حذر صندوق النقد الدولي من أن العدد الكبير من العمليات الانتخابية هذا العام في دول مختلفة حول العالم يهدد جهود الإبقاء على الديون الحكومية ضمن مستويات مقبولة على المدى البعيد.

وقال مدير الشؤون المالية العامة في صندوق النقد الدولي فيتور غاسبار لوكالة الصحافة الفرنسية -قبيل صدور تقرير "الراصد المالي"- إن "التاريخ يُظهر والأدلة التجريبية تؤكد أن الحكومات تميل إلى إنفاق المزيد أو خفض الضرائب في الأعوام الانتخابية".

وأشار إلى أن الوضع هذا العام معقّد بشكل خاص لأن "الخطاب السياسي تهيمن عليه إشارات إلى التوسع المالي ودعوات إلى الدعم المالي أو الإنفاق العام أو كليهما".

وجاء في تقرير "الراصد المالي" -الذي نشره الصندوق الأربعاء- أنه "بعد 4 سنوات من تفشي جائحة كوفيد-19، بلغت معدلات عجز المالية العامة والديون مستويات أعلى مما كانت تنطوي عليه التوقعات قبل الجائحة".

وقال التقرير "من المتوقع أن يتم تشديد المالية العامة في العام 2024 لكن سيكون ذلك خاضعا لقدر كبير من عدم اليقين".

ويعود جزء كبير من عدم اليقين -بحسب الصندوق- إلى كون العام 2024 "عام الانتخابات الأكبر" وقد "عُقدت بالفعل أو سوف تُعقد انتخابات خلال هذا العام في 88 اقتصادا أو منطقة اقتصادية تمثل أكثر من نصف السكان وإجمالي الناتج المحلي في العالم".

وقال غاسبار "من الواضح أنه نظرا للرابط القوي بين السياسة المالية والسياسة، من المعقول تماما الاعتقاد بأن العوامل السياسية والخطاب السياسي ستلعب دورا إضافيا في الوقت الحالي".

عُقدت بالفعل أو سوف تُعقد انتخابات خلال هذا العام في 88 اقتصادا أو منطقة اقتصادية تمثل أكثر من نصف السكان وإجمالي الناتج المحلي في العالم

ارتفاع الدين العام العالمي

بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، فإن مستويات الإنفاق والضرائب الحالية وضعت الدين العام العالمي على مسار الارتفاع من 93% في 2023 إلى 99% بحلول العام 2029.

وأشار التقرير إلى أن هذا الارتفاع "تدفعه الصين والولايات المتحدة حيث يُتوقع استمرار ارتفاع الدين العام وتجاوزه مستويات الذروة التاريخية في ظل السياسات الحالية".

وأضاف أن "مستويات الديون الآخذة في الارتفاع إضافة إلى تشديد السياسة النقدية، ساهمت في زيادة العائدات الحكومية طويلة المدى وتقلبها المتزايد في الولايات المتحدة، فازدادت بالتالي المخاطر في البلدان الأخرى من خلال انتشار تداعيات أسعار الفائدة".

وفيما يتوقع الصندوق أن يبقى العجز المالي الأميركي عالقا فوق 6% في السنوات الخمس المقبلة، فإن المكانة الاقتصادية القوية للولايات المتحدة تجعلها "حالة استثنائية بقوة في التنمية المالية حول العالم"، بحسب غاسبار.

وتابع "تمتلك الولايات المتحدة هامشا ماليا كبيرا. فهناك الكثير من التدابير يمكن اتخاذها على مستوى الإنفاق والإيرادات".

ماذا عن الصين؟

على غرار الولايات المتحدة، يُتوقع أن يبقى العجز المالي في الصين عند مستويات مرتفعة على مدى السنوات الخمس المقبلة، ليرتفع من أكثر من 7% من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي إلى نحو 8% بحلول العام 2029.

