لجريدة عمان:
2025-07-06@14:15:18 GMT

عالم مليء بالأكاذيب والمتناقضات

تاريخ النشر: 23rd, April 2024 GMT

هناك مقال سابق لي بهذه الجريدة الرصينة بعنوان «عالم يتجه نحو الجنون»، ويبدو أن هذه النبوءة قد أصبحت الآن حقيقة واقعة بالفعل في عالمنا الراهن. الجنون يبدأ بالفعل عندما ننفصل عن الواقع أو العالم الفعلي، ونروِّج لأكاذيب وتصورات متناقضة نعيش فيها ونؤمن بها. هذا هو حال عالمنا الآن، والشواهد على ذلك لا حصر لها، يمكن أن نأتي على شيء منها فيما يلي:

ينظر الغرب إلى حرب روسيا على أوكرانيا باعتبارها حربًا غير مشروعة وتمثل اعتداءً على سيادة دولة أخرى هي أوكرانيا، في حين تسمى روسيا حربها على أوكرانيا بأنها حرب على النازية.

وكلا الموقفين كاذبان ولا يعبران عن الدوافع الحقيقية للحرب: فأوكرانيا- كما قلنا من قبل- ليست سوى ساحة حرب مستترة بين نفوذ الغرب أو حلف الناتو الذي يريد أن يتمدد شرقًا باتجاه روسيا، وبين الكتلة الشرقية الصاعدة بزعامة روسيا والصين التي تريد التصدي لهذا التمدد. زعيم أوكرانيا لم يكن سوى أداة راهن عليها الغرب، ولذلك راجت أحداث هذه الحرب واستولت على الأخبار اليومية لحظة بلحظة؛ ولما فشل هذا الرهان وبدا أن روسيا قد كسبت الحرب حتى الآن ورسخت أقدامها في أوكرانيا؛ بدأت أخبار هذه الحرب تتوارى تدريجيًّا، وبدأ المسكين زعيم أوكرانيا الذي صنع منه الغرب بطلًا وهميًّا- يشكو من أن الغرب قد تخلى عنه، وأنه راح يهتم بدعم إسرائيل ولا يهتم بدعم أوكرانيا! لم يفهم هذا المسكين أدوات اللعبة: لعبة السياسة في عالمنا الراهن.

تكررت مثل هذه الأكاذيب والمتناقضات في حرب إسرائيل على غزة منذ أكثر من نصف سنة: روجت إسرائيل لأن حربها على غزة هي حرب على الإرهاب والإرهابيين، وروجت لأكاذيب من قبيل: قتل حماس للنساء واغتصابهن وقطع رؤوس الأطفال. راجت هذه الأكاذيب في الإعلام الغربي وعلى لسان ساساته، إلى أن انكشفت هذه الأكاذيب بفعل وسائل التواصل الاجتماعي التي صورت بالصوت والصورة وحشية العدوان الإسرائيلي التي لا نظير لها في التاريخ، والتي تمثلت في القتل المتعمد للنساء والأطفال والخدج والمسعفين والصحفيين الذين ينقلون الأحداث. وعلى الرغم من أن الشعوب ثارت على هذا التزييف للحقائق، فما زالت سياسات الدول في الغرب تدعم إسرائيل بالأسلحة التي تستخدمها في قتل من يسمونهم بالإرهابيين. وهنا يُثار السؤال: من هو الإرهابي حقًّا؟ هل هو الذي يدافع عن أرضه السليبة أم من يقتل الأبرياء من دون رحمة؟! ما أقصده أن بؤرة الصراع بين الشرق والغرب قد تحولت من أوكرانيا إلى فلسطين وغزة. ذلك أن إسرائيل بالنسبة للغرب هي أيضًا أداة لإدارة الصراع والهيمنة، وكما قال الفيلسوف الكبير روجيه جارودي منذ عقود: إن إسرائيل هي حاملة طائرات أمريكية نووية في الشرق الأوسط!

