تجاوزت دولة الإمارات التصورات التقليدية في مقاربة أزمة القراءة في المجتمعات العربية، عبر إطلاق مبادرات عملية مبتكرة تسهم في تحويل المطالعة إلى سلوك يومي لدى جيل النشء والدفع به ليكون في صلب عملية الإنتاج والإبداع المعرفي العالمي.

وتراهن الإمارات على القراءة لاستئناف حضارة الأمة العربية، حيث تقود منذ نحو عقد من الزمن جهوداً حثيثة نحو تأسيس جيل عربي قارئ متسلح بالمعرفة، وذلك عبر طرح العديد من المبادرات القرائية والثقافية التي تجاوزت بأهدافها وتأثيراتها الإطار الوطني إلى الإطار العربي والإسلامي.

ويعد «تحدي القراءة العربي» الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي «رعاه الله»، في عام 2015 أكبر مشروع معرفي عربي لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي. وتتمحور رسالة «تحدي القراءة العربي»، حول إحداث نهضة بين الطلبة في مدارس الوطن العربي، وأبناء الجاليات العربية في الدول الأجنبية، إذ يسعى التحدي إلى تنمية الوعي العام بواقع القراءة، وضرورة الارتقاء به للوصول إلى موقع متقدم عالمياً.

واستقطب «تحدي القراءة العربي» أكثر من 100 مليون طالب وطالبة منذ انطلاقه في العام 2015، وترك بصمة واضحة في رفع نسب القراءة على مستوى المنطقة العربية، خاصة في ظل ما يقدمه من جوائز تحفيزية للمشاركين، ففي دورة 2022 - 2023 حصل الفائز بالمركز الأول على 500 ألف درهم، ما يمنحه فرصة متابعة تحصيله العلمي والثقافي، كما حصل صاحب المركز الأول عن فئة أصحاب الهمم على 200 ألف درهم، وحصلت المدرسة الفائزة بلقب «المدرسة المتميزة» على مليون درهم، فيما حصل «المشرف المتميز» على 300 ألف درهم.

وفي يناير الماضي أعلنت مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم» العالمية، ممثلة بمبادرة «تحدي القراءة العربي»، عن تقديم 40 ألف كتاب في مواضيع مختلفة للمكتبات التربوية والمدرسية في الجمهورية العربية السورية، وذلك في سياق خططها لدعم المكتبات في الدول العربية، وزيادة عدد المؤلفات الحديثة التي تساهم بالارتقاء بالعملية التعليمية، ومستويات الطلبة. ويعد النهوض بواقع القراءة من الأولويات الوطنية في دولة الإمارات التي اختتمت مؤخراً فعاليات «شهر القراءة»، الذي يمثل مناسبة وطنية تقام طوال شهر مارس من كل عام، وتشارك فيها مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة عبر مبادرات وبرامج تسهم في بناء مجتمع قارئ متسلح بالعلم والمعرفة، وقادر على قيادة مسيرة التنمية في الدولة.

بدورها أسهمت معارض الكتاب الدولية التي تنظمها الإمارات سنوياً في التأسيس لحراك ثقافي وإبداعي متميز على مستوى المنطقة، بعد تحولها إلى قبلة يقصدها أهم دور النشر العالمية وأبرز الكتاب والمؤلفين، فضلاً عن دورها في التشجيع على القراءة من خلال طرح أفضل المؤلفات بأسعار مناسبة لزوار المعرضين من داخل الدولة وخارجها.

أخبار ذات صلة «مانتهاري» بطلة كأس مهرجان منصور بن زايد الإمارات وعُمان.. تاريخ وروابط ومصير مشترك

وتنطلق في 29 أبريل الجاري في الإمارات فعاليات الدورة 33 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي اختار هذا العام الروائي المصري نجيب محفوظ ليكون «الشخصية المحورية» للمعرض، وجمهورية مصر العربية ضيف الشرف، نظراً لمكانتها الثقافية المرموقة، وتأثيرها الفاعل في إثراء الفكر والمعرفة العربية. وسيبدأ البرنامج المهني للمعرض يوم 28 أبريل 2024 بتنظيم النسخة الثالثة من فعاليات المؤتمر الدولي للنشر العربي والصناعات الإبداعية.

