وزير الشباب والرياضة يفتتح ملتقى الشباب الدولي للإبداع والابتكار في الذكاء الاصطناعي في نسخته الثانية
تاريخ النشر: 29th, April 2024 GMT
تحت رعاية السيد رئيس مجلس الوزراء، أفتتح الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، ملتقى الشباب الدولي الثاني للإبداع والابتكار في الذكاء الاصطناعي، في نسخته الثانية، والذي يقام خلال الفترة من 27 إبريل إلى 2 مايو المقبل، بمشاركة شباب من 32 دولة من دول العالم باجمالي مشاركة 125 باحث ومبتكر.
بحضور الوزير مفوض فيصل غسان، مدير ادارة الشباب بجامعة الدول العربية، الدكتورة جينا الفقي، رئيس أكاديمية البحث العلمي، والدكتور اسماعيل عبد الغفار، رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الأستاذ الدكتور طارق عبد الملاك، رئيس جامعة القاهرة الجديدة التكنولوجية، الأستاذة الدكتورة نهاد محجوب، رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، الدكتورة نجوي السيد، رئيس قطاع البحث العلمي بمؤسسة مصر الخير، الأستاذ الدكتور كمال درويش، رئيس اللجنة العلمية بوزارة الشباب والرياضة.
وتنظم وزارة الشباب والرياضة ملتقي الشباب الدولي للإبداع والابتكار في الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع كل من: "الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، أكاديمية البحث العلمي، مؤسسة مصر الخير، جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، مؤسسة مواهب للتدريب، بالإضافة إلى مؤسسة أون تايم جروب".
أوضح الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، ان الملتقي يحظي برعاية كريمة من الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، للنسخة الثانية على التوالي، وهو ما يؤكد دعم الدولة المصرية في رؤيتها من أجل تقديم كل الدعم للشباب المصري للإبداع والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لانه هو المستقبل والذي يجب علي الجميع المنافسة فيه وبقوة، والذي يأتي حرصا من الدولة المصرية على النهوض بالشباب المصري وتدريبهم وتعليمهم على كل المستجدات حول العالم ليكونوا نواة لشباب قادرين علي المنافسة مع كل دول العالم".
مؤكدا إنه في إطار رؤية مصر 2030، والتي تتضمن تعزيز ودعم ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي، إلى جانب تشجيع رواد الأعمال والمبتكرين في قطاع التكنولوجيا والاتصالات ودمجها في جميع القطاعات للنهوض بها، فقد وضعت وزارة الشباب والرياضة في خطتها العديد من المشروعات والبرامج ومنها تشجيع الابتكار للشباب والذي يأتي من خلال دعم مراكز البحوث والتطوير وزيادة الاستثمار في البحث العلمي، وأيضا دمج التكنولوجيا والاتصالات في جميع القطاعات لتحسين الكفاءة والإنتاجية.
وأضاف صبحي: "إنه ضمن خطة وزارة الشباب والرياضة من أجل توفير كل الدعم لمجال الإبتكار في الذكاء الاصطناعي، فقد قامت الوزارة بالعديد من الخطوات والتي تدعم مجال الإبتكار في الذكاء الاصطناعي ومجالات التكنولوجيا، حيث قامت الوزارة سابقا بتوقيع بروتوكول تعاون مع مؤسسة "تكني" لدعم المشروعات الابتكارية والتكنولوجية وريادة الأعمال، حيث يسعي البروتوكول إلى تأسيس مراكز ريادة أعمال داخل مراكز الشباب في دعم المشروعات الابتكارية والتكنولوجية وريادة الأعمال".
وأختتم وزير الشباب والرياضة حديثه بأن الملتقي في نسخته الأولي على خلق منصة تفاعلية للشباب المبدعين في مجال الذكاء الاصطناعي، مع نشر الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهن، وحث الشباب على المشاركة والابداع في هذا المجال، ونحن الان في نسخته الثانية نعمل على اكتشاف المزيد من الموهوبين في مجال الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى العمل على تطوير قطاع الذكاء الاصطناعي في مصر والتوسع فيه من خلال العديد من المبادرات ومنها ريادة الأعمال وتدعيم المشاريع الرائدة التي تعود بالنفع على المواطن المصري بصفة خاصة والمجتممع ككل بصفة عامة.
