مغامرة محفوفة بالمخاطر.. رحالة بحرينية تروي تفاصيل جولتها في معقل طالبان
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
لم يقف أي عائق عثرة أمام الرحالة البحرينية، رشا يوسف، لتحقيق حلمها المتمثل بالسفر لجميع دول العالم، سواء كانت تلك العوائق حروبا تعيشها بعض البلدان، أو حتى المغامرة في الذهاب لدولة يقودها نظام يقمع النساء.
وعندما قررت الشابة السفر إلى أفغانستان والطوف في مدنها المختلفة خلال شهر رمضان، لم تكترث بوجود حركة طالبان في السلطة، رغم أنها تدرك خطورة هذه الخطوة بالنسبة لبلد يعيش أيضا وضعا أمنيا غير مستقر.
وقالت في مقابلة مع موقع "الحرة"، إن هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر كانت "تستحق"، مضيفة: "أدرك خطورة السفر كامرأة بمفردي لأفغانستان، وأنها بلد غير مستقر أصلا".
وبعد عامين من التخطيط الطويل ودراسة الوضع في أفغانستان ورصد تجارب الآخرين، انطلقت الرحالة البحرينية من دبي إلى كابل في رحلة استغرت 10 أيام، طافت خلالها عدة مدن، بما في ذلك مزار شريف وقندهار، معقل حركة طالبان.
"بيروقراطية"تروي يوسف قصتها قائلة: "قررت المضي قدما في هذه المغامرة بعد أن رأيت جميع تجارب الرُحال تسير بصورة سلسة دون مشاكل، رغم الوضع الأمني غير المستقر والقانون الصارم والقيود المفروضة على النساء المحليات"، مردفة: "لكن السائحات معفيات من بعض تلك القيود مثل دخول الحدائق أو الأماكن العامة الأخرى كالمتاحف والقلاع والمزارات السياحية".
ومع ذلك، يبقى الحجاب أمرا أساسيا لا يعفى منه أحد، بما في ذلك السائحات والعاملات في المنظمات الدولية اللواتي يتواجدن في أفغانستان، حسبما ذكرت يوسف، التي سافرت إلى 157 دولة من أصل 197 من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة التي ترغب بإكمالها، وهو الحلم الذي تركت وظيفتها الرسمية في سبيل الوصول إليه.
ومنذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في البلاد منتصف أغسطس عام 2021، فرضت تفسيرها المتشدد للدين ومنعت النساء من حقوقهن الأساسية، بما في ذلك التعليم وقيادة السيارة.
في مقابلتها، روت يوسف طريقة السفر إلى أفغانستان بعد حصولها على تأشيرة من مبنى قنصلي في دبي بواسطة وكيل محلي هناك، واصفة تلك الإجراءات بـ "البسيطة".
لكن البيروقراطية، وفقا ليوسف، بدأت بعد وصولها إلى كابل، حيث اتجهت أولا لوزارة الإعلام للحصول على تصريح ورقي يشير إلى أنها جاءت البلاد كسائحة.
وقالت إنها قابلت مسؤولا في وزارة الإعلام، عرض عليها المساعدة وأنهى أوراقها اللازمة بالحصول على تصريح لكافة الولايات في البلاد، قبل اعتمادها من وزارة السياحة بالعاصمة أيضا، موضحة أن "كل ولاية أزورها، يجب أن أبدأ رحلتي فيها بمقر وزارة السياحة فيها للتوقيع على تلك الأوراق".
تباين في الثقافاتفي رحلتها المثيرة للاهتمام، شعرت يوسف بالتباين في ثقافات المجتمعات المحلية من مدينة لأخرى، فالبعض متشدد دينيا كما هو الحال في بلخ وقندهار على سبيل المثال، فيما هناك انفتاح جزئي في هرات وأجزاء من كابل.
وقالت الرحالة البحرينية التي سبق لها زيارة أوكرانيا في زمن الحرب: "كنت متحمسة جدا لهذه الرحلة، وحاولت فيها مقابلة أكبر قدر ممكن من الناس، مما جعلني اختار مرشدين محليين مختلفين في كل مدينة مررت فيها".
