في مساء الاثنين الماضي أنهت إسرائيل أشهرا من التكهنات المرعبة، حينما توغلت دباباتها في معبر رفح القائم بين غزة ومصر. وبحلول الصباح كان الجيش قد تولى السيطرة على المعبر وكانت العملية القائمة بالقرب من مدينة رفح قد بدأت.

تبدو هذه خطوة غير حكيمة. فقد حذر حلفاء إسرائيل من أن الهجوم على رفح سوف يجدد كارثة أكثر من مليون فلسطيني لاذوا بالمدينة.

وفي يوم الأربعاء أعلن الرئيس الولايات المتحدة إيقاف إمدادات الأسلحة اللازمة لهجمة كاملة وهو ما يشكل أخطر تهديد أمريكي لمصالح إسرائيل منذ عقود. وفي حين أن إسرائيل تزعم أنها لا بد أن تدخل رفح لتدمير أربع كتائب لحماس فيها، فإن الخبراء الإسرائيليين أنفسهم يشكون في أن تكون العملية حاسمة في تغيير قواعد اللعبة، فهي «في أفضل الحالات تكتيكيةٌ» بحسب ما قال مسؤول في الموساد، وفور أن تنتهي سوف ترجع حماس متسللة كما فعلت في أجزاء أخرى من غزة.

فلماذا إذن تقدمت حكومة إسرائيل؟ لقد أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارا أن الهجوم على رفح ضروري لتحقيق «نصر تام». وهذا المصطلح المراوغ من المفترض أن يعني تدمير جيش حماس وقدراتها في الحكم وإعادة رهائن إسرائيل المحتجزين لديها. لكن في حال اختيار إسرائيل هذا المسار، لا بد أن تعترف بمعنى استراتيجية «النصر التام» الفعلي حتى الآن.

حتى تاريخه، لم يؤد قيام الحكومة الإسرائيلية بالحرب إلى تدمير حماس. فثمة اعتقاد واسع بأن هناك مبالغة في تقدير الجيش الإسرائيلي بأنه قتل ما بين عشرة آلاف وأربعة عشر ألف مقاتل من حماس، لأن هذا الرقم قد يضم أي قتلى من الذكور في سن مناسب. ولا تزال حماس تسيطر على مصير الرهائن الذين يتدهور حالهم ويموتون في الأسر.

أدت سياسة «النصر الكامل» التي تنتهجها الحكومة إلى عزلة عالمية هي الأكثر أهمية في تاريخ إسرائيل. قبل إعلان بايدن، سبق أن أعلنت كندا وإيطاليا إيقاف صادرات الأسلحة الجديدة إلى إسرائيل. وقطعت كولمبيا العلاقات الدبلوماسية، وأعلنت تركيا حظرا تجاريا ربما تكون قد علقته بعدها، لكن الخطر يشكل قنبلة اقتصادية ودبلوماسية. وإسرائيل تمثُل متهمة بإبادة جماعية في محكمة العدل الدولية ويلوح في الأفق شبح صدور أوامر اعتقال من المحكمة.

تنظر روح العصر العالمية إلى إسرائيل باعتبارها منبوذة، ويتجلى ذلك في احتجاجات الجامعات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا أو صيحات الاستهجان المحبطة التي قوبلت بها المغنية الإسرائيلية إيدن جولاتن في يوروفيجن، واستبعاد الأكاديميين الإسرائيليين من المنتديات الدولية. ويؤدي إلغاء رحلات الطيران إلى صعوبة السفر وترسيخ الإحساس بالعزلة.

وفي الداخل الإسرائيلي، لا يزال أكثر من مائة ألف إسرائيلي نازحين. وتقلص الحرب دخول الشعب والصحة الذهنية، وكل يوم تفقد المزيد من الأسر أفرادها مع موت الجنود في غزة من أجل «نصر تام» لا يتحقق أبدا. وقد يكون هدف القضاء على حماس -باعتبارها تهديدا عسكريا للمدنيين الإسرائيليين والسيادة الإسرائيلية على الأرض- هدفا مبررا في ذاته، ولكن الحكومة لم تظهر بعد قدرتها على تحقيق هذا الهدف، وتشير الأدلة إلى الفشل.

ثمة مسار بديل. في الأسبوع الماضي ظهر مرة أخرى أن اتفاقية للرهائن ووقف إطلاق النار ممكنة. لكن المحادثات انهارت وذلك في الأغلب بسبب إصرار حماس الثابت على المطالبة بنهاية كاملة للحرب.

ما من أمر يسير في هذا المسار، إنهاء الحرب لا يمكن أن يختزل في ألم الإذعان لحماس، ذلك أن من شأنه تحقيق الكثير من المكاسب أيضا، للإسرائيليين وللفلسطينيين على السواء. فبالنسبة لإسرائيل بادئ ذي بدء، سوف تنقذ اتفاقية إنهاء الحرب نفوس الرهائن المتبقين. وهذا ما يريده غالبية الإسرائيليين، حيث يفضل 62% اتفاقية للرهائن على عملية رفح بحسب استطلاع رأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي الأسبوع الماضي في حين أن 32% يجعلون الهجوم على رفح أولوية. وفي استطلاع رأي آخر أجرته القناة 13، لا يعتقد 52% من الإسرائيليين أن العملية سوف تحقق «النصر التام». وتبين لاستطلاع رأي أجرته القناة الإسرائيلية العامة أن القسم الأكبر ـ قرابة النصف من الإسرائيليين ـ يؤيدون اتفاقية رهائن تنطوي على إطلاق سراح جميع الرهائن في مقابل «إنهاء تام للحرب وإطلاق سراح آلاف الإرهابيين».

