أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً معلوماتياً تناول من خلاله مفهوم "الشحن البحري الأخضر" في ظل مواجهة التغيرات المناخية ومدى مساهمة قطاع الشحن البحري العالمي في انبعاثات الغازات الدفيئة، والاهتمام الدولي حالياً بالتوجه نحو الشحن البحري الأخضر، وتوقعات الطلب على الوقود الأخضر في مجال الشحن الدولي، والفرص الواعدة لإنتاج الوقود الأخضر واستخدامه في مجال الشحن.

وأوضح المركز أن صناعة النقل البحري تعد ذات أهمية كبيرة للاقتصاد العالمي، فهي تمثل نحو 80% من التجارة العالمية، ويتم نقل مليارات الأطنان من البضائع والمنتجات عن طريق البحر كل عام، ومع ذلك، لا يزال الشحن العالمي يعتمد على أنواع وقود شديدة التلوث، ويساهم قطاع الشحن البحري في حجم انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية بشكل كبير ومتزايد، وهو ما لا يتوافق مع أهداف اتفاقية باريس، وبالمقارنة إلى حجم انبعاثات الدول، يمكن وضع هذا القطاع ضمن أكبر عشرة قطاعات مسببة للانبعاثات على مستوى العالم.

وذكر مركز المعلومات في تحليله أن انبعاثات الشحن الدولي شهدت نموًّا سنويًّا بنسبة 4.9% في عام 2021، حيث ارتفعت إلى ما يقرب من 700 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وكان هذا أعلى من مستويات عام 2019، كما يمثل حوالي 11% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية لوسائل النقل في ذلك العام، فقد ارتفعت الانبعاثات الناجمة عن النقل البحري الدولي بنسبة 90% تقريبًا منذ عام 1990، وذلك بسبب زيادة التجارة المنقولة بحرًا والعدد المتزايد من السفن التي تعبر محيطات العالم.

وفي حين أن انبعاثات الغازات الدفيئة داخل صناعة الشحن كانت تسير في مسار تصاعدي، فقد انخفضت إطلاقات ثاني أكسيد الكبريت (SO₂) منذ عام 2009 بسبب القيود المفروضة على محتوى الكبريت في الوقود البحري، كما أدخلت المنظمة البحرية الدولية (IMO) لوائح أكثر صرامة في عام 2020، مما أدى إلى خفض الحد الأعلى لمحتوى الكبريت إلى 0.5% (3.5% سابقًا).

وتشير التقديرات إلى أن هذه اللوائح الجديدة كان من الممكن أن تقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت من الشحن بنسبة 77% في ذلك العام، مقارنة بمستويات عام 2019.

وأضاف التحليل أن المنظمة البحرية الدولية (IMO) اعتمدت المجموعة الأولى من التدابير الإلزامية الدولية لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بالسفن في 15 يوليو 2011، ومنذ ذلك الحين اتخذت المنظمة البحرية الدولية إجراءات إضافية، بما في ذلك المزيد من التدابير التنظيمية، واعتماد استراتيجية المنظمة البحرية الدولية الأولية للغازات الدفيئة في عام 2018، والاستراتيجية المنقحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من السفن في عام 2023، كما تعمل المنظمة على تنفيذ برنامج شامل لبناء القدرات والمساعدة الفنية، بما في ذلك مجموعة من المشروعات العالمية.

وفي يوليو 2023، اعتمدت الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية استراتيجية المنظمة البحرية الدولية لعام 2023 بشأن خفض انبعاثات الغازات الدفيئة من السفن، مع أهداف معززة لمعالجة الانبعاثات الضارة.

وأشار التحليل إلى أن استراتيجية الغازات الدفيئة المنقحة للمنظمة البحرية الدولية، والتي تم اعتمادها في لجنة حماية البيئة البحرية (MEPC 80) تتضمن طموحًا مشتركًا معززًا للوصول إلى صافي انبعاثات الغازات الدفيئة من النقل البحري الدولي بحلول عام 2050 أو في وقت قريب منه، والالتزام بضمان استيعاب الصفر البديل ووقود الغازات الدفيئة يقترب من الصفر بحلول عام 2030، بالإضافة إلى نقاط إرشادية للشحن الدولي للوصول إلى صافي انبعاثات الغازات الدفيئة صفر لعام 2030 (بنسبة 20% على الأقل، والسعي إلى 30%) و2040 (بنسبة 70% على الأقل، والسعي إلى 80%).

