مولد أبو الحسن الشاذلي.. أبرز المحطات في حياته وكراماته الثابتة وجهاده
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
تحتفي الطرق الصوفية في الجمعة الأخيرة من شوال بذكرى مؤسس الطريقة الشاذلية أبو الحسن الشاذلي، أحد الأقطاب المشهورين، وذلك بعد التعديلات الأخيرة التي اتخذها المجلس الأعلى للطرق الصوفية بشأن موعد الاحتفالات بمولد أبو الحسن الشاذلي والذي يتزامن مع التاسع من ذي الحجة والوقوف بعرفة، وما صحبه من تجاوزات ووصفه بالحج الصوفي.
وتقام للمرة الأولى في موعدها الرسمي الجمعة الأخيرة من شهر شوال بناء على توصيات مؤتمر البيت المحمدي للتصوف التي أقرتها مشيخة الطرق الصوفية، حيث كانت تقام قبل ذلك أثناء مواعيد الحج ويحدث بها ما ليس في التصوف من تجاوزات.
أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، الزاهد، الصوفي وإليه تنتسب الطريقة الشاذلية، سكن الإسكندرية، وولد 571هـ بقبيلة الأخماس الغمارية، تفقه وتصوف في تونس، وتوفي الشاذلي بوادي حميثرة بصحراء عيذاب متوجهًا إلى مكة في أوائل ذي القعدة 656هـ.
تتلمذ أبو الحسن الشاذلي، عند نشأته على يد الإمام عبد السلام بن مشيش في المغرب، وكان له كل الأثر في حياته العلمية والصوفية، ثم رحل إلى تونس، ورحل بعد ذلك إلى مصر، وأقام بالإسكندرية، حيث تزوج وأنجب أولاده شهاب الدين أحمد وأبو الحسن علي، وأبو عبد الله محمد وابنته زينب، وفي الإسكندرية أصبح له أتباع ومريدون، وانتشرت طريقته في مصر بعد ذلك، وانتشر صيته على أنه من الصوفية في العالم أجمع.
ما هي كرامات الشيخ أبو الحسن الشاذلي؟يقول الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق عن كرامات أبو الحسن الشاذلي: «لما قدم المدينة زادها الله تشريفًا وتعظيمًا، وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه، عريان الرأس، حافي القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي، فإن الله عز وجل يقول: (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تَدْخُلوا بيوتَ النبي إلا أن يؤذَنَ لكم) فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: يا علي، ادخل».
ومن ذلك أيضا قوله: "والله لقد تسألوني عن المسألة لا يكون لها جوابا فأرى الجواب مسطرا في الدواة والحصير والحائط، ويقول: "والله إنه لينزل علي المدد فأرى سريانه في الحوت في الماء والطائر في الهواء".
عُرف عن أبو الحسن الشاذلي التواضع، وعلو الهمة، وفصاحة اللسان، والمظهر الحسن، والزهد، والاعتدال في المأكل والمشرب والملبس، كما كان الشاذلي ذو علمٍ واسع بالعلوم المختلفة، فقد كان محيط وبارع بعلوم الحديث، والتفسير، والنحو، والتصريف، واللغة، وأصول الفقه.
وكان لأبي الحسن الشاذلي دور كبير في الدعوة إلى الجهاد ضد الصليبيين، ولم تتوقف دعوته على الأقوال فقط، بل كان يذهب مع المجاهدين إلى ميادين القتال، كما حدث في موقعة المنصورة في عهد السلطان نجم الدين أيوب. حيث كان الشاذلي وعدد من كبار العلماء برفقة جيش المسلمين، ويومها ألقى خطبة حماسية حثت على الجهاد، وعند بدء المعركة ألحق الجيش المصري هزيمة ساحقة بالصليبيين، وأجبرهم على العودة مهزومين.