ومن جانبه أعرب الدكتور إسماعيل عبد الغفار، رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، عن سعادته بتواجده اليوم في افتتاح ملتقي الشباب الدولي للإبداع والابتكار في الذكاء الاصطناعي في نسخته الثانية.
مؤكداً على أن الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا تعمل على توفير مناخٍ مُحفّزٍ للإبداع والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، بالاضافة إلى دعم الشباب وتوجيههم نحو استثمار طاقاتهم في مجال الذكاء الاصطناعي والعديد من المجالات الاخري، مشدداً على أهمية خلق فرص حقيقية لتنمية مهاراتهم وتطوير قدراتهم.
واختتم الدكتور عبد الغفار حديثه متقدما بخالص الشكر والتقدير إلى الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، على تعاونه المثمر مع الأكاديمية في إنجاح هذا الملتقى.
فيما قالت الدكتورة نجوى السيد، رئيس قطاع البحث العلمي والابتكار بمؤسسة مصر الخير، إن تنظيم مثل هذه الأحداث الهامة، إنما يدل على وعي وثقافة المجتمع المصري وما يحدث به من تطور ثقافي وتكنولوجي فالاهتمام بقطاع البحث العلمي من أهم مقومات التطور التكنولوجي، الذي يعود بالنفع على المجتمع بأكمله.
مضيفة أن مؤسسة مصر الخير تعمل على دعم قطاع البحث العلمي في مصر منذ عام 2008 حيث تبنت برامج لدعم البحث العلمى والابتكار والعديد من الأنشطة والمبادرات التكنولوجية من خلال تعزيز ثقافة البحث العلمي والابتكار عن طريق الاستثمار فى الطلبة والشباب وبناء قدراتهم الإبداعية وتحفيزهم على الابتكار
و أشارت إلى حرص مؤسسة مصر الخير على بناء شركات مع الوزارات والجهات المتعددة لتطوير وتعزيز ثقافة البحث العلمي وإطلاق أفكار ومبادرات في مجال التكنولوجيا لجعل العمل في هذا المجال أكثر تأثيراً وفاعلية.
كما أوضحت ان المؤسسة قامت بدعم أكثر من 10 مسابقات محلية ومنها مسابقة تحدي الروبوتات بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة وشركة مواهب، ودعم أكثر من 90 فريق للاشتراك في مسابقات محلية دولية وحصول أكثر من 26 فريق منهم على جوائز ، والمساهمة في دعم إقامة حوالي 50 مؤتمر علمي، والمساهمة في دعم مبادرة انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي لعدد 740 طالب، بالإضافة إلى دعم إقامة ورش علمية لتبسيط العلوم للطلاب وزيادة شغفهم نحو العلوم لعدد 15000 طالب.
ومن جانبه أكد الدكتور طارق عبد الملاك، رئيس جامعة القاهرة الجديدة التكنولوجية، ان ما نشهده اليوم من الملتقي لهو امر كبير وله اصداء كبيرة، مشددا على أهمية التوسع في مجال الذكاء الاصطناعي، ووزارة الشباب والرياضة تقوم بدور كبير في هذا المجال.
كما اثني الدكتور طارق على الدور الكبير الذي تقوم به الدكتورة جينا الفقي، رئيس أكاديمية البحث العلمي، في مجال البحث العلمي ودعم الذكاء الاصطناعي.
وقد قامت وزارة الشباب والرياضة بتنفيذ ملتقي الشباب الدولي للإبداع والابتكار في نسخته الاولي والذي اقيم خلال الفترة من 10 ا إلى 15 يناير 2023، بمشاركة شباب من 27 دولة من مختلف دول العالم، حيث تم تكريم 10 مشاريع متميزة في مجال الذكاء الاصطناعي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأکادیمیة العربیة للعلوم والتکنولوجیا فی مجال الذکاء الاصطناعی وزارة الشباب والریاضة وزیر الشباب والریاضة الذکاء الاصطناعی فی قطاع البحث العلمی فی نسخته الثانیة مؤسسة مصر الخیر
إقرأ أيضاً:
“شبكة العنكبوت”: الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي
في صورة تعكس لنا كيف أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي والمُسيرات قادرة على تغيير قواعد الحرب، تمكنت أوكرانيا باستخدام عشرات الدرونز زهيدة الثمن من تعطيل قاذفات استراتيجية تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات في قلب العمق الروسي، قاصدة قواعد تبعد آلاف الكيلومترات عن كييف فيما يُعرف بـ”التفوّق الجغرافي البديل”، حيث لا يهم أين يقع الهدف بقدر ما يهم هل يمكن الوصول إليه بأسلوب غير تقليدي. حدث ذلك دون الحاجة إلى إطلاق صواريخ بعيدة المدى أو استخدام طائرات ضخمة، فقط أكواخ خشبية بأسقف قابلة للفتح ذاتياً محملة على شاحنات، انطلقت منها عشرات المسيرات نحو أهدافها متجاوزة أنظمة الدفاع الجوي الروسي.
