«سبيس 42».. كيان إماراتي عملاق يستعد لاقتناص الفرص العالمية
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
يوسف العربي (أبوظبي)
قال حسن الحوسني، العضو المنتدب لشركة بيانات، إن إنشاء (سبيس 42) «SPACE42» يمثل تجميعاً لشركتين رائدتين، «بيانات» و«الياه سات»، وبات الكيان الجديد «سبيس 42» في موقع يمكّنه من تقديم نطاق خدمات موسع وفرص تكامل عمودي وقيمة متميزة، مستفيدةً من اقتصاديات الحجم، وتحسين الربحية عبر سلسلة القيمة.
وقال الحوسني لـ«الاتحاد»: «ستستفيد (سبيس 42) بدورها، من ديناميكيات السوق المتطورة بسرعة للاستحواذ على فرص إقليمية ودولية في الحلول الجيومكانية والتنقل، والاتصالات الفضائية، والمبادرات المستدامة والذكاء التجاري».
وأكد أن عملية الدمج أعادت تعريف الأدوار بوضوح، حيث ستُقدم «بيانات» المعلومات الجيومكانية (GeoInt)، بينما ستُسهم «الياه سات» بخبراتها في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية (SatCom) وسيجني كلا الطرفين الفوائد من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي (AI) المشتركة بيننا. وأشار إلى أن الدمج بين «بيانات» و«الياه سات» لتأسيس «SPACE42» يتيح الاستفادة من تاريخ «بيانات» الممتد في مجال التقنيات والحلول الجيومكانية والمدعومة بالذكاء الاصطناعي، و«الياه سات»، الرائدة في توفير حلول الأقمار الصناعية التابعة لدولة الإمارات.
القطاع الخاص
حول دور تبادل الخبرات والشراكات بين القطاعين العام والخاص في تسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجيومكانية، قال الحوسني: «تساهم هذه الشراكات في دفع عجلة تطوّر الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجيومكانية عبر تحفيز التعاون بين الطرفين، ما يسهم في تنشيط دوائر الابتكار، وخلق فرص جديدة للتوسع والنمو، فعلى سبيل المثال، قامت بيانات بمشروع تعاون مهم مع هيئة البيئة في أبوظبي، وOceanX وM42، واستهدفت هذه الشراكة جمع البيانات حول مصايد الأسماك والتنوع البيولوجي، وتعزيز الاستكشاف البحري، ودعم حماية الحياة البحرية من خلال استخدام تقنيات بحث بحرية متطورة».
وفي مثال آخر، أشار إلى «TXAI»، وهو أسطول من سيارات الأجرة ذاتية القيادة من المرحلة الرابعة، والذي تعمل «بيانات» على تطويره واختباره بالتعاون مع مركز النقل المتكامل ودائرة البلديات والنقل، ويأتي هذا التعاون لدعم استراتيجية أبوظبي للتنقل الذكي التي تهدف إلى الانتقال نحو حلول النقل العام الذكية والمستدامة، وتعزيز الجهود نحو تطوير مدن تتناسب مع مستقبل مستدام. وقال: «ضمن أوجه التعاون المثيرة للاهتمام شراكة (بيانات) مع وكالة الفضاء الإماراتية في مؤتمر الأطراف COP28، حيث أعلنّا انطلاق المرحلة التشغيلية لمنصتنا للتحليلات الجيومكانية، وذلك ضمن إطار مبادراتها لتنظيم أول مشاركة لجناح الفضاء في المؤتمر».
البنية التحتية
أكد الحوسني أن الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية الأساسية ركيزة محورية لنمو قطاعاتنا، سواء أكان ذلك على اليابسة، أو في البحر أو في الجو، فمن الضروري ضمان توافر البيانات وسهولة الوصول إليها، حيث تمكننا البيانات التي نجمعها من اتخاذ قرارات مستنيرة في مجموعة واسعة من القطاعات والمجالات، بما في ذلك التخطيط العمراني، والنقل وتوزيع الموارد، وفي «بيانات»، تتركز جهودنا وتطويرنا على قطاعات رئيسية مثل الفضاء، واستكشاف المحيطات، والذكاء الاصطناعي ضمن أربعة مجالات رئيسية، هي: حلول الذكاء الجيومكاني (SGS)، وقسم حلول العمليات الذكية (SOPS)، وقسم حلول الفضاء الذكية (SPAS) وقسم حلول النقل الذكي (SMOS).
