وحشية إسرائيل في رفح.. استراتيجية وليست عارضة
تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT
أثار مقتل خمسة وأربعين فلسطينيًا في المنطقة الإنسانية القريبة من رفح غضبًا تجاوز كثيرًا حدود الشرق الأوسط. وبرغم ذلك من المتوقع أن تتواصل هجمة إسرائيل، حيث رُصدت دبابات إسرائيلية عديدة في مركز رفح يوم الثلاثاء بحسب ما أفاد شهود عيان وكالة رويترز للأنباء.
يأتي هذا بعد سعي المحكمة الجنائية الدولية إلى استصدار أوامر باعتقال بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت بجانب ثلاثة من قادة حماس، لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب.
وفي حالة منفصلة، طالبت محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف هجومها على رفح، وبدا على مدى أيام قليلة من الأسبوع الماضي أن ثمة بوادر بإحجام إسرائيل عن القيام بهجوم شامل. وذكر معهد دراسات الحرب في الولايات المتحدة أن القوات الإسرائيلية تستعمل «قدرا أقل من القوة الجوية والمدفعية، وعددا أقل من القنابل ذات الحجم الأصغر» مع قيام الجنود بتطهير «المناطق الحضرية سيرا على الأقدام».
انتهى ذلك كله بقصف منطقة تل السلطان التي تسبب هجوم القوات الإسرائيلية عليها في حريق هائل في منطقة مخيمات تأوي نازحين. وقد يصف نتانياهو هذه الضربة المأساوية بالحادث المأساوي، لكن هذا لا يمثّل فارقًا يذكر بعد أكثر من سبعة أشهر من الهجمات الإسرائيلية المتواصلة التي أدت إلى مصرع ما يقدر بـ35 ألف فلسطيني وإصابة قرابة 80 ألفا وفقدان ما يصل إلى 10 آلاف شخص يفترض أنهم موتى.
تمضي الحرب إلى شهرها التاسع، وفي تلك الفترة أصرت حكومة نتانياهو أنها تستعمل القوة الموجهة إلى حماس، لا إلى المدنيين، ولكن هذا يتعارض مع السلوك الفعلي في هذه الحرب ومع طريقة القتال الإسرائيلية إجمالا.
منذ البداية الأولى، كانت القوات الإسرائيلية توسع هجماتها إلى ما وراء وحدات حماس شبه العسكرية، فكانت مدارس ومستشفيات ومحطات معالجة مياه وأمثال ذلك أهدافا مبكرة، وكذلك صحفيون وعمال إغاثة وأطقم طبية. والجامعة الإسلامية هي إحدى جامعتين فلسطينيتين (بجانب جامعة بيرزيت في الضفة الغربية) نجحتا في بلوغ التصنيف العالمي للجامعات وتعرضت للقصف بعد أقل من أسبوع من بدء الحرب. ومنذ ذلك الحين، تم تدمير جميع جامعات غزة أو الإضرار بها.
لقد بات التدمير العمدي للبنية الأساسية المدنية شائعًا على نحو مثير للقلق في حرب المدن الراهنة، سواء من روسيا في ماريبول أو جروزني، أو من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا في الموصل، ولكن التدمير المحض على الطريقة الإسرائيلية في الحرب يختلف بعض الشيء. فقد يمثل استعمال «القوة غير المتناسبة» استمرارا لما يعرف بـ(مبدأ الضاحية) الذي يعتقد أنه نشأ في حي من بيروت في حرب عام 2006 في لبنان ضد حزب الله. وينبع هذا المبدأ من قبول القوات الإسرائيلية ـ نادر الإعلان على الملأ ـ أنه من شبه المستحيل الانتصار على تمرد حضري متحصن، خاصة لو أن المتمردين مستعدون للموت في سبيل قضيتهم.
ويرجع هذا المبدأ إلى حصار القوات الإسرائيلية لغرب بيروت سنة 1982، الذي تكرر في عام 2006 في لبنان، وحروب غزة الأربع السابقة للصراع الراهن، ويقوم على فهم ضمني؛ لأنه في عمليات التمرد الحضري ترتفع الخسائر الإسرائيلية ارتفاعًا كبيرًا للغاية، فتصبح في نهاية المطاف غير مقبولة سياسيًا، حتى لو بلغت الخسائر الفلسطينية عشرة أو عشرين من أمثالها.
بموجب مبدأ الضاحية، تستعمل القوة استعمالا طويل الأجل واسع الانتشار ضد شعب مدني بصفة عامة بهدف تحقيق هدفين محددين: أولهما في المدى القريب وهو تقويض دعم التمرد من خلال تحويل غزة إلى مكان تتزايد فيه صعوبة العمل على حماس. والثاني في المدى البعيد وهو ردع أي حركات شبه عسكرية في المستقبل مهما يكن نوعها، سواء في غزة، أو في الضفة الغربية المحتلة، أو في جنوبي لبنان. فالأمر بصراحة هو أن ما يجري لغزة سوف يجري لأي حركة تتحدى الأمن الإسرائيلي هناك أو في أي مكان آخر.
من أوضح التحليلات لهذا المبدأ توضيح منشور في المجال العام بعنوان «القوة غير المتناسبة: مفهوم الرد الإسرائيلي في ضوء حرب لبنان الثانية» [Disproportionate Force: Israel’s Concept of Response in Light of the Second Lebanon War] وقد نشره معهد دراسات الأمن الوطني في إسرائيل سنة 2008، أي بعد سنتين من حرب لبنان الثانية، ويعرض تفاصيل آلية عمل هذه السياسة، وإن كان يصعب التوفيق بينه وبين المذبحة والدمار والقتل التي شهدتها الحرب الحالية.