وتابعت: "وصلت كابل في المساء أثناء صلاة التراويح وكان كل شيء مغلقا والحياة شبه متوقفة حتى بعد الانتهاء من الصلاة. كنت صائمة ولم أتناول سوى بعض الفواكه التي وجدتها في بقالة قريبة مفتوحة، وكانت تلك وجبة الفطور والسحور في أول أيام الرحلة".
وتستذكر بقولها: "انطلقت في اليوم الثاني لمزار شريف عبر الطيران الداخلي، وزرت أولا بلخ وهي مدينة محافظة جدا، لدرجة أن جميع النساء يغطين وجههن كاملا بالنقاب الأزرق.. شعرت وكأني الوحيدة التي تكشف وجهها هناك، وكانت تجربة فريدة".
وتبعد مزار شريف 20 كيلومترا عن بلخ، وهي مدينة صغيرة تابعة لولاية تحمل الاسم ذاته.
لاحقا، انتقلت الرحالة البحرينية جوا من مزار شريف إلى ولاية هرات، التي قالت إنها مختلفة عن بقية المدن؛ نظرا لأن سكانها لديهم "انفتاح أكبر".
وتصف تجربتها بالقول: "شعرت في هرات بشعور مختلف فيما يتعلق بأجواء الانفتاح. إنها أقرب لإيران في كثير من النواحي، بما في ذلك اللغة الفارسية. كانت هناك مرشدات معي وهي المدينة الوحيدة التي وجدت فيها مرشدات من النساء".
ثم غادرت يوسف تلك الولاية متجهة إلى قندهار، في رحلة برية استمرت 9 ساعات، لكن الصدمة الأولى قبل المغادرة إلى هناك جاءت من سائق سيارة الأجرة، الذي رفض في البداية ركوبها كونها امرأة وحيدة.
وتحكي شعورها: "أدركت أني أغادر إلى المجهول عندما رفض سائق التاكسي في هرات هذه الرحلة خوفا على سلامته عند الوصول لقندهار، لكن بعد مشاورات تمت عبر المرشدات اللواتي يتحدثن الإنكليزية، قررنا المضي قدما ومعنا شخص ثالث في الرحلة، هو فتى صغير لا يزيد عمره عن 14 عاما، وهو من أقرباء السائق".
وواصلت حديثها: "كان الطريق ممتعا بالحديث مع ذلك الفتى الذي يجيد الإنكليزية أيضا، وكان يترجم حديثي مع سائق التاكسي الذي طلب مني تغطية وجهي قبل الوصول لقندهار. ولأني لا أملك شيئا لتغطية وجهي، لجأت للكمام الجراحي وعندها أدركت أني وصلت إلى (طالبان لاند)".
ومضت في قولها: "كنت خائفة هناك، لكن الأمور سارت على ما يرام قبل أن أعود لكابل، حيث شعرت بهزة أرضية عنيفة عندما كنت في غرفتي بالفندق خلال آخر يوم من رحلة أفغانستان، التي شهدت أثناء إقامتي فيها 3 تفجيرات".
"مخجل إنسانيا"ومع ذلك، ترى يوسف أن تجربتها "تستحق المغامرة وتستحق أيضا أن تكررها مستقبلا في وضع أفضل"، رغم أنها قالت إن الدولة "غير مهيأة للسياحة"، مع "تدهور البنية التحتية الأساسية، وتواضع الفنادق، والإجراءات الأمنية الصارمة في كل مكان"، على حد تعبيرها.
ووصفت شعورها بعد أن رأت الواقع المرير الذي تعيشه البلاد في ظل حكم طالبان بـ "المؤسف إنسانيا"، لا سيما النساء اللواتي يحرمن من التعليم.
وقالت إن النساء الكبيرات تعلمن ودرسن في ظل وجود الحكومة السابقة المدعومة من الولايات المتحدة، لكن أولئك الأمهات "يتحسرن" على بناتهن المحرومات من التعليم وبقية الحقوق الأساسية.
كذلك، لاحظت يوسف خلال الرحلة وجود عمالة من الأطفال "بأعداد مهولة ممن هم تحت سن السادسة أو السابعة من العمر، مما لا يبشر بالخير.. فهناك خسارة لمستقبل جيل كامل"، وفق تعبيرها.