الأمر نفسه ينطبق على الصراع مع إيران وأذرعها في المنطقة العربية. حقًّا أن إيران قد سعت إلى التمدد في المنطقة العربية من خلال أذرعها في لبنان (حزب الله) وفي اليمن (أنصار الله) وفي العراق وسوريا، ولكن هذا التمدد كان طبيعيًّا بحكم ضعف هذه الدول التي أصبحت مسرحًا لعمليات الصراع في الشرق الأوسط، وهو صراع يقوم بين جبهتين إحداهما تسعى لدعم مصلحة إسرائيل وتمددها وهيمنتها كذراع للغرب، والأخرى تسعى إلى التمدد في المنطقة العربية وتشكيل محور مقاومة ضد هيمنة إسرائيل. أما القول بأن إيران تسعى من وراء ذلك كله إلى تمديد التوغل الشيعي في المنطقة العربية، فإنه لا يكفي وحده لتبرير هذا الصراع. ولذلك فإن إيران تظل هي الدولة التي تقاوم من خلال أذرعها هيمنة إسرائيل وصلفها من بعد حرب 1973.

تلجأ إسرائيل إلى نوع من البلطجة المعتادة التي تمارسها في اطمئنان تام بأنها سوف تفلت من أي عقاب دولي بسبب دعم الولايات المتحدة والغرب لها، فقامت بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل بعض القادة الإيرانيين في الحرس الثوري (وهو ما يعني أنها قامت بقصف أرض إيرانية في سوريا)، ومع ذلك لم يصدر عن الغرب أية إدانة لهذا العدوان الذي تجرمه المواثيق الدولية؛ ولكن عندما قامت إيران بالرد سارع الغرب بإدانة وتجريم هذا العمل في نوع من الازدواجية في المعايير وممارسة الكذب وتصديقه بزعم أن إيران دولة إرهابية بينما إسرائيل دولة بريئة لا تمارس الإرهاب وتريد تصفية أية قوة إقليمية تناصبها العداء.

وهناك أكاذيب يتم الترويج لها بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمثل الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط، في حين أنها تمارس الإرهاب منذ نشأتها ضد الشعب الذي احتلت أرضه بمباركة من الغرب. كما أن الولايات المتحدة نفسها التي تدعم إسرائيل في عدوانها هي الدولة التي مارست الإرهاب والعدوان طوال تاريخها، وليس الإرهاب الذي مارسته في الشرق الأوسط ببعيد: فهي التي صنعت قواعد الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط مثل: القاعدة والجماعات الإسلامية، وهي التي دمرت دولًا عديدة مثل العراق وسوريا (مثلما دمرت أفغانستان وغيرها من قبل) بزعم مقاومة هذه الجماعات نفسها والقضاء عليها، وجعلت مثل هذه الدول مسرحًا لعمليات الصراع بين الغرب والشرق.

ومع ذلك كله، فإننا نسمع هذه الأكاذيب والمتناقضات تتردد وتُروَّج يوميًّا، وهو ما يدفع العالم الآن إلى حالة من التوتر والصراع المعلن الذي ينذر بالتحول إلى حرب عالمية عندما يتجاوز الصراع حالة سعي القوى الإقليمية والدولية إلى التمدد والهيمنة إلى حالة المواجهة المسلحة المباشرة بين هذه القوى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی المنطقة العربیة فی الشرق الأوسط هذه الأکاذیب

إقرأ أيضاً:

السفر.. تجاوز الجغرافيا إلى عالم الروح

لا تكاد تبدأ الإجازة الصيفية، إلا ونجد العوائل تبدأ في وضع الخطط والبرامج لكيفية قضاء هذه الإجازة، فيما يحقق المتعة والفائدة، ومن بين تلك البرامج وضع خطط للسفر، الذي هو في حقيقته تجربة إنسانية وروحية، يستطيع المسلم أن يستلهم منها الكثير من المعاني التأملية العميقة، التي تعود إليه بفوائد مختلفة على مستوى الجسم والعقل والروح.