وقال غاسبار "تبرز الصين كدولة بقي فيها العجز مرتفعا طيلة الوقت"، وأضاف "الصين كما الولايات المتحدة لديها مجال سياسي لتصحيح الوضع ويمكنها أن تقوم بذلك من وجهة نظر المالية العامة (…) ولديها مجال للمناورة".

وتابع "عليهم التحرّك بسرعة لضمان مصداقية الموارد المالية لحكوماتهم المحلية خصوصا في الحالات التي يتعرضون فيها للخطر بسبب العقارات والتطوير العقاري".

ونظرا للدور الذي تؤديه الصين باعتبارها مُقرضا ثنائيا "رائدا" للعديد من الاقتصادات النامية، يحمل وضعها المالي عواقب وخيمة على عدة دول في العالم.

وذكّر غاسبار بأن "الصين واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم ولديها دور بالغ الأهمية في بعض القطاعات، لذلك فإن أهمية تأثيرها ملحة جدا".

ودعا تقرير "الراصد المالي" دول العالم إلى "إعطاء دفعة هائلة للنمو طويل المدى" خصوصا في ظل التخفيف المتوقع للسياسة النقدية المتشددة في العديد من الأماكن من خلال خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام.

ويوصي صندوق النقد الدولي بأن تبدأ الدول "على الفور" بالإلغاء التدريجي لتدابير الدعم التي وُضعت خلال فترة جائحة كوفيد-19 وتقليص إعانات دعم الوقود والطاقة.

كما أوصى الصندوق بالقيام بإصلاحات "في نظام المستحقات في الاقتصادات المتقدّمة التي تزداد فيها أعداد المسنّين وزيادة الدقة في توجيه شبكات الأمان الاجتماعي وتحسين مستوى كفاءتها لدعم شرائح السكان الأكثر احتياجا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات صندوق النقد الدولی الولایات المتحدة المالیة العامة هذا العام فی العالم

إقرأ أيضاً:

محلل أمريكي: الذكاء الاصطناعي يهدد بعصر جديد من الصراعات الدولية

يمن مونيتور/قسم الأخبار

فرضت تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته نفسها بشدة على العالم خلال العامين الأخيرين، في ظل التطورات المتلاحقة التي حققتها هذه التكنولوجيا وفتحت الباب أمام تغييرات لا تعد ولا تحصى في حياتنا اليومية. فالذكاء الاصطناعي سيغير طريقة خدمة الحكومات لمواطنيها وطريقة قيادتنا للسيارات أو قيادة السيارات بنا، وطريقة أحلامنا وطريقة تشخيص الأطباء للأمراض وعلاجها وحتى طريقة إعداد الطلبة للأبحاث وكتابة المقالات الدراسية.

في مواجهة كل هذه التغيرات المرتقبة يطرح المحلل الاستراتيجي الأمريكي هال براندز في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء عددا من الأسئلة الجوهرية منها هل سيكون الذكاء الاصطناعي ثوريا؟ وهل سيغير ميزان القوة العالمي؟ وهل سيسمح للأنظمة المستبدة بحكم العالم؟ وهل سيجعل الحرب أسرع وأشد ضراوة وخارجة عن السيطرة؟ باختصار هل سيغير الذكاء الاصطناعي إيقاع تطورات الشؤون العالمية؟

بالطبع من السابق لأوانه تقديم إجابة قاطعة على هذه الأسئلة. فتأثيرات الذكاء الاصطناعي ستتوقف في النهاية على قرارات القادة والدول، وأحيانا ما تأخذ التكنولوجيا مسارا معاكسا بشكل مفاجئ. وحتى في ظل انبهارنا وقلقنا بالإصدار الجديد من منصة الذكاء الاصطناعي الأشهر “شات جي بي تي” فإنه علينا مواجهة الأسئلة الأعمق حول الشؤون الدولية في عصر الذكاء الاصطناعي. وعلينا التفكير في الاحتمال المفاجئ وهو أنه ربما لا يغير الذكاء الاصطناعي العالم بنفس القدر الذي نتوقعه لكنه هل سيجعل الحرب خارجة عن السيطرة؟