ونوه بأن «بيانات» أطلقت منصة «جي آي كيو»، منصة نظام الذكاء الاصطناعي الفريدة والقائمة على توقع البيانات الجيومكانية التي تشكل الأساس لنشاطاتنا عبر جميع المجالات، معززةً بذلك مجموعة من الحلول الرائدة للجهات الحكومية، والمؤسسات التابعة للحكومة والقطاع الخاص في مختلف المجالات، وتعتبر هذه المنصة البنية التحتية التي تقدم حلولاً جغرافية مكانية شاملة بمستوى عالمي، مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لعدد متزايد من القطاعات والمعنيين.
قطاعات متنوعة
أكد الحوسني: «تمتاز حلول بيانات بتأثيرها الممتد عبر قطاعات متعددة، ما يُظهر مرونة وقابلية حلولنا المبتكرة للتكيف، حيث تندمج خدماتنا في شتى مناحي الحياة بدولة الإمارات، وتتعداها إلى قطاعات عالمية شاملة، بما في ذلك الأمن الوطني، والعقارات، والبيئة، والنقل والمواصلات، والطاقة، والسلطات العامة والمدن الذكية».
وأضاف: «تعزّز منصتنا التكنولوجية gIQ أنشطتنا عبر القطاعات كافة، مُقدمةً مجموعة من الحلول الرائدة للجهات الحكومية، والمنظمات المتصلة بالحكومة والقطاع الخاص. ولا يوجد قطاع بعينه يستفيد أكثر من غيره، بل تبرز حلولنا فوائد لا مثيل لها عبر مختلف القطاعات، ما يعكس مدى تأثيرنا المتنوع والعميق على الصناعات المتعددة».
مكافحة تغير المناخ
قال حسن الحوسني: «تُعد البيانات الضخمة عنصراً حيوياً في مواجهة وتقليل المخاطر والتحديات المرتبطة بتغير المناخ، إذ تُمكن الخبراء من جمع وتحليل وتفسير كميات ضخمة من البيانات واستخلاص استنتاجات تُسهم في توفير فهم أعمق لأنماط المناخ، والتنبؤ بالتغييرات، وتحسين وإدارة وتوظيف الموارد للتخفيف من أي مخاطر، وتساهم بشكل فعال في توجيه عملية صنع القرار السياسي».
وأكد أن توافر هذه التكنولوجيا يسمح بالقيام بتخطيط أكثر فعالية لمواقع تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، مما يُسهِّل تطويرها ودمجها بكفاءة، وستمكِّن البيانات المجمّعة الخبراء من تقييم إمكانات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والموقع وقربه من المدن، والبنية التحتية وأية عوائق قد تُؤثّر على تنفيذ هذه المشاريع المتجددة.
وتابع: «في مجال التنقل، عقدت (بيانات) شراكات استراتيجية مع كيانات حكومية رئيسية، بما في ذلك المركز الدولي للتجارة ودائرة البلديات والنقل كذلك، فإنّنا نعزز أيضاً تبني استخدام السيارات الكهربائية، حيث أقمنا وبالشراكة مع مركز النقل 19 محطة شحن كجزء من مبادرتنا لإنشاء بنية تحتية قوية للمركبات الكهربائية».