وفي سياق الحديث عن دور معارض الكتاب في تشجيع القراءة، لابد من التطرق إلى الدورة الـ 42 من معرض الشارقة الدولي للكتاب في نوفمبر الماضي، التي شهدت تقديم أكثر من 15 مليون كتاب في مختلف مجالات المعرفة والإبداع عرضها أكثر من 2033 ناشراً من 109 دول حول العالم.

وأقيمت في المعرض أكثر من 1700 فعالية ثقافية وفنية، منها 460 فعالية ثقافية تناولت قضايا مهمة في الأدب، والترجمة، والاتصال، والفكر، والبحث والتاريخ، كما رسخ المعرض دور المكتبات في نشر المعرفة، حيث وجه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتقديم منحة مالية قدرها 4.5 مليون درهم لتزويد مكتبات الشارقة العامة بأحدث إصدارات دور النشر المشاركة في المعرض. وتنظر الإمارات إلى الترجمة كعامل رئيس ومؤثر في التشجيع على القراءة، ومن هذا المنطلق أخذت على عاتقها مهمة إثراء المكتبة العربية بأفضل ما قدّمه الفكر العالمي من أعمال، عبر ترجمتها إلى «العربية»، إضافة إلى إبراز الوجه الحضاري للأمة عبر ترجمة أبرز الإبداعات العربية إلى لغات العالم. وتقود الإمارات أكبر حركة ترجمة علمية على المستوى العربي، للنهوض بالعمل الثقافي العربي وانفتاحه على ثقافات العالم ومعارفه المختلفة.

ويعد «تحدي الترجمة» الذي أطلقته الإمارات في سبتمبر 2017، أحد أبرز مبادرات الترجمة التي تهدف إلى توفير محتوى تعليمي شامل ومتكامل في مجالي العلوم والرياضيات، باعتبارهما من أهم روافد التطور الحضاري.

وفي السياق ذاته، تتولى مبادرة «كلمة» منذ عام 2007، مهمة إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، ودعم الحراك الثقافي الفاعل الذي تشهده أبوظبي، للمساهمة بدورها في خارطةِ المشهدِ الثقافي الإقليمي والدولي، من أجل تأسيس نهضة علمية ثقافية عربية تشمل مختلف فروع المعرفة البشرية، وقد ترجمت «كلمة» آلاف الكتب من أهم المؤلفات العالمية الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة من مختلف دول العالم إلى اللغة العربية. وتعتبر الإمارات أن صون اللغة العربية يعد أحد أبرز ركائز مشروعها في تشجيع القراءة بين جميع الناطقين بـ «لغة الضاد»، ومن هذا المنطلق تحتضن الدولة سنوياً العديد المبادرات والفعاليات التي تستهدف تطوير اللغة العربية، واستشراف التحديات التي تواجهها وتقديم المقترحات والحلول لها، مثل المؤتمر الدولي للّغة العربية الذي تستضيفه إمارة دبي سنوياً. من جهتها خرجت قمة اللغة العربية في دورتها الأولى لعام 2023 التي عقدت في العاصمة أبوظبي، بتوصيات تؤكد ضرورة تكريس استخدام جماليات اللغة العربية وروائعها الخالدة في الشعر والنثر، وتدعو إلى تفعيل دور المؤسسات الإنتاجية في صناعة المحتوى المتخصص بالطفولة المبكرة ورياض الأطفال باللغة العربية وتفعيل دور المؤسسات الإعلامية في ترسيخ العربية في حيز المجتمع والهوية.

المصدر: وام

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: المعرفة الإمارات تحدی القراءة العربی اللغة العربیة أکثر من

إقرأ أيضاً:

رحلة ترامب للوطن العربي.. والفرص الذهبية البديلة

بين الصفقة والنهضة

في زيارة تاريخية لدول الخليج، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفاقيات اقتصادية بقيمة 3.2 تريليون دولار، وهو رقم فلكي يثير تساؤلا جوهريا: هل هذه استراتيجية حكيمة، أم فرصة ضائعة لبناء نهضة عربية حقيقية؟

وبينما تتسارع وتيرة الاحتفالات الرسمية بهذه الإنجازات الدبلوماسية، وتتعالى أصوات التهليل الإعلامي حول حجم الاستثمارات التاريخية، تبرز أسئلة استراتيجية مصيرية تستحق التوقف والتأمل العميق.