يقول براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية إن الذكاء الاصطناعي سيجعل الصراعات أشد تدميرا وأصعب في الاحتواء. ويطرح المحللون تصورا لمستقبل تستطيع فيه الآلة قيادة الطائرات المقاتلة أفضل من الإنسان وتستطيع الهجمات الإلكترونية الآلية تدمير شبكات معلومات العدو وتؤدي الخوارزميات المتقدمة القوية إلى تسريع عمليات اتخاذ القرار العسكري. ويحذر البعض من أن عملية اتخاذ القرار بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد سريع بما في ذلك التصعيد النووي بصورة تجعل صناع القرار أنفسهم مندهشين مما حدث. باختصار إذا كانت خطط الحرب وجداول تسيير القطارات سببا في الحرب العالمية الأولى فقد يصبح الذكاء الاصطناعي سببا في الحرب العالمية الثالثة.

الذكاء الاصطناعي سيغير الحرب بالطبع، بدءا من اتاحة الصيانة الاستباقية للمعدات وحتى زيادة دقة الاستهداف بصورة مذهلة. وقد توصلت لجنة الأمن القومي المعنية بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة عام 2021، إلى أن العالم سيعيش “حقبة جديدة من الصراع” يهيمن عليها الجانب الذي يتقن “طرق جديدة للحرب”.

ورغم ذلك فإن تاريخ الحروب عبر العصور يقول إن الابتكارات تجعل الحروب أسرع وأشد ضراوة، لكنها لا تجعل التصعيد خارج عن السيطرة. وقد ناقشت الولايات المتحدة والصين ضرورة ألا تكون عمليات القيادة والسيطرة على الترسانة النووية لدى البلدين خاضعة للأنظمة الآلية، وهو التعهد الذي قطعته الولايات المتحدة على نفسها بشكل مستقل لسبب بسيط وهو أن الدول لا ترغب بالتأكيد في التخلي عن السيطرة على أسلحة يمكن أن يمثل خطرها تهديدا وجوديا للدولة نفسها في حال انطلاقها.

والحقيقة هي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل مخاطر التصعيد العالمي من خلال مساعدة صناع القرار على تجاوز الغموض المحيط بأي أزمة أو صراع. وتعتقد وزارة الدفاع الأمريكية أن الأدوات الاستخباراتية والتحليلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد البشر في تدقيق المعلومات المربكة أو المجزأة المتعلقة باستعدادات العدو للحرب، أو ما إذا كان هناك بالفعل هجوم صاروخي مخيف. وهذا ليس ضربا من الخيال العلمي، لآن الولايات المتحدة استفادت من الذكاء الاصطناعي في اكتشاف نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزو أوكرانيا عام 2022. معنى هذا أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يخفف حدة التصعيد بنفس القدر الذي يمكن أن يساهم فيه في زيادتها.

وهذا الأمر ينقلنا إلى السؤال الثاني المتعلق بمدى استفادة الدول المستبدة من الذكاء الاصطناعي لفرض هيمنتها على الشؤون الدولية. يحذر محللون مثل يوفال نواه هراري من أن الذكاء الاصطناعي سيقلل تكلفة الاستبداد ويزيد من عائده. فأجهزة الاستخبارات في الدول المستبدة التي تمتلك أجهزة ذكاء اصطناعي قوية لن تحتاج إلى قوة بشرية كبيرة لجمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات عن شعوبها بما يتيح لها على سبيل المثال رسم خرائط دقيقة لشبكات الاحتجاجات وتفكيكها. كما يمكنها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعرف على ملامح الوجه في مراقبة مواطنيها والسيطرة عليهم. وكذلك يمكنها استخدام التكنولوجيا في اختلاق مواد مزيفة ونشرها بهدف تشويه سمعة معارضيها.