وفي مجال الطاقة، قال الحوسني: «بالتعاون مع عدد من الشركاء في قطاع الطاقة، مثل AIQ، وهو مشروع مشترك بين ADNOC وG42، تقدم (بيانات) نظام Rig Move AI المبتكر الذي يعمل على أتمتة عملية الجدولة، ويوفر تحديثات لحظية بشأن لوجستيات الحفّارات، ويركز النظام بشكل خاص على تقليل المسافات التي تقطعها الحفارات بين المواقع، وهو ما يُتوقع أن يخفض بشكل كبير من انبعاثات الكربون في أسطول الحفارات».
وبالنسبة للفضاء، قال: «على عكس الأقمار الصناعية التقليدية، توفر تقنية HAPS عدداً من المزايا، مثل استخدام الطاقة الشمسية، وتقليل استهلاك الطاقة أثناء التشغيل، والحد من الحطام الفضائي، بالإضافة إلى ذلك، تساهم تقنية HAPS في دعم جهود الاستدامة من خلال رصد التغيرات البيئية، وتوفير بديل للبنية التحتية للاتصالات الأرضية».
تعويض الكربون
أكد العضو المنتدب لشركة بيانات، أن التكنولوجيا، خصوصاً الحلول الجيومكانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تعتبر أدوات قيّمة لمراقبة تعويض الكربون، فالبيانات المتعلقة باستخدام الأرض ومصادر الانبعاث، المُستقاة من صور الأقمار الصناعية وأنظمة المعلومات الجغرافية (GIS)، وغيرها من التقنيات الجيومكانية، قادرة على تحديد المناطق الأمثل لمشاريع إعادة التشجير والحفظ. وأكد أن هذه الابتكارات ستستمر في لعب دور حاسم في مواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك تعويض الكربون. مضيفاً: «من خلال التعاون المستمر والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، نلتزم بقيادة المسار نحو تيسير تعويض الكربون وبناء مستقبل أكثر استدامة ومسؤولية بيئية».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الإمارات الياه سات بيانات الذکاء الاصطناعی الأقمار الصناعیة بما فی ذلک الیاه سات فی مجال
إقرأ أيضاً:
هل تحوِّل شركاتُ النفط الكبرى أمريكا إلى عملاق ليثيوم؟
منذ ما يزيد قليلا على قرن، أطلق اكتشاف النفط بالقرب من مدينة إلدورادو في جنوب غرب ولاية اركنساس الأمريكية تدافعا محموما لحفر آبار النفط، ولعبَ دورا في جعل الولايات المتحدة قوة "طاقة عالمية" عظمى.
في ذروة ازدهارها، استضافت الدورادو أكثر من 50 شركة نفط وأصبح "سماكوفر" أكبر حقل نفط قيد التشغيل في العالم.
تراجع الإنتاج بشدة في العقود الأخيرة، وتحفر الشركات الآن في حقل سماكوفر بحثا عن شيء آخر هو الليثيوم. إنه عنصر فلزي (معدن) يشكل مكونا مفتاحيا في البطاريات القابلة للتعبئة والتي تزود بالطاقة السياراتِ الكهربائية والهواتفَ النقالة والمعداتِ الدفاعية.
تحتوي خزانات المياه الملحية الجوفية التي تمتد عبر اركنساس والولايات المجاورة لها على تركُّزات عالية من هذا المعدن الفضي. وقدرت دراسة نشرتها الإدارة الأمريكية للمسوحات الجيولوجية في أكتوبر الكمية الإجمالية لهذا المورد في جنوب غرب اركنساس وحدها بما يصل إلى 19 مليون طن. وعلى الرغم من أن كل هذه الكمية قد لا تكون قابلة للتعدين، إلا أنها يمكن أن تنتج بسهولة ما يكفي لمقابلة إجمالي الطلب الأمريكي الحالي على الليثيوم.
اكسون موبيل وأوكسيدنتال واكوينور من بين عشرات الشركات التي تسعى لحفر آبار المياه المالحة التي تحتوي على المعدن في المنطقة. وتعكف هذه الشركات على تجربة الاستخراج المباشر لليثيوم وهي تقنية جديدة يقول أنصارها أنها يمكن أن تدعم صناعة ببلايين الدولارات في الولايات المتحدة وتضعف قبضة الصين الخانقة على سلاسل توريد بطاريات ايونات الليثيوم.
