إعادة اللاجئين السوريين.. قبرص تفتح الملف وجدل أوروبي متواصل بشأن التبعات
تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT
أعلنت السلطات القبرصية مؤخرا وقف النظر بطلبات لجوء السوريين حتى إشعار آخر كـ"إجراء احترازي طارئ"، وفق ما أكد الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس.
ورغم صدور القرار فإن الرئيس القبرصي أقر عبر حسابه في منصة "إكس" بصعوبته، معتبرا أن إصداره ضرورة تمليها عليه "حماية مصالح قبرص" التي تقوم بتحركات حثيثة للحد من تدفق موجات طالبي اللجوء إلى أراضيها.
ووفقا لإحصاءات رسمية، فإن نسبة السوريين من إجمالي المهاجرين الذين وصلوا الجزيرة بلغت نحو 53%، وهناك أكثر من ألفي شخص وصلوا في الأشهر الأولى من العام الحالي ما زالت طلبات لجوئهم قيد الدراسة.
فرصة للحلم"دعونا نحلم فقط بأننا ما زلنا على قيد الحياة"، بهذه العبارة علق اللاجئ السوري ملهم النجار على الإجراء القبرصي.
كان ملهم قد غادر لبنان باتجاه قبرص في الربع الأخير من العام 2023 بعد أن تعرض مع عائلته المكونة من 3 أفراد لضغوط اجتماعية ومعيشية مختلفة.
ولم تكن أسرته تتمتع بأي غطاء قانوني يتيح لها الحركة والتنقل بشكل آمن، علاوة على ما وُصفت بأنها "حملات كراهية وتمييز" نشطت في المنطقة التي كان يقطنها ملهم، وتوقف دعم الأمم المتحدة النقدي لأسرته على غرار غيرها نتيجة انخفاض مستوى التمويل الدولي لخطة الاستجابة الإقليمية من 60% في الفترة بين عامي 2018 و2015 إلى 30% عام 2023.
يقول ملهم "لم تمنحني السلطات المحلية أي وثيقة تثبت وضعي كلاجئ متذرعة بعدم قانونية الطريقة التي دخلت بها إلى البلاد، وخوفا من إعادتي إلى سوريا بشكل قسري كما حدث مع لاجئين آخرين خاطرت مع أسرتي وأبحرت مع أحد المهربين إلى قبرص على متن قارب صغير انطلق من سواحل مدينة طرابلس كان يضم العشرات غيري، واليوم لا أعرف بعد أن اتخذت قبرص هذا القرار كيف سينتهي بنا المطاف".
تتوسط قبرص الطريق البحري الواصل بين ساحل بلاد الشام والشواطئ الجنوبية الشرقية لأوروبا، وتبادلت مع تركيا طرق عبور اللاجئين بعد أن ضبطت الأخيرة حدودها بموجب اتفاق عام 2016 الذي تم بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.
في السنوات الأربع الأخيرة نجحت قوارب صغيرة كانت تنطلق في رحلات بحرية غير منتظمة من سواحل مدينتي طرطوس السورية وطرابلس اللبنانية باتجاه الجزيرة في تهريب مئات السوريين ممن كانوا يبحثون عن ملاذ آمن وحياة أفضل، في ظل تراخي المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي يطوي صفحة الحرب التي تشهدها بلادهم منذ عام 2011.
وسجلت سواحلها في مطلع أبريل/نيسان 2024 وصول أكثر من 15 قاربا تحمل على متنها مئات طالبي اللجوء غادروا لبنان على خلفية تصاعد الخطاب المناهض لوجودهم، وتعرضهم لمضايقات أمنية من قبل الجيش خلال حملاته المتواصلة لترحيل العشرات بشكل تعسفي إلى سوريا.
ووصف الرئيس القبرصي تصاعد موجات اللجوء بشكل يومي نحو سواحل بلاده بالوضع الخطير، وأشار إلى أن استمرارها سيدفع أوضاع الجزيرة إلى الانهيار.
ضغوط لبنانية تدفع الضعفاء للهربيعتبر لبنان أحد أكبر البلدان المضيفة للاجئين السوريين، وشهدت حدوده مع سوريا منذ بداية الحرب حركة نزوح نشطة تركزت معظمها في مناطق العريضة والعبودية ووادي خالد وصولا إلى جبل أكروم وتخوم الهرمل والبقاع.
وتشير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين على لوائحها بلغ نحو 830 ألف لاجئ.