وتابعت: "هذا مخجل إنسانيا؛ لأننا لا نستطيع أن نفعل لهم شيئا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: بما فی ذلک
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: «يلا بابا!» فيلم يصالح الماضي
في فيلمها «يلا بابا!» (2024)، تمزج المخرجة اللبنانيةإنجي عبيد بين سيرة ذاتية متشظية وسينما الطريق لتصوغ عملًا يتجاوز حدود الوثيقة إلى فضاء التأمل الإنساني والسياسي في آنٍ معًا. يروي الفيلم رحلةً حقيقية بين أب وابنته، بحثًا عن مصالحة بين الماضي والحاضر. وعلى مئة دقيقة، ينطلق من فكرة بسيطة ظاهريًا -رحلة من بروكسل إلى بيروت- لكنه يتحول تدريجيًا إلى مختبر بصري للذاكرة والهوية والعبور.
تنتمي أنجي عبيد إلى جيل لبناني عاش خارج الوطن، لكنه ظل مشدودًا إليه عبر الذكريات والصور. فمنذ اللقطة الأولى، يتبدى أن الفيلم لا يسعى إلى استعادة الماضي بقدر ما يسعى إلى تفكيك الذاكرة وإعادة كتابتها على الطريق. حين تعيد أنجي المسار الذي قطعه والدها منصور قبل نحو أربعين عامًا، لا تعيد فقط خطوط الجغرافيا لكنها تستدعي خرائط عاطفية وتاريخية.
تتحول السيارة إلى كبسولة زمنية تُعلق الزمن بين لحظتين، ماض محفور في الذهن وحاضر يسعى إلى المصالحة. وبأسلوب بصري يعتمد على كاميرا داخلية متأملة، يصوغ المصور Thomas Szacka-Marier إطارًا حميمًا يكشف رهافة العلاقة بين الأب والابنة، حيث تصبح العدسة وسيطًا بين البوح والسكوت. في كثير من المشاهد، تترك أنجي الكاميرا تسجل صمت والدها وهو يحدق عبر الزجاج الأمامي، فيتحول هذا الصمت إلى لحظات مواجهة غير منطوقة.
يعتمد توماس سزاكا-مارييه على إضاءة طبيعية وزوايا منخفضة تُحاكي نظرة الرفيق لا المراقب، فيما يوظف داني أبو لوح إيقاعَ المونتاج لتكثيف الصمت وتحويله إلى زمن سردي بديل.
العلاقة بين الأب والابنة – بين التوثيق والعلاج الذاتي
ينتمي «يلا بابا!» إلى تيار الوثائقي الذاتي (Autobiographical Documentary) لكنه يستعير من سينما الطريق هيكلها المفتوح ومساحتها الوجودية ليصوغ رحلة داخلية بقدر ما هي جغرافية.
في السيارة، تُرغم المسافة القريبة الجسدين على مواجهة رمزية ومباشرة...منصور، حامل ذاكرة المنفى والرحيل؛ وأنجي، ابنة الغربة، الساعية إلى جذور في زمن العولمة.
الحوار بينهما يتأرجح بين الحميمي والوجودي، بين النبرة الأبوية والبحث عن الندية.
هنا تبرز عبيد في إدارتها للمسافة البصرية والعاطفية؛ فالكاميرا، وإن كانت شاهدة، إلا أنها تتحول في لحظات إلى مرآة داخلية تُعيد تشكيل السلطة بين الأب والابنة.
يذكر هذا التكوين بأعمال في الوثائقي الذاتي مثل Stories We Tell لسارة بولي، وNobody’s Business لِـآلان برلينر، حيث يتحول التوثيق إلى فعل اعتراف ومصالحة مع الذات والآخر.
جغرافيا الطريق – سرد بصري بين أوروبا والشرق الأوسط
تتخذ أنجي الطريق كخريطة سردية للهوية. فكل محطة من الرحلة -من بلجيكا إلى ألمانيا، من البلقان إلى تركيا فسوريا ولبنان- تفتح طبقة من المعنى.