صناعة ناشئة
"يمكن لتقنية الاستخراج المباشر أن تحقق لصناعة الليثيوم والاقتصاد في الولايات المتحدة ما حققه التكسير الهيدروليكي لصناعة النفط الأمريكية قبل 20 عاما تقريبا"، هذا ما يقوله أندى روبنسون الجيولوجي والمؤسس المشارك لشركة "ستاندارد ليثيوم" التي تسعى لتطوير مشروع بتكلفة 1.5 بليون دولار بالقرب من الدورادو في شراكة مع مجموعة الطاقة النرويجية "اكوينور".
يقول أنصار هذه التقنية إنها تقدم بديلا أسرع وأقل ضررا على البيئة من طرق الإنتاج الحالية. بالنسبة لشركات النفط والتي لديها مهارات واسعة في الحفر وضخ ومعالجة السوائل تمثل طريقة مفيدة لتنويع أنشطتها. يقول روبنسون :" يمكننا إقامة صناعة توجِد وظائف جيدة برواتب مجزية لعقود وفي الأثناء تأمين مد أمريكا بمعدن مفتاحي في صناعة البطاريات".
اجتذبت هذه الصناعة الوليدة داعمين أقوياء بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب الذي أدرج في أولوياته إنتاج المعادن الحيوية في الداخل والخارج. ففي الشهر الماضي اختارت إدارته منشأة الليثيوم التجريبية لشركة ستاندارد كواحدة من 10 مشروعات معادن حيوية تستفيد من عملية جديدة لتسريع إصدار الرخص. وكان المشروع الاستثماري قد حصل سلفا على منحة بمبلغ 225 مليون من الإدارة الأمريكية السابقة.
لكن الخبراء يحذرون رواد صناعة الليثيوم الأمريكية بوجوب إثبات إمكانية نجاح التقنية الجديدة تجاريا ومنافسة تقنيات الإنتاج الحالية ومشروعات الاستخراج المباشر لليثيوم في بلدان التكلفة المنخفضة.
سوق الليثيوم مسيَّسة بقدر كبير. يقول المنتجون الأمريكيون إن الصين -وهي أكبر لاعب إلى حد كبير في معالجة الليثيوم وإنتاج البطاريات- أغرقت سوق الليثيوم عمدا وهوت بالأسعار بهدف الحيلولة دون دخول قادمين جدد لهذه الصناعة والحفاظ على هيمنتها. لقد هبطت أسعار كاربونيت الليثيوم (المادة الخام التي ينتج منها الليثيوم- المترجم) بنسبة 80% إلى حوالي 9 آلاف دولار للطن من ذروتها في نوفمبر 2022.
كما تحركت بكين أيضا لتقييد تصدير بعض التقنيات والمواد اللازمة لمعالجة الليثيوم ومواد أخرى حيوية لصناعات الدفاع والسيارات وأشباه الموصلات.
يقول ديفيد بارك الرئيس التنفيذي لشركة ستاندارد ليثيوم: "ليس صدفة أن الصين بدأت تصعيد تلاعبها بسوق الليثيوم حين كانت عدة شركات أمريكية كبيرة تستكمل دراسات الجدوى والدراسات الهندسية وتعمل على تأمين التمويل". ويقول فيديريكو جاي المحلل شركة أبحاث المعادن الحيوية: "بينشمارك مينرال انتيليجنس" يمكن لتقنية الاستخراج المباشر لليثيوم "إعادة تشكيل أسواق الليثيوم العالمية خلال العقد القادم ومساعدة الشركات العاملة في الولايات المتحدة للحصول على موطئ قدم في هذه الصناعة". لكنه يستدرك قائلا: "عليها أولا إثبات أنها يمكنها التغلب على التحديات الفنية والمالية والاستراتيجية".