وأكد التحليل أنه على وجه الخصوص، تتوخى استراتيجية الغازات الدفيئة للمنظمة البحرية الدولية لعام 2023 خفض كثافة الكربون في الشحن الدولي (لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل عمل نقل)، كمتوسط عبر الشحن الدولي، بنسبة 40% على الأقل مع حلول عام 2030. 

ويتعلق المستوى الجديد من الطموح بـاستيعاب تقنيات انبعاثات الغازات الدفيئة و/أو الوقود و/أو مصادر الطاقة التي تكون معدومة أو قريبة من الصفر: يجب أن تمثل ما لا يقل عن 5%، وتسعى للحصول على 10% من الطاقة المستخدمة في الشحن الدولي بحلول عام 2030.

وتناول مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ما أعلن في الأول من يناير 2023، إنه أصبح إلزاميًا على جميع السفن حساب مؤشر السفن الحالية لكفاءة استخدام الطاقة (EEXI) وإنشاء مؤشر كثافة الكربون التشغيلي السنوي (CII)، وتصنيف (CII)، بمعنى آخر، تحصل السفن على تصنيف لكفاءة الطاقة لديها (A، B، C، D، E) حيث A هو الأفضل) (وتحصل السفينة التي تعمل بوقود منخفض الكربون على تصنيف أعلى من تلك التي تعمل بالوقود الأحفوري)، وهناك العديد من الأشياء التي يمكن للسفينة القيام بها لتحسين تصنيفها، مثل تنظيف الهيكل لمقاومة السحب، تحسين السرعة، تركيب مصابيح كهربائية منخفضة الطاقة، تركيب الطاقة الشمسية/طاقة الرياح المساعدة لخدمات الإقامة، إلخ.

وأضاف التحليل أنه في سياق المبادرات الدولية لتشجيع الانتقال نحو الشحن البحري الأخضر، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية والنرويج مبادرة تحت مسمى "تحدي الشحن الأخضر" في مؤتمر كوب 27، بهدف تشجيع الدول والموانئ والشركات على الالتزام بتحفيز الانتقال إلى الشحن الأخضر. 

وفي هذا التوقيت، أصدرت مجموعة من الدول أكثر من 40 إعلانًا رئيسًا يتعلق بالابتكارات الخاصة بالسفن والتوسع في الوقود منخفض الكربون أو عديم الكربون ووضع سياسات نحو تعزيز استيعاب سفن الجيل التالي.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يتضمن قانون الحد من التضخم (IRA)، الصادر في عام 2022، دعمًا مباشرًا لخفض انبعاثات الموانئ من خلال الكهرباء ويساهم بشكل كبير في بناء سلسلة توريد الأمونيا الخضراء من خلال حوافز ضريبة الهيدروجين النظيف، فضلًا عن استمرار اليابان والصين وكوريا في الريادة في تصميم وبناء السفن المجهزة للأمونيا، فضلًا عن بروتوكولات التزويد بالوقود والبنية التحتية.

وذكر تحليل مركز المعلومات أنه من المتوقع أن يلعب الوقود البديل مثل الأمونيا الخضراء والهيدروجين والاعتماد المتزايد لحلول التكنولوجيا البحرية الخضراء المبتكرة، مثل الأشرعة ذات الأجنحة الآلية عالية التقنية، أدوارًا رئيسة في إزالة الكربون من القطاع خلال العقود القادمة.

وأشار المركز إلى أنه وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، سوف يلعب الوقود الحيوي المتقدم دورًا رئيسًا في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الأمد القصير، ومن المتوقع أن الطلب على الوقود الحيوي المتقدم في الشحن الدولي يحتاج إلى النمو بمعدل سنوي حوالي 9% وفقًا لسيناريو الوكالة الدولية للطاقة المتجددة عند 1.5 درجة مئوية، لتصل في النهاية إلى مشاركة ما يقرب من 10% من إجمالي مزيج الطاقة في عام 2050.

