أعادت الانتخابات المحلية الأخيرة التي أجريت في 31 آذار/ مارس الماضي في تركيا؛ إلى الأذهان مشاركة الإسلاميين في شيطنة السلطان عبد الحميد الثاني قبل عزله عن العرش، وأثارت تساؤلات حول احتمال تكرار ذات السيناريو بسبب موقف الإسلاميين من رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ليؤدي إلى نتيجة مشابهة وعواقب وخيمة.
الإسلاميون، مثل الشاعر الوطني الكبير محمد عاكف والعالم الداعية الشهير سعيد النورسي والصدر الأعظم سعيد حليم باشا وبابان زاده أحمد نعيم أفندي، كانوا من بين المنتقدين لسياسات السلطان عبد الحميد الثاني التي كانت تهدف إلى حماية الدولة العثمانية من مؤامرات الدول الغربية. وكانوا يتهمون السلطان بــ"ممارسة الاستبداد" و"عدم التشاور مع الآخرين" وتعيين أشخاص بناء على الاعتبارات الأمنية والولاء، بدلا من تعيين الأكفاء المؤهلين. وبعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني، لم يتحقق أي من مطالب هؤلاء الإسلاميين، بل انهارت الدولة العثمانية على أيدي رجال جمعية الاتحاد والترقي خلال سنوات.
المعارضة ترى أن محاولة ضرب حزب العدالة والتنمية بمطالب الإسلاميين هي الطريقة الأنجع لإضعافه وإسقاطه، وأن هذه الطريقة آتت أكلها في الانتخابات المحلية. ولذلك، تواصل بث أنباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية الموالية لها، من شأنها أن تغذي استياء الإسلاميين من أداء حزب العدالة والتنمية، وتؤججه
السلطان عبد الحميد الثاني كان يدعو إلى وحدة المسلمين لحماية الدولة العثمانية والأمة الإسلامية، كما أن الإسلاميين كانوا يرمون إلى ذات الهدف، ولكن السلطان كان ينطلق في سياساته من منطلق رجل دولة يحمل مسؤوليات ثقيلة في ظروف حرجة تفرض عليه ما لا يعجب العلماء والمفكرين الإسلاميين؛ الذين كانوا يرون أن تلك السياسات تتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية.
حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان يواجه منذ فترة انتقادات مشابهة زادت حدتها قبيل الانتخابات المحلية الأخيرة. ويرى مراقبون أن تلك الانتقادات التي يتبناها الإسلاميون ويروجونها، دفعت بنسبة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية إلى مقاطعة الانتخابات، الأمر الذي أدى تراجعه إلى المرتبة الثانية بعد حزب الشعب الجمهوري المعارض في عموم البلاد.
المعارضة ترى أن محاولة ضرب حزب العدالة والتنمية بمطالب الإسلاميين هي الطريقة الأنجع لإضعافه وإسقاطه، وأن هذه الطريقة آتت أكلها في الانتخابات المحلية. ولذلك، تواصل بث أنباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية الموالية لها، من شأنها أن تغذي استياء الإسلاميين من أداء حزب العدالة والتنمية، وتؤججه، حتى وإن كانت معظم تلك الأنباء مجرد إشاعات مختلقة وبعضها الآخر مبالغا فيها.
الانتقادات الموجهة إلى حزب العدالة والتنمية في بعض القضايا العامة يشارك فيها الإسلاميون مع غيرهم، مثل عدم حل مشكلة الكلاب الضالة التي تتفاقم يوما بعد يوم وتهدد حياة المواطنين، كما أن هناك استياء في صفوف الإسلاميين من تعيين أقرباء السياسيين المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية في مناصب مرموقة أو إجراءات تفوح منها روائح الفساد. ومن المؤكد أن انتقاد تلك الأمور في محلها، إلا أن هناك حقيقة أخرى يجب أن لا تغيب عن الأذهان، وهي أن معظم ما انتقده الإسلاميون به حزب العدالة والتنمية، كالفساد وغيره، يوجد لدى المعارضة عشرات أضعافه.
تفاخر بعض المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية بحياتهم الفارهة أو إجازاتهم في بلاد مختلفة، من خلال نشر صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أمر آخر ينزعج منه الإسلاميون. ومما لا شك فيه أن هذه الظاهرة لا تليق بالحزب الحاكم في الوقت الذي تعاني فيه شرائح عديدة في المجتمع من الفقر وقلة الدخل وصعوبات الحياة. قد يسقط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة بفضل معارضة الإسلاميين أو امتناعهم عن التصويت له، ليستلم حزب الشعب الجمهوري حكم تركيا على طبق من ذهب، إن لم يجد حزب العدالة والتنمية والإسلاميون سبلا ليتفاهموا ويتفقوا على حماية المصالح العليا للبلاوعلى الرغم من أن هذه الظاهرة أكثر انتشارا في صفوف المعارضة، وأن بعض هؤلاء كانوا يعيشون ذات الحياة قبل انتمائهم إلى حزب العدالة والتنمية بحكم أعمالهم أو عائلاتهم الثرية، إلا أن المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية يجب عليهم مراعاة مشاعر المواطنين وظروفهم المعيشية.