ففي الوقت الذي تعلن فيه السعودية عن التزامات بـ600مليار دولار، وقطر بـ1.2 تريليون دولار، والإمارات بـ1.4 تريليون دولار للاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، نتساءل: أليس من الأولى أن تُستثمر هذه المبالغ الطائلة في بناء اقتصاد عربي قوي ومستقل؟

إن هذا المبلغ الهائل -الذي يفوق الناتج المحلي الإجمالي لمعظم دول العالم- كان يمكن أن يكون البذرة الأولى لنهضة حضارية شاملة تعيد للأمة العربية والإسلامية مكانتها الرائدة على خريطة العالم.

هذا المبلغ الهائل -الذي يفوق الناتج المحلي الإجمالي لمعظم دول العالم- كان يمكن أن يكون البذرة الأولى لنهضة حضارية شاملة تعيد للأمة العربية والإسلامية مكانتها الرائدة على خريطة العالم
لسنا هنا بصدد تقليل أهمية التعاون الدولي أو الشراكات الاقتصادية، ولكننا نطرح رؤية بديلة تقوم على الاستقلالية الاقتصادية والتكنولوجية بدلا من التبعية والاعتماد الأحادي على قوة واحدة مهما كان حجمها أو نفوذها.

في هذا المقال، نسلط الضوء على المشاكل الجوهرية في هذه الاتفاقيات، ثم نستكشف الفرص الذهبية البديلة التي كان يمكن -ولا يزال بإمكانها- أن تحول هذا المبلغ الفلكي من أداة لتقوية اقتصاد أمريكا إلى محرك حقيقي لنهضة الأمة العربية والإسلامية.

المشكلة الحقيقية في الاتفاقيات

النزيف المالي الهائل متمثلا في 600 مليار دولار من السعودية، و1.2 تريليون دولار من قطر، و1.4 تريليون دولار من الإمارات، المجموع 3.2 تريليون دولار تخرج من المنطقة لتقوية اقتصاد أمريكا. وتتمثل المشكلة الحقيقة في هذه الاتفاقات في تكريس التبعية الاقتصادية وفقدان الاستقلالية في القرارات الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية، والاعتماد الأحادي وربط مصير المنطقة بسياسات واشنطن المتقلبة، وخطر المصادرة والتهديد المستمر بتجميد الأصول (قانون جاستا نموذجا)، والتكلفة السياسية الباهظة بتجاهل القضية الفلسطينية والتطبيع على حساب الحقوق التاريخية، وتقسيم العالم العربي بخلق محاور متنافسة بدلا من الوحدة، والعداء مع القوى الصاعدة واحتمال تعقيد العلاقات مع الصين وروسيا، والطبيعة الاستهلاكية للصفقات، حيث أن أكثر من 70 في المئة أسلحة ومعدات، وهي استهلاك بدلا من الاستثمار الإنتاجي، مع غياب نقل التكنولوجيا والحصول على المنتج النهائي فقط، مما يؤدي إلى عدم خلق قيمة مضافة في الاقتصادات المحلية.

والسؤال الاستراتيجي: ماذا لو استثمرنا الـ3.2 تريليون دولار في بناء نهضة عربية-إسلامية حقيقية؟ والإجابة أن هذا سيكون فرصة ذهبية هي واجب الوقت وفرض الظرف. وهذه مقترحات مبدئية تحتاج إلى عميق دراسة فنية واقتصادية من خبراء.

المشروع الأول صندوق النهضة العربية برأس المال تريليون دولار يعيد كتابة خريطة المستقبل، فبدلا من توجيه تريليون دولار من أموال العرب إلى خزائن وول ستريت، يمكن لهذا المبلغ الضخم أن يصبح البذرة الأولى لأكبر نهضة تشهدها المنطقة العربية منذ قرون. فما الذي يمكن أن تحققه هذه الأموال لو استُثمرت في بناء مستقبلنا بدلا من تعزيز اقتصاد الآخرين؟

