تخيلوا معى هذا المشهد:
فى يوم الأحد 14 إبريل 2024، وجَدَت الكاتبة الإنجليزية الرائعة جين أوستن نفسها فى أحضان شوارع القاهرة الصاخبة، رغم أنها معتادة على المناظر الطبيعية الهادئة والمجتمع المحافظ فى إنجلترا الأم، فإن مشاهد الحياة والاصوات الصاخبة لهذه المدينة المصرية النابضة بالحياة تمثل تجربة جديدة تمامًا بالنسبة لها.
فى الشوارع المكتظة، كانت تصيخ السمع لصخب أصوات الناس الذين يتحدثون بلغة مختلفة، وألوان أكشاك السوق المتنوعة، وعبَق البهارات الغريبة العطرة.
إحدى الوجهات التى أثارت فضول أوستن هو المتحف المصرى الجديد، الذى يعتبر دليلًا على الثراء التاريخى والثقافى لهذه الأرض القديمة. أثارت إعجابها مجموعته الرائعة من الآثار والكنوز والتى تفتح نافذة على الماضى الرائع لمصر.
وبينما كانت جين تزور القاهرة، التقت بأستاذ مصرى يُدعى كمال عبدالملك، الذى قدّم نفسه بصفته معجبًا متحمسًا برواياتها. فى ثنايا الحديث، تحدثا عن المواضيع الانسانية مثل الحب والصداقة والقيم الاجتماعية التى تتخلل رواياتها. من خلال مراقبتها الدقيقة وذكائها، استطاعت أن تلتقط جوهر العلاقات الإنسانية وتعقيدات الحياة اليومية، وتتخطى الفجوة بين القرون والثقافات.
جين أوستن (ج.أ.): نهارك سعيد، مستر ملك. من دواعى سرورى أن ألتقى بقارئ يقدّر رواياتى.
كمال عبدالملك (ك.ع.): نهارك سعيد، مس أوستن.. أعمالك جلبت لى ساعات لا تحصى من المتعة والتنوير.
ج.أ. : أنا مسرورة بسماع ذلك. أخبرنى، أى من رواياتى تلقى استحسانك أكثر؟
ك.ع. : أوه، هذا سؤال صعب. كل رواياتك تحمل مكانًا خاصًا فى قلبى، ولكن إذا كان عليّ اختيار واحدة، فسأختار Pride and Prejudice»كبرياء وتحامل». ببساطة، الذكاء والتعليق الاجتماعى داخل صفحاتها لا يُضاهى.
ج.أ.: أها، Pride and Prejudice. يبدو أنها المفضّلة بين الكثيرين. وأخبرنى، كيف يرى الناس رواياتى هنا فى مصر؟
ك.ع.: رواياتك سوف تستمر فى إلهام وسحر القراء للأجيال القادمة. شكرًا لك على إثرائنا ببراعتك الأدبية. تعجبنى كلماتك فى رواية «أديرة نورثانجر» التى درسناها فى جامعة الاسكندرية: «لا يوجد شيء لن أفعله أو أضحى به من أجل أولئك الذين هم حقًا أصدقائى. لا أعرف شيئا اسمه، حب الناس نصف حب، فهذا ليس جزءًا من طبيعتى.» وفى احدى رسائلك قلتِ: «لا أريد للناس أن يكونوا لطفاء جدًا، حيث يوفر ذلك عليّ عناء أن أحبهم أكثر من اللازم» وكذلك: أنتَ تمتلك روحى. أنا نصف حُزن، ونصف أمل... لم أحب أحدًا سواك.»
ج.أ.: شكرًا لك، كمال، على كلماتك الطيبة وعلى إبقاء روح رواياتى حية فى مدينة القاهرة النابضة بالحياة. كان من دواعى سرورى التحدث معك.
مع وقت الغروب، تودّع جين كمال، سعيدة بلقائهما ومستلهمة بعضا من الالوان الزاهية للنسيج الحيوى للقاهرة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: والمجتمع المحافظ إنجلترا
إقرأ أيضاً:
رحلة النغم والألم ( 2 )
يستمر "عبد الحليم حافظ" في الحديث معى فيعرض إلى سرد المعالم الرئيسية في مشواره الفني وتعامله مع الجمهور، فيقول لى بثقة الفنان الأصيل المترع بالذوق الرفيع والإحساس الصادق: "أنا أحمل على أكتافي مهمة تبسيط الأداء، وهذا ما دفع بالجيل الغنائى الجديد أن يتجه صوب هذا الطريق". عندما يعرج على بداية حياته يقول في أسى المكلوم: " تحملت الصدمات منذ البداية لا سيما عندما عزف الجمهور عن الاستماع إلىّ، وطالبنى بالنزول عن المسرح وصاح البعض: "إيه ده اللى انت بتعمله؟". بيد أنى لم أحبط وتمسكت بالبقاء على المسرح حتى أحقق الهدف الذي جئت من أجله. تعاملت يومها مع السهل الممتنع، وهي مسألة في غاية الصعوبة".