موقف الحكومة التركية من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومدى تأثيره في دفع نسبة من الناخبين إلى مقاطعة الانتخابات، ما زال محل نقاش في أوساط الإسلاميين، ويرى بعضهم أن حزب العدالة والتنمية "خذل الشعب الفلسطيني"، واستحق المعاقبة عبر صناديق الاقتراع. وبغض النظر عن تقييم أداء الحكومة في هذا الملف، فإن المؤكد الذي لا غبار عليه أن موقف المعارضة التي تصف حركة حماس بـ"منظمة إرهابية"؛ من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وقضيته العادلة ونضاله ضد الاحتلال، لن يكون أفضل من موقف الحكومة على الإطلاق.
الشاعر الوطني محمد عاكف يشير في إحدى قصائده إلى أن التاريخ يقال إنه "مجرد تكرار للأحداث"، ثم يتساءل قائلا: "هل كان سيتكرر لو أُخِذت دروس منه؟". وقد يسقط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة بفضل معارضة الإسلاميين أو امتناعهم عن التصويت له، ليستلم حزب الشعب الجمهوري حكم تركيا على طبق من ذهب، إن لم يجد حزب العدالة والتنمية والإسلاميون سبلا ليتفاهموا ويتفقوا على حماية المصالح العليا للبلاد والعباد.
twitter.com/ismail_yasa
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانتخابات تركيا أردوغان العدالة والتنمية تركيا أردوغان العدالة والتنمية انتخابات الاسلاميون مقالات مقالات مقالات صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطان عبد الحمید الثانی إلى حزب العدالة والتنمیة حزب العدالة والتنمیة فی الانتخابات المحلیة الإسلامیین من فی الانتخابات
إقرأ أيضاً:
قانونيون لـ "اليوم": حقوق الإنسان في المملكة نموذج متكامل لصون الكرامة وترسيخ العدالة
أكد مختصون أن اليوم العالمي لحقوق الإنسان يمثل محطة مفصلية في مسار حماية الكرامة الإنسانية وتعزيز مبادئ العدالة والمساواة على مستوى العالم.
وأوضحوا في حديثهم لـ ”اليوم” بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أن المملكة العربية السعودية رسخت هذه المبادئ عبر منظومة تشريعية متكاملة وبرامج وطنية ومؤسسات تعليمية وإعلامية فاعلة.
أخبار متعلقة في اليوم العالمي لمكافحة الفساد.. المملكة في مقدمة دول العالم وتحقق أدنى نسب الفساد عالمياًاليوم العالمي لذوي الإعاقة.. خدمات تيسر عبادة أصحاب الاحتياجات الخاصة في الحرمينفي يومها العالمي.. قصة عشق عالمي لحلوى "الكوكيز"وقالت الأستاذة بكلية الدراسات القضائية والأنظمة بجامعة أم القرى أ. د. نوره بنت زيد الرشود إن اليوم العالمي لحقوق الإنسان يُعد محطة تاريخية في الذاكرة القانونية الدولية، إذ شكّل اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948 نقطة انطلاق لمنظومة معياريةد. نوره الرشودمتكاملة أرست مفاهيم المساواة والكرامة والحرية باعتبارها حقوقًا أصيلة لا يجوز الانتقاص منها تحت أي ظرف، وأسهمت في تطور تشريعي واتفاقي واسع تُرجم في معاهدات ومواثيق دولية.
وأوضحت أن العقود اللاحقة شهدت تقدماً ملحوظاً تمثل في تدوين الحقوق عبر اتفاقيات ملزمة، وترسيخ مبدأ عدم التمييز، وتعزيز حقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة، إلى جانب الارتقاء بالعمل الدولي المشترك عبر الآليات الأممية، وتوسيع نطاق مساءلة الانتهاكات عبر القضاء الدولي والمحاكم المتخصصة، والانتقال من الاعتراف النظري إلى الحماية الفعلية.
وبيّنت أن من أبرز حقوق الإنسان الأساسية الحق في الكرامة الإنسانية، والحماية من المعاملة القاسية، والأمن الشخصي، وسيادة القانون، والعدالة، وحرية التعبير والفكر، والتعليم، والصحة، والعيش الكريم، والمشاركة والمساواة وعدم التمييز، مؤكدة أن تعزيز هذه الحقوق ضمانة جوهرية لبناء مجتمع إنساني عادل.
وأضافت أن المؤسسات التعليمية والإعلامية تمثل ركيزة أساسية في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان من خلال المناهج القائمة على القيم، وتنمية مهارات التفكير النقدي، وتعزيز المهنية الإعلامية المبنية على الحقيقة ونبذ خطاب الكراهية، وبناء رأي عام واعٍ بحقوق الفرد وواجبات الدولة.
وأكدت أن مشاركتها في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف، ولا سيما الاجتماع الرفيع المستوى، تمثل إضافة نوعية لمسار العمل الحقوقي والدبلوماسية الأكاديمية، من خلال بناء تحالفات أكاديمية دولية، وربط البحث العلمي بمسارات العمل الدولي المشترك.
