"لم أعرف أين هو بيتي.. كل المنطقة أصبحت رمادية، البيوت، الأشجار، وكل المعالم التي أعرفها"، هكذا وصف أحد المواطنين حال مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، من الدمار والخراب بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد مضي أسبوع من شهر نيسان/ أبريل الجاري، أعلن جيش الاحتلال عن سحب قواته بعد عملية استمرت أربعة أشهر، ووصفت من الأعنف خلال الحرب، وانتهت بالقيام بعمليات تفخيخ وتفجير لأحياء كاملة في المدينة.


خانيونس تبدو وكأن زلزالاً ضربها#GazaGenocide‌ pic.twitter.com/uZdpxHOi2W — قتيبة ياسين (@k7ybnd99) April 15, 2024 "لقد دمروا أحلام كل عائلة في #غزة".. المتحدث باسم اليونيسيف جيمس إلدر يتحدث بأسى من خان يونس في قطاع غزة وهو يرى بعينيه حجم الدمار المتعمد الذي خلّفه الاحتلال انتقامًا من السكان بعد أحداث السابع من أكتوبر#العرب_في_بريطانيا AUK #خانيونس #قطاع_غزة pic.twitter.com/ParhCek8Li — AUK العرب في بريطانيا (@AlARABINUK) April 19, 2024
ورصدت "عربي21" شهادات لمواطنين فلسطينيين، نزحوا من خانيونس بداية العملية البرية فيها.

نازحون مع نازحون
يقول يحيى (28 عاما) إنه أخلى بيته من عائلته ومن بعض النازحين الذين قدموا من غزة منذ بداية الحرب، وذلك مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهكذا تحوّل لنازح بعدما كان يستضيف النازحين في بيته.

ويؤكد يحيى في حديثه لـ"عربي21": "كان أصدقائي النازحين من غزة يطمئنون علي، وعلى عائلتي، بشكل شبه يومي، بعدما توطّدت علاقتنا خلال الحرب، التي كانت بالسابق صداقة عمل وبعض الزيارات القليلة المتبادلة بين غزة وخانيونس".

ويذكر: "كانت المفارقة أن والد صديقي الذي نزح عندي يعاني من الفشل الكلوي، وكذلك كانت والدتي، وقدر الله أن يتوفى الاثنان بسبب نقص العلاج وتفاقم حالتهم المرضية في رفح بعد نزوحهم إليها".

ويوضح "عرفنا بتدمر بيتنا الذي تم تشييده حديثا ولم نسكنه بعد، إنما كان أصدقائي النازحين هم أول سكّانه، من خلال صور الأقمار الصناعية، ثم بعد الانسحاب ذهبنا لرؤية ما حصل عن قرب".


ويشير إلى أنه وصل إلى منطقة بيته الذي بات كومة من الركام، ولم يكن وحده المدمّر، إنما كل الشارع الذي يحيط به، مضيفا "كل شي راح حتى أشجار النخيل المميزة التي كانت تطرح ثمرها متأخرا، هذه النخيل أكلنا منها الرطب حتى شبعنا عندما كان لا يوجد في المدينة أي طعام مع بداية الحرب".

ذاكرة المكان
من ناحيتها، تقول سارة (40 عاما) إن زوجها اصطحبها أخيرا لزيارة المنطقة التي كانت تعيش فيها بعد إلحاح طويل، مضيفة "كان دائما يقول لها بلاش تسمّي بدنك، إيش بدك تروحي تشوفي؟ وكنت أرجع أقول له بدي أروح بدي أشوف إيش اللي صار".
في مدينة امي.. خانيونس.
قصفت إسرائيل السلام والحب والإنسانية، وهي تسقط "صواريخها الذكية" على النازحين في مدارس الأونروا المصبوغة بالازرق. pic.twitter.com/3OOoem2YHc — مِ. (@ma_loolla) April 20, 2024
وتوضح سارة لـ"عربي21": "وافق زوجي أخيرا أن يأخذني في زيارة إلى خانيونس، واستطاع تدبير سيارة نذهب بها رفقة سائق أجره يعرفه، وخانيونس مفترض كثير قريبة من رفح لكن الطريق كان أطول مما تصورت، كنت أقول لنفسي أن الزحام الشديد هو الذي يؤخرنا عن الوصول".

وتكشف "بعد مضي ساعة أو أكثر نفد صبري وسألت بتوتر أين نحن متى نصل شارع حارتنا، ليرد زوجي بصوت مكتوم: إحنا في الحارة الآن".

