مع الاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة، تراجعت مرتبة الولايات المتحدة بشكل كبير في المؤشر الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية العمل الإعلامي حول العالم.

التقرير السنوي للمنظمة غير الحكومية حذر من أن ظروف ممارسة الصحافة "سيئة" في نحو ثلاثة أرباع دول العالم، فيما تراجع تصنيف الولايات المتحدة 10 مراكز دفعة واحدة، من المرتبة 45 من بين 180 دولة في تصنيف 2023، لتصبح في المرتبة 55.

ويشير تقرير "مراسلون بلا حدود" إلى أن انتهاكات حرية الصحافة في الولايات المتحدة التي تنامت منذ 2020، شهدت تراجعا كبيرا في وتيرتها، ولكن "هناك عقبات هيكلية في هذا المجال" خاصة في دولة تعتبر "نموذجا في حرية التعبير".

وتؤكد المنظمة أن تصنيفها هدفه "المقارنة بين درجة الحرية التي يتمتع بها الصحفيون ووسائل الإعلام في البلدان الـ180 التي يشملها" استنادا لإجابات خبراء على نحو 100 سؤال.

الرئيس الأميركي، جو بايدن قال الجمعة "لا ينبغي للصحافة أن تكون جريمة في أي مكان على وجه الأرض. ونحن، في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نكرم شجاعة وتضحيات الصحفيين والإعلاميين في جميع أنحاء العالم الذين يخاطرون بكل شيء بحثا عن الحقيقة".

ودعا بايدن في بيان "إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الصحفيين الذين تم وضعهم خلف القضبان لمجرد قيامهم بعملهم"، إضافة إلى "حماية الصحفيين في كل مكان، بما في ذلك أثناء العمليات العسكرية".

وكشف بايدن أن إدارته ستتخذ في الأسابيع المقبلة "إجراءات تنفيذية ردا على الحملة العالمية ضد حرية الصحافة، مثلما يتجلى في الاحتجاز غير المشروع للصحفيين في جميع أنحاء العالم".

ووفق موقع "تتبع حرية الصحافة في الولايات المتحدة" الذي يوفر قاعدة بيانات لانتهاكات حرية الصحافة في أميركا، اعتقلت سلطات إنفاذ القانون منذ بداية العام 2024 14 صحفيا فيما تعرض 16 آخرون لمضايقات، وكانت غالبية هذه الحوادث خلال تغطيات الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية.

وخلال العام 2023 تعرض 13 صحفيا للاعتقال في الولايات المتحدة، و45 آخرين واجهوا مضايقات من سلطات إنفاذ القانون.

"تحسن" طفيف ومخاوف من التراجع الترتيب العام بحسب المؤشر العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود"،

أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، وليام لورانس، يقول إن هناك تحسنا مقارنة بما كانت عليه الأمور في 2020، ولكن قد تكون هناك "حالات فردية يتم تخويف الصحفيين أو التعرض لهم من قبل بعض الحشود".

وقال لورانس لموقع "الحرة" إن "الوضع للصحفيين تحسن قليلا منذ 2020، ولكن لا يزال من الصعب جدا أن تكون صحفيا في هذا الوقت، إذ يفقد الصحفيون وظائفهم، ناهيك عن تعرضهم لتهديدات وعنف أكبر خلال التغطيات المرتبطة بالاحتجاجات"، مشيرا إلى أن المشكلة الأكبر قد تكون "بضمان سلامة الصحفيين، ليس جسديا فقط إنما عبر الإنترنت أيضا".

وأبدى لورانس خشيته من تراجع حرية الصحافة في الولايات المتحدة، أكانت تلك المرتبطة بتغطيات الاحتجاجات في حرم الجامعات الأميركية، أو من خلال "محاولات تجريم حرية التعبير، على سبيل المثال من خلال التشريع الذي يتجه الكونغرس لإقراره، المرتبط بمعاداة السامية".

وتوقع أن مثل هذه القوانين المقيدة لحرية التعبير "ستبقي المحاكم الأميركية مشغولة للغاية خلال الفترة المقبلة، في تحديد ومعرفة ما يندرج تحت حرية التعبير، أو ما إذا كان معاديا للسامية إذا كان فيه انتقاد لإسرائيل".

الكاتب، حسين عبدالحسين وهو باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات يعتقد أنه "مقارنة بدول العالم، أميركا لا تعاني من مشكلة في حرية الصحافة، ربما تتقدم عليها بعض الدول ذات العدد السكاني الضئيل، مقارنة بحجم الولايات المتحدة".

الأولى عربيا وأفريقيّا.. كيف قفزت موريتانيا على سلّم حرية الصحافة؟ وسط الصورة القاتمة التي رسمها تقرير مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط، برزت موريتانيا كأفضل بيئة عربية لعمل الصحفيين دون مضايقات.