في الوقت نفسه، فإن بعض التكنولوجيات تضيق الفجوة بين المجتمعات الأكثر تقدما والأشد تخلفا. على سبيل المثال سمحت لدولة متخلفة نسبيا مثل كوريا الجنوبية بتعويض التفوق الاقتصادي والعسكري الذي تمتلكه قوة عظمى مثل الولايات المتحدة وحلفاؤها. ولذلك يشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من استخدام الجماعات الإرهابية لأنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير أسلحة بيولوجية. كما يمكن لدول معادية مثل إيران استخدام الذكاء الاصطناعي لتنسيق هجوم متزامن بالطائرات المسيرة ضد السفن الأمريكية في الخليج العربي.

ومع ذلك يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي سيظل لعبة الدول الغنية. فتطوير تقنيات ذكاء اصطناعي بالغة التقدم عملية باهظة التكلفة. فتدريب نماذج اللغة (وهي المكون الأساسي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي) الضخمة يحتاج إلى استثمارات هائلة وأعداد كبيرة من العلماء والمهندسين البارعين، وكميات مهولة من الكهرباء. وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة البنية التحتية التي تدعم منصة المحادثة الآلية “بنج أيه آي” التابعة لإمبراطورية البرمجيات والتكنولوجيا الأمريكية مايكروسوفت تبلغ 4 مليارات دولار. معنى هذا أنه يمكن لأي شخص تقريبا أن يكون من مستخدمي الذكاء الاصطناعي، لكن لكي يكون منتجا له فهو يحتاج موارد وفيرة.

ولهذا فإن الدول متوسطة القوة الغنية تستطيع أن تحقق تقدما كبيرا في هذا المجال. كما أن الولايات المتحدة بما لديها من شركات تكنولوجيا عملاقة مازالت هي الرائدة فيه.

وعن مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على توازن القوى في العالم، يقول المحللون في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة في جامعة جورج تاون الأمريكية إن الولايات المتحدة وحلفاءها تستطيع التفوق على الصين في مجال التكنولوجيا إذا وحدت جهودها، لذلك فإن أمل الصين هو أن ينقسم العالم المتقدم فيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. والحقيقة أن الخلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا في هذا المجال لا تدعو للتفاؤل. كما أن هناك دولا ديمقراطية أخرى مثل الهند تفضل التحرك المستقل في مجال التكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي.

ورغم ذلك يرى هال براندز أنه من السابق لأوانه القول إن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تفكك تحالفات الولايات المتحدة الدولية.

وفي النهاية يقول هال براندز الباحث الزميل في معهد أمريكان إنتربرايز المؤلف المشارك لكتاب “منطقة الخطر: الصراع القادم مع الصين” وعضو مجلس الشؤون الخارجية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية” إننا لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل، وقد يصل الذكاء الاصطناعي إلى طريق مسدود أو يتسارع تطوره بما يتجاوز توقعات أي شخص، ولكن وقبل كل شيء فإن التكنولوجيا ليست قوة مستقلة. وشكل تطور هذه التكنولوجيا وغيرها، وكذلك تأثيراتها يتحدد من خلال القرارات التي ستتخذ في واشنطن وفي جميع أنحاء العالم.

(د ب أ)

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • موديز تحذر: الانتخابات المبكرة ستؤثر سلبا على تصنيف فرنسا
  • بيزنس انسايدر: قرض أوغندا الجديد يزيد من ديونها المتزايدة ويؤثر على وضعها المالي
  • محلل أمريكي: الذكاء الاصطناعي يهدد بعصر جديد من الصراعات الدولية
  • «مالية عجمان» تنظّم ورشة عمل حول إعداد الخطة المالية 2025-2027
  • إبراهيم عيسى: مصر لم تتخلف عن سداد الديون
  • رئيس «السياسة الدولية»: الأحادية كارثة حلت بالعالم.. وتتنافى مع حقوق الشعوب
  • ‏اقتصاد ليبيا بخير وفق مؤشرات صندوق النقد الدولي
  • خبراء الصحة يحذرون: المرض X يهدد العالم بوباء جديد
  • الرئيس التنفيذي للأكاديمية المالية: نصف الموظفين بحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة
  • صندوق النقد: مصر سددت 2.56 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2024