ومن أبرز الأقوال المشهورة لأبو الحسن الشاذلي: «لا تجد الروح والمدد ويصح لك مقام الرجال حتى لا يبقى في قلبك تعلق بعلمك، ولا جدك، ولا اجتهادك، وتيأس من الكل دون الله تعالى». «خصلة واحدة إذا فعلها العبد صار إمام الناس من أهل عصره، وهي الإعراض عن الدنيا، واحتمال الأذى من أهلها». «أربع لا ينفع معهم علم، حب الدنيا، ونسيان الآخرة، وخوف الفقر، وخوف الناس ». «إنّ من أشقى الناس من يحب أن يعامله الناس بكل ما يريد، وهو لا يجد من نفسه بعض ما يريد». و«الصادق الموقن لو كذّبه أهل الأرض لم يزدد بذلك إلا تمكينًا».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أبو الحسن الشاذلي الطرق الصوفية الجمعة الأخيرة من شوال الطريقة الشاذلية مشيخة الطرق الصوفية الوقوف بعرفة مقام أبو الحسن الشاذلي أبو الحسن الشاذلی
إقرأ أيضاً:
بقلم دد. نجلاء شمس تكتب : الأَضحى.. نُسُكٌ واختبارٌ
ليس العيد محطة زمنية عابرة تُختزل في التهاني والذبائح، بل هو لحظة كونية تتجدد فيها معاني الطاعة، وتُختبر فيها نفوس المؤمنين عند مَذبح الفداء، حيث لم يكن الكبش إلا رمزًا لامتحان الإنسان في قدرته على التسليم، لا على الذبح وحده، فحين وقف خليل الله إبراهيم عليه السلام وفي يده سكين، وقلبه يرتجف بحب الله وإيمانه، والابن يسأله أن يُمضي أمره دون تردد، كانت التضحية هنا أعمق من الدم وأبعد من النحر. ولقد خلد الإسلام هذه اللحظة وجعل منها موسمًا سنويًا يُذكّر البشرية بأن القربان الأكبر هو ما يُقدّمه الإنسان من نفسه لله، من صدق وإخلاص ونية ووفاء , وقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم ملامح هذا اليوم العظيم بتقاليد نبوية راسخة، حين قال: "أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ" [رواه أبو داود]، وخرج بنفسه في جموع المؤمنين مكبرًا، ضاحكًا مستبشرًا، فكان يذبح وينحر، ثم يخطب في الناس ليعلّمهم معاني التقوى والتراحم والتكافل، لا مجرد مناسك العيد، وقال فيهم: "إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا" [رواه البخاري ومسلم]، ليؤسس لفرحٍ نابعٍ من طاعة، لا من غفلة.
وعبر القرون، ظل عيد الأضحى أكثر من مجرد طقس، بل تحول إلى مرآة لحال الأمة؛ فحين تعلو القيم، يسمو العيد وتسمو النفوس، وحين يغلب الشكل على الجوهر، يصبح العيد لحظة ترف لا محطة تزكية. ومع ذلك، لا يزال العيد في وجدان الشعوب الإسلامية مساحة للدفء الإنساني، حيث تجتمع العائلات، وتُوزع الأضاحي على الفقراء، ويتجلى مبدأ "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" في أبهى صورة.
ومن ملامح البهجة في سيرة العيد أن الصحابة كانوا يتبادلون الثياب ويتزينون، بل إن بعضهم كان يعيد ارتداء أفضل ثوبٍ عنده وإن كان قديمًا، لأن العيد في جوهره لا يُقاس بالجديد، بل بالمجيد، أي بما يعيد للروح بهجتها
وفي عيد الأضحى، نحن لا نُحيي ذكرى فداء فقط، بل نستعيد رمزية الاستسلام لله، ونستحضر سؤالًا عميقًا: ماذا نحن مستعدون لأن نُضحّي به من أهوائنا، أنانياتنا، غرورنا، من أجل أن نكون أقرب إلى الله وأنقى بين الناس؟ إن العيد ليس ما نلبس، بل ما نلبث عليه من خلق، وليس ما نذبح، بل ما نُبقي من إنسانيتنا بعد الذبح. وهكذا، يُولد العيد من قلب الإنسان، لا من صخب البيع والشراء، ويُختبر في سكينة الضمير، لا في ضجيج المناسبات. .إن أعظم أضحية اليوم، أن نذبح ما فينا من قسوة، وأن ننحر غفلتنا، لنعود أنقياء كما خرج النبي في صلاته، مكبرًا، ضاحكًا، يوزّع الرحمة قبل اللحم، والمحبة قبل الأضاحي.