وأضاف التحليل أنه على المدى المتوسط إلى الطويل، سيكون الوقود الأخضر المعتمد على الهيدروجين في قلب الحملة الرامية إلى إزالة الكربون من الشحن الدولي. 

وتبلغ الكمية المطلوبة من الهيدروجين الأخضر لهذا القطاع لعام 2050 نحو 46 مليون طن، أي 74% للأمونيا الإلكترونية، و16% للميثانول الإلكتروني، والـ 10% المتبقية لاستخدامها مباشرة كهيدروجين أخضر من خلال خلايا الوقود أو حرقها من خلال محركات الاحتراق الداخلي.

وتجدر الإشارة إلى أن الأمونيا المتجددة تشكل العمود الفقري لإزالة الكربون من قطاع الشحن. 

ويمكن أن تمثل الأمونيا المتجددة ما يصل إلى 43% من مزيج الطاقة في عام 2050، وهو ما يعني حوالي 183 مليون طن من الأمونيا المتجددة للشحن الدولي وحده.

ونظرًا للأهمية المتوقعة للوقود القوي في إزالة الكربون من هذا القطاع، من المهم ملاحظة أن إنتاج الميثانول الإلكتروني والأمونيا الإلكترونية لعام 2050 يعني الطلب على 55 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المتجدد و155 مليون طن من النيتروجين، وستكون هناك حاجة إلى وقود منخفض ومنعدم الكربون لإزالة الكربون من الشحن وهناك إمكانات كبيرة أمام البلدان النامية لتصبح المورد الرئيس للوقود المنخفض الكربون والصفر في مجال الشحن، وتشمل أنواع الوقود والدفع المستقبلية المحتملة: الأمونيا، والوقود الحيوي، والطاقة الكهربائية، وخلايا الوقود، والهيدروجين، والميثانول، والرياح.

أوضح معلومات الوزراء في تحليله أنه وفقًا للوكالة الدولية للطاقة، أظهرت طلبات السفن الجديدة اتجاهًا نحو أنواع الوقود البديلة، حيث أعلنت شركة ميرسك (A.P.Moller-Maersk)، إحدى أكبر شركات الشحن في العالم، عن طلب 19 حاوية وقود مزدوج للميثانول اعتبارًا من أكتوبر 2022 للتسليم بين عامي 2023 و2025. 

وقد تبعت هذه الطلبات شركات أخرى من شركات كبيرة مثل شركة سي إم أيه سي جي إم (CMA CGM)، وشركة كوسكو (Cosco)، وشركة كارجيل (Cargill). وأفادت شركة Clarksons Research أنه في عام 2022، كان 90 طلبًا للبناء الجديد (11% بالطن) مخصصة للسفن الجاهزة للأمونيا، و43 (7%) لأوعية الميثانول و3 طلبات للسفن الجاهزة للهيدروجين.

وفي هذا السياق، وعلى المستوى المحلي، اتخذت الدولة المصرية العديد من الخطوات المهمة نحو تعزيز إنتاج الوقود الأخضر في قطاع النقل البحري، وكان أبرزها: 

- التوجه نحو إعداد استراتيجية متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر. 

- استراتيجية لدي الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تهدف إلى توطين صناعة الوقود الأخضر، وتستند إلى 3 محاور رئيسة لتصنيع الوقود الأخضر من “الهيدروجين الأخضر - الأمونيا الخضراء - الإيميثانول”. 

- العمل على صناعات الوقود الأخضر التكميلية من المحللات الكهربائية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح، جنبًا إلى جنب مع نشاط إمدادات الوقود الأخضر.

وقد استعرض التحليل عددا من الاتفاقيات التي تم توقعيها خلال الأعوام السابقة في هذا السياق:
-في أكتوبر 2021، تم توقيع اتفاقية لإنتاج الهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء، وذلك بين كل من صندوق مصر السيادي، وشركة “سكاتك النرويجية” للطاقة المتجددة، وشركة ”فيرتيجلوب” المملوكة لشركتي أوراسكوم الهولندية، وأدنوك الإماراتية.