وعلى الرغم من تفوق روسيا كماً وكيفاً منذ بداية الحرب، وامتلاكها للصواريخ البالستية والفرط صوتية وللقاذفات الاستراتيجية؛ فإن هذه العملية تظهر كيف أن الدرونز والذكاء الاصطناعي قادر على ترجيح كفة الطرف الأضعف والأقل من حيث القوة التدميرية، بما يعيد تعريف مفهوم “الردع”، ليصبح القدرة على استهداف نقاط ضعف العدو بذكاء وتكلفة منخفضة، وليس فقط امتلاك القوة المماثلة؛ فقد أثبتت هذه الحادثة أن روسيا غير قادرة على حماية عمقها الاستراتيجي، رغم تفوقها العددي والتقني.
وراء هذا المشهد المعقد، يقف الذكاء الاصطناعي كمحرّك رئيسي غير مرئي، فبرمجة مسارات الطائرات وتفادي أنظمة الدفاع واستخدام أنظمة تمييز الأهداف داخل القواعد العسكرية، كل ذلك يشير إلى أن الخوارزميات أصبحت الآن جزءاً من مراكز اتخاذ القرار العسكري، لا مجرّد أداة للدعم.
عملية شبكة العنكبوت:
في عملية يُقال إنها استغرقت 18 شهراً من التحضير، تم تهريب عشرات الطائرات المسيّرة الصغيرة إلى داخل روسيا، حيث خُزّنت في مقصورات خاصة داخل شاحنات نقل، ثم نُقلت إلى ما لا يقل عن أربعة مواقع مختلفة، تفصل بينها آلاف الكيلومترات، لتُطلق لاحقاً عن بُعد من المسافة صفر باتجاه قواعد جوية قريبة، واستطاعت أن تدمر نحو 34% من حاملات صواريخ كروز الاستراتيجية حسب تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وقد استهدفت هذه المسيرات اثنتين من القواعد الجوية، فحسب بيان وزارة الدفاع الروسية: “أدى إطلاق طائرات مسيّرة انتحارية من مواقع قريبة جداً من مطارات منطقتي مورمانسك وإيركوتسك إلى اشتعال النيران في عدد من الطائرات”، وفي خطاب له قال زيلينسكي إن117 طائرة مسيّرة استُخدمت في الهجوم على القواعد الجوية الروسية.
وقد تمت عملية شبكة العنكبوت (Spider’s Web) – كما تمت تسميتها- على عدة مراحل، كانت المرحلة الأولى هي مرحلة تهريب الطائرات المسيّرة الصغيرة إلى العمق الروسي عبر مراحل زمنية متقطعة، بعيدة عن أي نمط يمكن رصده. ولتفادي أعين الرصد والمراقبة، تم إخفاء هذه الطائرات داخل هياكل خشبية بدائية الشكل على هيئة أكواخ صغيرة تم تحميلها على شاحنات نقل تجارية؛ ما منحها غطاءً لوجستياً يخفي غايتها العسكرية.
وما بدا للبعض أنه مجرد وحدات تخزين متنقلة، كان في الواقع منصات إطلاق هندسية دقيقة، جُهزت بأسقف معدنية يمكن فتحها عن بُعد، وعند لحظة الصفر، انفتحت هذه الهياكل تلقائياً، لتخرج منها الطائرات واحدة تلو الأخرى، وتنطلق نحو أهدافها دون أن تترك مجالاً لرد فعل استباقي. كان الهدف الأول هو مطار أولينيا، ويبعد نحو 1900 كيلومتر من أوكرانيا، والمطار الثاني هو بيلايا ويقع على بعد نحو 4300 كيلومتر من أوكرانيا.
