من مهاوي هذا الألم ينفث صلاح احمد إبراهيم شجنه:
وأخذت أغني في شجوٍ..ألمي الظاهر
يا طير الهجرة يا طائر
يا طيراً وجهته بلادي
خذني بالله أنا والله على أهبة
قصّت أقدارٌ أجنحتي
وأنا في زاويةٍ أتوسّد أمتعتي
ينحسر الظل..فأمضي للظل الآخر
لكن الطير مضى عني..
لم يفهم ما كنت أغني
التغني بحُسن (وفادة الطير)..والنسائم الحلوة من التعبيرات الشائعة في الشعر السوداني خاصة في الشعر الغنائي.

.وفي مقطوعة أخرى يقدم صلاح أحمد إبراهيم رجاءات أخرى لسرب طير مهاجر:
بالله يا طير
قبلما تشرب تمُر على بيت صغير
من بابو..من شباكو.. يلمع ألف نور
تلقى الحبيبه بتشتغل منديل حرير
لحبيب بعيد..
أقيف لديها...
وبوس يديها..
وانقل إليها..وفايا ليها..
وحبي الأكيد..!
**
أما حالة الشاعر محمد المهدي المجذوب فيبدو أنها (مزمنة) ومستعصية..!! إنه مصاب بحنين إلى درجة الإدمان..!
أعراض هذا الحنين الحزين بدأت معه منذ مرحلة طفولته الباكرة وواجبات (الخلوة) القاسية..ولم يمنحه انتقاله للخرطوم المدينة كثير عزاء لتسكين روحه القلقة، حيث شعر بالغربة في بيئته الجديدة حتى حنّ للعودة إلى قريته في الشمال البعيد..! وهو يسترجع ذكريات وصور حفلات الأعراس ومظهر (السيرة) إلى ضفة النيل:
البنيات في ضرام الدلاليك تستّرن فتنة وانبهارا
من عيون تلفّت الكحل فيهن وأصغى هنيهةً ثم طارا
**
نحن جئنا إليك يا أمها الليلة بالزين والعديل المنقى
نحن جئناك حاملين جريد النخل فألاً على اخضرارٍ ورزقا
**
العذارى ألوانهن الرقيقات نبات الظلال شفّ وحارا
رأمته الخدور ينتظر الموسم حتى يشع نوراً ونارا
ينبري الطبل ينفض الهرج الفينان طيراً تفرّقاً واشتجارا
موكب من مواكب الفرح المُختال عصراً في شاطئ النيل سارا
(السيره مرقت عَصُر)..!
**
وتتواصل مسيرة الفرح الاحتفالي :
وتشيل البنات صفقاً مع الطبل ورمقاً من العيون ورشقا
وغزالٍ مشاغب أصلح الهِدم وأراني في غفلة الناس طوقا
**
تتصدى حمامة كشفت رأساً وزافت بصدرها مستطارا
شلخوها حتى تضئ فأضمرت حناناً لأمها واعتذارا
هي ست البنات بنت ابيها كرماً يحفظ الجوار وصدقا
وهوى عاشق وطار وأهوى بالسوط رعداً بمنكبيه وبرقا
واتاه العبير من خمل الشبّال حياه جهرةً لا سِرارا
موعدٌ لا لقاء فيه..وتاجوج تولّت عفافةً وانتصارا
ثم يتبدل هذا المزاج الاحتفالي إلى نزوع لإضمار الهرب من هذه المدينة الغريبة:
لهف نفسي على صباي الذي كان..وما فيه من لعاب العذارى
من عذيري من غربةٍ أخذت روحي وألقت عليّ وجهاً مُعاراً
**
آه من قريتي البريئة لا تعلم كم في (مدينة التُرك) أشقى
فندقٌ لا جوار فيه ولا أرحام تنهى.. ولا معارف تبقى
وطواني الدُجى ومصباحي عَميٌ في صخرة الليل يرقى
أشتهي الدلكة العميقة والكركار والقرمصيص ماج ورقّا
وبعيني قوافل النخل والنيل حداها تجئ وسقاً.. فوسقا
بردت جُرّتي وذا القرع المنقوش يسقي حلاوة النيل طلقا
**
يبحث المجذوب عن مهرب آخر..وهذه المرّة إلى جنوب السودان..عميقاً في إفريقيا :
وليتي في الزنوج ولي رباب
تميد به خطاي وتستقيم
واجترع المريسة في الحواني
واهذر لا أُلام ولا ألوم
واصرع في الطريق وفي عيوني
ضباب السُكر والطرب الغشوم
طليقٌ لا تقيدني قريشٌ
بأحساب الكرام ولا تميم..!
هي هكذا عند عادل بابكر:
I wish I were among the Negros
My steps swaying to the rhythm of my Rabab
Free to gulp Marisa in pups
Gobbling freely, to no one’s discontent
Even falling on the street
My eyes blurred by liquor,
lit up with outrageous rapture,
Unrestrained by ancestral nobility claim
of Qurayshis or Tamims..!
ثم يذهب المجذوب أبعد في طلبه هويةً مزدوجة (hybrid identity):
عندي من الزنج أعراقٌ معاندةٌ ..
وإن تشدّق في أشعاري العربُ
**
وبهذا المسعى يُنظر إلي المجذوب باعتباره مصدراً لإلهام جماعة الغابة والصحراء التي حاولت أن تختط طريقاً ثالثاً بين دُعاة العربية والإفريقانية في الثقافة السودانية. وعلى كل حال فإن الناقد (عبد القدوس الخاتم) يقول إن مقطوعات المجذوب الحميمة حول إفريقيا لم تصدر عنه في إطار البحث عن هوية؛ ولكن أكثر من ذلك تأتي تعبيراً عن حنين صادق إلى (براءة الإنسانية الباكرة)..!
وسمة شعر المجذوب البارزة التي يتقاسمها مع الحردلو وشعراء البادية بعامة - كما يرصدها عادل بابكر - هي الاستخدام الكثيف للمرجعيات الثقافية الشعبية..فالمجذوب تجد في قاموسه كما اتضح في المقطوعات أعلاه:
الدلوكة (a popular drum)
والدلكة (a home-made body massage dough)
والكركار (a home-made hair oil)
والقرمصيص (a silky female bed gown)
والمريسة (locally made sorghum wine)
وهلمجرا..!
هذه المفردات بالإضافة إلى سيرة العُرس على ضفاف النيل: هي من تقاليد وأعراف ترجع إلى عهد الممالك النوبية، ثم الاحتفال بالضرب بالسياط (البُطان) كجزء من طقوس الأعراس، وكذلك تعبيرات الأغاني الشعبية..كل ذلك يضيف مذاق وطعم ونكهة لهذا الشعر ويكسوه شخصية وهوية سودانية..!
يا أخوال البنات القِده عطشانه..
بتدور الرجال البحملو بطانا
البجري نسيبتو..
ومرتو طلقانه..!
سودانايل - مرتضى الغالي