وتضيف "لم أصدق سألت مرة أخرى وين البيت، وين الحديقة، وين السوبرماركت الذي نشتري منه؟ ليرد بإشارة وكلمات هنا وهنا وهنا، كان يشير إلى أكوام من الركاب وساحة جرى تجريفها وتسويتها".

وتسترسل "صراحة كان معه حق أنه رفض أكثر من مرة زيارتي لما كان بيتنا يوما ما، والآن بعد أن رأيت ما حصل ندمت وتمنيت أني احتفظت بذاكرتي عن المكان لفترة أطول، على الأقل حتى تخلص الحرب.. هذا لو خلصت".

كل شيء رمادي
بدوره، يقول خليل (30 عاما) الذي كان يتجهّز لحفل زفافه في الأسبوع التالي لانطلاق الحرب في 14 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: "لم أعرف أين هو بيتي.. كل المنطقة أصبحت رمادية حرفيا، البيوت الأشجار وكل المعالم التي أعرفها، بيتي وبيت أهلي وبيت عائلة خطيبتي كلهم تضرروا أو تدمروا كليا".

ويذكر خليل في حديثه لـ"عربي21": "بيتي الذي جهّزته استعدادا للزفاف وأنفقت عليه سنوات من الادخار والعمل الشاق، ذهب بلا عودة، حتى ليس لدي ذكرى من موعد الفرح المقرر، دعوات الزفاف وبدلة العرس والعطر الذي أحبه، أوراقي وذكرياتي كلها تحت الركام".


ويتابع: "كان العديد من معارفي الذين نزحوا من غزة إلى خانيونس قد نصحوني بأن أحمل معي كل ما أستطيع عندما أنزح، قالوا لي: لا تغلط غلطتنا وخود كل اللي بلزمك وبعز عليك معك. كنت أظن أن الحرب اقتربت من النهاية وسأعود بعد فترة قصيرة، لكن الحرب مستمرة للشهر السابع، الحمد لله كل عائلتي بخير وهذا أهم من أي شيء".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية خانيونس غزة فلسطينيين فلسطين غزة خانيونس المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

عُمان التي أسكتت طبول الحرب

في ركنٍ من هذا العالم العربي الملتهب، حيث تتشابك مصالح الإمبراطوريات وتتصادم استراتيجيات الدول الكبرى على حساب الجغرافيا والتاريخ، هناك دولة اختارت طريقًا مختلفًا.

سلطنة عُمان هذه الواحة الهادئة وسط صحراء النزاعات لم تسمح لنفسها أن تكون بيدقًا في رقعة الشطرنج الدولية، ولم تُبدّد مكانتها في لعبة المحاور والاصطفافات، بل وقفت كـ«السيدة الحكيمة»، كما يسميها المراقبون، تمسح عن الوجوه غبار الحروب، وتفتح للخصوم أبوابًا لم يكونوا يتوقعونها.

في منطقة تتوزعها الرياح بين الطموح النووي الإيراني، والوجود الأمريكي الصارم، والاشتباك العربي المزمن، رفعت سلطنة عمان راية أخرى: راية «الاحترام المشترك»، و«الحوار قبل الضربة»، و«اليد الممدودة بدل الإصبع على الزناد».

وهنا، يكمن الاستثناء العُماني: دولة لم تُقامر يومًا بدماء جيرانها، ولم تبنِ مجدها على ركام الدول الأخرى. بل آمنت أن دورها الحضاري ليس بالتحالف مع الأقوى، بل بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

في السادس من مايو، بينما كانت شاشات الأخبار تغرق في صور الانفجارات، وبينما كانت المؤشرات تنذر بتوسّع خطير في الصراع الدائر بين جماعة أنصار الله والتهديدات أمريكية المتصاعدة تجاه استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، خرجت مسقط باتفاق ناعم لكنه جلل: وقف إطلاق نار مؤقت بين واشنطن وصنعاء، يضمن سلامة الملاحة، ويمنح للسلام فرصة ليلتقط أنفاسه.

ولم تكن هذه المبادرة وليدة لحظة، بل هي نتيجة شهور من الحوار الصامت الذي أجرته سلطنة عُمان، بهدوء، بعيدًا عن الأضواء، في قنوات خلفية لا تعتمد على التصعيد، بل على بناء الثقة، حجرةً بعد حجرة.