لكن البلد الذي تسلّم نحو 9 مليارات دولار من المساعدات الخاصة التي قدمتها الأمم المتحدة لمعالجة تداعيات اللجوء السوري على أراضيه لم يستفد منها اقتصاده الخدمي بالطريقة التي رسمتها خطة الاستجابة، وأعلن أنه يعاني من ضغوط.
وبعد زيارة قام بها المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر إلى بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 انتقد طريقة إدارة المساعدات وحمّل الدولة والمصرف المركزي مسؤولية الأزمة التي أدت إلى إفقار غير ضروري لأغلبية السكان.
ورأى دي شوتر أنه كان بإمكان الحكومة أن تعكس "اتجاه البؤس الذي هيمن على المجتمع من خلال قيادة تضع العدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة في صميم أعمالها".
اشتكت قبرص مرارا من تهاون الحكومة اللبنانية في ملاحقة شبكات الاتجار بالبشر ومراقبة الشواطئ التي تنطلق منها معظم قوارب اللاجئين، وطالبتها بوقف هذا التدفق مقابل المساعدات الأوروبية التي تتلقاها بهذا الخصوص.
لكن هشاشة الوضع السياسي في لبنان لم تترك لجهود الدولة أن تسير وفق المتوقع منها لمعالجة المشكلة، مما أثار حفيظة الرئيس القبرصي الذي ترتبط بلاده مع لبنان باتفاقات وتفاهمات أمنية بهذا الخصوص ودفعه إلى القول "لا يمكن منح المساعدات للبنان بينما يتعين على قبرص إدارة الأزمة".
من المرجح أن ثمة اتفاقا جوهريا على الطريقة التي يمكن بموجبها التوصل إلى حل شامل لأزمة اللجوء في كلا البلدين، فقبرص تعمل بشكل حثيث لدى الاتحاد الأوروبي من أجل وضع إطار عملي مع لبنان يمنح الحكومة اللبنانية المزيد من المساعدات الضرورية للنهوض باقتصادها، ولتحفيز اللاجئين ماديا من أجل عودتهم إلى بلدهم.
بدورها، استبعدت الكاتبة السياسية القبرصية كريستالا هادجيديميتريو أن تساعد المنح المقدمة للدول الوسيطة على حل أزمة الهجرة، ومن المحتمل ألا تساعد أيضا مصر أو لبنان.
وأشارت كريستالا في مقال بصحيفة "إن قبرص" إلى أن المليارات المقدمة لهذه البلدان سوف تختفي دون أي تدقيق خاص، وسيطارد الناس دائما الأمل في حياة أفضل.
وتضيف "أما أولئك الذين وجدوا الذهب عن طريق بيع هذا الأمل (المهربون) سيستمر نشاطهم بأي وسيلة ضرورية، وسوف يستمر الساسة الذين يستفيدون أيضا من وجود أزمة الهجرة في إدامة المشكلة".
ويدعم الاتحاد الأوروبي برنامجا قائما بشأن إدارة متكاملة للحدود في لبنان، وقدمت المفوضية الأوروبية إلى جانب الوكالة الأوروبية لخفر السواحل والحدود ووكالة اللجوء التابعة للاتحاد دعما ماليا وتشغيليا بهذا الصدد، في حين تم تخصيص 255 مليون يورو لدعم شؤونه الداخلية حتى عام 2027.
كما بلغ دعم الاتحاد الأوروبي لمعالجة تأثير الأزمة السورية على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية منذ عام 2011 نحو 2.6 مليار يورو غطت المساعدات الإنسانية والتعاون التنموي وضمان تقديم الخدمات الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية للاجئين.
هل ستحل الاتفاقية الجديدة أزمة اللجوء؟تبدي قبرص ارتياحها من اتفاقية الهجرة الجديدة التي وافق عليها البرلمان الأوروبي مؤخرا، والتي ستدخل حيز التنفيذ بحلول نهاية أبريل/نيسان 2026، وتتوقع إذا ما نفذت أنها ستكون ملبية لطموحها.
وبموجب القواعد الجديدة ستكون دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة ملزمة إما بقبول المهاجرين من الدول الطرفية أو تقديم تمويل إضافي لها، علاوة على تسريع عمليات اللجوء، وذلك من خلال معالجة طلبات اللاجئين، وإعادة المهاجرين غير النظاميين إلى أوطانهم، وإعادة من لديهم طلبات مرفوضة خلال 12 أسبوعا.
وأشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بما اعتبرته اتفاقا تاريخيا، في حين اعتبرته رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا أهم اتفاق تشريعي أثناء ولايتها.
