمت مجلة لوبس لمقابلة مع محمد الوالدي، أستاذ التاريخ بمعهد العلوم السياسية بباريس، ومدير برنامج البحث الأوروبي حول نهاية العبودية في المغرب العربي، انطلق فيها من رفض عبارة "الاتجار الشرقي"، لأن هذا المصطلح المفرد يوحي ويؤكد ضمنيا المقارنة مع تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.

ومع أن العبودية في العالم الإسلامي تغطي العديد من الحقائق والعديد من تجارة الرقيق، من الصحراء الكبرى إلى شبه القارة الهندية، فإن أكثر ما نتحدث عنه عندما نتحدث عن "التجارة الشرقية" هو التجارة عبر الصحراء، في شمال أفريقيا، وهي ظاهرة مهمة للغاية، بدأت في العصور الوسطى وانتهت في القرن التاسع عشر، في الفترة الاستعمارية.

كلها فظيعة

وأشار محمد الوالدي إلى أننا لم نكن نتحدث عن "الاتجار المسيحي" أو "الاتجار الغربي"، لأن الخطر هو جعل الاتجار بالبشر مرتبطا بالدين، حتى وإن كان الإسلام يوفر الإطار القانوني والمعايير لاستعباد البشر، خاصة أن هناك فجوة بين النظرية والتطبيق، وأن الأفارقة الذين اعتنقوا الإسلام، كانوا عرضة للاختطاف والاتجار، حيث لم تكن مبادئ الإسلام تُحترم دائما فيما يتعلق بالرق.

والعبودية فظيعة في كل الحالات، ولكنها تستجيب لنظامين مختلفين تماما من الهيمنة -حسب المؤرخ- فتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، ترتبط العبودية فيها بتطور نظام المزارع الرأسمالي الذي أدى إلى تجريد الرجال والنساء السود من إنسانيتهم، أما في الأراضي الإسلامية، فكان الناس من أصول متنوعة للغاية مستعبدين قبل كل شيء في سياق محلي، مع أنه لا ينبغي تجاهل العنف في كلا النظامين.

ونبه المؤرخ إلى أن القول بأن بعض هذه الأنظمة أكثر خطورة من غيرها أمر في غاية الخطورة، مشيرا إلى مقالة للباحث الفرنسي السنغالي تيديان ندياي، بعنوان "الإبادة الجماعية المستترة"، دافع فيها عن فكرة أن تجارة الرقيق نحو العالم الإسلامي كانت أكثر قسوة بكثير من تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، دون الاعتماد على أي مصدر تاريخي محدد.

لوحة للمستشرق الاسكتلندي ديفيد روبرتس تظهر مجموعة من الرقيق في "سوق العبيد" بالقاهرة بين عامي 1846-1849
المصدر: مكتبة نيويورك العامة

وذكّر محمد الوالدي بأن الكثيرين ينسون -خلال مقارنة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي وما يسمى بتجارة الرقيق "الشرقية"- أن العبودية كانت ممارسة مشتركة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، في أوروبا وكذلك في شمال أفريقيا، حتى العقدين الأولين من القرن 19.

ونبه الكاتب إلى وجود نوعين من العبودية، أحدهما "المجتمعات الاستعبادية"، ويمثل العبيد فيها جزءا كبيرا من السكان ويساهمون بشكل كبير في الإنتاج الاقتصادي، كنموذج المجتمعات الاستعمارية الأميركية، أما الثاني "فمجتمع العبودية"، حيث يشكل العبيد أقلية كبيرة ومساهمتهم الاقتصادية هامشية.

وفي ضوء هذا التمييز يرى المؤرخ أن المجتمعات الإسلامية أقرب للنوع الثاني، حيث معظم العبيد خدم وبعضهم يشغل وظائف إدارية، لكن العالم الإسلامي شهد أيضا مجتمعات استعبادية، كما في حدث في جزيرة زنجبار وعلى الساحل السواحلي، حيث امتدت مزارع كبيرة للقرنفل كانت تعمل بفضل عمل العبيد.

ولذلك يجب علينا أن نؤكد على تنوع العبودية في هذه المجتمعات الإسلامية، ويجب علينا أيضا أن ننبه إلى نطاق العبودية العالمي، وترابط تجارة الرقيق القادمة من شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه، وتلك القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وعالم المحيط الأطلسي، مما يعني رسوخ الاتجار بالبشر على نطاق عالمي.

مفارقة المماليك

وعرج الكاتب على ظاهرة المماليك، حيث تعتمد الحكومات الإسلامية على هذا نوع من عبيد الحكومة، مشيرا إلى "المفارقة" في أن يحكم هؤلاء العبيد المماليك الرجال والنساء الأحرار في العالم الإسلامي ألف عام، من القرن الثامن إلى القرن التاسع عشر، رافضا تفسير ذلك بأن المجتمع لا يثق بالحكام، وأن حكم المماليك هو السبب وراء وجود حكومات استبدادية، حتى في يومنا هذا، في العديد من المجتمعات الإسلامية، ومؤكدا أن المماليك جعلوا الحكام المسلمين أقرب إلى رعاياهم، وساهموا في إصلاح الدول الإسلامية التي وظفتهم.

وعند سؤاله عما يوصم به العالم الإسلامي من كونه غير قادر على التفكير في إلغاء العبودية لأن القرآن أقرها من حيث المبدأ.