-في مايو 2022، وقعت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مع كبرى الشركات العالمية (6) مذكرات تفاهم لمشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء لاستخدامهما في أغراض تموين السفن أو التصدير للأسواق الخارجية، وفي أغسطس 2022، تم توقيع (7) مذكرات تفاهم لتنفيذ مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر داخل المنطقة الصناعية في العين السخنة.

-في مايو 2023، تم توقيع اتفاقية التطوير المشترك لمشروع جديد لإنتاج الميثانول الأخضر، والذي يُعد الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط، ويهدف المشروع الجديد لإنتاج 40 ألف طن سنويًّا من الميثانول الأخضر تمكن زيادتها حتى 200 ألف طن سنويًّا، وسيسهم المشروع في وضع مصر على الخريطة العالمية للدول المنتجة لهذا الوقود الأخضر لتزويد السفن.

-في أغسطس 2023، تمت أول عملية تموين سفينة حاويات بالوقود الأخضر (الميثانول) بميناء شرق بورسعيد، لسفينة الحاويات "مرسك" وهي أول سفينة حاويات في العالم تعمل بالوقود الأخضر. وخلال الشهر نفسه، أعلنت هيئة قناة السويس عن بدء تنفيذ عمليات تموين سفن الخط الملاحي بالميثانول الأخضر، وإحلال "الطاقة النظيفة" في تشغيل الوحدات البحرية، وأسطول سيارات وحافلات الهيئة ومحطات الإرشاد.

وذلك في سياق تنفيذ الاستراتيجية المستدامة الجديدة لهيئة قناة السويس لإعلان قناة السويس "القناة الخضراء" بحلول عام 2030، بهدف دعم النقل البحري ليصبح أكثر ملاءمة للبيئة وهو ما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.

وأفاد التحليل في ختامه بأنه يمكن تعزيز الشحن البحري الأخضر، من خلال استمرار زيادة الاستثمارات في البحث والتطوير، لتحسين التقنيات والممارسات المستدامة للشحن البحري، بما في ذلك الوقود الأخضر، كما من الضروري تطوير بنية تحتية مستدامة لدعم الشحن البحري الأخضر، مثل محطات الشحن للسفن التي تعمل بالكهرباء أو الهيدروجين. وأخيرًا، وضع لوائح عالمية بشأن الشحن البحري الأخضر لضمان أن تلتزم جميع البلدان بهذه المعايير. 

وبذلك يمكننا دعم الشحن البحري الأخضر للعب دور في معالجة أزمة المناخ العالمية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: انبعاثات الغازات الدفیئة المنظمة البحریة الدولیة انبعاثات ثانی أکسید ثانی أکسید الکربون الهیدروجین الأخضر الأمونیا الخضراء مرکز المعلومات الوقود الأخضر النقل البحری الشحن الدولی الکربون من بحلول عام الأخضر فی ملیون طن من خلال فی عام عام 2030 إلى أن عام 2050 فی ذلک

إقرأ أيضاً:

معلومات الوزراء: 15 مليون فرصة عمل تخلقها الشبكات الذكية على مستوى العالم

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله شبكات الطاقة الذكية ومفهومها، ودورها كمستقبل واعد للطاقة المتجددة، وتعزيز أمن الطاقة «الكهرباء»، وكيفية مساهمتها في تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، كما تناول من خلال التحليل استثمارات الدول في الشبكات الذكية، والتحديات التي تواجه استخدام هذه الشبكات.

وأوضح مركز المعلومات، أنه في ضوء الاتجاه العالمي لاستخدام الطاقة المتجددة -كطاقة بديلة للوقود الأحفوري، بما يتماشى مع اتفاقية باريس، وتعزيز الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، - تواجه أنظمة الطاقة المتجددة بعض التحديات متمثلة في عدم توافر بعض مصادر الطاقة المتجددة في الأوقات جميعًا، مثل: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وعدم القدرة على تخزينها، وبناءً على ذلك، يجب أن تكون شبكات الطاقة الخاصة بمصادر الطاقة المتجددة أكثر قابلية على التكيف معها، وذلك لضمان أمن الطاقة العالمي الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.