وفي المجال الدولي، سوف ينقذ إنهاء الحرب علاقة إسرائيل بأقرب حلفائها أي الولايات المتحدة. وليس بالأمر الهامشي على الإطلاق أن إنهاء القتال في غزة سوف يقلل خطر التصعيد مع حزب الله في الشمال، وهو الاحتمال الذي تتزايد خطورته.

سوف يقتضي إنهاء الحرب أيضا من إسرائيل أن تضع خططا واقعية لليوم التالي في غزة بالتعاون مع نطاق من الحلفاء الغربيين والعرب. وقد يتضمن هذا أيضا اتفاقية التطبيع السعودية الكبرى التي تدفع إليها أمريكا واتفاقية متعددة الأطراف أكثر قابلية للدوام لإحداث تحول حقيقي في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية تتضمن الاستقلال والحكم الذاتي للفلسطينيين.

الحقيقة القاسية هي أن حياة الفلسطينيين ـ بالنسبة لأغلب الإسرائيليين في الوقت الراهن ـ مجرد أمر ثانوي مرجأ، لكن الحقيقة الدقيقة هي أن مصائر الشعبين متضافرة. لقد تعرض قرابة خمسة وثلاثين ألفا من الفلسطينيين للموت، ومن هؤلاء أكثر من أربعة عشر ألف طفل. ويعني إنهاء الحرب إنقاذ الأرواح في المستقبل، وكل نجاة لحياة نصر للجميع.

لكن هناك حقيقة أخرى يجب أن تثير قلق الإسرائيليين، إذ تظهر تسجيلات الفيديو في رفح أهل غزة وهم ينتشلون صغارهم من المباني بأطراف متدلية كالمطاط المذاب، وأطفالا ممزقي الجلد وأذرع أطفال تنتأ من وسط الأسمنت المنهار. ويمكن العثور على هذا التوثيق على الإنترنت، لكن الإسرائيليين يمكن أن يشاهدوا الأهوال في غزة دونما بحث. وبالإضافة على اضطراب ما بعد الصدمة الذي سوف يعانون منه بسبب إصاباتهم الخاصة، فقد أشار علماء نفس إلى إصابات معنوية من جراء الصراع ناجمة عن التسبب في تلك الأمور. ولا يختلف الإسرائيليون عن الجنود الأمريكيين في العراق، واجتناب هذا المصير يجب أن يكون حافزا للجميع.

ولعل الإسرائيليين يستوعبون السيناريوهات المقبضة المقبلة. فقد تبين لاستطلاع رأي أجراه معهد سياسة الشعب اليهودي تراجعا استثنائيا واضحا في نسبة الإسرائيليين المؤمنين يقينا بالنصر ـ إذ انخفضت النسبة من 74% في أكتوبر إلى 38% فقط في مطلع مايو. وأكثر من 40% من الإسرائيليين الآن غير واثقين من قدرة الإسرائيليين على النصر. ولكن لعل البعض متخوفون من التكلفة إن أمكن النصر أصلا.

لإسرائيل أن تختار مسارا مختلفا، مسارا ينقذ أرواح الرهائن، وينقذ أرواح الفلسطينيين، وينقذ علاقات إسرائيل العالمية، ويمنع التدهور المحتوم لروحها في حرب أبدية. أما التمسك المرضي بالنصر التام فيتحول إلى الهزيمة التامة لإسرائيل.

داليا شيندلين باحثة ومحللة سياسية وخبيرة استطلاعات رأي مقيمة في تل أبيب

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إنهاء الحرب أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

ترقب فلسطيني ودولي.. هل يصمد مقترح ويتكوف حتى إنهاء الحرب على غزة؟!

◄ "حماس" تسلّم الوسطاء ردها على مقترح ويتكوف

المقترح ينص على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما بضمان من ترامب

◄ مسؤول في المقاومة: الرد على المقترح إيجابي ونسعى لإدخال بعض التعديلات

ملاحظات "حماس" تتعلق بضمان استمرار وقف الحرب وإدخال المساعدات

محللون يرون أن المقترح يصب في صالح الاحتلال الإسرائيلي

الرؤية- غرفة الأخبار

يعيش سكان قطاع غزة حالة من الترقب أملاً في التوصل إلى اتفاقٍ ينهي حرب الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها منذ 20 شهرا، في ظل عجز المجتمع الدولي عن إلزام إسرائيل بوقف الحرب والالتزام بالقوانين الدولية والمواثيق الأممية.

