الاستثمار في اللقاحات لا يحتاج الى تفكير
تاريخ النشر: 3rd, April 2024 GMT
في عالم تتعدد أزماته وتفاقم مشاكله المتقاطعة بعضَها البعض وتندُر فيه الانتصارات السهلة من المهم جدًا معرفة الخيارات الواضحة حقًا والمتاحة لواضعي السياسات. الاستثمار في اللقاحات أحد هذه الخيارات.
منذ أعوام الستينيات استأصلت حملاتُ التطعيم مرضَ الجدري وقللت من انتشار شلل الأطفال واحتوت الحصبة. لقد أنقذت أموالٌ متواضعة تم انفاقها على الصحة العامة أرواحَ عشرات الملايين من البشر وقللت الإصابة بالأمراض، وأتاحت للأطفال حول العالم نموًا طبيعيًا وحياة صحية ومنتجة بعد بلوغهم سن الرشد.
بعد سنوات من جهود التطوير شهد عام 2023 المصادقة على لقاح ثان للملاريا التي تتسبب في أكثر من 600 ألف وفاة سنويًا. ووجدت دراسة أجريت مؤخرًا على لقاح ضد «ستريب أ» وهو نوع من البكتيريا يتسبب سنويًا في 600 ألف وفاة و600 مليون حالة التهاب في الحلق أن استثمار أقل من 60 بليون دولار من شأنه تحقيق فوائد تزيد في قيمتها عن 1.6 تريليون دولار.
بل ما هو أكثر إثارة النجاح الذي تحقق ضد كوفيد-19 حيث تم استخدام لقاحات معتمدة بالكامل خلال أقل من سنة واحدة. وعلى الرغم من إخفاقنا في تقديمها للعديد من أفقر الناس في العالم إلا أنها أنقذت أرواح 14 مليون شخص على الأقل. وحقق اقتصاد العالم بعد استئناف نشاطه ما قيمته تريليونات الدولارات من الإنتاج الإضافي. هذه القدرة على استخدام لقاح أثناء تفشي الجائحة فتحت صفحة جديدة في تاريخ الطب.
في قمة استضافتها الحكومة البريطانية بالاشتراك مع «تحالف ابتكارات التأهب للجائحات» في مارس 2022 تم الإعلان عن هدف جديد يتمثل في تجهيز لقاحات آمنة وفعالة للجائحة التالية خلال 100 يوم من تفشيها.
ذلك سيحتاج إلى بذل بعض الجهد. فلقاح كوفيد أمكن تطويره بسرعة بسبب سنوات من الأبحاث التي أجريت على فيروسي ميرس وسارس. وللتأهب للجائحة التالية علينا جمع مخزونات من السلالات التي قد تكون خطرة وتشديد المراقبة العالمية.
يمكن أن نحاول التنبؤ بمسبِّبات الأمراض (البكتيريا والفيروسات) التي يُرجَّح أن تشهد تحوُّرات تنتقل بها من الحيوان إلى الإنسان. وفوق كل شيء يمكن أن نبدأ الآن المراحل الأولى لتطوير لقاحات للأمراض التي نعرفها سلفًا.
بالطبع هذا يكلف مالًا. لكن الاختراقات العلمية تتحقق بتكلفة زهيدة مقارنة بالاستثمارات الأخرى. فالانتقال بلقاحٍ لمرض واحد على الأقل من حوالي 11 مرضًا جائحيًا ومُعْديًا إلى تجارب المرحلة الثانية قُدِّرَت تكلفته بأقل من 8.5 بليون دولار. وفي كتابها بعنوان «المرض المجهول» تقدر الكاتبة المتخصصة في شؤون العلوم كيت كيلاند أن 50 بليون دولار تكفي لسداد تكلفة مكتبة (تشكيلة) شاملة من اللقاحات.
من غير الواقعي أن نتوقع قدوم ذلك التمويل من القطاع الخاص. فالعمل المطلوب باهظ التكلفة وينطوي على مخاطر عالية وعائداته غير مؤكدة. قد ينجح العمل الخيري والشراكات بين القطاعين العام والخاص في ذلك. لكن في نهاية المطاف الحكومات هي التي عليها سداد الفاتورة.
لسوء الحظ، في السياسة العامة كثيرًا ما يُوكَل تمويل التأهب للجائحات إلى وكالات التنمية التي تفتقر ميزانياتها إلى المال أو يُدرج ضمن مخصصات الموازنات المحدودة للخدمات الصحية. مثل هذا الإنفاق يجب تضمينه في بنود السياسة الصناعية والأمن القومي.