وفي هذا السياق، من المرجح أن تؤدي الشبكات الذكية دورًا محوريًّا في أنظمة الطاقة، وإزالة الكربون من سلاسل القيمة الخاصة بها، وتعزيز مرونتها، وعلى الرغم من ذلك، فإن الاستثمارات الحالية في الشبكات الذكية أقل بكثير من المستوى المطلوب لتكون على المسار الصحيح لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية المطلوب.

أشار التحليل، إلى أن الشبكات الذكية تُعرَّف بأنها شبكة كهرباء تستخدم التقنيات الرقمية، وغيرها من التقنيات المتقدمة لمراقبة وإدارة نقل الكهرباء من مصادر التوليد جميعها لتلبية متطلبات الكهرباء المتنوعة للمستخدمين النهائيين. وتُعد شبكة ذكية، لأنها تعتمد التقنيات الرقمية، مثل: أجهزة الاستشعار، والبرمجيات لمراقبة، وإدارة نقل الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة جميعها، إذ يمكن للشبكات الذكية التبديل بين مصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة على حدٍ سواء، وذلك في إطار النظام الواحد نفسه، فيمكن استعادة التيار الكهربائي بعد انقطاعه في وقت سريع، مما يعزز كفاءة الإمدادات الكهربائية وموثوقيتها، ويقلل التكاليف، فضلًا عن خفض الانبعاثات الكربونية، بينما لا يمكن ذلك في الشبكات التقليدية التي هي أقل مرونة.

وتعتمد الشبكات الذكية التقنيات الحديثة، مثل: إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، مما يسمح لها بـ"أتمتة" العمليات، وتحسين كفاءة التشغيل، فعلى سبيل المثال يمكن للذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء التوقع بحالة الطقس، فإذا كانت هناك أزمة ما في الطقس، ينتقل النظام ديناميكيًّا إلى توليد الطاقة من مصادر أخرى، مثل: الطاقة النووية، مما يضمن استمرار إمداد الطاقة، وتقليل انقطاع التيار الكهربائي.

بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي توقع الأماكن التي من المحتمل أن يحدث بها عاصفة، وأيضًا توقع المدة التي تستغرقها تلك العاصفة، فيشرع الذكاء الاصطناعي في إرسال إشارات إلى الشبكات لتعزيز إنتاج الكهرباء، وتنويع مصادر الطاقة المتولدة منه في حال حدوث تلف في أحد خطوط النقل.

وفي حال حدوث تلف في خط النقل، مما يتسبب بحدوث انقطاع التيار الكهربي، يمكن لنظام إنترنت الأشياء، وأجهزة الاستشعار الإبلاغ عن العطل، وتوليد الكهرباء من المصادر البديلة، وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أنه دون تحسين أمن إمدادات الكهرباء بفضل التقنيات الرقمية، يمكن أن تصل الخسائر إلى ما يقرب من 1.3 تريليون دولار أمريكي حتى عام 2030. وقد تصل هذه الخسائر في بعض الدول إلى فقدان نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي.

كما يُعَدُّ تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية ليس بالمهمة اليسيرة، فهو يتطلب تحولًا جذريًّا في أنظمة الطاقة، فوفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، ويمثل قطاع الطاقة نحو 75٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، ولإزالة الكربون من قطاع الطاقة، يحتاج العالم إلى زيادة حصة الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة (طاقة شمسية، وطاقة رياح) إلى ما يقرب من 80% من إجمالي الكهرباء المولدة عالميًّا بحلول 2050. وهنا يأتي دور الشبكات الذكية، فيمكن للشبكات الذكية أن تساعد على تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بعدة طرق، منها:

-يمكن للشبكات الذكية دمج المزيد من مصادر الطاقة المتجددة في الشبكة، باستخدام أجهزة الاستشعار، وأدوات التحكم، وتحليل البيانات لتحقيق التوازن بين العرض والطلب. وهو ما يمكن أن يُقلل الحاجة إلى محطات احتياطية للوقود الأحفوري، ويزيد موثوقية ومرونة الشبكة.

