تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق "أنا لم أعرف عملًا لي غير الشعر، لم أصلح في وظيفة، لم أنفع في عمل آخر".عندما أقنعه صديقه عبد الرحمن الأبنودي أن يلتحق في الثانوية بالقسم الأدبي، لم يكن كلاهما يعلم أن أمل دنقل سوف يصير تجربة فريدة في عالم الشعر العربي، لكنه، فقط، انطلق ليبرز الجميع في الشعر، طيلة أعوامه القليلة اللاحقة، ويظل على مكانته أكثر من أربعين عامًا بعد الرحيل.
كان دنقل واحدًا ممن لم يبالوا بخوف من حولهم أو اتفاقهم مع السُلطة وأطلق صيحته التي لا تزال موجودة حتى الآن "لا تُصالح"، صاحب النفس الأبية الذي رفض مُساعته أثناء المرض، وأمسك بقلمه ليكتب أوراقه الأخيرة بينما يلتهمه المرض.
هو محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل، المولود عام 1940 بقرية القلعة التابعة لمركز قفط بمحافظة قنا، كان كان ابنًا لواحد من علماء الأزهر، الذي حصل على إجازة العالمية وقت أن حملت زوجته، فأطلق اسم "أمل" على مولوده الأول تيمنًا بالنجاح الذي أدركه في ذلك العام، وكان هو الآخر يُمارس الشعر، ويكتب الشعر العمودي.
ابن قناكان الأب يملك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي، التي كانت المصدر الأول لثقافة ابنه؛ حيث جمع من صنوف الكتب الكثير في سائر مجالات المعرفة؛ لذا فقد تفتحت عينا الصغير على أرفف المكتبة المزدحمة بألوان الكتب.
كان الطفل أمل يتأمل في طفولته الأولى أباه وهو يقرأ حينًا ويكتب الشعر حينًا؛ وكان الشيخ صاحب العالمية يحيا في تنقل ما بين قريته وإحدى مدن قنا؛ فهو في فترة الدراسة يقيم بالمدينة التي يقوم بالتدريس فيها، وحين تنتهي الدراسة يعود أدراجه بأسرته المكونة من ولدين وبنت، أكبرهم أمل وأصغرهم أنس؛ إلا أن تواجده لم يطول، حيث مات وأمل لا يزال في العاشرة من عمره، ليُصبح في هذا السن مسؤولًا عن أمه وشقيقيه.
حينما وصل أمل إلى المرحلة الثانوية كان يستعد للالتحاق بالشعبة العلمية تمهيدًا لدراسة تخصص علمي كالهندسة أو الكيمياء، رغم أنه كان ينظم القصائد ويُلقيها في احتفالات المدرسة بالأعياد الوطنية والاجتماعية والدينية، فكان تأثير أصدقائه هو العامل الأكبر الذي أسهم في تحوله إلى الأدب والفن في هذه الفترة.
وقتها، وإلى آخر حياته فيما بعد، كان من أقرب أصدقائه إلى نفسه الراحل عبد الرحمن الأبنودي، الذي تعرف عليه أمل بالمرحلة الثانوية، وظلا أصدقاء حتى فارق أمل الحياة، وسلامة آدم الذي صار هو الآخر أحد المثقفين البارزين فيما بعد، وكان يمت له بصلة قرابة وكان رفيقه الأول في مرحلة الطفولة، وبعد اتفاقهم الدائم على الالتحاق بالقسم العلمي وجدهما قد فاجآه والتحقا بالقسم الأدبي، فسرعان ما لحق بهما.
بالفعل، أثارت الأشعار التي كان يكتبها أمل في مراهقته أحاديث زملائه ومناوشاتهم، بل وأحقادهم الصغيرة أحيانًا، فبين من اتهمه بسرقة شعراء كبار سطا على أعمالهم من مكتبة أبيه، وآخرون قالوا أن الشعر لوالده، عثر عليه في أوراق أبيه ونحله لنفسه.
عندها، تفتق ذهن الفتى عن فكرة مراهقة جريئة أنه أطلق موهبته بهجاء مقذع لمن تسول له نفسه أن يشكك في شعره أو يتهمه، ولم يمض كثير حتى استطاع بموهبته أن يدفع عن نفسه ظنون من حوله، ولما انتهى من الدفاع عن نفسه داخل المدرسة تاقت نفسه لمعرفة من هو أفضل منه في محافظته، فلم يسمع بأحد يقول الشعر في قنا كلها إلا ذهب له وألقى عليه من شعره ما يُثبت تفوقه عليه، وكأنه ينتزع إعجاب الناس منهم أنفسهم.
في القاهرةعندما أنهى أمل دراسته الثانوية في مدينة قنا، التحق بكلية الآداب في القاهرة، ولكنه تحت ظروف إعالة أسرته انقطع عن متابعة الدراسة منذ العام الأول، واتجه ليعمل موظفًا بمحكمة قنا، ثُم جمارك السويس والإسكندرية، ثم موظفًا بمنظمة التضامن الأفرو آسيوي، لكنه كان دائم الفرار من الوظيفة التي فرضتها عليه ظروفها لينصرف إلى الشعر.
