مساعي الدول الكبرى لبناء مجتمع دولي متعدد الأقطاب ودور العرب في ذلك خلال محاضرة بثقافي أبو رمانة
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
دمشق-سانا
سعي الدول الكبرى لتعدد الأقطاب في السياسات الدولية عوضاً عن هيمنة القطب الواحد ودور العرب في هذا التوجه كان محور الندوة التي أقامتها مؤسسة “القدس الدولية سورية” واللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني والفصائل الفلسطينية المقاومة في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة اليوم.
وعرض مدير عام دائرة العلاقات العربية لمنظمة التحرير الفلسطينية السفير أنور عبد الهادي لهيمنة القطب الواحد على السياسات الدولية والذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية خدمة لمصالحها، ومساعي الدول الكبرى لبناء مجتمع دولي متعدد الأقطاب، سواء عبر التحالفات الجديدة أم من خلال تفعيل عمل المنظمات الدولية بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
وأشار السفير عبد الهادي إلى الممارسات اللاإنسانية لأمريكا، وخصوصاً دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني، الذي يرتكب أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني منذ زرعته في قلب العالم العربي عام 1948 وحتى يومنا هذا، لافتاً إلى أن الدول العربية يمكنها أن تشكل تجمعاً اقتصادياً وتحالفاً سياسياً وعسكرياً قائماً على احترام سيادة كل منها، عبر توثيق العلاقات الثنائية واتخاذ مواقف دولية موحدة ومتقاربة، وتحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
بدوره تحدث الدكتور خلف المفتاح مدير عام مؤسسة القدس الدولية عن وجود عدة موازين للقوى العالمية الكبرى تساعدها على بناء عالم متعدد الأقطاب، وهنا لا بد للعرب من إثبات وجودهم وتحديد موقعهم في هذا العالم الجديد من خلال قراءة صحيحة لمعايير قوتهم وقوة الآخرين.
حضر المحاضرة رئيس اللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني الدكتور صابر فلحوط، وعدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية في دمشق، إضافة إلى قادة وممثلي الفصائل الفلسطينية والأحزاب الوطنية السورية والفلسطينية، ونخبة من الباحثين والمهتمين.
هادي عمران
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
مَن يُوقِف هولوكوست غزة ؟
لا أظن أن هناك إنسانًا سويًّا بقادر على متابعة المشاهد المروعة لهولوكوست أو محرقة غزة التي تعرضها يوميًّا شاشات التلفاز ومواقع شبكة المعلومات، وهي محرقة بالفعل قد استُخدِمت فيها القنابل التي تذيب أجساد البشر وتقطِّعهم أشلاء، وتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، بل تحرق خيامهم التي يلوذون بها في العراء.
ولقد بات من الواضح الآن لكل ذي فطنة أن الكيان الإسرائيلي لا يستهدف في المقام الأول احتلال غزة والقضاء على المقاومة، بل يستهدف إبادة الشعب الفلسطيني نفسه، وخلق بيئة طاردة تستعصي العيش فيها (بما يخدم مخطط تهجير هذا الشعب)؛ وهو ما يتبدى من خلال تجويع مَن لاذ منهم بالفرار من المحرقة، ومن خلال القتل المتعمد للأطفال في نوع من الإصرار على وأد النسل.
ومن الحوادث المروعة التي جرت مؤخرًا، تلك المأساة التي تفوق الخيال والتي تجسدت في حالة الطبيبة آلاء النجار حينما استقبلت جثامين أطفالها التسعة في أثناء عملها بالمستشفى، بعد قصف منزلها الذي يؤوي هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يمثل كل منهم نبتة جميلة يانعة في بيئة قاسية لا حياة فيها، حتى إن المستوطنين فيها من الصهاينة يحرقون أشجار الزيتون؛ فلم يتركوا الحجر ولا الشجر، فما بالك بحرق البشر.
ولنا أن نتخيل وقع هذه المأساة على الأم المكلومة التي تلقت الفاجعة بروح الصبر والإيمان، مثلما كان موقف الأب وموقف الجد الذي واسى ابنته الطبية بكلمات بليغة وبروح إيمانية عميقة تكشف عن ثقافة دينية قد ربى ابنته عليها، وكل هذا يكشف في النهاية عن أن شعب فلسطين يموت يوميًّا رجاله ونساؤه وأطفاله، ولكنه سيبقى غير قابل للإبادة.