وأكد عبد الحسين في حديث لموقع "الحرة" أنه "بشكل عام، لا تزال الولايات المتحدة في صدارة الدول الكبيرة حيث التعبير عن الرأي مكفول بالدستور، ويمكن فتح أي وسيلة إعلامية في أي ساعة، وعلى سبيل المثال يمكنك قراءة آلاف التقارير المعادية لإسرائيل أو للفلسطينيين أو للإدارة الأميركية من دون أن يخشى" الشخص أو معد التقرير "على سلامته أو أمنه أو إمكانية ملاحقته قضائيا".

وتحدث عبدالحسين عن خصوصية ما حصل في الاحتجاجات الأخيرة التي تجري في جامعات أميركية "إذ إنها تحصل على أراض خاصة هي حرم الجامعات، وصاحب الأرض لديه الحق بالقانون في إدارة أرضه وطلب إخلائها، وأي رفض للتعاون، يمكن الاستعانة بالشرطة، وهذا يحصل أحيانا في أميركا في منازل وممتلكات خاصة".

وفي حديث لقناة "الحرة"، قال دانيال ليبمان، وهو صحفي في مجلة بوليتيكو الأميركية، إن العمل الصحفي في الولايات المتحدة لا يواجه "الكثير من التهديدات"، لكنه لفت إلى وجود "تحديات قانونية".

وأضاف أن الصحفي الأميركي لا يتعرض "للأذى والعنف أو القتل" كما يحصل في مناطق حول العالم.

سياقات المشهد الإعلامي الأميركي سلطات إنفاذ القانون الأميركية ألقت القبض على صحفيين خلال تغطيتهم للاحتجاجات. أرشيفية

ويتحدث تقرير "مراسلون بلا حدود" عن سياقات ترتبط بالمشهد الإعلامي في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنها رغم عملها بمنأى عن أي تدخل رسمي "إلا أن ملكية وسائل الإعلام تتسم بتمركز شديد"، حيث الأولوية للأرباح على الصحافة.

وفي السياق السياسي، رغم تعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن بأن "الصحافة ليست جريمة"، إلا أن العاملين في هذا المجال بانتظار حل للعديد من المشاكل التي تؤثر في عملهم.

أستاذة الإعلام في جامعة ميريلاند الأميركية، سحر خميس حددت مجموعة من العوامل التي أدت لتراجع حرية الصحافة في الولايات المتحدة، من أبرزها العامل السياسي.

وأوضحت في رد على استفسارات موقع "الحرة" أن العامل السياسي يتمثل في "ظاهرة الانقسام والاستقطاب، والتي كانت ملاحظة بشكل كبير في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، حيث كانت تجرى الاستقطابات في الإعلام والمجتمع على خلفية الميول السياسية".

وتابعت خميس أنه منذ تلك الفترة "اتسعت الفجوة داخل المجتمع الأميركي، وانعكس هذا بوجود صحافة مسيسة تعبر عن آراء منقسمة، حيث أن كل وسيلة إعلامية تريد إرضاء شريحة القراء، من دون الاهتمام بنقل الحقيقة أو الموضوعية والتوازن، وحتى أصبحت المصداقية مسألة تحتمل التأويل عند بعض هذه الوسائل".

وتشرح "أننا نشهد حاليا العديد من وسائل الإعلام التي تنقل القصص والأخبار"، لا لنقل أو تحليل ما يحدث إنما "لعرض موقف معين تتبناه هذه الوسيلة الإعلامية"، وهذا جاء على حساب "الصحافة الموضوعية، التي يفترض بها تثقيف الجمهور بالحقائق حول ما يحصل من حولنا".

وكان للاستقطاب في ما يتعلق بالحرب في غزة أيضا انعكاسات في الصحافة الأميركية "إذ كان هناك تحيز للجانب الإسرائيلي بشكل واضح، من دون إيلاء الانتباه لما يسرد من الجانب الفلسطيني، ضاربا بالتوازن بعرض الحائط، وهو ما أدى إلى عزوف عن متابعة أخبار الحرب من وسائل الإعلام الأميركية، والتوجه لشبكات التواصل الاجتماعية خاصة من قبل فئة الشباب الأميركي".

وفي أطر قانونية تتزايد وتيرة الضغط لإعادة النظر في قرار يعرف باسم قضية "سوليفان ضد نيويورك تايمز"، الذي يحمل وسائل الإعلام من الدعاوى القضائية بتهمة التشهير، فيما تواصل الحكومة الأميركية الضغط والمطالبة بتسيلمها جوليان أسانج لتسريبه وثائق سرية ونشرها، وفقا لتقرير "مراسلون بلا حدود".

وحذر التقرير من المضايقات والترهيب والاعتداءات التي تطال العاملين في الإعلام، إذ يتعرض الصحفيون لهجمات واعتداءات جسدية من قبل متظاهرين أو حتى يطالهم الاعتقال من سلطات إنفاذ القانون.