ورغم شعارات ثورة يوليو وانجذاب الكثيرين لها؛ حيث كانت الثورة دافعًا لأبناء الشعب الكادح، ومنهم أمل نفسه، إلا أن ذلك لم يخدعه كآخرين، حيث كان متنبهًا لأخطائها وخطاياها؛ وسجّل رفضها بعين الباحث عن الحرية لا شعارها؛ ففتح نار سخريته عليها، رافضًا الحرية المزعومة التي فتحت أبواب السجون على مصراعيها
وقد اعتاد أمل دنقل الترحال الذي ورثه بشكل ما من حياة والده، ولكن انغماسه في الشعر قوّى ذلك في نفسه، وجعله يتحلل من قيود المكان وقيود الوظيفة،
وفي عام 1969 صدر الديوان الأول لأمل دنقل "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، الذي تأثر فيه بنكسة يونيو، وبعده بعامين نشر ديوانه الثاني "تعليق على ما حدث"، وفي أعقاب نصر أكتوبر تعّجب الناس من موقفه؛ حيث لم يكتب شعرًا يُمّجد هذا النصر وأصدر ديوانه الثالث "مقتل القمر" دون أن يكتب قصيدة واحدة عن النصر، ووأعقب ذلك بديوان "العهد الآتي".
وفي عام 1976 التقى أمل دقل بالصحفية عبلة الرويني التي كانت تعمل بجريدة الأخبار، ونشأت بينهما علاقة إنسانية قوية تم تتويجها بالزواج بعد عامين، ولأن أمل كان كثير التنقل والترحال، اتخذ مقرًا دائما بمقهى ريش الشهير بوسط القاهرة، وقبلت الرويني أن تعيش معه في غرفة بفندق، وتنتقل مع زوجها من فندق لآخر، ومن غرفة مفروشة لأخرى.
لا تصالحعندما بدأ الرئيس الراحل أنور السادات في مفاوضات السلام مع إسرائيل خرج دنقل على جمهوره بقصيدة "لا تصالح"، رافضا فيها كل أصناف المساومات، متخذا من الأسطورة رمزًا كُتب عليه صراع الواقع العربي الذي ما برح يكتب فيه حتى واجه بنفس قوية وإرادة عالية صراعه مع المرض.
دخل أمل المستشفى للعلاج، وكان لا يملك مالا للعلاج الباهظ الذي يحتاجه في مرضه؛ فبدأت حملة لمساعدته من قبل الأصدقاء والمعجبين، وكان أولهم يوسف إدريس، الذي طالب الدولة بعلاج أمل على نفقتها، في الوقت الذي طلب أمل التوقف عن حملة المساعدة، وكان لا يريد أن ينشغل أحد بمرضه، وظل يكتب وهو يرقد بالمستشفى على علب الثقاب وهوامش الجرائد، فأنجز ديوانه الأخير "أوراق الغرفة 8".
وفارقت روح أمل دنقل جسده في الحادي والعشرين من مايو عام 1983 وقد ناهز الثالثة والأربعين من عمره.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: امل أمل دنقل الشعر الشعر العربي لا ت صالح أمل دنقل
إقرأ أيضاً:
تقديرا للمصريين.. مطوف «البري والخمس نجوم» يستضيف ألف حاج اقتصادي في أبراج الحج الفاخر بمنى
في إطار سعيها المستمر للارتقاء بجودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، نفذ المسؤول عن خدمات حجاج السياحة البري والخمس نجوم، ترقية استثنائية لـحوالي ألف من حجاج البرامج الاقتصادية المصريين واستضافتهم في الأبراج المخصصة للحج الفاخر بمشعر منى.
جاء ذلك دون تكليف الحجاج أو شركات السياحة أية مبالغ إضافية وتقديرا منهم للحجاج المصريين بشكل عام ، وحجاج السياحة بصورة خاصة في ظل التعاون الكبير مع غرفة شركات السياحة لأول مرة في موسم الحج ، كما يأتي ضمن خطة تحسين تجربة الحج وتوفير أعلى مستويات الراحة للحجاج المصريين.
ووجهت غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة خطابا رسميا إلى المسؤول عن خدمات الحجاج ، أعربت فيه الغرفة عن بالغ شكرها وتقديرها على جهودها المتميزة وتعاونها المثمر خلال موسم الحج السياحي لعام 1446 هـ.
وأكدت الغرفة أن روح التكامل بين العاملين وباقي الجهات العاملة في منظومة الحج، كانت وستظل حجر الأساس في تحقيق راحة الحجاج المصريين وتلبية احتياجاتهم.
وأشار الخطاب إلى أن الترقية المقدمة للحجاج المصريين من برامج الحج الاقتصادي والتي جاءت على مرحلتين ، تعكس دعمًا مباشرًا وفعّالًا للقطاع السياحي، وتُعد دليلاً على التزام الشركة بتقديم خدمات راقية ترقى لتطلعات الحجاج المصريين.
وأشادت الغرفة بالمستوى الرفيع من الاحترافية في خدمة حجاج السياحة والتعامل الراقي من طاقم الشركة المسؤولةعن خدمات الحجاج، والاهتمام الفعلي بجودة الخدمات المقدمة، معتبرة أن "انهت باتت شريكًا استراتيجيًا يُعتمد عليه لإنجاح موسم الحج عامًا بعد عام.
وفي ختام الخطاب، تمنت الغرفة للشركة دوام التوفيق والنجاح، مشيدة بما وصفته بـ"النموذج المشرف" في تقديم الخدمة، و"الشريك الموثوق" في موسم الحج السياحي.
صفر مشاكل والتزام شاملمن جانبها ، اوضح المسؤول عن خدمات حجا السياحة المصريين، "بفضل الله، أبدعت فرقنا في تقديم خدماتها لحجاج السياحة والاقتصادي والبري، لم نتلقَّ أي شكوى، وغرفة السياحة سجلت صفر مشاكل، وهذا ما نعتبره وسامًا على صدورنا."
وأضاف: "خصصنا ألف مكان في أبراج A الفاخرة، واستطعنا تسكين أكثر من 900 حاج مصري من مختلف الفئات، في تجربة نوعية تعكس التزامنا بخدمة جميع الحجاج بنفس المستوى من الجودة والاهتمام."