نهر القيامة الجليدي.. مياه المحيط تتسرب أسفله وتُنذر بكارثة
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
أفادت دراسة جديدة أنّ مياه المحيط في القطب الجنوبي بدأت تتسرّب أسفل نهر "ثويتس" الجليدي قاطعةً بذلك عدّة كيلومترات، مما يزيد من قابلية ذوبانه.
ويقع نهر ثويتس الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية، ويُطلق عليه مجازا "نهر القيامة الجليدي"، لأنّ انهياره سيؤدي إلى كارثة عالمية على مستوى سطح البحر، بحكم مساحته التي تعادل ولاية فلوريدا الأميركية، ويُعد كذلك أوسع الأنهار الجليدية في العالم.
ويعاني نهر ثويتس من غياب الاستقرار بسبب الأرضية التي يرتكز عليها إذ إنها ذات ميلان كبير، مما يسمح لمياه المحيط أن تلتهم من كتله الجليدية بشكل مستمر.
كما يساهم نهر ثويتس بشكل كبير في تحديد ارتفاع مستوى سطح البحر عالميا بنسبة 4%، وذوبانه بالكامل كفيل برفع منسوب مياه البحار لما يزيد على 3 أمتار، وهو ما يشكّل مخاطر كبيرة على المناطق الساحلية المكتظة بالسكان، وعلى الموانئ وحركة التجارة في جميع أنحاء العالم.
واستخدم فريق من علماء الجليد من جامعة كاليفورنيا، بيانات رادارية عالية الدقة من الأقمار الصناعية في الفترة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2023 لمشاهدة التغيرات الطارئة على النهر الجليدي بالأشعة السينية، ولاحظوا أنّ المكان الذي يرتفع فيه النهر الجليدي من قاع البحر أصبح جُرفا جليديا عائما يطفو على مياه المحيط.
ويوضّح أستاذ علوم نظام الأرض والباحث المشارك في الدراسة "إريك رينوت"، أنّ العلماء كانوا يفتقرون للمعلومات الصحيحة لما يدور تحت الجليد، وأما الآن فبات من الممكن رؤية التداعيات الخطيرة لما يجري.
ولاحظ الباحثون أنّ مياه المحيط تندفع تحت النهر الجليدي لعدّة كيلومترات متأثرة بظاهرتي المدّ والجزر اليومية، ومع مرور الوقت سيؤدي تدفق الماء المتواصل إلى رفع سطح النهر الجليدي بمقدر سنتيمترات ويفصله عن الأرضية التي يستند إليها.
ويُطلَق على الشقوق التي يتسرّب إليها المياه تحت المناطق الجليدية بـ"منطقة التأريض"، وهي منطقة ينتقل فيها النهر الجليدي أو الغطاء الجليدي من الثبات على أرض صلبة إلى الطفو على الماء، وتفقد حينها الكتلة الجليدية الاتصال بالأساس أو بالأرضية تحتها.
وتمثّل سرعة تدفق مياه البحر تحت الجليد عاملا حاسما في ذوبان الكتل الثلجية، وذلك لأنّه عندما يذوب الجليد تُستبدل المياه العذبة ويحلّ مكانها مياه المحيط الدافئة المالحة. وكلّما زادت سرعة تدفق المياه زادت عملية التبادل المستمرة بين المياه العذبة والمالحة، وبالتالي يصبح الثليج أكثر عرضة للذوبان.
ولا يزال العلماء في حيرة من أمرهم لفهم حجم الكارثة التي قد تحلّ بهم، وكمّ الوقت الذي سيستغرقه ذلك، وإذا ما كانت هناك تسرّبات أخرى لمياه المحيط في أماكن أخرى من القارة المتجمدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات النهر الجلیدی میاه المحیط
إقرأ أيضاً:
ما قصة تماثيل عين غزال الأردنية التي احتفل بها غوغل؟
احتفى محرّك البحث العالمي "غوغل" بتماثيل "عين غزال" الأردنية، مسلطًا الضوء على واحدة من أقدم الشواهد الفنية في تاريخ البشرية.
هذا الاحتفاء أعاد هذه التماثيل إلى الواجهة، حيث تعتبر تماثيل عين غزال، نافذة على بدايات التفكير الرمزي والديني لدى الإنسان في العصر الحجري الحديث.
تماثيل عين غزال تعد شاهدة على مجتمع استقر قبل نحو تسعة آلاف عام على أطراف عمّان الحالية، وترك خلفه إرثًا فنيًا وروحيًا ما زال يثير أسئلة العلماء والمؤرخين حتى اليوم.
موقع عين غزال
يقع موقع عين غزال الأثري في الجزء الشرقي من العاصمة الأردنية عمّان، قرب مجرى سيل الزرقاء، في منطقة كانت تُعدّ من أكبر المستوطنات البشرية في العصر الحجري الحديث قبل الفخاري.
وتشير الدراسات الأثرية إلى أن الموقع كان مأهولًا بشكل متواصل تقريبًا بين عامي 7200 و5000 قبل الميلاد، أي في مرحلة مفصلية من تاريخ البشرية شهدت الانتقال من الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة والاستقرار.