-تساعد الشبكات الذكية على تعديل استهلاك المستهلكين من الكهرباء من خلال الاستجابة لإشارات الأسعار، أو الحوافز من المرافق، أو من مشغلي الشبكات. ويمكن أن يساعد ذلك على تقليل الطلب، وخفض فواتير الكهرباء، وتجنب تحديثات الشبكة المكلفة.

-تساعد الشبكات الذكية المستهلكين على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية على الأسطح، مما يُعزز أمن الطاقة، ويُمكّن المستهلكين من أن يصبحوا منتجين ومستهلكين.

-ويمكن للشبكات الذكية أن تدعم السيارات الكهربائية، التي من المتوقع أن تؤدي دورًا رئيسًا في إزالة الكربون من قطاع النقل، حيث يمكن للشبكات الذكية أن توفر البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية.

بالإضافة إلى ذلك، تُعَدُّ الشبكات الذكية ليست مُجدية فقط لتحقيق صافي انبعاثات الصِفر، بل وأيضًا لتحسين النمو الاقتصادي، والرفاهية الاجتماعية، والجودة البيئية، فوفقًا لدراسة أجرتها وكالة الطاقة الدولية، يمكن للشبكات الذكية أن توفر نحو 270 مليار دولار سنويًّا على مستوى العالم بحلول عام 2040، وخلق 15 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030، وتجنب انبعاث نحو 1.5 جيجا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًّا حتى عام 2030.

أما عن استثمارات الدول في الشبكات الذكية، فقد أشار التحليل إلى ارتفاع الاستثمارات في شبكات الكهرباء (الذكية) في عام 2022 بنحو 8%، وذلك نتيجة قيام الدول المتقدمة بتسريع استثماراتها لدعم وتعزيز إنتاج الكهرباء، وأيضًا دمج مصادر الطاقة المتجددة في أنظمة الطاقة لديها، فعلى سبيل المثال، قدَّم الاتحاد الأوروبي خطة استثمارات في نهاية عام 2022، لتعزيز شبكات الكهرباء و"رقمنتها" بنحو 633 مليار دولار أمريكي، كما أعلنت اليابان في عام 2022 عن إنشاء صندوق بقيمة 155 مليار دولار أمريكي، وذلك لتشجيع الاستثمار في تقنيات شبكات الطاقة، والمباني الموفرة للطاقة، وغيرها من تقنيات تقليل البصمة الكربونية، مع التركيز على الشبكات الذكية.

بالإضافة إلى، إطلاق "الهند" خطة بقيمة 36.8 مليار دولار أمريكي في عام 2022، لتعزيز وتحديث البنية التحتية للكهرباء وشبكات التوزيع، والعدَّادات الذكية للكهرباء (هو جهاز إلكتروني رقمي يتمتع بتقنيات قياس معدل استهلاك الطاقة، وأيضًا التحكم في الاستهلاك عن طريق تحديد الحد الأقصى له، مما يسمح بالاستخدام الأمثل للكهرباء). بينما أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية في أواخر عام 2021، عن برنامج لتعزيز الشبكات الذكية لتعزيز شبكات الكهرباء بنحو 10.5 مليارات دولار أمريكي.

كما تعتزم "الصين" تحديث وتوسيع شبكات الكهرباء لديها باستثمارات تبلغ 442 مليار دولار أمريكي خلال الفترة 2021-2025. وفي هذا الصدد، أعلنت مجموعة البنك الدولي، بالتعاون مع وكالة ضمان الاستثمار المتعددة الأطراف (Multilateral Investment Guarantee Agency)، ومؤسسة التمويل الدولية (International Finance Corporation)، ووكالات تنمية أخرى، في نهاية عام 2022، عن مبادرة لتشجيع الاستثمار الخاص في أنظمة الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء في "إفريقيا".

