أصول النجاح فى المعاملات مع الناس
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
إن من أعظم أسباب النجاح فى التعامل مع الناس مراقبة الله عز وجل والعمل ابتغاء وجهه، وهى أن تبنى أعمالك وتصرفاتك كلها معهم ابتغاء وجه الله تعالى وطلبًا لثوابه ومرضاته، وجاءت الأدلة من كتاب الله وسنة النبى صلى الله عليه وسلم توضح ذلك فى الإنفاق والإطعام والعطاء، قال ربنا «ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا إنما نطعمكم لوجه الله» وقوله «الذى يؤتى ماله يتزكى ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى»، وفى الصبر على أذى الناس قال تعالى «والذين صبروا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى» وقال صلى الله عليه وسلم «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» وينبغى أن يراقب العبد ربه فى تصرفاته مع الناس وذلك لأن أعماله كلها يراها الله تعالى «يعلم السر وأخفى».
الأصل الثانى من أصول النجاح فى المعاملات مع الناس الوضع فى الاعتبار أن أهل الإيمان كلهم إخوانه، فينبغى أن يضع كل مسلم هذا أمام عينيه فى التعامل مع المؤمنين «إنما المؤمنون إخوة» وقال صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
الأصل الثالث الإلمام بأكبر قدر من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالحرص على كتاب الله وسنة نبيه فيهما الكثير من الخير يستضيء بهما فى طريقه وتعاملاته مع الناس.
الأصل الرابع: سؤال الرب عز وجل التوفيق وحسن الخلق، فالمهتدى من هداه الله «من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا».
وهناك طائفة من الأعمال تجلب المودة ومحبة الناس، منها الإيمان بالله والعمل الصالح وإفشاء السلام، والهدية لها أثر عظيم فى جلب المودة والمحبة.
الأصل الخامس من أصول النجاح فى المعاملات مع الناس هو الإحسان والعفو عن الناس قال ربنا «لا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم».
الأصل السادس هو الشفاعة «الوساطة»، فالوساطة سبب طيب فى توطيد أواصر المحبة وجلب المودة بين الناس، مادامت شفاعة حسنة أما إن كانت الشفاعة تحول دون إقامة حدود الله أو تضييع لحقوق الناس فهى حرام.
الأصل السابع دفع الشكوك عن المسلمين وقد أمرنا بذلك الشرع الحنيف حتى تبقى قلوب العباد نظيفة ولا يتسرب إليها الشك.
الأصل الثامن الرفق واللين من أعظم أصول المعاملات الناجحة مع المسلمين قال ربنا تعالى «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك» وقال تعالى «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين» وقال صلى الله عليه وسلم «إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق».
الأصل التاسع ألا ننسى للناس فضلهم وإن أخطأوا فهم بشر.. الأصل العاشر هو جبر خواطرهم ومراعاة مشاعرهم.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
من صور التمكين في السيرة النبوية
حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوسع مجال دعوته؛ فخرج إلى الطائف وعرض الإسلام على زعمائها إلا أنهم رفضوا ذلك وبالغوا في السفه وسوء الأدب معه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم، وقصد مكة ليواصل تبليغ الرسالة وأداء الأمانة ونصح الأمة، ولم يدخل مكة بدون تخطيط أو دراسة مستوعبة لكل الملابسات والظروف المحيطة به، بل درس الأمر وخطط للمرحلة القادمة، ورأى بثاقب بصره وبعد نظره أن يتصل بمطعم بن عدى سيد قبيلة بنى نوفل بن عبد مناف وطلب جواره، فاستجاب لطلب النبي صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله ومعه زيد بن حارثة في حراسة بنى نوفل الذين تحلقوا حوله بالسلاح، وهو يصلي في البيت الحرام وذهبوا في حراسته حتى دخل بيته.
لقد كان بنو نوفل مؤسسة قوية في المجتمع القرشي الذي له أعرافه وتقاليده المقدسة، فاستفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من تلك القوانين الموجودة ووظفها بكل دقة وحنكة وسياسة لمصلحة الدعوة (1).