لكن الأمر لم يتوقف عند اليمن.

إذ حملت الأيام التالية مفاجأة أكبر: إيران تُعلن موافقتها على مبادرة عُمانية لاستضافة جولة رابعة من المفاوضات مع الولايات المتحدة.

في وقتٍ كانت فيه التوترات تنذر بالانفجار، وبين تحركات بحرية ومواقف سياسية حادة، قررت طهران أن تستمع لصوت مسقط.

لماذا؟ لأن هذه الدولة التي لا تلوّح بالقوة، تملك ما هو أثمن من ذلك: تملك المصداقية.

لقد فهمت سلطنة عمان منذ بداية الجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ لحظة دخول الأساطيل الأمريكية للخليج، أن دورها ليس الوقوف في الضد، بل الوقوف في المنتصف، لا كحياد باهت، بل كوسيط نشط، بكرامة وهدوء.

فما الذي يجعل هذا البلد العملاق برسالته، ينجح فيما فشلت فيه دول كبرى، ذات أبواق وسفارات وميزانيات مهولة؟ الجواب، ببساطة، إنه لا يُمارس السياسة من أجل العنوان، بل من أجل الغاية.

ففي السياسة كما في الطب، لا يحتاج الطبيب الجيد إلى صخب، بل إلى يد ثابتة ونية خيّرة.

وهذا ما فعلته سلطنة عُمان.

اقتربت من الجراح وهي تهمس لا تصرخ، ووضعت الضمادة لا الحطب.

لقد وُلدت هذه الفلسفة من تاريخ طويل في العلاقات الإنسانية والسياسية.

فسلطنة عُمان، التي تفتح أبوابها للحجاج والدبلوماسيين على حد سواء، تعرف أن الكلمة الطيبة تُغيّر العالم أكثر مما يفعل الرصاص.

عرفت ذلك عندما وقفت على مسافة متزنة من كل صراعات المنطقة، وعندما شاركت في مساعي الاتفاق النووي مع إيران، وعندما رفضت أن تدخل تحالفات استنزفت الدول وأغرقتها في الرمال.

عُمان لا تُراهن على النصر، بل على النُبل.

لا تُقايض بالتحالفات، بل تُبادر بالثقة.

لا ترفع شعارات، بل ترسم جسورًا.

وفي لحظةٍ يخشى فيها العالم اندلاع حربٍ جديدة بين قوى كبرى، تُطفئ مسقط الشرارة قبل أن تصبح نارًا.

تجمع طهران وواشنطن تحت سقف واحد، لا لتفرض رأيًا، بل لتفتح نافذة.

هذا المقال ليس تمجيدًا لدبلوماسية، بل احتفاء بأخلاق دولة.

بدولةٍ فهمت أن القيادة لا تحتاج صراخًا، بل رقيًّا.

وأن التاريخ لا يخلّد الأصوات العالية، بل الأفعال العظيمة التي تمشي على أطراف الأصابع.

تحية إلى عُمان، دولة الأفعال الهادئة التي كلما اقتربت الحرب، قررت أن تكتب فصلًا جديدًا للسلام.

مقالات مشابهة

  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • قائد الثورة: العدو الإسرائيلي يستهدف النازحين في مراكز إيوائهم التي يحددها كمناطق آمنة
  • باسيل عن رفع العقوبات عن سوريا: يسقط حجة كانت تستعمل لبقاء النازحين في لبنان
  • مقتل مشهورة مكسيكية بطريقة صادمة.. كانت في بث مباشر (شاهد)
  • 43 شهيدا أغلبهم من النساء والأطفال بمجازر في خانيونس وغزة (شاهد)
  • شاهد: غالبيتهم من خانيونس – شهداء وجرحى بغارات إسرائيلية على قطاع غزة
  • 35 شهيدا أغلبهم من النساء والأطفال بمجازر في خانيونس وغزة (شاهد)
  • الرئيس أحمد الشرع: سوريا لكل السوريين بكل طوائفها وأعراقها ولكل من يعيش على هذه الأرض المباركة، التعايش هو إرثنا عبر التاريخ وإن الانقسامات التي مزقتنا كانت دائماً بفعل التدخلات الخارجية، واليوم نرفضها جميعاً.
  • الحرب التي أجهزت على السلام كله
  • إصابات جراء قصف جرافة كانت تعمل على رفع الركام في ساحة المستشفى الأوروبي / شاهد