وأشار الكاتب إلى أن المناقشات كانت موجودة لوضع حد لاستعباد المسلمين وبيع العبيد، وأوضح أن المسلمين فكروا في إنهاء العبودية تدريجيا أو كليا، من خلال الإشارة إما إلى الأفكار الأوروبية أو إلى الشريعة الإسلامية.

وبالإشارة إلى الآثار المتبقية من العبودية اليوم، يشير المؤرخ إلى أن الأمر يتعلق بنوع العبد الذي نتحدث عنه، إذ كان المماليك من ذوي البشرة الفاتحة، وكان أطفالهم يعتبرون رعايا مسلمين أحرارا واندمجوا مع السكان العرب، ولم تبق من إشارة لهم إلا بعض أسماء العائلات التي تشير إلى الوظيفة التي كان يشغلها هؤلاء الخدم.

ولكن بالنسبة للأشخاص من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من ذوي البشرة الداكنة، فيمكن اعتبار أحفادهم، على الرغم من أنهم مسلمون، ملكا للأسياد، مما يشير إلى لون البشرة والعنصرية، إذ يُنظر إلى أصحاب البشرة الداكنة على أنهم أحفاد العبيد مع أن ذلك ليس دائما صحيحا.

وخلص محمد الوالدي إلى أنه من الضروري للمجتمعات على ضفتي البحر الأبيض المتوسط أن تواجه سؤال العبودية، وأن تفهم كيف تم بناء العنصرية تجاه السود، لأن عدم القيام بذلك سيكون بمثابة الاستهانة بظاهرة أساسية في مجتمعاتنا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات ترجمات البحر الأبیض المتوسط العالم الإسلامی العبودیة فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

غرفة تجارة دبي تطلق مجلس الأعمال البلغاري

 

 

 

 

أعلنت غرفة تجارة دبي، إحدى الغرف الثلاث العاملة تحت مظلة غرف دبي، عن تأسيس مجلس الأعمال البلغاري الذي يهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، وتحفيز الشراكات بين مجتمعي الأعمال في دبي وبلغاريا، وتوسيع نطاق التعاون الاستثماري عبر مختلف القطاعات.

وبحث الاجتماع الأول للمجلس والذي عقد في مقر غرف دبي، سبل تطوير الاستثمارات، وفرص الأعمال الواعدة، والارتقاء بالعلاقات بين الشركات البلغارية ونظيراتها العاملة في دبي، ومشاركة الخبرات والبيانات بالإضافة إلى تنظيم فعاليات الأعمال الثنائية.

ويأتي تأسيس مجلس الأعمال البلغاري في ظل تنامي مكانة دبي باعتبارها مركزاً دولياً للشركات والمستثمرين البلغاريين، حيث وصلت قيمة التجارة غير النفطية بين دبي وبلغاريا خلال عام 2024 إلى 777 مليون درهم بمعدل نمو سنوي قدره 5%، ما يعكس متانة العلاقات التجارية الثنائية، ومع انضمام 54 شركة بلغارية جديدة إلى عضوية غرفة تجارة دبي خلال أول تسعة أشهر من العام الجاري، بلغ إجمالي عدد الشركات البلغارية النشطة المسجلة في عضوية الغرفة بنهاية شهر سبتمبر الماضي 243 شركة.

وقالت مها القرقاوي، نائب رئيس قطاع دعم مصالح مجتمع الأعمال في غرف دبي، إن تأسيس مجلس الأعمال البلغاري يدشن مرحلة جديدة في مسار العلاقات الاقتصادية بين دبي وبلغاريا، حيث يساهم في بناء شراكات فاعلة بين مجتمعات الأعمال وتطوير فرص واسعة للتعاون الاستثماري المشترك وتحفيز النمو المستدام للعلاقات التجارية الثنائية.

وتمثل مجالس الأعمال، التي تعمل تحت مظلة غرفة تجارة دبي، جنسيات المستثمرين الذين يمارسون نشاطهم في إمارة دبي.

وتسهل هذه المجالس التعاون والتنسيق مع الغرفة، مما يدعم تعزيز التجارة الثنائية والاستثمارات بين شركات دبي وشركات البلدان والأسواق التي تمثلها المجالس بهدف تطوير الشراكات الاقتصادية.وام


مقالات مشابهة

  • عملية سرّية في عرض المحيط.. قوات خاصة أمريكية تتحرّك ضد إيران
  • غرفة تجارة دبي تطلق مجلس الأعمال البلغاري
  • في أنغولا.. متحف العبودية يشهد على أعظم فظائع التاريخ
  • صدع يضرب ضفتي الأطلسي| ترامب يهدد بالتصعيد ضد أوروبا.. وقادة القارة العجوز يتعهدون بالاستقلال عن واشنطن
  • إعلام أمريكي: ضغط سوري فرنسي على لبنان لتسليم رئيس المخابرات الجوية السورية السابق جميل الحسن
  • إيقاف لاعب تنس فرنسي 20 عاماً
  • مؤرخ فني: فيلم الست عظيم ومختلف ويركز على الجانب الإنساني لأم كلثوم
  • رئيس غرفة التجارة العربية الفرنسية: المياه والبيئة في صميم الأزمات والفرص بالعالم العربي
  • سرقة مجوهرات اللوفر.. مسؤول فرنسي: 30 ثانية كانت ستمنع اللصوص
  • غدًا.. نائبة الأمين العام لحلف الناتو تزور هولندا لبحث الأمن عبر الأطلسي