ومن المدهش حقًّا أن هذا كله لم يحرك ملياري مسلم حول العالم إلا قليلًا؛ فباستثناء تظاهرات بعض الشعوب العربية والإسلامية هنا وهناك، لم تحدث انتفاضات كبرى في العالم الإسلامي لنصرة هذا الشعب الذي يتعرض لمحاولات الإبادة، كما أن الدول التي تمتلك أوراق ضغط على الكيان الإسرائيلي تبدو عاجزة- لأسباب أو لحسابات سياسية مختلفة- عن اتخاذ مواقف صارمة إزاء هذا الكيان، وهو أضعف الإيمان.
ويبدو أن تكرار المشاهد المروعة يوميًّا قد أصاب أكثر الناس بحالة من التبلد في الشعور، بل إن الناس الذين لديهم حمية الشعور في بعض الدول لا يُسمح لهم حتى بالتعبير عن نصرتهم للشعب الفلسطيني. إضافة إلى ذلك، فإن هناك رأيًّا شائعًا لدى كثير من الناس مفاده أن كل هذه الأحداث المروعة قد جرت بسبب أحداث السابع من أكتوبر؛ وبالتالي فإن المقاومة الفلسطينية هي المسؤولة عما جرى ويجري للشعب الفلسطيني! ولكن هذا الرأي- الذي يردده الكثير من السياسيين والإعلاميين وغيرهم- غافل أو يتغافل أحيانًا عن أن كل ما جرى بعد أحداث السابع من أكتوبر هو ما جعل حقوق شعب فلسطين معروفة وقضيتهم مسموعة عبر العالم كله، بعد أن كانت طي الكتمان، ويتم تداولها بين حين وآخر في اجتماعات الساسة.
ولو أن ما حدث لم يحدث، فإنه كان لا بد من أن يحدث يومًا ما؛ لأن شعب فلسطين الأبي الحر لا يمكن أن يعيش عبدًا في كنف كيان محتل يستهدف منذ نشأته سلب أرض هذا الشعب واقتلاع جذوره. ولذلك فإن ذيوع قضية هذا الشعب على المستوى الإعلامي والشعبي قد أدى إلى تغير في موقف الغرب الذي طالما كان نصيرًا ومؤيدًا للكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني. بل إن هذا التغير قد امتد حتى إلى المواقف السياسية سواء على مستوى سياسات كثير من الدول أو على مستوى كثير من الساسة والمشاهير.
حقًّا إن التغير في السياسات الغربية إزاء إسرائيل يبدو مائعًا غير صارم أو يحدث على استحياء (باستثناء بعض المواقف الرسمية الواضحة لدى حكومات من قبيل: إسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا، التي تطالب بالاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة)؛ ولكن مواقف السياسيين والمشاهير المضادة لإسرائيل أكثر صرامة وصراحة.
ومن الإنصاف القول بأن بعض اليهود الذين يعيشون في الغرب يدينون بقوة المحرقة الإسرائيلية، حتى إننا قد رأينا مؤخرًا نائبة يهودية في الكونجرس تطارد وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير وهي تصرخ في وجهه بصوت عالٍ قائلة: أنت مجرم حرب، وديانتي اليهودية تعتبرك كذلك! ورغم ذلك كله، فلا تزال الحكومة العدوانية بزعامة نتنياهو تمارس الإرهاب والإبادة ضد شعب فلسطين، وهي ترفض وقف العدوان على غزة بشكل دائم، وإنما من خلال هدنة مؤقتة يتم فيها تبادل الأسرى، على تستأنف العدوان بعد ذلك: منتهى التعطش للقتل والدماء!!
السؤال الآن: هل التغير الذي جرى في مواقف الدول والشعوب في الغرب بقادر على إنهاء المحرقة بشكل دائم، والانتهاء إلى حل الدولتين؟ قد يؤدي ذلك إلى وقف المحرقة، ولكن الانتهاء إلى حل الدولتين أمر آخر؛ لأنه يقتضي تحولًا استراتيجيًّا في موقف الولايات المتحدة الأمريكية من إسرائيل، وهو أمر لا يمكن تصور حدوثه إلا إذا حدث تحول جذري راديكالي في مواقف الدول العربية في مواجهة إسرائيل، وعلى رأسها الدول التي تمتلك أوراق عديدة للضغط السياسي.