وفي آخر التطورات فيما يخص المقترح الأمريكي الأخير، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أنها سلمت، السبت، ردها على المقترح الأخير للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف للتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى.

وقالت حماس في بيان "في إطار هذا الاتفاق، سيتم إطلاق سراح 10 من أسرى الاحتلال الأحياء لدى المقاومة، إضافة إلى تسليم 18 جثمانا، مقابل عدد يُتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين".

وأوضحت أنها سلمت ردها إلى الوسطاء "بعد إجراء جولة مشاورات وطنية وانطلاقا من مسؤوليتنا العالية تجاه شعبنا ومعاناته" بما يُحقق "وقفا دائما لإطلاق النَّار وانسحابا شاملا من قطاع غزة وضمان تدفق المساعدات إلى شعبنا وأهلنا في القطاع".

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول في حماس قوله إن الحركة ردت بشكل إيجابي على مقترح ويتكوف وتسعى لإدخال بعض التعديلات.

ونشرت وسائل إعلام إقليمية ودولية، معلومات حول هذا المقترح الأميركي الذي ينص على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما، يضمن خلالها الرئيس دونالد ترامب التزام إسرائيل بوقف القتال.

كما يقضي الاتفاق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة فورا وتوزيعها عبر قنوات متفق عليها، بما في ذلك الأمم المتحدة.

 

وفي تصريحات أخرى لمصادر مطلعة على المفاوضات، فإنَّ من بين ملاحظات حماس على المقترح منع تسليم المختطفين الإسرائيليين على مدار يومين فقط في الأسبوع الأول من الهدنة كما تحدده ورقة ويتكوف، بل سيكون على مراحل كما جرى في الصفقة الماضية لضمان سريان الاتفاق كاملاً على مدار شهرين.

وبينت المصادر أنَّ الملاحظات تتعلق بضمانات وقف الحرب غير الواضحة في الورقة المقدمة، وحتى بالتزام استمرار وقف إطلاق النار خلال المدة المحددة بـ 60 يوماً، إلى جانب واقع إدخال المساعدات الإنسانية الذي تحاول الورقة المقترحة ربطه بأشياء طُلب من الحركة تنفيذها، وقضية الأثمان التي ستُدفع مقابل الإفراج عن المختطفين الإسرائيليين.

وقالت المصادر في حينه إن المقترح يحمل الكثير من "الأفخاخ"، والكثير من شروطه تعقّد المشهد بالنسبة للفلسطينيين، مشيرةً إلى أن العديد من المعضلات كانت واضحة في نص ما قُدم، ومن بينها أنه لا يضع مدة الستين يوماً ملزمة بشكل واضح لاتفاق وقف إطلاق النار، ويضعها فضفاضة من دون إلزام إسرائيل بها، أو حتى تمديدها في حال نجاحها، وهذا يعني السماح لإسرائيل بشكل أوضح بالعودة لتنفيذ هجمات بغزة على الطريقة اللبنانية كلما أرادت ذلك، بعد اليوم السابع، وهو الموعد المحدد لتسليم من تبقى من المختطفين، ثم استئناف الحرب بشكل كامل بعد الستين يوماً.

كما يحدد المقترح عدداً محدداً من دون أي معايير متفق عليها بشأن تبادل الأسرى، من خلال إطلاق سراح 125 أسيراً من المحكوميات المؤبدة والعالية فقط، وهو رقم لا يناسب عدد من سيُفرج عنهم من الأحياء والقتلى الإسرائيليين، ولا يصل حتى إلى المعايير التي تم استخدامها في مرحلة وقف إطلاق النار السابقة.

وقالت المصادر في حينه، إن قيادة حركة "حماس" بعد الاطلاع على صياغة المقترح رأت فيه أنه يتبنى الرؤية الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، حتى فيما يتعلق بأثمان الإفراج عن المختطفين من الأحياء والأموات.

مقالات مشابهة

  • غزيون يحمّلون حماس مسؤولية المعاناة.. ويطالبون بسرعة إنهاء الحرب
  • عاجل|رئيس تشيلي يشعل الجدل: حظر واردات الأراضي المحتلة ووقف تصدير الأسلحة لإسرائيل
  • المفاوضات السورية المباشرة مع إسرائيل: اضطرار لحظي أم خيار استراتيجي؟
  • محللون: مقترح ويتكوف يواجه الانهيار واتهامات له بالانحياز لإسرائيل
  • حماس تحذر من تداعيات قرار الاحتلال بمنع الأذان في مساجد الداخل
  • عائلات الأسرى “الإسرائيليين”: إنهاء الحرب على غزة الطريقة الوحيدة لإعادة أبنائنا
  • “حماس”: توجيه بن غفير بمنع الأذان في المساجد تصعيد خطير واستفزاز لمشاعر المسلمين
  • ترقب فلسطيني ودولي.. هل يصمد مقترح ويتكوف حتى إنهاء الحرب على غزة؟!
  • الخارجية الأمريكية: ترامب مصمم على أن يكون جزءا من إنهاء المـ.ذبـ.حة في غزة
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين تضغط وترامب يتحدث عن اتفاق وشيك بغزة