هل تُباع القِيم عند الحاجة؟
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
د.إبراهيم بن سالم السيابي
تُعرَّف القِيم بأنها تلك العادات والأخلاقيات والمبادئ التي نستخدمها ونمارسها في الكثير من تفاصيل حياتنا اليومية، وبصورة عامة هي الإنسانية، ومصطلح القِيم هو تلك الجزئية من الأخلاقيات، والغايات التي ينشدها الإنسان، ويسعى إلى تحقيقها، وتكون جديرة بالرغبة لديه؛ سواء أكانت تلك الغايات من متطلباته الذاتية أم حتى لغايات يُنشدها الإنسان في داخله.
وفي تعريف آخر فإنَّ القيم مجموعة من المبادئ والمقاييس والمعايير، الحاكمة على أفكار الإنسان، ومعتقداته، واتجاهاته، وهناك عدة أنواع من القيم مثل: القِيم الاجتماعية التي تحكم تصرفات الأشخاص وسلوكهم مع المجتمع، والقِيم الاقتصادية المتعلقة بالثروة والمال، والقِيم الجمالية التي تتعلق بحب الأشخاص للجمال، والابتكار، والذوق الراقي، والفنون، والقِيم الدينية المُتعلقة بالمفاهيم والمبادئ التي تسود بين الأشخاص المتدينين والمتأثرين بالأحكام الدينية، سعيًا لرضا الله عز وجل، ثم القِيم الشخصية المتعلقة بالصفات الخاصة بشخصيتهم مثل: الصبر، والثقة في النفس، والشجاعة، والحكمة، والقدرة على التحليل والفهم الجيِّد للأشياء، والصدق والأمانة.
ولا يختلف اثنان على أهمية القِيم في أي مُجتمع، إذ لها دور أساسي في توجيه سلوك الفرد والجماعة، حيث تدفع الفرد إلى العمل وتُوجه نشاطاته، وتُقوي إرادته، وتُعد القيم فاعلاً أساسيًّا في تماسك المجتمع، والمحافظة على وحدته، فهي أحد روابط الفرد بالجماعة، وتدفعه إلى النظر في المصلحة العامة ولو على حساب مصالحه الذاتية.
أما عن تعريف الحاجة؛ فهي شعور بالحرمان يُلح على الفرد، مما يدفعه للقيام بما يساعده للقضاء على هذا الشعور لإشباع حاجته، وتُعرف الحاجة اصطلاحًا بأنها كل ما يحتاجه المرء ليحافظ على حياته، وليشبع رغباته المتعددة، وإتاحة كل ما هو مفيد له حتى يتطور وينمو، وعُرفتْ الحاجة في قاموس الخدمة الاجتماعية بأنها مطالب اجتماعية، واقتصادية، ومادية، ونفسية، يحتاجها المرء ليبقى في حالة من الإنجاز والرفاهية.
وبعد هذا المدخل حول الحاجة والقِيم، نعود لموضوعنا الرئيسي ونسأل: هل تُباع القِيم عند الحاجة؟
ونحن نعيش أحداث العدوان على غزة، وما يتعرض له هذا القطاع من وحشية من اعتداء وقتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء العُزل، وتجويعهم وتدمير ممتلكاتهم، وبيوتهم، ومدنهم، ودُور عبادتهم، ومستشفياتهم، فإن هذا الاعتداء المُمنهج من كيان غاصب محتل يُطلق على نفسه مسمى دولة، ومع الأسف لها عضوية فيما يطلق عليها عصبة الأمم؛ فالصمت المطبق على هذا الاعتداء من معظم الدول، عدا بعض الدول القليلة التي أعلنت رفضها لهذه التصرفات والاعتداءات، ووقفت مع الحق الأبلج، وهناك دول كانت تتغنى بالقيم والمبادئ، والعدالة، والإنسانية لم تكتفِ بالصمت المُطبق عن هذه المجازر، وحرب الإبادة الجماعية، بل ساندت هذا الكيان الغاصب بالمال والسلاح ودعم غير محدود.
وإذا علمنا أن قوى الشر تجتمع لمصالحها، فإنَّ الحاجة هنا كما هو واضح تتوافق مع هذه المصالح، فقوى الشر والهيمنة والغطرسة بحاجة إلى بعضها البعض بما يتوافق مع مصالحها ورغباتها ولتذهب القيم الى الجحيم، وبالتالي؛ تكون على رأي واحد حتى إن كان الأمر بعيدًا عن الحق والعدل والإنسانية وحتى رغبات شعوبها التي خرجت في الشوارع بالملايين تطالب بالتدخل لمنع هذه الحرب، ووقف الدماء التي تُراق في الشوارع والطرقات، وتعارض ظلم التجويع والترويع الذي يمارسه كيان الطغيان والبغي.