أما الطائرات المسيرة ذاتها، فهي على الأرجح من طراز FPV (First Person View) وهي نماذج مسيّرة صغيرة الحجم، وخفيفة الوزن، ومجهّزة بكاميرات لبث مباشر، تُدار عن بُعد أو تُبرمج مسبقاً، وتُستخدم عادة في ضربات انتحارية محددة الأهداف؛ إذ تُزوّد غالباً برؤوس حربية صغيرة؛ لكنها كافية لإتلاف طائرات أو إشعال حرائق داخل منشآت عسكرية حساسة، ويتراوح مداها الجغرافي بين 5 و20 كيلومتراً؛ لذا فقد تم التغلب على هذا التحدي الجغرافي من خلالها تهريبها مسبقاً إلى قرب القواعد الجوية المستهدفة في الشاحنات.
وبحسب ما ورد في التقارير الإعلامية الأوكرانية، فإن الخسائر الواردة نتيجة عملية “شبكة العنكبوت” قد تكون كبيرة، وعلى الرغم من صعوبة التحقق من دقة حجم الخسائر؛ فإنها تشير إلى استهداف نحو 41 قاذفة استراتيجية من أصل نحو 120 تمتلكها روسيا، منها Tu-95 وهي قاذفة استراتيجية تستخدم في الهجمات بعيدة المدى، وTu-22 وهي قاذفة قادرة على ضرب أهداف برية وبحرية، وطائرات رادار من طراز إيه-50. أما الخسارة الأكبر فتتمثل في القاذفة Tu-160 الأسرع من الصوت، وقد تم تدمير طائرتين منها، وهو ما وصفه أحد المعلقين الأوكرانيين بأنه “خسارة لوحدتين من أندر الطائرات، كأنها أحصنة وحيدة القرن وسط القطيع”، خاصة أن الطائرات Tu-160 وTu-95 لم تعد تُنتج؛ مما يجعل استبدالها شبه مستحيل . من جهته، أعلن جهاز الأمن الأوكراني (SBU) أن الخسائر تُقدّر قيمتها الإجمالية بنحو 7 مليارات دولار .
ومن المرجح أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أسهمت في التخطيط لهذه العملية، بدافع الضغط على الرئيس الروسي للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب. ففي أغسطس 2023 تحدثت كاثلين هيكس، نائبة وزير الدفاع الأمريكي، في خطاب بعنوان “الحاجة الملحة إلى الابتكار”The Urgency to Innovate أمام الجمعية الوطنية للصناعة الدفاعية، عن ضرورة تطوير نظم ذكية غير مأهولة ورخيصة نسبياً يمكنها القيام بعمليات عسكرية تكتيكية، وفي خطابها أعلنت عن مبادرة أطلقت عليها اسم “المستنسخ” Replicator، وهي استراتيجية تسعى من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية لتطوير تقنيات تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن التضحية بها، يشمل ذلك أساطيل من الأسلحة والمعدات غير المأهولة والذكية والرخيصة نسبياً. وقد وصفت هيكس، هذه الأسلحة والمعدات بأنها “قابلة للتضحية”؛ بمعنى أنها يمكن أن تتعرض للتدمير دون التأثير في سلامة المهمة، ودون تكبد خسائر مالية باهظة، وهو ما حدث بالفعل في عملية شبكة العنكبوت، حيث تم إطلاق العشرات من الطائرات المسيرة رخيصة التكلفة للقيام بمهام انتحارية، مكبدة الروس خسائر كبيرة دون تحمل تكلفة مالية كبيرة.
تغير قواعد الحرب:
في المنظورات التقليدية، كان توازن القوى يُقاس بعدد الدبابات والمقاتلات وحجم الميزانيات العسكرية. أما اليوم، فإن الذكاء الاصطناعي يُدخل عاملاً نوعياً جديداً يتمثل في القدرة على إنشاء جيوش آلية من مركبات غير مأهولة رخيصة التكلفة، فضلاً عن قدراته الأخرى التي تتمثل في اتخاذ القرار الأسرع والأدق بناءً على تحليل لحظي للبيانات؛ مما يعني أن الجيوش الأصغر حجماً تستطيع أن تُعادل أو تتفوّق على قوى أكبر إذا امتلكت أنظمة ذكية لتحليل الحركة، والتوجيه، وتحديد الأهداف؛ أي إن توازن القوة لم يعد مرهوناً بمن يمتلك أكثر؛ بل بمن يفهم أسرع ويتصرف أذكى.
