يُمضي الاستحقاق الرئاسي إجازة قسرية يمكن أن تمتد إلى ما بعد توصل «اللجنة الخماسية» إلى وضع استراتيجية جديدة لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من الدوران في حلقة مفرغة، بينما يرتفع منسوب النصائح الأميركية والفرنسية للكتل النيابية بالكف عن هدر الوقت والاستمرار في الرهانات الخاطئة، والذهاب إلى انتخاب الرئيس فور التوصُّل إلى وقف لإطلاق النار على الجبهة الغزاوية، لعله ينسحب على جنوب لبنان.



وكتب محمد شقير في" الشرق الاوسط": كشفت مصادر أوروبية أن باريس وواشنطن تنصحان بالالتفات، فور التوصل إلى وقف لإطلاق النار، إلى إنهاء الشغور الرئاسي؛ بانتخاب رئيس للجمهورية، لأن لبنان لم يعد يحتمل المزيد من الاهتراء الذي يصيب المؤسسات الدستورية التي تشكو من الترهُّل بغياب الرئيس، وهذا ما تبلغته الكتل النيابية والقيادات السياسية المعنية بانتخابه من قبل كبار الدبلوماسيين العاملين في السفارتين الأميركية والفرنسية في لبنان.

وقالت المصادر إن الدبلوماسيين يحثون الكتل النيابية على ضرورة وقف تعطيل انتخاب الرئيس بإنجاز الاستحقاق الرئاسي على وجه السرعة، انطلاقاً من تقديرهم بأن تمديد الفراغ في رئاسة الجمهورية يمكن أن يمتد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرَّرة في تشرين الثاني المقبل، لأن الإدارة الأميركية الحالية ستنصرف، بدءاً من مطلع تموز المقبل، لضمان انتخاب الرئيس جو بايدن لولاية رئاسية ثانية، وبالتالي ستضطر للالتفات إلى الداخل وعدم الاهتمام كما يجب بالملفات السياسية والأمنية المتراكمة في المنطقة، وهذا ما يكمن وراء إصرارها على وقف إطلاق النار في غزة، اليوم قبل الغد، نظراً لضيق الوقت.