ويصطدم هذا الترحيب بمواقف حادة لمنظمات غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان وعمليات الإغاثة، حيث قالت في بيانات أصدرتها إن القرار يمثل فشلا تاريخيا، وسيتسبب في المزيد من الوفيات في البحر، فضلا عن أنه سيزيد معاناة المنفيين، في حين وصفته منظمة أوكسفام بـ"تفكيك خطير للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين".
ووفق المحللة السياسية القبرصية زينيا توركي، فإن الاتفاقية الجديدة رأت النور في وقت حرج بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يواجه إدارة تدفقات هجرة كبيرة، في حين يشهد زيادة في الأحزاب المناهضة للمهاجرين والأحزاب اليمينية المتطرفة.
وتقول توركي "تعتقد بروكسل أنه من خلالها سيتم ضمان حماية أفضل للحدود الخارجية وستتم حماية اللاجئين والمهاجرين المستضعفين، وأن التضامن الإلزامي بين الدول الأعضاء سيؤدي إلى توزيع أكثر عدالة لأعباء الهجرة"، وتتساءل "هل ستوفر الاتفاقية في النهاية حلا لهذه المشكلة الملحة؟ من المرجح ألا يحدث ذلك لأن الهجرة مشكلة متعددة الأوجه ولا تحظى إلا بإجماع ضئيل".
وتضيف "كان رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك واضحا، فسارع إلى التصريح بأنه لن يوافق على آلية إعادة التوطين، مشيرا إلى أن بلاده تفضل دفع الأموال بدلا من قبول المهاجرين".
ووفقا لتوركي، فإن "العديد من البلدان الأخرى ستفعل الشيء نفسه، فإذا احتاجت إلى العمالة كما هو حال ألمانيا على سبيل المثال فسوف تقبل من تحتاج إليه، وإلا سترفض وتفتح محفظتها للمساهمة ماليا، وسوف تختار شراء طريقها للخروج من المشاكل حتى لو اضطرت إلى دفع 20 ألف يورو لكل شخص ترفض قبوله، وستفعل ذلك لإبقاء حدودها مغلقة، إن عصر الترحيب بالأجانب -إن وجد- قد ولى بلا رجعة".
الحكومة السورية تترقب مآلات المشهدتغيب الحكومة السورية عن محنة مواطنيها خارج حدود البلاد على نحو لافت، ويتسم موقفها من عودة أكثر من 7 ملايين سوري غادروا وطنهم باتجاه دول الجوار وأوروبا هربا من بطش الآلة العسكرية -التي حصدت أرواح مئات الآلاف من المدنيين- بالمراوغة.
وأصر الرئيس بشار الأسد في كلمة ألقاها بمناسبة ولاية رئاسية جديدة في يوليو/ تموز 2021 على عودة مشروطة للاجئين تستثني كل من ينتقد سياساته ما لم يعلن الولاء له صراحة.
وقال الأسد في تلك المناسبة "أكرر مرة أخرى دعوتي لكل من غُرر به، لكل من راهن على سقوط الوطن، لكل من راهن على انهيار الدولة أن يعود إلى حضن الوطن لأن الرهانات سقطت وبقي الوطن".
من جهته، أبدى وزير خارجيته فيصل المقداد مرونة بشأن مسألة عودة اللاجئين الآمنة التي ناقشتها لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا والمنبثقة عن قمة جدة في اجتماع القاهرة، ونقلت مصادر عربية عنه إسهابه في الحديث عن الإجراءات والتسهيلات التي اتخذتها حكومته، وتعاونها القائم مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من أجل عودة جميع السوريين.
وأشارت المصادر إلى موافقة المقداد على المطالب التي أقرتها اللجنة، وحمل نسخة منها إلى دمشق، ومن بينها توفير الحوافز والتسهيلات التي ستقدم للعائدين بالتنسيق مع الدول المستضيفة لهم وهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، وإنشاء منصة لتسجيل أسماء الراغبين منهم بالعودة.
وبخلاف التوقعات لم تقم السلطات السورية بأي إجراء من شأنه أن يشكل نقطة انطلاق إيجابية نحو تفكيك عقدة الحرب التي يعيشها السوريون، خاصة في ما يتعلق بمسألة العودة التي لها خصوصية سياسية وأمنية تتجاوز حدود الطلب.
من وجهة نظر قبرص ترتبط إعادة اللاجئين المبكرة بموقف شركائها في الاتحاد الأوروبي، وأعلنت الحكومة غير مرة أنه ليس بإمكانها أن تخطو خطوة كهذه ما لم يعد الاتحاد تقييم سياسته تجاه الوضع الراهن داخل سوريا من جديد.