فلم تعد الأفضلية في التفوق النوعي وحده؛ بل بات العدد الكبير من الوسائل الذكية والمنخفضة الكلفة يشكل بحد ذاته سلاحاً نوعياً يعجز الخصم التقليدي أحياناً عن احتوائه، فتحولت المُسيرات إلى “صواريخ كروز” الطرف الضعيف، فهي رخيصة ومتوفرة بكثرة مقارنةً بنظم الدفاع الجوي الكفيلة بإسقاطها أو مقارنة بالأهداف القادرة على إصابتها، فإسقاط طائرة مسيّرة تجارية زهيدة الثمن لا يتعدى ثمنها بضعة آلاف من الدولارات باستخدام صاروخ باتريوت بقيمة 3.4 مليون دولار هو معركة استنزاف، وإن لم تسقط فهي قادرة على تخريب مقاتلات وقاذفات استراتيجية ثمنها عشرات الملايين من الدولارات.
هذا الاختلال الصارخ بين “تكلفة التهديد” و”تكلفة الرد عليه” يكشف عن معضلة استراتيجية لم تجد الجيوش الكبرى بعد حلاً جذرياً لها: كيف يمكن مواجهة سلاح بسيط ومنتشر، دون الإفراط في استخدام وسائل دفاع باهظة وغير مستدامة. ومن هنا، يتّضح أن الحرب لم تعد تُخاض فقط على أساس من يمتلك السلاح الأقوى؛ بل أيضاً على من يستطيع الإنهاك بأقل تكلفة وأكبر مرونة، وهو بالضبط ما يجعل الطائرات المسيّرة، حين تقترن بالخوارزميات، سلاح المرحلة المقبلة.
هذا التطور يُعيد تعريف مفهوم “التفوق” من خلال “الكم” و”الضخامة” إلى التفوق النوعي، فحينما يمتلك الخصم المزيد من السفن والمزيد من الصواريخ والمزيد من المقاتلين، في مقابل محدودية الأسلحة والأفراد التي يمتلكها الطرف الآخر؛ تصبح الأسلحة القابلة للتضحية في هذه الحالة فعالة أمام الكتل الضخمة مرتفعة التكلفة. وفي هذه الحالة تستطيع الجيوش الصغيرة زيادة فاعليتها وتأثيرها أمام الجيوش الضخمة عبر أدوات ذكية ورخيصة، وبالمثل تستطيع الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية أن تمتلك ميزة نسبية من خلال هذه التقنيات في مواجهة الجيوش النظامية؛ مما يغير من معادلة التفوق العسكري.
كما أن المفهوم التقليدي للردع تأثر أيضاً بتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ إذ لم يعد بمقدور أي خصم أن يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تنفّذه وما هي قادرة عليه، فهي تقنيات مربكة لساحة المعركة ولأدوات القتال التقليدية، كما أنها قللت من فاعلية الردع التقليدي؛ لأنها جعلت كلفة الهجوم منخفضة، فحين تتاح وسائل الضرب بتكلفة زهيدة يصبح من السهل المبادرة فيسقط معها الردع؛ ومن ثم أصبحنا أمام بيئة ردعية جديدة، لم تعد تقوم على وضوح العقوبة؛ بل على ضبابية القدرة وتعدّد سيناريوهات التهديد، حيث الخوف لا يأتي مما نعرفه؛ بل مما لا نستطيع التنبؤ به.
وما حدث في عملية شبكة العنكبوت أثبت مفهوم “شبكية” الحرب؛ أي لامركزيتها، فمجموعة من المسيرات، التي قد يتم تجميعها محلياً، تتحكم فيها مجموعة من الخوارزميات، وتنطلق من شاحنات قد تكون ذاتية القيادة في مناطق متفرقة من الدولة، وتتوجه لضرب قواعد عسكرية شديدة التأمين أو حتى بنية تحتية حرجة أو اغتيال قادة سياسيين وعسكريين، دون الحاجة إلى وجود مقاتلين على الأرض أو إرسال صواريخ عبر الحدود، وبعد كل ذلك قد لا يتبنى هذه العملية أحد ويظل المتهم الرئيسي هو “الذكاء الاصطناعي”.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”