فالشريعة الإسلامية، لم تغفل جانب الترويح عن النفس بل أكدته من خلال الدعوة إلى المراوحة لكي لا تقع في الرتابة المملة، التي من شأنها أن تكون مغيبة لجانب الإتقان في الأعمال، والله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الترويح عن النفس: «روحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت»، فالسفر ترويح عن القلوب لما توفره وسائل النقل والبرامج السياحية من رفاهية ومتعة بعيدة عن المشقة التي يمثلها السفر في القديم والتي كان يقول العرب عنه إنه «قطعة من العذاب».

وعلى الرغم من ذلك لا يزال السفر يمثل تغيرا حقيقيا، لأنه في ذاته انتقال من منطقة الراحة التي تمثل الأمان، إلى منطقة مجهولة ربما يخلطها نوع من التوجس، فعندما يسافر الإنسان خاصة إذا كان هذا السفر يتجاوز الجغرافيا التي تمثل حدود الوطن إلى دول ذات بيئات وثقافات مختلفة، في ظل الأوضاع العالمية الراهنة، فإنه يدخل في غربة مؤقتة، يستطيع من خلالها أن يكتشف الإنسان ذاته، فهو يتجرد من روتينه اليومي فيبدأ في تأمل ذاته ومراقبة تصرفاته، وأفعاله وردودها.

ومن أجل تلك التغيرات يبدأ ظهور المعدن الحقيقي للنفس البشرية، وتكون تصرفاته وأطباعه ليست ناجمة عن عادات يومية، وإنما على ارتجال للمواقف، ولذلك تعرف معادن الرجال من خلال السفر، وهذا ما تعلمناه من قصة عمر بن الخطاب الذي كان يرى أن السفر يكشف أخلاق الناس وطباعهم، فإذا لم تكن قد صاحبته في السفر، فأنت لا تعرفه معرفة حقيقية، لأن الناس قد يتجملون في الحضر، لكن في السفر تظهر معادنهم من صبر وكرم وتواضع وتحمل وتعاون.

والقرآن الكريم زاخر بالإشارات إلى السفر، والتأمل في مصائر الحضارات، وفي تقلب أحوال الأمم، واختلاف الخلق، فنجد الله عز وجل يقول: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، كما أمرنا الله أن ننظر في ما خلفته الأمم السابقة التي ما زالت شواهد حضاراتهم ومكاسبهم المادية شاهدة عليهم وكيف أن الله أمدهم الله بالقوة والمال، ومكن لهم في الأرض، إلا أنهم كذبوا دعوته التي أتى بها رسله، فكان أن عاقبهم الله بتكذيبهم، فأصبحوا أثرا بعد عين، فقال الله تعالى: «قُلْ سِيرُواْ في الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ»، فالسفر في الرؤية الإسلامية هو مدرسة نأخذ منها الدروس والعظات والعبر، وهو تجربة روحية عميقة، ووسيلة للتزكية، والتقرب إلى الله، وترقية للنفس.

ومن خلال هذه الدعوة القرآنية نجد أن الكثير من العرب الأوائل اهتموا بجانب السفر واكتشاف الأمم، فنجد أن هنالك رحلات في العصور الإسلامية المبكرة، ففي سنة 309 هجرية قام أحمد بن فضلان برحلة فريدة في اكتشاف الشعوب والثقافات وقد أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله مع وفد إلى بلاد البلغار بعد أن طلب ملكهم المساعدة في بناء مسجد وتعليم شعبه الإسلام، وكان الوفد يتكون من علماء وفقهاء ومعماريين، وقد اكتشف ثقافة العرق التركي والعرق الروسي في تلك المنطقة البعيدة عن الجزيرة العربية.

كما ظهرت بعد ذلك مجموعة من الرحالة الذين ألّفوا كتبا في رحلاتهم منها كتاب «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» لابن بطوطة، وكتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» للإدريسي، وغيرهم من الرحالة العرب الذين التفتوا إلى أهمية السفر في الثقافة العربية الإسلامية، وتم دعم رحلاتهم من خلال الخلفاء المسلمين.