ولفت وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو في مؤتمر صحفي إلى أن بلاده والدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي ترى أنه من المفيد إعادة تقييم وضع سوريا الذي ترك من دون تغيير، وهناك حاجة إلى مراجعته لأن بعض المناطق أصبحت في الآونة الأخيرة في عداد الآمنة.
وأشار إلى "وجود منطقتين آمنتين تعترف بهما وكالة اللجوء في الاتحاد الأوروبي هما دمشق وطرطوس، ويجب الاعتراف بهما على مستوى الاتحاد، مما يسمح لنا بترحيل الأشخاص أو إعادتهم إلى سوريا".
وكشف يوانو في جلسة للجنة الداخلية بمجلس النواب عن تفاعل العديد من دول الاتحاد مع مقترح تصنيف أجزاء جديدة من سوريا على أنها آمنة بشكل إيجابي.
ونقلت صحيفة "ديلي قبرص" عن المتحدثة باسم وزارة الداخلية مارغريتا كبرياكو أن الدول المستجيبة هي اليونان وإسبانيا والسويد وجميع دول شرقي البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى الدانمارك التي سحبت الحماية عن اللاجئين السوريين من دمشق وريفها في وقت مبكر، في حين لم يخفِ لبنان رغبته رسميا في مغادرة اللاجئين السوريين أراضيه.
وهناك مؤشرات عديدة تعكس رفض ألمانيا وفرنسا ودول أخرى في الاتحاد إعادة هذا التقييم، ويتطابق موقف هذه الدول مع ما تضمنه تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في فبراير/شباط الماضي من وجود أسباب منطقية للاعتقاد بأن الظروف العامة في سوريا لا تسمح بعودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين السوريين إلى وطنهم.
وأشار المفوض السامي فولكر تورك إلى أن معظم الذين تمت مقابلتهم أفادوا بأنهم قرروا الفرار من جديد بعد أن تعرضوا لتجاوزات وانتهاكات جسيمة موثقة حين عودتهم.
وأضاف تورك أنه في ظل تصاعد عمليات ترحيل السوريين من بلدان عديدة يثير وضع هؤلاء تساؤلات جدية بشأن التزام الدول بالإجراءات القانونية الواجبة وعدم الإعادة القسرية.
وفي الرسالة الأخيرة التي وجهها رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا من مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خاطب باولو بينيرو العالم قائلا "إن عدم احترام قواعد القانون الدولي الإنساني الأساسية في سوريا لا يؤدي إلى قتل وتشويه الضحايا من جميع الأطراف فحسب، بل إنه يقوض جوهر نظام الحماية الدولية ذاته ويجعله يتآكل، ونحن نشهد النتائج اليوم".
وسبق أن كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن تعرض اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كالتعذيب والخطف عند عودتهم إلى ديارهم، مؤكدا أن النساء العائدات يتعرضن للتحرش الجنسي، وأعمال عنف.
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إليزابيث ثروسل إن تقرير مكتب حقوق الانسان التابع للمنظمة الأممية "يرسم صورة مثيرة للقلق لمعاناة العائدين لا سيما النساء، وسط تزايد عدد عمليات ترحيل السوريين من دول أخرى".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات اللاجئین السوریین للاجئین السوریین الاتحاد الأوروبی الرئیس القبرصی الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السوریین من فی الاتحاد فی حین إلى أن بعد أن
إقرأ أيضاً:
كذبة عودة السوريين.. عصابات تؤمن رحلة الرجوع إلى لبنان وتتحكم بالحدود!