- المدن الذكية التي تمثل عواصم التكنولوجيا الجديدة: 10 مدن تقنية تنافس وادي السيليكون، تخيل وادي الخليج التقني في الإمارات، ومدينة الرياض الذكية في السعودية، والدوحة الرقمية في قطر، والقاهرة التكنولوجية في مصر. عشر مدن متطورة تضعها الخرائط العالمية كمراكز إشعاع تقني تنافس أكبر العواصم التكنولوجية في العالم، بتفاصيل استراتيجية متمثلة في استثمار 300 مليار دولار موزعة على عشر سنوات، بمساحة إجمالية 50 ألف كيلومتر مربع من الأراضي المطورة تقنيا، ببنية تحتية شبكات 6G، حوسبة سحابية متقدمة، وإنترنت الأشياء الشامل، بشركات مستهدفة 10 آلاف شركة تقنية عربية و5 آلاف شركة عالمية.

وكمثال عملي، مدينة الذكاء الاصطناعي في الرياض يمكن أن ضم مقار لـ500 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي (AI)، بينما مدينة التكنولوجيا الطبية في القاهرة يمكن أن تجمع أبرز شركات الطب الرقمي والهندسة الحيوية. كل مدينة تتخصص في مجال تقني محدد، مما يخلق تكاملا استراتيجيا بدلا من التنافس المدمر.

- مراكز البحث مصانع الابتكار العربية: 50 مركزا بحثيا تضعنا على خريطة الابتكار العالمي، بينما تستثمر الصين 500 مليار دولار سنويا في البحث والتطوير، وتنفق أمريكا 600 مليار دولار، تستطيع المنطقة العربية -بـ200 مليار دولار من صندوق النهضة- أن تنشئ شبكة بحثية متقدمة تنافس أقوى المراكز العلمية في العالم. ويمكن أن تكون جغرافيا بـ15 مركزا في الخليج، متخصصة في الطاقة والذكاء الاصطناعي، و10 مراكز في بلاد الشام تركز على التكنولوجيا الطبية والهندسة الحيوية، بينما 15 مركزا في شمال أفريقيا للفضاء والطيران والطاقة المتجددة، و10 مراكز متنقلة تخدم باقي الدول العربية. وتتمثل المجالات البحثية المحورية في الطب الشخصي والجينوم لعلاج الأمراض الوراثية الشائعة في المنطقة، وتكنولوجيا المياه لحل أزمة المياه نهائيا بحلول تقنية متقدمة، والذكاء الاصطناعي التطبيقي ببرمجيات ذكية تخدم التحديات المحلية، وتقنيات الفضاء أقمار صناعية واتصالات متطورة لخدمة المنطقة.

- الصناعات الاستراتيجية من المستهلك إلى المُصدّر: ثورة صناعية حقيقية بـ400 مليار دولار. لطالما اعتمدت المنطقة على استيراد التكنولوجيا بدلا من تصنيعها، لكن بـ400 مليار دولار، يمكن بناء قاعدة صناعية متقدمة تحولنا من مستهلكين للتكنولوجيا إلى مصدرين لها. وأهمها صناعة الطيران العربية باستثمار 150 مليار دولار لإنشاء إيرباص العربية، والهدف تصنيع 200 طائرة سنويا بحلول 2035، ويمكن بالشراكة مع بوينغ أو إيرباص لنقل التكنولوجيا الكاملة. والعمالة المتوقعة 500 ألف وظيفة تقنية متخصصة.

- صناعة الفضاء الإقليمية: باستثمار 100 مليار دولار لـناسا العربية. والمشاريع أقمار اتصالات، أقمار مراقبة الأرض، مهمات فضائية مشتركة، بالتعاون مع وكالات الفضاء الصينية والروسية والهندية، وبإنجاز مستهدف إطلاق 50 قمرا صناعيا بحلول 2030.

- مصانع الذكاء الاصطناعي: باستثمار 150 مليار دولار في معالجات وشرائح ذكية، والشراكة مع تايوان وكوريا الجنوبية لنقل تقنيات أشباه الموصلات، والهدف تصنيع 30 في المئة من احتياجات المنطقة من الرقائق الذكية محليا.

- الطاقة المتجددة: الاستقلال الطاقوي الكامل وثورة طاقوية. بـ100 مليار دولار بدلا من الاعتماد على النفط إلى الأبد، يمكن للمنطقة أن تصبح أكبر مُصدّر للطاقة المتجددة في العالم خلال عقد واحد فقط، بالمشاريع الطاقوية الكبرى متمثلة في المدينة الشمسية الكبرى في الصحراء الكبرى بقدرة 100 جيجاواط، ومزارع الرياح البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر.