التقنية الحيوية أحد المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي في المستقبل. فهي تجمع بين البحث وصناعة التقنية الرفيعة والعمل الخدمي. وكما أعلن صندوق النقد الدولي «سياسة اللقاحات هي أيضا سياسة اقتصادية». إلى ذلك التأهب للجائحات جزء من الأمن القومي. إذ ليس هنالك تهديد أخطر منها للسكان. فنسبة من ماتوا في بريطانيا بسبب كوفيد بين عامي 2020 و2023 (حوالي 225 ألف قتيل من 67 مليون نسمة) أعلى بكثير من نسبة الذين قتلوا بواسطة القنابل الألمانية في الحرب العالمية الثانية (70 ألفا من حوالي 50 مليون نسمة.)
مخصصات موازنة الدفاع السنوية لبلد واحد فقط من البلدان الأوروبية الكبيرة تكفي لتمويل برنامج تأهُّب جائحي عالمي شامل. والأموال التي تنفق بسخاء على واحدة فقط من حاملات الطائرات التي تباهي بها بريطانيا كانت كافية لجعل العالم آمنًا من فيروسي إيبولا وماربورغ المُروِّعين.
فمعدل العائد الى التكلفة ليس فقط لا يُضارع لكن عدم القيام بهذا الإنفاق يعني السعي إلى التهلكة.
في أي عام من الأعوام، حسبما يُعتقد، هنالك احتمال بنسبة 2% لتفشي جائحة عالمية بحجم كوفيد 19 تتسبب في 20 مليون وفاة إضافية. وسنكون محظوظين إذا تجنبنا جائحة كبرى أخرى في العقود القادمة. ذلك كذلك خصوصًا مع الازدياد المطرد لمخاطر انتقال مسببات المرض من الحيوان الى الإنسان؛ نظرًا إلى تزايد أعداد السكان والتمدد الحَضَري. كما يفاقم التغير المناخي أثر ذلك.
هنالك الآن إجماع بوجوب استثمارنا تريليونات الدولارات للتلطيف من التغير المناخي والتكيف معه بإحداث تحول في بنْيَتِنا التحتية للطاقة وأسلوب حياتنا. لكن بالنسبة لمعظم البلدان من الصعب تصور سيناريوهات محتملة لأزمات مناخية تنجم عنها خسائر في الأرواح وتكلفة اقتصادية مماثلة لما شهدناه في جائحة كوفيد 19. لذلك اللقاحات، قياسًا بتكلفة إنقاذ الأرواح، أرخص وأكثر فورية في تحقيق نتائجها وأسرع نجاعة من سياسات مكافحة التغير المناخي.
هذا لا يعني المفاضلة بين الصحة العامة العالمية ومكافحة التغير المناخي. فنحن لا يمكننا اختيار التحديات التي تواجهنا. لكن ما يمكن لنا أن نفعله تقليلُ العبء والذي في عام 2020 هدد بالتغلب على قدرة مجتمعاتنا على اتخاذ القرار وتعطيل آليات عملنا السياسي. وكما لاحظت الكاتبة كيت كيلاند «العدوي حتمية لكن الجائحة خيار».
إذا فشلنا في استثمار المبالغ المتواضعة والضرورية لكي نتيح لأنفسنا فرصة التصدي للأمراض الكبرى المهددة للحياة فإن ما يلقي بنا في التهلكة ليس القدر ولكن المصلحة الذاتية الضيقة وقِصَر النظر الجماعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التغیر المناخی
إقرأ أيضاً:
«ناسداك دبي» ترحب بإدراج أول صكوك من المشرق بقيمة 500 مليون دولار
دبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةرحبت «ناسداك دبي» بأول إدراج من بنك المشرق في البورصة، حيث أدرج البنك صكوكاً بقيمة 500 مليون دولار أصدرتها شركة صكوك المشرق الإسلامي المحدودة.ووفق بيان صحفي صادر اليوم تستحق هذه الصكوك في عام 2030، وتم إصدارها ضمن برنامج المشرق لإصدار شهادات ائتمان بقيمة 2.5 مليار دولار، ويجري إدراجها حالياً كإدراج ثانوي بعد الإقبال القوي الذي شهدته في سوق الطرح الأولي.
ويشكل هذا الإدراج محطة بارزة في مسيرة المشرق، حيث يعزز وصوله إلى أسواق رأس المال العالمية، ويوسع حضوره في قطاع التمويل الإسلام، كما يعكس الدور المتواصل الذي تلعبه «ناسداك دبي» في ربط جهات الإصدار الإقليمية بقاعدة مستثمرين عالمية عبر منصتها المنظمة والمتنوعة.