تلتقي تحولات أوروبا السياسية (الهجرة، الحدود، الحرب) مع التحولات المكانية والوجدانية للمنطقة العربية.
من خلال هذا التوازي، يقدم الفيلم نقدًا ضمنيًا للعلاقة بين الذاكرة الفردية والتاريخ الجمعي؛ فذاكرة الأب ليست معزولة عن سرديات المنفى اللبناني، وذاكرة الابنة تنفتح على سؤال الانتماء الهجين في أوروبا المعاصرة.
هكذا يصبح الطريق أرشيفًا متحركًا، يحمل آثار الزمن وصدى الحروب وصور المهاجرين العابرين الذين يعيدون صياغة الجغرافيا الإنسانية المعاصرة.
أسلوب التصوير والمونتاج – بين التأمل والإيقاع الداخلي
اختارت المخرجة أسلوب تصوير مقتصد، حيث الكاميرا داخل السيارة هي عين الرقيب والمشارك في آن واحد. هذا التقييد المكاني يولد توترًا بصريًا ولغويًا، فكل نظرة وكل صمت يصبح حدثًا دراميًا. وفي بعض المشاهد، كانت سيارة أخرى ترافق الرحلة لتلتقط اللقطات الخارجية، مما أضفى بعدًا بصريًا إضافيًا يُكمل العزلة الداخلية للمقصورة بلقطات من الخارج تُراقب الرحلة من مسافة.
يستثمر المونتير Dani Abo Louh هذا التوتر بإيقاع غير خطي، يتيح للزمن النفسي أن يسبق الجغرافي.
تُستخدم لحظات الصمت كأداة سردية توازي الحوار، فتتجلى المشاعر عبر اللقطات العابرة للمدن والطرقات أكثر مما تتجلى في الكلمات.
هنا يتجلى الحس الشعري للفيلم؛ إنه وثائقي الطريق الذي يتحول إلى قصيدة بصرية، حيث الحنين والاغتراب يمتزجان مع ضوء المساء الأوروبي وذاكرة المشرق.
في عروض الفيلم ضمن مهرجانات مثل BRIFF (بروكسل) وصوفيا السينمائي الدولي ومهرجان إسطنبول للأفلام الوثائقية، بدا واضحًا أن العمل يتجاوز خصوصيته الثقافية نحو كونية التجربة الإنسانية.
فـ«يلا بابا» يُقرأ بوصفه رحلة رمزية لأجيال تبحث عن معنى العودة والانتماء في عالم تتبدل حدوده وهوياته باستمرار.
وقد أضاف عرض الفيلم في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط بُعدًا آخر لتلقيه، إذ جاء في فضاء عربي متوسطي يعيد وضع الرحلة في سياق جغرافي وثقافي متقاطع بين الشرق والغرب.
تفاعل الجمهور العربي في الإسكندرية مع الفيلم كان محملًا بالحس الوجداني والنوستالجيا تجاه فكرة العودة، وبالرغبة في قراءة العلاقة بين الأجيال من خلال منظور إنساني وعاطفي قريب من التجربة اليومية.
وهكذا يتبدى أن قوة «يلا بابا» تكمن في قدرته على التحرك بين الحميمي والكوني، بين العائلة والتاريخ، وبين الفردي والجماعي، ليغدو العمل مساحةً مشتركة للتأمل في معنى الهوية والانتماء عبر البحرين -المتوسط والإنساني.
«يلا بابا!» فيلم طريق يتحول إلى فعل مصالحة عبر الصورة، حيث تمتزج الرحلة بالبوح، ويصبح الطريق مساحةً لاستعادة الذات وإعادة بناء العلاقة مع الآخر.
تمزج أنجي عبيد بين التوثيق والبوح الذاتي لتخلق عملًا يُعيد تعريف معنى العودة والرحلة في آن واحد.
وحين تصل الكاميرا إلى بيروت، تبدأ الحكاية من جديد؛ إذ يتحول السفر إلى تأمل هادئ في الذات والعودة، فتغدو الذاكرة صورة نابضة بالحياة، والصورة مساحة مفتوحة للمصالحة والبحث عن الجذور.