ركيزة المجتمعات
من جهتها قالت المحامية وجدان الظاهري إن حقوق الإنسان تمثل الركيزة الأساسية لأي مجتمع يسعى للعدالة والاستقرار، مشيرة إلى أن حماية كرامة الإنسان وضمان سلامته ليست مجرد واجب أخلاقي بل قاعدة أساسية لبناء مجتمع مزدهر.وجدان الظاهريتسمية
وأوضحت أن من أهم الحقوق التي ينبغي تعزيزها: الحق في الحياة والأمان، والكرامة الإنسانية، والعدالة والمساواة أمام القانون، والحرية الشخصية ضمن إطار النظام، والتعليم، والصحة، والعمل والعيش الكريم.
وبيّنت أن البرامج الوطنية تؤدي دوراً محوريًا في نشر ثقافة حقوق الإنسان من خلال الحملات التوعوية وورش العمل وتطوير السياسات وتأهيل الكوادر وتعزيز المشاركة المجتمعية.
وأضافت أن المؤسسات التعليمية والإعلامية تسهم بفاعلية في غرس قيم العدالة والكرامة والمواطنة ورفع وعي المجتمع بقضايا الإنسان. وختمت برسالة قالت فيها:“حقوق الإنسان أساس كرامتنا وركيزة مجتمعنا العادل، وعلينا جميعًا نشر الوعي واحترام حقوق الجميع من أجل غدٍ أكثر عدلًا ومساواة”.
المملكة تصون مواطنيها
وقال القانوني خالد الدقاس إن حكومة المملكة اعتنت بصون كرامة الفرد والحفاظ على حقهخالد الدقاستسميةفي الحياة الكريمة، وذلك استنادًا للنظام الأساسي للحكم وبما يتفق مع الشريعة الإسلامية، مبينًا أن من أبرز الحقوق: الحياة، والحرية، والأمان، والمساواة، والتعليم، والصحة، وحرية التعبير، والحماية من التمييز.
وأوضح أن البرامج والمبادرات الوطنية تسهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان عبر تنظيم الورش، والحملات التوعوية، ودمج المفاهيم الحقوقية في السياسات العامة.
تشريعات حقوقية سعودية
وبيّن أن المشرّع السعودي أصدر منظومة واسعة من الأنظمة المعنية بحقوق الإنسان، من أبرزها: النظام الأساسي للحكم، ونظام الحماية من الإيذاء، ونظام حماية الطفل، ونظام رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، ونظام مكافحة جريمة التحرش، ونظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، ونظام القضاء والإجراءات الجزائية، ونظام حماية البيانات الشخصية.
وأضاف أن هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تقومان بدور محوري في تلقي الشكاوى ومتابعتها، إلى جانب منظومة الحماية الأسرية التي تديرها وزارة الموارد البشرية عبر مركز البلاغات «1919»، ومجلس شؤون الأسرة، إضافة إلى الجمعيات الأهلية.
وأكد في رسالته أن احترام حقوق الإنسان التزام ديني وأخلاقي قبل أن يكون نظاميًا، وهو أساس السلام والاستقرار وبناء الدولة القوية.
الكرامة جوهر التقدم الحضاريسليمان الجميعي
وقال المحامي سليمان الجميعي إن شعار «الكرامة والعدالة والمساواة للجميع» يمثل جوهر التقدم الحضاري، مشيرًا إلى أن من أبرز الحقوق التي يجب تعزيزها: الحياة الكريمة، والتعليم الجيد، والعمل اللائق، والمساواة بين الجنسين، وحرية التعبير المسؤولة، والحماية من التمييز.
وأوضح أن رؤية المملكة 2030 أسهمت في ترسيخ حقوق الإنسان عمليًا، من خلال تمكين المرأة، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، وتطوير منظومة العدالة، ودعم الأشخاص ذوي الإعاقة، ومحو الأمية، وتأهيل الشباب.
وختم برسالة أكد فيها أن رؤية 2030 ليست مجرد خطة تنموية، بل ميثاق كرامة وطني، داعيًا إلى أن يكون كل يوم يومًا لحقوق الإنسان بالفعل لا بالقول.
وقال المؤلف والباحث د. معتوق الشريف إن المجتمعات المعاصرة تشهد تحولًا واضحًا في نظرتها لحقوق الإنسان باعتبارها جزءًا أصيلًا من منظومة التنمية المستدامة، وليست مفاهيم هامشية.معتوق الشريف
وأوضح أن الدول تشهد تعاونًا متزايدًا في تطوير التشريعات وإطلاق المبادرات التوعوية التي تحوّل الحقوق من مبادئ نظرية إلى سلوك يومي. وبيّن أن المؤسسات التعليمية والإعلامية تؤدي دورًا محوريًا في ترسيخ ثقافة الحوار والتسامح والتصدي لخطابات الكراهية.
وختم بأن احترام حقوق الإنسان ضرورة لتحقيق التنمية والاستقرار، ومسؤولية مشتركة بين الحكومات والمؤسسات والأفراد.