هذا عن مصالح قوى الشر والبغي ولكن ماذا عن دول الإخوة في الدين واللغة والمصير، لماذا باعت القيم والعروبة والدم والعقيدة واقتصرت مواقفهم المخزية والخجولة على بيانات الإدانة والشجب، وإدخال أرغفة الخبز وقليل من الطعام الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع؟
نجد أن الحاجة هي السبب كذلك؛ فالبعض من هذه الدول وإن كانت تدعي وجود الإرادة السياسية المستقلة، فهي ليست كذلك، فالبعض منها لا تستمد شرعيتها من شعوبها بل تعتقد بأنها تستند في بقائها على قوى أخرى، وأخرى مكبلة بالحاجة إلى الاقتراض والمال والمساعدات بعد أن فشلت في الاعتماد على نفسها، وتكوين كيان اقتصادي لتوفير العيش الكريم لشعوبها، وبالتالي فإنها لا تملك قرارها بيدها مع الأسف، كما إن بعضها مع الأسف تلهث وراء الانضمام إلى ركب القوى العظمى لتلحق بركب الانحطاط والتدني.
هناك نوع من الحاجة تباع فيه القيم، فنجد الحاجة هي من يقود بعض الدول إلى الاقتراض من مؤسسات الإقراض الدولية التي لا يخفى على أحد توجهاتها وأهدافها، والتاريخ خير شاهد، فهذه المؤسسات الإقراضية تفرض شروطها وإرادتها على هذه الدول، وتُجردها من الكثير من القرارات الخاصة بالسيادة، ومن رفاهية شعوبها، وتجعلها أسيرة إلى هذه المؤسسات فترة طويلة من الزمن.
هذا عن الدول والإرادات السياسية.. فماذا عن الأفراد؟
أما عن الأفراد فهم بحاجة إلى احتياجاتهم الأساسية من الأمن، والغذاء، والتعليم، والصحة، والوظيفة، ولإثبات الذات والقدرات والامتلاك وغيرها من احتياجات التي تلامس منظومة القيم لدى الإنسان مقابل الحصول على هذه الاحتياجات.
فهل يبيع الأفراد القيم كذلك عند الحاجة؟ فضاء الإجابة ومساحة التأويل مفتوحين للقارئ، ليحكم ويقرر بنفسه.
** خبير في الشؤون المالية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
زوجي مقصر فى مصاريف البيت بسبب السجائر.. هل آخذ من ماله؟.. أمين الفتوى يجيب
أجاب الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن سؤال شيماء من البحيرة، والتي قالت: "أنا متزوجة من 19 سنة، وعندي 4 أولاد، زوجي مُسرف جدًا على أشياء غير ضرورية، بينما يمتنع عن الإنفاق على ضروريات البيت كعلاج الأولاد ودروسهم، رغم دخله الجيد، ينفق يوميًا أكثر من 100 جنيه على السجائر، فهل لو أخذت من ماله دون علمه لشراء ما نحتاجه أكون آثمة؟ وأحيانًا أفكر في الطلاق؟.
وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حوار مع الإعلامية زينب سعد الدين، ببرنامج "فتاوى الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس: " بلاش تتسرعي في التفكير في الطلاق، لأنه آخر حل، والطلاق بيهد كيان الأسرة وبيشرد الأولاد، لكن سؤالك فيه أكثر من نقطة مهمة".
وأضاف: "المشكلة الأولى هي الإسراف، والإسراف هو إنفاق المال في غير محله، وده خطأ شرعي، خاصة إذا جاء على حساب الحاجات الأساسية للأسرة.. عليكِ أن تتحدثي مع زوجك بالكلمة الطيبة، وتوضحي له أن أولادكم أولى بهذه الأموال، وأن البيت بحاجة لعلاج وطعام ودروس".
ووجه الشيخ محمد كمال رسالة مباشرة إلى الزوج، قال فيها: "يا أخي الكريم، سيدنا النبي ﷺ قال: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول)، يعني حتى لو بتصلي وبتصوم، لكن مقصر في النفقة على زوجتك وأولادك، هذا وحده كافٍ ليكون إثمًا عظيمًا أمام الله يوم القيامة".
وأشار إلى أن النفقة على الزوجة والأبناء من أعظم القربات، موضحا: "الفلوس اللي بتنفقها على أولادك وزوجتك أفضل عند الله من الصدقة على غيرهم، لأنك مسؤول عنهم".
أما عن حكم أخذ الزوجة من مال زوجها دون علمه، فأجاب الشيخ كمال: "إذا كان الزوج مقصرًا في النفقة الواجبة، يجوز للزوجة شرعًا أن تأخذ من ماله بقدر الحاجة فقط، للطعام، الشراب، العلاج، والملبس، ولا تأثم بذلك، وهذا ما أقره النبي ﷺ بقوله: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)".
وحذر من التوسع في ذلك بغير ضرورة: "ما ينفعش تاخدي فلوس وتشتري ذهب أو تحوّشي في البنك، لكن فقط بقدر الحاجة".