استخدامات جديدة وتقنية جديدة
خلال معظم القرن العشرين كان إنتاج الليثيوم محدودا وعكس بذلك محدودية استخداماته. كان هذا المعدن يستخدم غالبا كمكوِّن في الشحوم والرؤوس النووية ولاحقا كدواء مهدئ للمزاج، ووجد في وقت ما في مشروب سفن آب الشهير إلى أن حظرت السلطات الأمريكية استخدام أملاح الليثيوم في المشروبات عام 1948.
لكن التسويق التجاري لبطاريات ايونات الليثيوم في أوائل التسعينيات بواسطة شركة التقنية اليابانية "سوني" واستخدامها مؤخرا في السيارات الكهربائية ومنتجات التقنية الرفيعة الأخرى أطلقا ازدهارا في الطلب أحدث بدوره تحولا في صناعته.
في الفترة بين 2020 و2024 تضاعف الطلب العالمي على الليثيوم ثلاث مرات إلى حوالي 1.2 مليون طن، وفقا لشركة أبحاث الطاقة وود ماكنزي والتي تتوقع بلوغ استهلاك الليثيوم 5.8 مليون طن بحلول عام 2050.
لمقابلة الطلب، توسع المنتجون خلال العقد الماضي في تعدين الليثيوم من الصخور الصلبة في استراليا والصين واستخراجه من المياه الملحية في أمريكا اللاتينية ومنح ذلك هذه المناطق الثلاثة السيطرة على أكثر من 80% من صناعته.
تعدين الصخور الصلبة يماثل كثيرا أية عملية أخرى لإنتاج المعادن، فالمواد الخام كالسبودومين تُستخرج من مناجم مفتوحة وتسحق ثم تعالج كيميائيا لفصل الليثيوم.
أما استخراج الليثيوم من المياه الملحية، فينطوي على ضخ المياه المالحة الغنية بالليثيوم في برك كبيرة ويكون ذلك عادة في مناطق حارة وجافة. تتبخر المياه تدريجيا مخلفة وراءها أملاح ليثيوم مركَّزة يمكن معالجتها.
حتى وقت قريب كانت شركات تعدين الليثيوم في الولايات المتحدة تعاني، فهي تواجه ارتفاع التكاليف والتشدد في إجراءات التعدين وظروف جيولوجية ومناخية أقل ملاءمة مقارنة "بمثلث الليثيوم" في شيلي والأرجنتين وبوليفيا.
تقنية الاستخراج المباشر لمعدن الليثيوم والتي تشمل في العادة استخدام مذيبات ومواد سيراميك لفصل الليثيوم من المياه المالحة غيَّرت كل ذلك. تستغرق هذه الطريقة ساعات فقط لفصل الليثيوم، فيما يمكن أن يحتاج فصله في برك التبخير إلى 18 شهرا، وتصل معدلات استخلاصه إلى حوالي 70% - 90%، حسب شركة وود ماكنزي، مقارنة بمعدل يتراوح بين 40% و60% بطريقة التبخير في البرك. كما يحتاج الاستخراج المباشر إلى مساحة وماء أقل.
وهكذا تتيح تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم فرصة استثمارية مع اكتشاف تركُّزات عالية لليثيوم في المياه الملحية بحقول النفط داخل تشكيل "سماكوفر" والذي يمتد عبر ولايات اركنساس ولويزيانا وتكساس. كما تجعل البنية التحتية الكيمياوية الموجودة حاليا في هذا الحقل استغلال هذه الموارد أكثر سهولة مقارنة بالحقول البِكْر.
المياه الملحية التي تتدفق في خزانات جوفية على عمق كيلومترين تحت منطقة مشروع شركة ستاندارد في مقاطعة لافاييت بولاية اركنساس تحتوي على أكثر من 400 ميليجرام من الليثيوم في اللتر وهذا مستوى يلزم أن يقلل تكلفة عملية الاستخراج المباشر لليثيوم بما يكفي لجعله مربحا.