- مصانع الهيدروجين الأخضر لتصدير الطاقة النظيفة للعالم: شبكة الكهرباء العربية الموحدة تربط المحيط الأطلسي بالخليج العربي بطاقة تبلغ 500 جيجاواط من الطاقة المتجددة، سيكون فائض التصدير 200 جيجاواط للتصدير إلى أوروبا وآسيا، بوظائف مباشرة تبلغ مليوني وظيفة في قطاع الطاقة المتجددة، بعائد سنوي 300 مليار دولار من تصدير الطاقة النظيفة.

سيحقق صندوق النهضة العربية عوائد تغير وجه المنطقة بخلق عشرات الملايين من الوظائف للشعوب العربية (باحثون، علماء، مساعدون، مهندسون، مبرمجون، تقنيون فنيون، مهندسون، عمال صيانة، وغيرها)، إضافة إلى نمو اقتصادي بنسب غير مسبوقة، الناتج المحلي الإجمالي العربي سيقفز إلى 3 أو 4 أضعاف الحالي، واستقلال تكنولوجي بنسبة 80 في المئة.

الخلاصة الاستراتيجية: هذا التريليون دولار ليس مجرد استثمار اقتصادي، بل استثمار في مستقبل الأمة، إنه الفرق بين أن نبقى مستهلكين للحضارة أم نعود صانعين لها.

أمامنا خياران لا ثالث لهما؛ الخيار الأول استمرار التبعية بإنفاق 3.2 تريليون دولار لتقوية أمريكا، وتكريس التخلف التكنولوجي، وفقدان الاستقلالية السياسية، وتآكل الهوية الثقافية. والخيار الثاني الفرصة الذهبية، باستثمار الأموال في نهضة حقيقية
المشروع الثاني: شبكة الجامعات العربية العالمية، باستثمار 500 مليار دولار، بمكونات 25 جامعة بحثية بمعايير هارفارد وأكسفورد، معاهد التكنولوجيا المتقدمة في كل دولة عربية، مراكز الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، أكاديميات الطب والهندسة الطبية الحيوية، لتخريج مليون خبير في التكنولوجيا المتقدمة سنويا، وإنهاء هجرة العقول وجذب المواهب العالمية.

قيادة البحث العلمي في مجالات حيوية

المشروع الثالث: التحالف الاقتصادي الذكي، باستثمار 800مليار دولار في شراكات استراتيجية مع الصين: الانضمام الكامل لطريق الحرير، تطوير التكنولوجيا، مع روسيا: الطاقة النووية السلمية، تكنولوجيا الفضاء، مع الهند: الصناعات الدوائية، تكنولوجيا المعلومات، مع أفريقيا: التكامل الاقتصادي، الأمن الغذائي. والنتائج: تنويع الشراكات بدلا من الاعتماد الأحادي، ومضاعفة حجم التجارة البينية أضعاف الحالي إنشاء عملة تجارية موحدة للتعاملات الإقليمية

المشروع الرابع: منظومة الأمن العربي المستقل، باستثمار 400 مليار دولار في قوة دفاع عربية مشتركة بأحدث التقنيات، وصناعات دفاعية متطورة بتكنولوجيا محلية، ونظام استخبارات مشترك لمواجهة التهديدات، وصندوق طوارئ إنساني للأزمات الإقليمية. وسيحقق هذا الاستقلال الأمني عن الضمانات الخارجية، وخلق صناعات دفاعية متقدمة وطنية، وتعزيز الاستقرار الإقليمي بحلول عربية.

المشروع الخامس: النهضة الثقافية والحضارية، باستثمار 500مليار دولار لإنشاء مراكز الحضارة الإسلامية في 20 عاصمة عالمية، والمكتبة الرقمية العربية أكبر أرشيف حضاري في العالم، مع صناعة إعلامية متقدمة تنافس هوليوود وبوليوود، وشبكة تعليم عربية عالمية لخدمة أكثر من مليار مسلم. وذلك بهدف تعزيز الهوية العربية-الإسلامية عالميا، مواجهة الإسلاموفوبيا بالثقافة والمعرفة، بناء قوة ناعمة تنافس القوى العظمى.