ونجد في السفر فرصة ثمينة للتأمل في عجائب خلق الله في الطبيعة بكل مكوناتها في الجبال والأشجار والحقول والبحار، فكل مشهد غير مألوف في بيئتك يمثل دهشة حقيقية، وتغذية للبصر والمخيلة، فلا تملك أمام تلك المشاهد الجميلة والمناظر الخلابة، إلا أن تسبِّح الله، بطريقة تلقائية كردة فعل فطرية لما تراه العين من هذا الإبداع الإلهي فهو بديع السماوات والأرض.

كما أن التأمل يتجاوز المخلوقات ليصل إلى تأمل أحوال الناس ومعايشهم وأوضاعهم الاجتماعية، وثقافاتهم، وطرق معيشتهم، ومن خلال معرفة كل تلك التفاصيل، تطفوا على قلب المتأمل مسحة الشعور بالرضا والامتنان لما وهبه الله إياه في بلده من مقومات للحياة، ووفرة في المأكل والمسكن والمشرب، وبما أنعم الله على وطنه من نعمة الأمن والأمان والطمأنينة.

ومن صور السفر التي يؤمر بها المسلم هو الهجرة إلى الله ورسوله، وزيارة بيته الحرام، وهو ما يسمى كمصطلح معاصر «السياحة الدينية» وهي فرصة ثمينة لاغتنام أكثر من منفعة في هذه الرحلة الطاهرة، فالزائر لبيت الله الحرام يمكنه التعرف على التنوع الثقافي الإسلامي، فالمعتمر يرى إخوانه من كل دول العالم، يلبسون نفس اللباس، ويدعون نفس الدعاء، ويتجهون لنفس القبلة، وتذوب بينهم الفوارق الطبقية والاجتماعية، وهي فرصة للتعارف والتواصل مع المسلمين من مختلف الجنسيات، ما يعزز روح الأخوة الإسلامية.

وقد جعل الإسلام مجموعة من الآداب والضوابط في السفر، وجعل هنالك أحكاما خاصة في العبادات، وأول تلك الآداب هو النية، فهو يقصد في قلبه الغرض من هذا السفر، ويجعله سفرا في طاعة الله يخلص فيه إلى خالقه ويتوكل عليه، ويسن أن يقرأ أدعية السفر إذا استوى على وسيلة سفره، سواء كان سفرا بريا أو جويا أو بحريا، فيذكر الدعاء الذي أمرنا الله به في كتابه العزيز في قوله في سورة الزخرف: «لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ (14)»، كما يجب عليه أن ينتقي الصحبة الصالحة التي تعينه على المعروف، وتنهاه عن المنكر، يلتزم بأحكام العبادات في السفر، من حيث قصر الصلاة وجمعها، والالتزام بالأخلاق الحسنة التي تمثله وتمثل دينه ووطنه.

مقالات مشابهة

  • أول ظهور لخامنئي منذ بدء الصراع بين إسرائيل وإيران
  • مصادر: التعديلات اللبنانية ستنص على تنفيذ مرحلي لتسليم السلاح بما يضمن إلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها
  • ترامب يعلّق جزءاً من دعم أوكرانيا للتركيز على تعزيز دفاع إسرائيل
  • الحكومة: رسالة الحوثيين مجلس الأمن المليئة بالأكاذيب محاولة مفضوحة لتضليل المجتمع الدولي
  • الشعب الفلسطيني باق والاحتلال إلى زوال
  • مقاطع فيديو من تركيا.. حرائق غابات في الغرب وثلوج في الشرق
  • تركيا تواجه حرائق في الغرب وثلوجاً في الشرق
  • ليبيا لن تنهض بميزانيات محشوّة بالأكاذيب
  • الاستخبارات الإيطالية: شبكات تهريب البشر في الغرب الليبي تقود موجة الهجرة الجديدة
  • السفر.. تجاوز الجغرافيا إلى عالم الروح