وأكَّدت المصادر ذاتها أن الوسيط الأميركي تواصل مع مسؤولين في دائرة الشرق الأوسط بالخارجية الفرنسية، ووضعهم في أجواء التهديد الإسرائيلي للبنان، وبحث معهم ما يمكن القيام به من جهد مشترك لمنع إسرائيل من تنفيذ تهديدها قبل حلول الصيف، وكشفت أن التنسيق بين باريس وواشنطن على أشدِّه لتهيئة الأجواء السياسية لتطبيق القرار «1701»؛ كونه يؤدي إلى حشر إسرائيل ومنعها من استهداف جنوب لبنان.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن الملاحظات التي وضعها رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الورقة الفرنسية بنسختها الثانية، بالتنسيق مع «حزب الله»، تأتي في سياق رفع السقوف من قبل «الثنائي الشيعي» استعداداً للتفاوض لتطبيق القرار «1701»، مع أن هذه المصادر تنظر إلى ملاحظاته على الورقة الفرنسية بنسختها الأولى على أنها أكثر مرونة وانفتاحاً، وصولاً للأخذ والرد.
ورأت أن الملاحظات التي أدرجها بري على الورقة الفرنسية الثانية التي تسلمتها السفارة الفرنسية في بيروت، تتيح للوسيط الأميركي، مع استعداده لتشغيل محركاته بين بيروت وتل أبيب سعياً لتطبيق القرار «1701»، فور التوصل إلى وقف لإطلاق النار، التعامل معها لإيجاد المخارج لتذليل ما لدى «الثنائي الشيعي» من اعتراضات.
ورداً على سؤال، قالت المصادر نفسها إن الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، يربط عودته إلى بيروت بالاستراتيجية التي يُفترض أن تتوصل إليها «اللجنة الخماسية» المؤلفة من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، انطلاقاً من رسمها خريطةَ الطريق لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية؛ كون «الخماسية» تشكل مجموعة دعم ومساندة للكتل النيابية، من أجل أن تتوصل إلى إحداث خرق في الحائط المسدود الذي يعطل انتخاب الرئيس بإعادة فتح أبواب البرلمان لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وأكدت المصادر أن الكتل النيابية أُحيطت علماً من قبل واشنطن وباريس بوجوب تعبيد الطريق سياسياً أمام انتخاب الرئيس، لئلا يتمدد الشغور الرئاسي إلى ما بعد إنجاز الانتخابات الرئاسية الأميركية، أي إلى العام المقبل، وهذا ما يأخذ لبنان إلى قعر الانهيار، وشدّدت على أنها تراهن على واقعية الرئيس بري وانفتاحه ومرونته، رغم أنه يدعم ترشيح رئيس تيار «المردة»، النائب السابق سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية.
وسألت المصادر: هل باتت الظروف ناضجة لترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث؟ وماذا عن موقف «حزب الله» ومدى استعداده للسير فيه، خصوصاً أن سفراء «الخماسية» باتوا على قناعة بأنه يؤمّن سترة النجاة الوحيدة، بالمفهوم السياسي للكلمة، لانتشال البلد من الغرق قبل أن يستحيل إنقاذه؟
فـ«حزب الله»، وإن كان يعطي الأولوية، وحتى إشعار آخر، لعدم الفصل بين جبهتَي غزة والجنوب، وضرورة التلازم في التوصل إلى وقف لإطلاق النار على الجبهتين، فإنه مع ترحيل الاستحقاق الرئاسي إلى ما بعد وضوح الصورة، وهذا ما يفسر تركيزه على مساندته لحركة «حماس».
لكن، هل يعني مجرد وضوح الصورة على امتداد هاتين الجبهتين أن الحزب سيتفرغ لمواكبة الاتصالات الجارية لإخراج انتخاب الرئيس من التأزم؟ أم أنه ليس في عجلة من أمره، وإن كان يفضل ولا يمانع انعقاد البرلمان لانتخاب فرنجية رئيساً دون سواه؟
وبكلام آخر، فإن الحزب، كما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، ينظر إلى الاستحقاق الرئاسي من زاوية إقليمية، ويتطلع إلى ترحيل انتخاب الرئيس إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه، أي أن يأتي برئيس على قياس توجهات الرئيس الأميركي العتيد، وهذا ما ينطبق على موقف إيران لتحسين شروطها في التفاوض مع واشنطن، على قاعدة مقايضتها بتدخُّلها لدى حليفها لوضع حد للشغور الرئاسي.
 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: إلى وقف لإطلاق النار الاستحقاق الرئاسی انتخاب الرئیس إلى ما بعد وهذا ما

إقرأ أيضاً:

لا تتوقع تغييرا كبيرا.. واشنطن تراقب نقل السلطة في إيران بحذر

واشنطن- تراقب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن كثب تعامل إيران مع الرحيل المفاجئ لرئيسها إبراهيم رئيسي، في وقت تتوقع فيه واشنطن أن يستمر الوضع الإقليمي الهش، وسط مخاوف من تجدد تصعيد التوترات بين طهران وتل أبيب.

وبصفة عامة، لا يتوقع خبراء العلاقات الإيرانية الأميركية ممن تحدثت إليهم الجزيرة نت في واشنطن؛ حدوث أي تغيير في طريقة إدارة طهران لسياساتها الخارجية قبل أن يصوت الشعب الإيراني ويختار رئيسا جديدا، في أعقاب حادث تحطم طائرة مروحية نهاية الأسبوع، أسفر عن مصرع رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومرافقيهم.

عند وصوله للحكم، وعد الرئيس الإيراني الراحل بأن حكومته ستتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا إنه ومع تشدد الطرفين، توقفت المفاوضات.

