الكرم عادة متأصلة في هذه القرية إلى الدرجة التي تجد فيها صعوبة كبيرة عندما تصادف أحد أفرادها في الشارع أو عند محل تجاري أو بقالة تموينات؛ لأنه سيوقفك ويدعوك إلى تناول القهوة مستخدما المصطلح الشعبي الشهير “تقهو” أو “خذ لك فنجال” وربما يعيد هذه الدعوة عليك أكثر من مرة، ويرتفع صوته تدريجياً بإصرار وحماس بعد كل اعتذار تقدّمه إليه وينتهي بك الأمر إلى صراع مرير يستمر لدقائق طويلة.
كلما زاد اعتذارك زاد حماسه في دعوتك.
أخبرت صديقي الذي يقود السيارة في طريقنا نحو رحلة برية أو كشتة، كما يقولون، أن يكون حذراً عندما يمر بهذه القرية بحيث لا يقف عند هذا المحل أو ذاك إذا كان فيه شخص من هذه القرية إذ ربما يتغيّر جدول رحلتك تماما. الناس في هذه المنطقة الريفية المكوّنة من مجموعة قرى يعرفون بعضهم البعض جيداً ومازالوا يحافظون على علاقاتهم الاجتماعية رغم تحدّيات التقنية والهواتف الذكية التي عصفت بالجيل الجديد من الشباب لكنها فشلت في التأثير على الكبار الذين لا يبدو أنهم سيتخلّون عن مثل هذه العادة إلا في حالة واحدة وهي عندما ينقرضون، وهذا ليس ببعيد.
مشكلة هذه القرية أنها تقع في نهاية الطريق المسفلت نحو النفود والأماكن الصحراوية الجذابة التي يرتادها هواة البر بعيداً عن ضجيج المدن حيث يتوقّفون فيها للتزوّد بالوقود وشراء ما يحتاجونه من مواد تموينية وأشياء يحتاجونها في الصحراء.
التفتنا نحو اليمين ونحو اليسار لنتأكّد من عدم وجود أحدهم قبل أن نقرّر الدخول في أحد المحلات التي نحتاجها. لا يبدو أن أحدا هناك. دخلنا البقالة واشترينا ما شاء الله أن نشتري من أغراض رحلتنا البرية التي لن تزيد عن يومين أو ثلاثة.
ماء وأرز وحطب وهلم جرا. خرجنا من المحل بسرعة لا نلوي على شي. لكن كما يقولون، عندما تخاف من الشيطان فإنه يظهر لك. بمجرد أن قام صاحبي بتشغيل السيارة إذا بصوت “أهلا وسهلا” يجلجل في الشارع . نزلت من السيارة التي كانت تشتغل، وكذلك فعل صاحبي، لنسلّم على الرجل ونتبادل معه القبلات والتحيات وأخبار الكمأ والربيع. كان واضحاً أنه يعرف طريقنا وربما المكان الذي سنذهب إليه، لكنه أصر على أن نتناول فنجال قهوة عنده، كما كان يفعل دائماً.
كنا مستعدّين لهذا الموقف بالعديد من الأعذار والحجج التي تملأ حوض السيارة الخلفي، لكنه كان يكون أكثر إصراراً في كل مرة نعتذر له فيها إلى الدرجة التي استنفدنا فيها كل ما نملك. في الوقت الذي كنت قد وصلت فيه إلى حافة الاستسلام والرضوخ له سمح لنا بالمغادرة بعد أن أخذ تعهّداً شخصيا مني أنا الراكب على اليمين بالمرور عليه عندما نعود من مهمتنا. أخذ يودّعنا وينظر إلينا من خلال نافذة باب السيارة الذي كان ممسكاً به وهو يصرّ على أن يغلق الباب بنفسه إكراماً لي. ركبت السيارة في الوقت الذي كان الرجل يجمع كل قواه لإغلاق بابها وهو يقول: “في أمان الله”. لم أنتبه أن يدي اليمنى كانت تستند على الجزء العلوي من السيارة. بدون وعي منّي، صرخت بصوت قوي سمعه كل أهالي القرية عندما أغلق الباب على يدي بكل ما أوتي من قوة. “افتح الباب! أغلقت الباب على يدي.” اختفت المجاملة فجأة. “افتح الباب! الله يلعنك!”
khaledalawadh @
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: هذه القریة
إقرأ أيضاً:
السائق فقد السيطرة على السيارة.. كواليس اللحظات الأخيرة في حادث الدبلوماسيين القطريين
كشفت مصادر تفاصيل جديدة حول اللحظات الأخيرة في الحادث المروري المروع الذي أسفر عن وفاة 3 دبلوماسيين قطريين وإصابة 3 آخرين بينهم سائق مصري، على طريق "الطور – شرم الشيخ" بجنوب سيناء.
وفقد السائق السيطرة على السيارة التي كانت تقل أعضاء الوفد القطري، ما أدى إلى انقلاب المركبة بشكل مفاجئ بالقرب من الكيلو 50 على الطريق، أثناء توجه الوفد إلى مدينة شرم الشيخ.
وأوضح التقرير الطبي أن السيارة كانت تقل 5 أشخاص بخلاف السائق، هم: 3 دبلوماسيين قطريين لقوا مصرعهم في موقع الحادث، وهم:عبدالله بن غانم الخيارين، حسن الجابر، سعود بن ثامر آل ثاني.
وأصيب 2 بجروح خطيرة وهم، عبدالله بن عيسى الكواري، اشتباه كسر بقاع الجمجمة وكسر مفتوح بالقدم اليمنى، ومحمد عبدالعزيز بوعينين أصيب باشتباه كسر بالعمود الفقري.
كما أصيب السائق المصري يحيى شوقي، بجروح قطعية في الرأس واليد.
جرى إيداع نقل الجثامين إلى ثلاجة مستشفى شرم الشيخ الدولى، ووضع المصابون في العناية المركزة وسط متابعة طبية دقيقة.
تفاصيل حادث الوفد القطريوأفاد مراسل قناة "العربية" في مصر بتعرض الوفد القطري لحادث سير قرب مدينة شرم الشيخ، ما أسفر عن وفاة ثلاثة دبلوماسيين من أعضاء الوفد، وذلك حسبما جاء في نبأ عاجل
الوفد القطري يتعرض لحادث سير قرب مدينة شرم الشيخوأوضح المراسل أن مركبة الوفد تعرضت للحادث بالقرب من مركز المؤتمرات في شرم الشيخ، دون الكشف عن تفاصيل إضافية بشأن أسباب الحادث أو حالة باقي أفراد الوفد.
وأشار إلى أن الجهات المعنية باشرت إجراءاتها في موقع الحادث، فيما لم تصدر أي بيانات رسمية حتى الآن توضح ملابساته أو هوية الضحايا.