وأسأله: هل توقعت هذه البداية من الجمهور؟ وكيف رسم لنفسه طريق الخروج من أزمة الموقف؟ فقال: "كل وسيلتي يومها كانت الاستمرار في البقاء وعدم مغادرة المسرح". ويردف قائلا: " أنا لا أعيش في أفكار مسبقة قبل مواجهتي للجمهور باستثناء العمل الغنائي. عندما أتجه إلى المسرح أتصرف بالبساطة. ما يأتى وأنا على المسرح يكون رد فعل للحظة ذاتها. فما كان من الممكن أن أرسم صورة مسبقة لمواجهة الجمهور، لأنني لو فعلت ذلك سأفشل، وأنعزل عن أحاسيس الناس. وأنا في ذلك أسير وفق ما قاله " هيتشكوك" ذاته:" كل واحد منا في إمكانه أن يمثل شرط أن يعطى للدور ما هو مطلوب".
ويحدثني عما كان يشغله في تعامله مع الأحداث والتطورات، فيقول: "تشغلنى المشاكل الاجتماعية بكل أشكالها. ولقد أدركت أن ما نعانى منه من فقر ومرض سببه الأول والأخير هو الجهل، ولهذا كان يتعين على التعليم أن يسلك الطريق الصحيح. ومن الطبيعى أن التعليم لا يتم إلا عن طريق إنشاء الجامعات، والإسهام في بناء الكليات، ولا بد من تعاون الحكومة والشعب لمحو الجهل والأمية. أمر آخر يشغلنى هو مسألة الحروب، فهي إذا انتهت في مكان اندلعت في مكان آخر. والمثال واضح أمامنا، فالحرب قد تتوقف في فيتنام لتندلع في الشرق الأوسط. وهناك مشكلة عدم استقرار في العالم، مع مشكلة تضخم السكن وغلاء المعيشة، وهذا ليس في مصر فقط وإنما في كل مكان في العالم".
ويتحدث "عبد الحليم حافظ" عن المشاكل التى قد تعرض للشباب فيقول:" مشكلة الشباب ذاتها هى التى تدفعهم إلى تدمير أنفسهم كى يشعر العالم بوجودهم، وانسياقهم في تيارات اللامبالاة، ونبذهم لوجوه الحياة، وهو ما يؤدى بهم إلى العيش في قلق دائم وتوجس، ويزداد الأمر وطأة بأن يجابه الشباب الطرق المسدودة في مختلف المجالات".
ويحدثنى "عبد الحليم" عما يفعله في أوقات الفراغ فيقول:" أعيش مع الموسيقى معشوقتى، فأستمع إليها، وأشاهد الأفلام السينمائية بكل ألوانها، وأمارس رياضة "البنغ بونغ"، وأقرأ في الأدب والسياسة". أما الأمور التى تتكرر كثيرا معه فتتعلق بالمشاعر مع المعجبين، وكلمات التقدير التي يخطها لهم سواء على صورة من صوره، أو على ورقة في " الأوتوجراف" فيقول: " كل تمنياتى بالسعادة والحب"، ويردف " عبد الحليم" قائلا: لقد اكتشفت قبل عامين أنها كلماتى الدائمة التى أكتبها للناس في معرض تقديرى لمشاعرهم تجاه أعمالى الفنية".
لقد بدا لى "عبد الحليم حافظ" ــ الذى يحمل بين أضلاعه كميات مكثفة من المشاعر والألم ــ أنه لم يصب بردود فعل سلبية من جراء ذلك، بل على العكس فإن كل الألم الذى اختصه والتصق به زاد من رهافة حسه، وزاد من نظرته الصافية تجاه الناس والأشياء، ولهذا غدا المألوف منه هو العبارة التي يعلق بها على كل ما يكتبه المعجبون به والتي اختصرها في قوله: "كل تمنياتي لكم بالسعادة والحب".