murtadamore@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مصر.. اكتشاف مدينة أثرية قديمة باسم «إيمت» في دلتا النيل

كشف فريق مشترك من علماء الآثار البريطانيين والمصريين عن مدينة مصرية قديمة باسم “إيمت” في دلتا النيل، في اكتشاف أثري بارز يعيد تسليط الضوء على الحياة الحضرية والدينية في مصر خلال القرن الرابع قبل الميلاد.

وجاء الاكتشاف نتيجة تعاون بين جامعة مانشستر البريطانية وجامعة مدينة السادات المصرية، حيث استخدم الباحثون تقنيات الاستشعار عن بعد عبر صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، إلى جانب تنقيبات ميدانية مكثفة. وأسفرت الحفريات عن العثور على بقايا معمارية كثيفة وقطع أثرية فريدة.

ومن أبرز القطع المكتشفة قدر طهي يعود إلى 2500 عام، لا يزال في مكانه على موقد يحتوي على بقايا حساء سمك البلطي، ما يوفر لمحة نادرة عن النظام الغذائي اليومي لسكان المدينة. كما عُثر على أطباق يُعتقد أنها كانت تُستخدم لتخمير الخبز تحت أشعة الشمس.

وأوضح الدكتور نيكي نيلسن، قائد الفريق من جامعة مانشستر، أن “إمساك قطعة أثرية بهذا العمر لأول مرة يمنح إحساسًا بالاتصال المباشر مع الماضي”.

تضمنت الحفريات كذلك منازل متعددة الطوابق بجدران أساس سميكة، وصوامع للحبوب، وساحات لمعالجة المحاصيل، مما يشير إلى نشاط اقتصادي محلي نشط. كما اكتشف الفريق طريقًا احتفاليًا مرتبطًا بعبادة الإلهة “واجيت” ذات رأس الكوبرا.

ومن بين القطع الأثرية تمثال شابتي من الفيانس الأخضر يعود إلى الأسرة 26، كان يدفن مع كبار المسؤولين.

وقال الدكتور نيلسن إن مدينة “إيمت” كانت مركزًا حضريًا مزدهرًا ذو بنية تحتية معقدة، مشيرًا إلى أن دمج تقنيات الأقمار الصناعية والتنقيب الأرضي أتاح فهمًا أعمق للحياة الحضرية والدينية والاقتصادية في دلتا النيل في تلك الفترة الحرجة.

وفي موقع قريب، عثر الفريق على مبنى ضخم بأرضية مكسوة بالجص الجيري وأعمدة ضخمة تعود للعصر البطلمي، ما يشير إلى تغيرات في الأنماط الدينية خلال تلك الحقبة.

وأكدت جامعة مانشستر أن هذا المشروع يسهم في إعادة كتابة تاريخ المدن المنسية في دلتا النيل، واصفة الاكتشاف بأنه إعادة إحياء للمنطقة التاريخية قطعة قطعة.

مقالات مشابهة

  • علماء آثار مصريون وبريطانيون يهتدون إلى مدينة إيميت المفقودة في دلتا النيل
  • مصرع طفل غرقا أثناء الاستحمام فى نهر النيل برشيد
  • مصر.. اكتشاف مدينة أثرية قديمة باسم «إيمت» في دلتا النيل
  • طعنته داخل الحرم الجامعي.. ماذا حدث بين طالبة وفرد أمن إداري بكلية البنات؟
  • فى ذكرى ميلاد رفعت الجمال.. قصة خلاف الزعيم والساحر لتقديم مسلسل رافت الهجان
  • الموضة القبيحة” تكتسح جيل زد: تمرد على الجمال التقليدي أم تعبير عن هوية؟
  • وزير الخارجية: مصر لن تسمح تحت أي ظرف أن يتم المساس بحصتها من مياه النيل
  • عبر الجمال والشاحنات.. جمرك الراهدة يحبط ثلاث محاولات تهريب في يوم واحد
  • مركز الراهدة الجمركي يحبط تهريب كمية من السجائر على ظهور الجمال
  • مصرع 4 أشخاص إثر غرق مركب بنهر النيل