أثناء جولة في المنشأة التجريبية لشركة ستاندارد على مبعدة 90 كيلومترا من منطقة مشروعها في لافاييت يقول روبنسون: " كنا دائما نعلم أن هذا المورد يطابق المعايير العالمية في اركنساس، لكن لزمنا تدبير التقنية اللازمة لاستغلاله، لقد حققنا ذلك".
خلال السنوات الخمس الماضية عالج روبنسون وفريقه حوالي 120 مليون لتر من المياه المالحة في حقل النفط بالمنشأة التي توجد في مصنع للكيماويات يدار بواسطة شركة لانكسيس الألمانية. تضخ أنابيبٌ ضخمة المياه المالحة إلى السطح، حيث تعالجها لانكسيس لصنع البرومين وهي مادة كيميائية تستخدم في صناعات المواد الصيدلانية والوقاية من الحرائق. (إنتاج البرومين عملية منفصلة لا علاقة لها بإنتاج الليثيوم ولكنهما يتشاركان في المادة الخام وهي المياه المالحة - المترجم.) ثم ينقل جزء من هذه المياه إلى منشأة شركة ستاندارد للمعالجة والتي وظفت تقنيات التكرير الخاصة بالاستخراج المباشر لليثيوم والمرخصة بواسطة الشركة الصناعية لأمريكية العملاقة "صناعات كوك".
التكلفة والأسعار
لكن تقنية الاستخراج المباشر لا تخلو من التحديات، فإحدى المنشآت المقتصرة على استخدام هذه التقنية والتابعة لشركة ايراميت الفرنسية للتعدين في أمريكا اللاتينية اضطرت الى تأجيل الإنتاج مرارا منذ بداية عملها في نهاية العام الماضي. يقول فيديريكو جاي: "حتى بعد سنوات من الاختبار والتجريب تواجه هذه المنشآت بعض المشاكل الآن مع دخولها مرحلة التوسع في الإنتاج، ويرجِّح هيمنة النموذج الهجين (الذي يجمع بين التبخير في البرك والاستخراج المباشر لليثيوم) إلى أن يتم تشغيل هذه التقنية الأخيرة بكامل طاقتها الإنتاجية في وقت لاحق خلال هذا العقد.
يقول جاي: تحتاج المياه المالحة في حقول النفط إلى معالجة مسبقة وواسعة النطاق لإزالة الملوثات التي تتدخل في تبلور مادة الليثيوم. ويقول أيضا: "ذلك يضيف وقتا وتكلفة، كما يعقدِّ تفاوت المياه الملحية في درجة نقائها التوسعَ في الإنتاج وتوحيدَ عملياته (نمذجتها)".
التكاليف الإجمالية لاستخراج الليثيوم مباشرة من مياه النفط الملحية ومعالجته ونقله وسداد الرسوم والحقوق (الاتاوات) المرتبطة به تبلغ حاليا حوالي 10000 دولار للطن، حسب شركة "بينشمارك". وتقدر تكلفة إنتاج شركة ستاندارد ليثيوم بحوالي 10735 دولارا للطن، وهذا مبلغ أعلى كثيرا مقارنة بالمنافسين الذين ينتجون الليثيوم من برك التبخير أو يجمعون بين التقنيتين (التبخير والاستخراج المباشر)، حيث يمكن أن تتدنى التكاليف إلى 6 آلاف دولار للطن.
الشركات من شاكلة ستاندارد لم يعد بمقدورها الاعتماد على الحوافز الضريبية التي استحدثها الرئيس السابق جو بايدن لإقامة سلاسل توريد محلية للمعادن الحيوية مع اقتراح الجمهوريين في الكونجرس وقف مثل هذا الدعم.