وعلى الرغم من تلك الاستثمارات، فإن الاستثمارات العالمية الحالية في الشبكات أقل بكثير من المستوى المطلوب ليكون على المسار الصحيح لصافي الانبعاثات الصفرية، وسوف تحتاج الاستثمارات السنوية في الشبكات إلى أن تزيد على أكثر من الضعف من نحو 330 مليار دولار سنويًّا إلى 750 مليار دولار حتى عام 2030، مع تخصيص نحو 75% من الاستثمارات لتطوير شبكات التوزيع الذكية ورقمنتها، فقد تبين أن تنفيذ الشبكة الذكية يخلق قيمة مضافة عبر مجموعة من المجالات. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن رقمنة الشبكات يمكن أن يقلل تقليص أنظمة الطاقة المتجددة المتغيرة بأكثر من 25% بحلول عام 2030، مما يزيد كفاءة النظام، ويقلل التكاليف على العملاء، فضًلا عن إطالة عمر الشبكات، وخلق العديد من الوظائف، كذلك يدعم إزالة الكربون بشكل كبير من خلال تعزيز التنبؤ بالعرض والطلب، وتوفير رؤية أفضل ومرونة للطلب على الكهرباء وأيضًا التخطيط المتكامل لتوفير الاحتياجات المطلوبة من الكهرباء، ولكن قد تواجه بعض الدول بعض التحديات في التوسع في ذلك الأمر.

وقد استعرض التحليل أهم التحديات التي تواجه استخدام الشبكات الذكية:

-التكلفة الباهظة للشبكات الذكية: والتي تُعَدُّ أحد أهم العوائق التي تواجه الشبكات الذكية، فوفقًا لمعهد أبحاث الطاقة الكهربائية، فإن مرافق الشبكات الذكية ستحتاج إلى استثمارات تتراوح من (17 إلى 24) مليار دولار سنويًّا خلال 20 عامًا، علاوةً على ذلك، قَدَّرت الوكالة الدولية للطاقة حجمَ الاستثمارات اللازمة في شبكات الكهرباء الذكية في المتوسط بنحو 600 مليار دولار أمريكي سنويًّا حتى عام 2030، للسير على الطريق الصحيح لتحقيق صافي انبعاثات صفرية.

-أمَّا بالنسبة إلى الشركات، فقد تواجه العديد من التحديات في تنفيذ تقنيات الشبكات الذكية. ويتمثل أبرزها في الأمان: فالشبكات الذكية هي شبكات معقدة من الأجهزة المتصلة، ويمكن أن يشكل تأمينها تحديًا كبيرًا للشركات، فهي تولِّد كميات هائلة من البيانات، بما في ذلك المعلومات الحساسة المتعلقة بالمستهلك. لذلك، فإن التدابير الأمنية ضرورية لها، ويجب أن يتم تأمين الشبكة ضد الهجمات السيبرانية.

وأفاد التحليل في ختامه أن تعزيز الاستثمار في الشبكات الذكية يتطلب تكلفة باهظة على بعض الحكومات والمستهلكين، وبناءً على ذلك قد تُمثل الإعفاءات الضريبية على الاستثمارات في الشبكات الذكية وسيلةً فعالة للغاية لخفض التكاليف.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمؤسسات المالية والدولية أن تساعد الاقتصادات الناشئة والنامية على تهيئة بيئة فعالة لنشر التكنولوجيا الرقمية، وتوفير الخدمات المالية اللازمة لبناء القدرات، مما يعزز الاستثمار في الشبكات الذكية، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وأيضًا تحقيق صافي انبعاثات الصفرية.

مقالات مشابهة

  • معلومات الوزراء: 26 مليار دولار حجم التبادل بين مصر والدول العربية في 2023
  • الاتحاد الأوروبي يصف التزامات المغرب في مجال الطوارئ المناخية بـ "النموذجية"
  • محمد العويس يتعرض للإصابة في مواجهة الأخضر
  • تخصيص دخل مواجهة الأخضر والأردن لعائلة الغليميش
  • شركس: البنك المركزي أدرك مبكراً أهمية الحفاظ على البيئة وتشجيع الطاقة المتجددة
  • تاريخ مواجهات السعودية والأردن قبل موقعة تصفيات كأس العالم
  • الهيئة العامة للطيران المدني تؤكد التزامها بدعم الجهود الدولية لخفض الانبعاثات الكربونية في القطاع
  • مدرب الأردن: نواجه الأخضر من أجل الصدارة
  • معلومات الوزراء: 15 مليون فرصة عمل تخلقها الشبكات الذكية على مستوى العالم
  • الأخضر تحت21 يخسر مواجهة فرنسا ضمن بطولة تولون الدولية