وسرعت طهران برنامجها النووي عقب ذلك، وتجاوزت الآن القيود المفروضة مسبقا، وقامت بتخصيب اليورانيوم قرب المستويات اللازمة لبناء أسلحة نووية، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي الوقت نفسه، استمرت طهران في دعم عدد من الفصائل المسلحة والمليشيات، التي يقاتل بعضها إسرائيل، وفي بعض الحالات القوات الأميركية، في سوريا والعراق ولبنان، بالإضافة لاستهداف الحوثيين للسفن في مضيق باب المندب من اليمن.

المدير العام للمنظمة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي (يسار) ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي بعد اجتماعهما في أصفهان (الأناضول) مستوى التوتر

وتصاعد التوتر الشهر الماضي بعد قصف إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، أسفر عن مقتل جنرالين إيرانيين. لكن رد إيران المباشر وغير المسبوق بإطلاق 300 صاروخ وطائرة مسيرة على إسرائيل، جعل الخصمين أقرب إلى حرب أوسع لا يبدو أن أيا منهما يريدها، كما دفع واشنطن للانخراط مباشرة في إسقاط الصواريخ والمسيرات الإيرانية.

وقالت باربرا سلافين، خبيرة الشؤون الدولية بمعهد ستيمسون في واشنطن، إنها لا ترى احتمال حدوث تغيير كبير. وفي حديث للجزيرة نت، أشارت سلافين إلى أن "إيران والولايات المتحدة كانا يتواصلان بالفعل بشكل مباشر وغير مباشر، لتجنب تصعيد إقليمي أو وقوع أزمة حول البرنامج النووي الإيراني".

وتضيف "أعتقد أنه في أعقاب وفاة رئيسي، سيكون كلا الجانبين أكثر حذرا وعزوفا عن المخاطرة. تحتاج إيران الآن إلى إجراء انتخابات رئاسية جديدة وإيجاد بديل لرئيسي كرئيس وخليفة محتمل للمرشد الأعلى، في حين أن الولايات المتحدة في وضع انتخابي كامل. لذا فإن الجانبين سوف يتخبطان إلى حد كبير كما فعلا في الأشهر الأخيرة".

قصف إسرائيل لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق أدى لتصاعد التوتر في المنطقة (رويترز) تعزية تغضب الجمهوريين

ولم يمنع التوتر بين الطرفين من تواصل الحكومة الإيرانية مع الولايات المتحدة للحصول على المساعدة، في أعقاب تحطم المروحية التي كانت تحمل الرئيس إبراهيم رئيسي، لكن واشنطن "لم تتمكن من تقديم تلك المساعدة"، كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر.

وذكر ميلر "طلبت منا الحكومة الإيرانية المساعدة. لقد أوضحنا لهم أننا سنقدم المساعدة، كما سنفعل استجابة لأي طلب من حكومة أجنبية في هذا النوع من الحالات"، مستدركا بأن الولايات المتحدة لم تستطع في النهاية مساعدة إيران لأسباب لوجستية.

وتعرضت وزارة الخارجية الأميركية لانتقادات لإصدارها بيان "تعزية" بعد وفاة رئيسي، وذلك رغم إقرار ميلر بأن رئيسي "يداه ملطختان بالدماء".

وهاجم كبار الجمهوريين في مجلس النواب بشدة إدارة بايدن على خلفية التعزية. وقال النائب توم إيمر لشبكة فوكس "من السخف أن تروج إدارة بايدن لدعمها لحقوق الإنسان بينما تقدم في الوقت نفسه تعازيها الرسمية لجزار طهران. من الواضح أن الحزب الديمقراطي اليوم أصبح الحزب المؤيد للإرهاب".

كما وصفت رئيسة مؤتمر الحزب الجمهوري في مجلس النواب إليز ستيفانيك، رسالة وزارة الخارجية بأنها "غير مقبولة وغير ضرورية وشائنة". وكتبت ستيفانيك في بيان نشرته صباح الثلاثاء، "إن إعراب وزارة خارجية بايدن عن تعازيها لوفاة عدو وحشي لأميركا عذب وقتل شعبه وقاد مهمة تمويل الوكلاء الإرهابيين في جميع أنحاء العالم الذين قتلوا جنودا أميركيين، هو سقوط جديد لجو بايدن".