واحتفالاً بعملية الإدراج، شارك عدد من كبار المسؤولين في المشرق، من بينهم أحمد عبد العال، الرئيس التنفيذي للمجموعة، وجويل فان دوسن، رئيس الخدمات المصرفية للشركات والاستثمار، وسلمان هادي، رئيس مجموعة الخزينة والأسواق العالمية، في حفل افتتاح السوق في «ناسداك دبي».
وقرع الرئيس التنفيذي للمجموعة جرس الافتتاح إلى جانب حامد علي، الرئيس التنفيذي لـ«ناسداك دبي» وسوق دبي المالي.
وفي معرض تعليقه على إدراج هذه الصكوك، قال معالي عبد العزيز الغرير، رئيس مجلس إدارة المشرق: يمثل إدراج هذه الصكوك خطوة مهمة في سياق التزام المشرق بتعزيز المشهد المالي الإسلامي العالمي، كما أنه دليل واضح على التزام المشرق طويل الأمد بالتمويل الإسلامي، وتعزيز تدفقات رأس المال العابرة للحدود، واستمرار نمو دور دولة الإمارات العربية المتحدة مركزاً عالمياً للتمويل الأخلاقي والمتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ونحن نفخر بتعزيز ثقة المستثمرين والمساهمة بشكل فعال في نضج أسواق رأس المال الإسلامية.
بدوره، قال أحمد عبد العال: يمثل إدراجنا الأول في بورصة ناسداك دبي فصلاً جديداً في مسيرة المشرق في أسواق رأس المال، ولا تقتصر أهمية هذا الإصدار على نجاحه في جذب اهتمام كبير من المستثمرين، بل إنه يؤكد أيضاً نهجنا المنضبط في التمويل، حتى في ظل بيئة اقتصادية كلية معقدة.
وأضاف: بينما نواصل تنويع هيكل رأسمالنا من خلال قنوات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، فإننا سنواصل التزامنا بتوفير أسس قوية، وشفافية في السوق، وقيمة مستدامة لجميع أصحاب المصلحة.
من جانبه، قال حامد علي، الرئيس التنفيذي لـ«ناسداك دبي» وسوق دبي المالي: يعكس هذا الإدراج تطلعات المشرق الطموحة في قطاع التمويل الإسلامي، ويؤكد في الوقت نفسه دورنا المحوري كسوق رائد يربط بين جهات الإصدار الإقليمية والمستثمرين العالميين، وبينما تواصل دبي تعزيز وتطوير بنيتها التحتية لأسواق رأس المال، نلتزم بتوفير منصة فعالة وشفافة تلبي احتياجات التمويل المتنوعة، وتدعم النمو المستدام عبر كافة أطياف المنظومة المالية.
ويمثل هذا الإصدار التاريخي للصكوك عودة ناجحة للمشرق إلى أسواق رأس المال الدولية، فضلاً عن أنه أول إصدار عام من منطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا منذ الإعلان عن التعريفات الجمركية الأميركية في أبريل 2025، التي أدت إلى إحداث تقلبات متسارعة في الأسواق العالمية.
و ساهم نجاح هذه الصفقة في تجديد ثقة المشاركين في السوق، كما تبعها سلسلة من الإصدارات الأخرى، مما ساعد على إعادة فتح السوق أمام جهات الإصدار الإقليمية.
واستقطبت هذه الصفقة اهتماماً كبيراً من المستثمرين، محققةً رقماً قياسياً في حجم طلبات الاكتتاب بلغ 2.9 مليار دولار أمريكي، أي ما يقارب ستة أضعاف حجم الاكتتاب.
وجرى تخفيض السعر النهائي إلى 105 نقاط أساس فوق عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مع معدل ربح ثابت قدره 5.03% سنوياً، ما يعكس قوة وجودة دفتر الطلبات وثقة المستثمرين القوية في أساسيات الائتمان لدى المشرق.
ويؤكد هذا الإصدار الذي شهد مشاركة واسعة من أكثر من 90 مستثمراً عالمياً في أسواق الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، ريادة المشرق في مجال التمويل الإسلامي، كما أنه يعزز مكانة دبي المتنامية مركزاً عالمياً لأسواق رأس المال المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وبهذا الإدراج، ترتفع القيمة الإجمالية للصكوك المدرجة في «ناسداك دبي» إلى 97.2 مليار دولار أميركي، ما يعزز مكانة البورصة كواحدة من أكبر مراكز الدخل الثابت الإسلامي على مستوى العالم.
وبلغت القيمة الإجمالية لأدوات الدين المدرجة في «ناسداك دبي» أكثر من 140 مليار دولار، موزعة على 163 إصداراً، ما يعكس تطور وتنوع أسواق رأس المال في دولة الإمارات، وجاذبية دبي المتنامية وجهة مفضلة للاستثمارات الإقليمية والدولية.