وخطة تنفيذ العملية تتكون من المرحلة الأولى: التأسيس (1-3 سنوات)، ويتم فيها إنشاء مجلس القيادة العربي للتنمية، وتأسيس وتفعيل بنك التنمية العربي برأسمال تريليون دولار، وبدء المشاريع النموذجية في 5 دول رائدة. المرحلة الثانية: التسارع (4-7 سنوات)، بتشغيل المدن التقنية والجامعات البحثية، وإطلاق الشراكات الاستراتيجية مع القوى العالمية، بناء الصناعات الاستراتيجية المتقدمة. المرحلة الثالثة: الريادة (8-10 سنوات)، بتحقيق الريادة التكنولوجية في مجالات حيوية، وقيادة العالم الإسلامي اقتصاديا وثقافيا، زتصدير النموذج للعالم النامي.

هل هذا حلم سهل المنال أم هناك تحديات؟

حلم يمكن تحقيقه مع التعامل مع التحديات؛ التي أهمها المقاومة الأمريكية الشرسة والانقسامات العربية، وضخامة المبالغ المطلوبة، وفجوة الخبرات الحرجة والتبعية التكنولوجية، والبيروقراطية والفساد وضعف الحوكمة، والتنافس الدولي الحاد وعدم الاستقرار الإقليمي، ومقاومة التغيير والتحديات الثقافية، وغيرها من التحديات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان.

دعوة للعمل.. للقادة العرب: لديكم فرصة تاريخية لتحويل 3.2 تريليون دولار من أداة لتقوية أمريكا إلى محرك لنهضة الأمة، للمفكرين والخبراء: تطوير الدراسات التفصيلية للمشاريع البديلة وحشد الرأي العام حول الفرص الضائعة وتقديم الاستشارات الفنية للتنفيذ، للشعوب العربية: بالمطالبة بالشفافية في الاتفاقيات الدولية، ودعم المشاريع التنموية المحلية، ورفض مشاريع التبعية الاقتصادية.

وفي الخلاصة.. اختيار المصير، أمامنا خياران لا ثالث لهما؛ الخيار الأول استمرار التبعية بإنفاق 3.2 تريليون دولار لتقوية أمريكا، وتكريس التخلف التكنولوجي، وفقدان الاستقلالية السياسية، وتآكل الهوية الثقافية. والخيار الثاني الفرصة الذهبية، باستثمار الأموال في نهضة حقيقية، وتحقيق الريادة التكنولوجية، وبناء قوة إقليمية مستقلة، وإحياء الحضارة العربية-الإسلامية

النداء الأخير، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والفرصة الذهبية أمامنا، والإمكانيات متاحة، والموارد موجودة.. فقط نحتاج الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية لتحويل الحلم إلى حقيقة.

هل سنختار طريق التبعية.. أم طريق النهضة؟ الخيار لنا، والمسؤولية أمام التاريخ والأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • موقف المنتخبات العربية الآسيوية قبل الجولة الأخيرة من تصفيات المونديال
  • 13 منتخبا حجز مقعدا له في نهائيات كأس العالم 2026 لحد الآن والأردن أول منتخب عربي يتمكن من التأهل
  • تحدي القراءة العربي يتوّج محمد جاسم إبراهيم بطلاً لدورته التاسعة في البحرين
  • تحدي القراءة العربي يتوج محمد إبراهيم بطلاً لدورته التاسعة في البحرين
  • آمنة الضحاك: جهود رائدة للإمارات في الحد من التلوث البلاستيكي وطنياً وعالمياً
  • «الخليج العربي للنفط» و«OMV» يبحثان التحديات التي تواجه تنفيذ المشاريع
  • الاحتفال بـ 10 سنوات على تأسيس «الصداقة الإماراتية - اليابانية»
  • غالية العنزي بطلة تحدي القراءة العربي في الكويت
  • رحلة ترامب للوطن العربي.. والفرص الذهبية البديلة
  • اجتماع موسع في هيئة مصائد البحر العربي يبحث الانتهاكات التي يتعرض لها الصيادون اليمنيون في المياه الإقليمية