هكذا دخل رسول الله صلى عليه وسلم إلى مكة بعد رجوعه من الطائف، وبدأ يعرض نفسه على القبائل في المواسم: يشرح لهم الإسلام، ويطلب منهم الإيواء والنصرة، حتى يبلغ كلام الله عزَّ وَجَلَّ وكان رسول الله يتحرك في المواسم التجارية ومواسم الحج التي تجتمع فيها القبائل وفق خطة دعوية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، وكان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل على أنه حامل دعوة من الله من أجل حمايته لكي يتمكن من تبليغ دعوة الله إلى الناس، ومن أجل نصرته فيما يسعى إليه من إقامة سلطان لتلك الدعوة، ويوفر لها ولأتباعها الحماية والأمن، ومن ثم يمكنها من الانطلاق في الأرض داعية كل جنس ولون إلى الاستجابة لأمر الله.
ومن توفيق الله لدعوته أن المدينة المنورة كانت تعيش ظروفًا خاصة ترشحها لاحتضان دعوة الإسلام، وتجتمع فيها عناصر عديدة لا تجتمع في غيرها:
1- منها التشاحن والتطاحن الموجود بين قبيلتي المدينة: الأوس والخزرج، وقد قامت بينهما الحروب الطاحنة كيوم بعاث وغيره، وقد أفنت هذه الحرب كبار زعمائهم، ممن كان نظراؤهم في مكة والطائف وغيرهما حجر عثرة في سبيل الدعوة، ولم يبق إلا القيادات الشابة الجديدة المستعدة لقبول الحق
2- ومنها مجاورتهم لليهود مما جعلهم على علم - ولو يسيرًا - بأمر الرسالات السماوية، وخبر المرسلين السابقين، وهم - في مجتمعهم - يعايشون هذه القضية في حياتهم اليومية، وليسوا مثل قريش التي لا يساكنها أهل كتاب، وإنما غاية أمرها أن تسمع أخبارًا متفرقة عن الرسالات والوحي الإلهي، دون أن تلح عليها هذه المسألة، أو تشغل تفكيرها باستمرار، فلما أراد الله إتمام أمره بنصر دينه، قيض ستة نفر من أهل المدينة للنبي صلى الله عليه وسلم فالتقي بهم عند العقبة - عقبة منى - فعرض عليهم الإسلام، فاستبشروا وأسلموا، وعرفوا أنه النبي الذي توعدهم به اليهود، ورجعوا إلى المدينة، فأفشوا ذكر النبي في بيوتها (3)، وكان هذا هو «بدء إسلام الأنصار» كما يسميه أهل السير (4).
لقد كانت المدينة المنورة تربة صالحة لانتشار الإسلام، فاليهود يهددون بنبي أظل زمانه يتبعونه ويقتلون الأوس والخزرج قتل عاد وإرم، والعرب أهل فراسة ونخوة أضاءت بعض شموع الحق بينهم، وكأنها إرهاصات للنصرة والنجدة وقام الوفد بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة.
ولما جاء وقت العام التالي وافى الموسم ضِعف العدد الأول - اثنا عشر رجلاً من المؤمنين- فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يشركوا بالله شيئًا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوه في معروف، وتعرف هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى.
ولقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم مع المبايعين مصعب بن عمير يعلمهم الدين ويقرؤهم القرآن، فكان يسمى في المدينة المقرئ وكان يؤمهم في الصلاة (6).
وكانت دعوة مصعب رضي الله عنه في المدينة موفقة وحققت أهدافها، وشرع يشرح للناس تعاليم الدين الجديد وتعاليم القرآن الكريم وتفسيره، وتقوية الروابط الأخوية بين أفراد القبائل المؤمنة من ناحية، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بمكة المكرمة، لإيجاد القاعدة الأمنية لانطلاق الدعوة. لقد كان الدور الإعلامي والتعليمي والتوجيهي الذي قام به مصعب في المدينة له أثر كبير لتهيئة الظروف للمرحلة التي بعدها، لقد فتحت المدينة بالقرآن وبالدعوة إلى الله.
لقد اهتم عليه الصلاة والسلام ببناء الفرد المسلم الذي يحمل تكاليف الدعوة ويضحى من أجلها، ولذلك نجد جعفرًا يقوم بدور عظيم في تبليغ الدعوة وأداء الأمانة في أرض الحبشة، ونجد مصعبًا يفتح الله على يديه المدينة ويدخل كثير من أهلها في دعوة الإسلام.
إن النبي صلى الله عليه وسلم في طور المرحلة المكية قام بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة على خير قيام وكانت عناية الله وحفظه له وتأييده ظاهرة للعيان.
ولقد سار على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة وأداء الأمانة كثير من الدعاة على مر العصور وكر الدهور، ومكن الله لهم بين الناس حتى أدوا واجبهم في الدعوة إلى الله.