ولكي نفهم ذلك، ونفهم السبب في أن نتانياهو يحظى بدعم كاف لمواصلة هذه الحرب، لا بد من الاعتراف بعنصرين آخرين. أحدهما هو الأثر الدائم لهجوم حماس في العام الماضي. فحتى في ظل ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين منذ ذلك الحين، فإن خسائر إسرائيل في السابع من أكتوبر لا تزال تزعزع المجتمع الإسرائيلي حتى أحشائه.
إسرائيل تعيش منذ عقود في تناقض أمني، فهي في الظاهر منيعة ولكنها دائما منعدمة الأمن، بسبب الصراع الأساسي على الأرض والناس. وسوف يستمر هذا «الشرك الأمني» إلى الأبد ما لم يتسن التوصل إلى تسوية عادلة مع الفلسطينيين. فضلا عن ذلك، ترى إسرائيل نفسها بلدا ديمقراطيا، لكن إذا أخذنا جميع الأراضي الخاضعة لإسرائيل في الحسبان، فإن الشعب غير اليهودي في إسرائيل الكبرى هو الذي يشكل الآن أغلبية إجمالية صغيرة.
العنصر الثاني هو أن الحرب تمضي على غير ما يرام بالنسبة للإسرائيليين. فبرغم استعمال القوات الإسرائيلية للقوة الهائلة والتدمير لأغلب غزة، لم تزل حماس قائمة وتواصل إعادة بناء نفسها. وقد أصبح فشل القوات الإسرائيلية واضحا منذ عدة شهور، ولكن حكومة نتانياهو لا تجد حلا آخر، ولن يقوم بايدن بعد بالخطوة الأساسية هي منع جميع شحنات السلاح إلى إسرائيل. وطالما رفضت الولايات المتحدة، وبريطانيا في واقع الأمر، القبول بقراري المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، فلنتانياهو أن ينجو.
ثمة بادرة واحدة تبعث الأمل، وهي أن المزاج العام في إسرائيل يتغير ببطء ولكن برسوخ، وفقا لتقرير بيثان ماكيرنان وكيكي كيرزينباوم في جارديان بالأمس. فبعد هجمة حماس في أكتوبر، رأى 70% من الإسرائيليين أن الحرب ينبغي أن تستمر إلى حين القضاء على حماس، لكن استطلاعا حديثا للرأي وجد أن 62% يرون هذا مستحيلا الآن. لا تزال إسرائيل مجتمعا مستقطبا، لكن ذلك يعني ببساطة إمكانية أن تأتي نهاية الحرب من الداخل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القوات الإسرائیلیة
إقرأ أيضاً:
سموتريتش يتراجع عن انسحابه من الحكومة: "ندفع عملية استراتيجية جيدة"
أفادت وسائل إعلام عبرية، بأن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أبلغ أعضاء كتلته في الكنيست بأنه لا يعتزم الانسحاب من الحكومة في الوقت الراهن، رغم دخول مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة ، وهو ما كان قد تعهّد سابقًا باعتباره "خطًا أحمر".
وفي رسالة داخلية وجهها الليلة الماضية، قال سموتريتش: "في زمن الحرب، لا يجوز اتخاذ قرارات بناءً على اعتبارات سياسية. نحن نعمل على خطوة استراتيجية جيدة، ومن المبكر الكشف عن تفاصيلها. خلال وقت قصير سنعرف إن كانت ناجحة وإلى أين نحن متجهون".
اقرأ أيضا/ مسؤول أممي: واحد من كل ثلاثة فلسطينيين بغـزة لم يأكل منذ أيام
ويُعد هذا التصريح تراجعًا عن موقفه السابق الذي صرّح فيه: "إذا دخلت حبة قمح واحدة كمساعدة ووصلت ل حماس ، سأغادر الحكومة والكابينت"، ما يثير تساؤلات حول التوازن بين مواقفه الأيديولوجية والتطورات الميدانية والسياسية داخل الائتلاف الحاكم.
وكان بن غفير قد اقترح على سموتريتش أن يعملا سوية مقابل نتنياهو وتشكيل "كتلة مانعة" ضد المفاوضات مع حماس حول اتفاق وقف إطلاق نار ينهي الحرب على غزة وتبادل أسرى. كما سعى بن غفير في هذا السياق إلى إقناع حاخامات من أجل الضغط على نتنياهو.
ورفض سموتريتش اقتراح بن غفير، وقال إن الوضع أكثر جدية من توجيه تحذير بالانسحاب من الحكومة، فيما لا يزال بن غفير يصر على اقتراحه.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية صحيفة: واشنطن تدرس صفقة شاملة لإنهاء حرب غزة وتحرير الرهائن إسرائيل تقرر تجميد خطة إقامة "مدينة إنسانية" على أنقاض رفح نتنياهو: يجب السماح بدخول الحد الأدنى من المساعدات إلى غزة لتحقيق أهداف الحرب الأكثر قراءة أوتشا: 88% من مساحة غزة تخضع لأوامر إخلاء عسكرية اعتراض مسيرة "أطلقت من اليمن" بعد الهجوم على الحديدة ملك بلجيكا: الوضع في غزة "عار على الإنسانية" بالصور: توصيات بتعزيز تدريبات الصحافيين وتوثيق انتهاكات الاحتلال عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025