كشف مصدر أمني لـ "لبنان24" عن تطور لافت في حركة عبور السوريين بين لبنان وسوريا في الفترة الأخيرة، يتمثل في أن أعداداً منهم غادرت الأراضي اللبنانية في ما بدا أنه "عودة طوعية"، لكن تبيّن لاحقاً أن هذه العودة كانت مؤقتة، إذ عاد العديد منهم مجدداً إلى لبنان، بعد أن تركوا عائلاتهم في سوريا، في مشهد يعكس نمطاً من التنقل الموسمي أو المرحلي، لا الخروج النهائي.اللافت، بحسب المصدر الأمني، أن عملية الخروج من لبنان تتم عبر معبر المصنع الرسمي، لكن المفارقة تكمن في أن العودة لا تسلك المسار القانوني ذاته، بل تحصل في الغالب عبر معابر غير شرعية تنتشر على امتداد المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من الحدود اللبنانية – السورية. في هذه النقاط الحدودية الخارجة إلى حدّ كبير عن الرقابة الفعلية، تنشط شبكات تهريب محترفة، تتوزع بين البلدين وتعمل بتنسيق وثيق، ما يجعل من عمليات العبور غير الشرعي جزءاً من منظومة تهريب شاملة ومعقدة، تتجاوز مسألة النزوح الفردي، لتدخل في إطار شبكات متكاملة تتحكم بها جهات محلية وأحياناً إقليمية. في موازاة ذلك، تكشف المعطيات الميدانية أن قرار العديد من السوريين بإعادة عائلاتهم إلى الداخل السوري لم يأتِ فقط نتيجة رغبة في "العودة الطوعية"، بل بفعل ضغوط اقتصادية متزايدة بعد تقليص حجم المساعدات الأممية المخصصة للنازحين في لبنان. فقد دفع هذا الواقع العديد من العائلات إلى اتخاذ قرار "تفكيك الإقامة" بين الزوج العامل في لبنان، وبين الزوجة والأبناء الذين نُقلوا إلى الداخل السوري، مستفيدين من تحسن نسبي في الوضع الأمني في بعض المناطق. وهكذا، باتت الصيغة الأكثر شيوعاً اليوم هي بقاء ربّ الأسرة في لبنان بحثاً عن لقمة العيش، وتحويل ما يتيسر من أموال إلى عائلته في سوريا.
وبحسب المعطيات الأمنية، فإن هذه الشبكات لا تكتفي باستغلال الثغرات الجغرافية في الشريط الحدودي، بل تطور باستمرار أساليبها، بحيث تعمد إلى فتح مسالك جديدة كلما شددت الدولة اللبنانية إجراءات المراقبة على المسالك المعروفة، ما يجعل جهود القوى الأمنية في سباق دائم مع شبكات تعرف الأرض جيداً وتستفيد من عوامل عدة، أبرزها نقص الإمكانات، ضعف الغطاء السياسي، وتعدد الجهات المتحكمة بالميدان.
هذا الواقع لا يعكس فقط هشاشة الوضع الحدودي، بل يفضح عمق الأزمة التي يعيشها لبنان في إدارة ملف النزوح السوري. فبينما تُصوَّر بعض عمليات الخروج على أنها "عودة طوعية"، تبيّن الوقائع أنها في حالات كثيرة مناورة ظرفية أو مؤقتة، تؤشر إلى أن المعابر الرسمية لا تؤدي الدور المزدوج المطلوب، أي تنظيم حركة الدخول والخروج وفق المعايير القانونية. والمقلق أن هذه "الحركة الالتفافية" تُستخدم من قبل المهربين كغطاء لعمليات أوسع، تشمل التهريب التجاري، ما يُدخل المسألة في دائرة تهديد مزدوج: أمني واقتصادي في آنٍ معاً.
إن استمرار هذه الحالة يطرح إشكاليات تتجاوز قدرة القوى الأمنية على المعالجة الميدانية، ليحيل الملف برمّته إلى المستوى السياسي – الاستراتيجي، حيث تُصبح الحاجة ملحّة لإعادة النظر في مجمل مقاربة الدولة اللبنانية للحدود، وفي العلاقة الأمنية مع الجهة السورية، خصوصاً أن غياب التنسيق أو الحد الأدنى من الرقابة المتبادلة، يجعل من الحدود الشمالية خاصرة رخوة ومسرحاً مفتوحاً لكل أنواع الاستغلال.
ويضيف المصدر لـ"لبنان24" أن هذه العصابات تستفيد من الطبيعة الجبلية القاسية للمنطقة، ومن تراجع الإمكانات اللوجستية لدى القوى الأمنية، لاستحداث مسالك جديدة، وهذا ما يجعل من الشريط الحدودي الشمالي منطقة "سائبة" نسبياً، تشكل نقطة ضغط أمني دائم وتحدياً متزايداً أمام أجهزة الدولة اللبنانية.
في ظل هذا الواقع، تبرز تساؤلات حقيقية حول جدوى الإجراءات الرسمية المتخذة لضبط الحدود، وحول مدى فعالية الخطط الأمنية الحالية، لا سيما في غياب حلّ جذري لملف النزوح، وفي ظل غياب الإرادة الدولية لإعادة اللاجئين السوريين بشكل منظم وآمن. المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة الالية "كذبة اول نيسان" Lebanon 24 الالية "كذبة اول نيسان"