انعكاسات على العلاقات

وفي حديث للجزيرة نت، قال تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي بواشنطن "على المدى القريب، لن يكون لوفاة رئيسي تأثير كبير على العلاقات الأميركية الإيرانية لأن رئيسي لم يكن شخصية حاسمة في تلك المعادلة".

مع ذلك، يستدرك بارسي "إذا أدى مقتله إلى أزمة منهكة داخل إيران، فقد يكون لها تأثير على نفوذها على المليشيات في سوريا والعراق التي ضغطت عليها طهران لوقف مهاجمة القوات والقواعد الأميركية في الشرق الأوسط". وقد يؤدي ذلك، بحسب المتحدث، إلى سيناريو تستأنف فيه تلك الهجمات نتيجة عدم قدرة طهران على استخدام نفوذها للسيطرة عليها.

من جانبه، أكد تشارلز دان، المسؤول السابق في البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج بوش، في حديث للجزيرة نت، ما ذهب إليه نائب رئيس معهد كوينسي قائلا "من غير المرجح أن تؤثر وفاة رئيسي على القضايا الأساسية بين البلدين".

وتتعرض القيادة الإيرانية لضغوط بسبب التحديات التي تواجه النظام داخليا على صعيد السياسة والاقتصاد، وكذلك المواجهة مع إسرائيل، ويبدو أنه ليس هناك مزاج لإجراء تغييرات جوهرية، بحسب دان.

ويقول المسؤول الأميركي السابق "سيتعين علينا أن نرى من يسمح له بالترشح للرئاسة، لكنني أتوقع ظهور مرشح متشدد آخر متحالف مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي".

بدوره، اعتبر خبير الشؤون الإيرانية جودت بهجت، المحاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، أن وفاة رئيسي وعدد من كبار المسؤولين هي ضربة كبيرة للحكومة الإيرانية.

ومع ذلك، يقول البروفيسور بهجت للجزيرة نت "من المهم عدم المبالغة في ذلك. ففي تاريخها الذي يزيد على 4 عقود، شهدت الجمهورية الإسلامية بعض الضربات الكبرى، بما في ذلك عملية إرهابية كبرى قامت بها منظمة مجاهدي خلق عام 1979 عندما قتل الرئيس ورئيس الوزراء ومسؤولون كبار آخرون حيث نجت الجمهورية الإسلامية".

وبناء على ذلك، استبعد بهجت أي تغيير كبير في السياسات الداخلية أو الخارجية الإيرانية، مضيفا "سيبقى العمل كالمعتاد إلى حد ما. لقد تم تهميش ما يسمى بالمعتدلين، ويسيطر ما يسمى بالمتشددين سيطرة كاملة على جميع أفرع الحكومة".

مقالات مشابهة

  • سفير فلسطين السابق بالقاهرة يرد على مزاعم CNN: نتنياهو أفسد الهدنة
  • مصر.. اللواء بالمخابرات أحمد عبدالخالق يبرز بعد تقرير عن غزة وصيغة اتفاق الهدنة
  • قوات الاحتلال تطلق النار صوب طواقم الصحفيين في جنين
  • العالم يفشل فى وقف الحرب الإسرائيلية بدعمه الاحتلال
  • لا تتوقع تغييرا كبيرا.. واشنطن تراقب نقل السلطة في إيران بحذر
  • مصادر لـ CNN: مخابرات مصر تلاعبت بمقترح وقف إطلاق النار الأخير وأثارت غضبا
  • المبادرة الدولية فرصة لتحرير الاستحقاق الرئاسي من التعطيل
  • عبد اللهيان كان آتياً إلى لبنان.. وسقوط مروحية إيران يهزّ الخُماسية
  • أمريكا: لا دور لنا في سقوط طائرة الرئيس الإيراني
  • الخارجية الأميركية: واشنطن تؤكد دعمها للشعب الإيراني ونضاله من أجل حقوق الإنسان