لكن تطوير تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم وتركُّزاته العالية في حقل "سماكوفر" يقللان من التكلفة كما يقول المنتجون الأمريكيون. من جانبه، يقول بارك الرئيس التنفيذي لشركة ستاندارد: "ربما يلزم تأجيل تنفيذ معظم خطط الطاقة الإنتاجية الجديدة إلى أن تعود أسعار الليثيوم إلى ما بين 18000 و20000 دولار للطن. لكننا لا نخطط على أساس حدوث ذلك". ويضيف: "مشروعنا أحد مشاريع تقنية الاستخراج المباشر القليلة التي يمكنها إنتاج كاربونيت ملائم للبطاريات بتكاليف تشغيل نقدية دون 6000 دولار. كما تجذب شركتنا انتباه الشركاء والزبائن والمقرضين المناسبين". (تكاليف التشغيل النقدية مقياس مختلف عن ذلك الذي تستخدمه شركة بينشمارك. فشركة ستاندارد في تقديرها للتكلفة لا تحسب التكاليف الرأسمالية).
استثمارات حول العالم
الشركات التي تتخذ مقرها في الولايات المتحدة ليست وحدها التي تتسابق لاستخدام تقنية الاستخراج المباشر تجاريا، فهنالك على الأقل 36 مشروعا لهذه التقنية عند مراحل مختلفة من التطوير حول العالم، حسب مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا.
من بين هذه المشروعات يوجد 13 مشروعا في الصين، فيما انتقل المنتجون في أمريكا اللاتينية إلى الاستخراج المباشر استجابة للمخاوف من استنزاف برك التبخير للموارد المائية. وفي يناير أعلنت شركة أرامكو السعودية أنها تدخل في استثمار مشترك مع شركة "معادن" لتطوير مشروعات استخراج مباشر لليثيوم في الشرق الأوسط على أن تبدأ الإنتاج التجاري بحلول عام 2027.
وفي عام 2023 أعلنت الحكومة في تشيلي وهي ثاني أكبر منتج لليثيوم في العالم عن تحولها إلى تقنية الاستخراج المباشر لأسباب بيئية. وفي ديسمبر ذكرت شركة ريو تينتو للتعدين أنها ستستثمر 2.5 بليون دولار لتوسعة منشأة رينكون لليثيوم التابعة لها في الأرجنتين باستخدام هذه التقنية أيضا. ودفعت 6.7 بليون دولار في العام الماضي للاستحواذ على شركة أركاديوم ليثيوم التي تستخدم الاستخراج المباشر لليثيوم في مشروع "اومبري مويرتو" التابع لها في الأرجنتين.
يقول إلياس سكافيداس المدير الإداري لقسم مواد البطاريات بشركة ريو تينتو: "برك التبخير ليست مناسبة لإنتاج الليثيوم على نطاق واسع في الأنديز، لذلك استخدام تقنية الاستخراج المباشر وإعادة حقن المياه تساعد على التقليل من الأثر البيئي لهذه الصناعة".
جهود حثيثة في أركنساس
أطلق ظهور تقنية الاستخراج المباشر لليثيوم سباقا لتأمين أفضل موارد المياه الملحية. في الشهر الماضي نازعت اوكسيدنتال بتروليوم شركة اكسون على ملكية بعض الحقوق في جنوب غرب اركنساس. وفي جلسة استماع عامة ومشهودة حكمت مفوضية النفط والغاز بالولاية لصالح شركة سولتويركس التابعة لمجموعة اكسون والتي وضعت هدفا طموحا لإنتاج ليثيوم يكفي لتغطية الاحتياجات التصنيعية لأكثر من مليون سيارة كهربائية بحلول عام 2030.
يقول دان هولتون نائب الرئيس الأول لحلول خفض انبعاثات الكربون بشركة اكسون: "عندما ننظر إلى ما تحاول الولايات المتحدة أن تفعله بصدد إنشاء سلسلة توريد محلية للمعادن الحيوية كالليثيوم والى وضعنا في حقل سماكوفر سنجد أن ذلك يناسبنا حقا".