ما يميّز عين غزال عن غيره من المواقع المماثلة في المنطقة، هو ضخامته نسبيًا؛ إذ قُدّر عدد سكانه في ذروة ازدهاره بالآلاف، وهو رقم كبير جدًا بمقاييس تلك الفترة. هذا الاستقرار السكاني الكثيف أتاح نشوء أنماط اجتماعية ودينية معقدة، انعكست لاحقًا في طقوس الدفن والعمارة والفنون، وعلى رأسها تماثيل الجص الشهيرة.
اكتشاف تماثيل عين غزال عام 1983
بدأت قصة الاكتشاف في عام 1983، عندما كانت أعمال توسعة عمرانية تجري في المنطقة. وخلال حفريات إنقاذية، عثر فريق من علماء الآثار على مجموعة غير متوقعة من التماثيل المدفونة بعناية تحت أرضية أحد المباني السكنية القديمة. لاحقًا، كشفت حملات تنقيب إضافية عن مجموعتين رئيسيتين من التماثيل، يعود تاريخ دفنهما إلى نحو 6500 قبل الميلاد.
شكّل هذا الاكتشاف صدمة علمية حقيقية، إذ لم يكن معروفًا آنذاك وجود تماثيل بشرية كاملة الحجم تقريبًا تعود إلى هذا الزمن السحيق. ومنذ ذلك الحين، أصبح اسم «تماثيل عين غزال» حاضرًا في أبرز المراجع الأكاديمية، وغالبًا ما يُشار إليها بوصفها من أقدم التماثيل البشرية في العالم.
تماثيل من الجص
صُنعت تماثيل عين غزال من مادة الجص (الجبس الجيري)، وهي مادة كانت تُحضّر عبر حرق الحجر الجيري ثم خلطه بالماء لتكوين عجينة قابلة للتشكيل. وقد بُنيت التماثيل حول هيكل داخلي من القصب أو الأغصان، ثم جرى تغليفها بطبقات من الجص المصقول بعناية.
تتراوح أطوال التماثيل بين نصف متر ومتر تقريبًا، وبعضها تماثيل كاملة، فيما صُنعت أخرى على شكل أنصاف تماثيل (بوست). اللافت للنظر هو التركيز الشديد على ملامح الوجه، ولا سيما العيون الكبيرة المصنوعة غالبًا من القار أو الصدف، والتي تمنح التماثيل نظرة حادة ومقلقة، كأنها تحدّق في المشاهد عبر آلاف السنين.
ملامح بلا أفواه
من أكثر ما يثير الجدل العلمي حول تماثيل عين غزال، هو غياب الفم في معظمها، مقابل إبراز واضح للعيون والرؤوس. هذا الاختيار الفني المتكرر دفع الباحثين إلى طرح تفسيرات متعددة، من بينها أن التماثيل لم تكن تمثّل أفرادًا بعينهم، بل كائنات رمزية أو أسلافًا مقدسين، أو ربما آلهة مرتبطة بالخصوبة والحياة والموت.
كما يرى بعض العلماء أن غياب الفم قد يرمز إلى الصمت الطقسي، أو إلى عالم روحي لا يحتاج إلى الكلام، فيما تبقى العيون وسيلة الاتصال بين العالم المرئي والعالم غير المرئي.
لماذا دُفنت تحت الأرض؟
لم تُترك التماثيل معروضة أو مهجورة، بل دُفنت بعناية فائقة داخل حفر خاصة تحت أرضيات المنازل، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للتأويل. فالبعض يرى أن الدفن كان جزءًا من طقس ديني دوري، حيث تُصنع التماثيل وتُستخدم في شعائر معينة ثم تُوارى الأرض بعد انتهاء دورها الرمزي.
ويذهب رأي آخر إلى أن هذه التماثيل كانت مرتبطة بطقوس حماية المنزل أو الجماعة، وأن دفنها تحت الأرضية يهدف إلى ضمان البركة أو الحماية الروحية لسكان المكان.
وعُثر في موقع عين غزال على ما يقارب 32 تمثالًا وتمثالًا نصفيًا، وهو عدد كبير قياسًا بالفترة الزمنية التي تعود إليها.
أين توجد تماثيل عين غزال اليوم؟
تتوزع تماثيل عين غزال اليوم بين عدد من المتاحف العالمية، أبرزها متحف الأردن في عمّان، الذي يضم مجموعة مهمة تُعدّ من أثمن معروضاته الدائمة.
كما توجد تماثيل أخرى في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني في لندن، ومتحف اللوفر في باريس، ضمن سياق التعاون العلمي الذي رافق عمليات التنقيب والدراسة.
ويُنظر إلى عرض هذه التماثيل في متحف الأردن على وجه الخصوص بوصفه استعادة رمزية للإرث الحضاري المحلي، وربطًا بين سكان عمّان المعاصرين وأحد أقدم فصول تاريخ مدينتهم.