الكاتب عبدالحسين يقول "إذا كنت صحفيا في الولايات المتحدة، فأمنك غير معرض للخطر، وكذلك المحاكم تمنحك حصانة عالية لأن قوانين القدح والذم تنحاز للصحفي أكثر منه لمن يتم انتقاده".

وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن أكد في بيان صحفي الجمعة "على أهمية الدور الأساسي الذي تلعبه وسائل الإعلام المستقلة والحيوية في المجتمعات الديمقراطية".

وأضاف "توفر المعلومات الدقيقة والأفكار والآراء، بما في ذلك تلك الآراء المعارِضة، بصورة حرة يعد ضروريا وحيويا لإقامة حكم شفاف، متجاوب وشامل".

وقال بلينكن "في سعيهم الدؤوب لكشف الحقائق، يتعرض الصحفيون لمخاطر جسيمة بمجرد أدائهم لمهامهم اليومية.. وتواصل الحكومات الاستبدادية والجهات الفاعلة من غير الدول استخدام المعلومات المضللة والدعاية الموجهة لتقويض الخطاب الاجتماعي وعرقلة جهود الصحفيين الرامية لإعلام الجمهور ومساءلة الحكومات وتسليط الضوء على الحقيقة".

ودعا بلينكن جميع الدول إلى مضاعفة جهودها لضمان أمان الصحفيين، وتأكيد الدعم القوي لوسائل الإعلام الحرة والمستقلة في جميع أنحاء العالم.

وبقيت النرويج متربعة على صدارة التصنيف الثاني والعشرين لحرية الصحافة في حين تحتل إريتريا المركز الأخير 180 لتحل محل كوريا الشمالية التي كانت في هذه المرتبة في السنتين السابقتين.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: مراسلون بلا حدود وسائل الإعلام لحریة الصحافة حریة التعبیر

إقرأ أيضاً:

خطط الولايات المتحدة حرمان روسيا من أشباه الموصلات مصيرها الفشل

كيف يمكن لموسكو أن تحصل على أشباه الموصلات رغم المنع الأميركي؟ حول ذلك، كتب يفغيني بوزنياكوف، في "فزغلياد":

قررت الولايات المتحدة اتخاذ خطوة جديدة في الحرب الاقتصادية ضد روسيا. فهذه المرة، وفقًا لوكالة بلومبرغ، تعتزم واشنطن حظر توريد رقائق أشباه الموصلات المصنوعة باستخدام التكنولوجيا الأميركية إلى روسيا.

في مجتمع الخبراء واثقون من أن روسيا ستتمكن من إيجاد طريقة للخروج من القيود الجديدة التي فرضتها واشنطن.

فبحسب الخبير الاقتصادي إيفان ليزان، "الملكية الفكرية الأميركية موجودة في معظم الرقائق المنتجة اليوم. وبناءً على ذلك، فإن الحظر قد يصبح عالميًا حقًا. ولكن هناك سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع ضمان امتثال الدول الأخرى لهذه القيود".

"شريكنا الرئيس في صناعة أشباه الموصلات هو الصين. وتأثير واشنطن في بكين ضئيل للغاية، لذا ستحاول الصين بالتأكيد وضع مخططات للحفاظ على الدخل الحالي. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال من غير الواضح ما الذي ستحظره إدارة بايدن بالضبط".

"هناك خياران. فأولاً، أن تؤثر القيود على جميع المعدات التي تحتوي على أشباه الموصلات. في هذه الحالة، سيكون الوضع بالنسبة لروسيا حساسا للغاية. جميع المجالات ستتأثر بالعقوبات، فالأمر يصل حتى إلى الأجهزة المنزلية، على سبيل المثال، الثلاجات؛ وثانيًا، ألا ينطبق الحظر إلا على الرقائق الدقيقة نفسها. وعندها ستتعرض الشركات المبتكرة الكبرى للضرر. ومع ذلك، سنكون قادرين على التكيف مع الظروف الجديدة. سيتم استخدام استراتيجية الحصول على الرقائق من خلال دول ثالثة".

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

مقالات مشابهة

  • الإعلام الأمريكي يشن هجوما على البنتاجون بسبب التدريبات العسكرية الروسية في كوبا
  • خطط الولايات المتحدة حرمان روسيا من أشباه الموصلات مصيرها الفشل
  • عيد الصحافة 155 في زمن المنجزات
  • لماذا يتم تحجيم دور النظام الدولي ومنظماته الفرعية؟
  • فورين أفيرز: أميركا تخسر العالم العربي والصين تجني الثمار
  • سلسلة لقاءات لقائد الجيش في الولايات المتحدة الاميركية
  • من يمتلك حق الاحتفال بعيدين ؟
  • يوم الصحفي المصري.. دعوات من أسر المعتقلين لإنهاء ملف حبس الصحفيين (شاهد)
  • أمريكا لا تقود العالم.. هكذا تراجعت مكانة واشنطن على كافة الجبهات الإقليمية
  • "الصحفيين" تنظّم دورة تدريبية حول “الصحافة الاستقصائية”