جزء من الحسابات الاقتصادية حول الاستخراج المباشر لمعدن الليثيوم يتعلق بالرسوم والحقوق (الاتاوات). في أركنساس تقترح شركة ستاندرد ليثيوم دفع أتاوة بنسبة 2.5% لملاك الأراضي وذلك بناء على كمية كاربونيت الليثيوم الموجودة في المياه المالحة وأسعار السوق والحصة النسبية للفرد في المشروع. لكن بحسب سكان محليين، يسعى بعض ملاك الأراضي إلى الحصول على نسب تصل إلى 12.5% من الشركات أو دفعها إلى شراء أراضيهم.
لكن منتجي الليثيوم يقولون من الضروري تحديد نِسَب الأتاوة عند مستويات تمكِّن الإنتاج الأمريكي من المنافسة مع البلدان الأخرى وخصوصا الصين. لقد ابتدرت بكين خلال 10 سنوات جهودا لتعدين وتكرير وتنقية ومعالجة الليثيوم جعلت الصين تتصدر السيارات الكهربائية وأثارت قلق الحكومات الغربية.
يقول هولتون: السوق اليوم تهيمن عليها الصين وستشكل منافستها تحديا كبيرا للصناعة الأمريكية التي عليها أيضا أن تتكامل رأسيا. يشرح ذلك بقوله: "لا يكفي أن تنتج المعادن الحيوية هنا في الولايات المتحدة. يجب أن تكون لديك سلسلة توريد تمتد من استخراج ومعالجة الليثيوم وإنتاج المادة النشطة في القطب الموجب لبطارية ايونات الليثيوم إلى مصانع إنتاج البطاريات. كل هذه المراحل يجب تنفيذها في الولايات المتحدة".
يخطط مسئولو ستاندارد واكوينور لاتخاذ قرار الاستثمار النهائي حول مشروع لافاييت في الخريف القادم. تقول أليسون كينيدي ثورموند نائبة رئيس اكوينور لقسم الليثيوم في أمريكا الشمالية: "نحن نتخلص من المخاطر في السوق بقدر ما نستطيع من خلال عقود "مبيعات" لإرضاء المقرضين". وتقول عن شركة اكوينور النرويجية، التي اقترح لها زوجها فكرة الدخول في صناعة الليثيوم عندما كان يعمل بها في عام 2017، أنها تتمتع بالإمكانات التي تجعلها تلعب دورا قياديا في الانتقال إلى الطاقة المتجددة. وتضيف قائلة:"نحن لسنا بحاجة إلى البحث عن آلاف الناس الذين لديهم مهارات جديدة لتوظيفهم، يمكننا استخدام الكفاءات الموجودة لدينا سلفا".
يبذل الساسة والمسؤولون المحليون في ولاية أركنساس كل ما في وسعهم لدعم المستثمرين من أجل الفوز بالسباق وإيجاد وظائف في الولاية التي بها أدنى دخول عائلية وسطية في الولايات المتحدة عند حوالي 58 ألف دولار. كما تراجع الجامعات والكليات المحلية مناهجها الدراسية لمعالجة فجوات المهارات. تقول جينفر شرودر المديرة التنفيذية لتسريع تطوير المسار المهني بكلية ساوث اركنساس: "تحتاج صناعة الكيماويات إلى مشغلين يعرفون قراءة مخطط الأنابيب والأجهزة. إنها تحتاج إلى أشخاص يعلمون كيف تعمل الصمامات".
إلى ذلك، في الشهر الماضي أجازت الهيئة التشريعية لولاية أركنساس قانونا يقدم إعفاءات ضريبية لمنتجي الليثيوم والبطاريات وذلك كحافز للتشجيع على الاستثمار.
تقول سارا هاكابي ساندرز حاكمة ولاية أركنساس والسكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض في إدارة ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى: "سيكون ذلك دافعا قويا لجعل الشركات تواصل استثماراتها. يعتقد الخبراء أن أركنساس يمكنها المساهمة بما يصل إلى 15% من إنتاج العالم من الليثيوم وهذا يجعلنا أقدر على المنافسة ويقدم بديلا للصين، ذلك فوز عظيم، ليس لولايتنا ولكن لأمريكا كلها".