مذنب أم بريء.. هل تؤثر محاكمات ترامب على دعم قواعده الانتخابية؟
تاريخ النشر: 30th, May 2024 GMT
واشنطن- بينما تتداول هيئة المحلفين في محكمة جنوب مانهاتن بمدينة نيويورك بشأن التهم الجنائية الموجهة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول مخالفات مالية، تُثار تساؤلات كثيرة حول تأثير المحاكمة وقراراتها على تفضيلات الناخبين الأميركيين، خاصة أنها المرة الأولى التي يُحاكَم فيها رئيس سابق ومرشح رئاسي حالي بتهم جنائية.
وأشار 25% من الجمهوريين إلى أنهم سيصوتون -على الأغلب- لصالح ترامب إذا أدانته هيئة المحلفين، في حين قلّل 27% من الديمقراطيين من احتمالية التصويت لصالحه، وهو ما يعكس عمق الانقسام على أساس حزبي، ويؤكد وجهات النظر الحزبية المتشددة بشأن تسييس محاكمة ترامب.
وأفاد استطلاع للرأي -أجرته الإذاعة الوطنية وهيئة البث العامة- بأن المحاكمة ونتائجها لن تغير موقف 67% من الناخبين، وأن حكم الإدانة، حال حدوثه، لن يكون له أي تأثير على من يخططون للتصويت لترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة.
تجاهلووفق الكاتب والمحلل السياسي والعضو بالحزب الجمهوري بيتر روف، فإن أنصار ترامب سيتجاهلون إلى حد كبير نتائج المحاكمة الحالية عند تحديد إذا ما كانوا سيصوتون وكيف يصوتون. وهم يرون في ذلك دليلا إضافيا على أن -ما يسميها ترامب- الدولة العميقة تتلاعب بالنظام القانوني الأميركي في محاولة لإبقائه خارج منصبه.
وأضاف روف للجزيرة نت أن أنصار ترامب يقولون إنه تم توجيه الاتهام إليه ومحاكمته لكونه ترامب. وبغض النظر عن أوراق القضية، "فهو لم يرتكب جرائم".
في السياق، صرح المدير السابق للحزب الجمهوري بولاية ميشيغان ساوول أزنوزيس بأن المحاكمة لن يكون لها تأثير يُذكر. وقال للجزيرة نت إنها "محاكمة سياسية صورية ولم تخدم نظامهم القضائي بشكل جيد". ويتوقع كل خبير -تقريبا- أن يتم إلغاء أي حكم من قبل المحاكم العليا.
في حين يقول جيرمي ماير، الأستاذ بكلية السياسة والحكومة في جامعة جورج ميسون بولاية فيرجينيا، للجزيرة نت، إن هناك توقعات بانخفاض معدل تأييد ترامب إلى حد ما إذا تمت إدانته، ويقول بعض الناخبين إنه إذا أدين، فسيؤثر ذلك على حكمهم.
من ناحية أخرى، قد ينتهي الأمر بأنصار ترامب إلى تصديق تفسيراته لأي حكم بالإدانة. وما هو مؤكد هو أنه إذا لم تتم إدانته، فسترتفع نسب شعبية ترامب، برأي ماير.
فرصة نادرةمنحت محاكمة ترامب فرصة نادرة له كمرشح جمهوري للتقرب والتودد للناخبين الأميركيين الأفارقة والهيسبانيك اللاتينيين، وهما فئتان تصوتان تاريخيا، وبنسب كبيرة، للحزب والمرشح الديمقراطيين.
وقبل أشهر من بدء المحاكمة، وقف ترامب أمام عدد من الناخبين الأميركيين الأفارقة في ولاية كارولينا الجنوبية، ووجه نداء مباشرا لهم بضرورة التصويت له، وقال "أنا مثلكم، مضطهد بشكل غير عادل من قبل نظام العدالة الجنائية الفاسد".
وكانت هذه مجرد بداية لجهد جمهوري منتظم لتقليص شعبية الرئيس الحالي جو بايدن مع كتل انتخابية كانت تاريخيا من بين الكتل الأكثر تصويتا للديمقراطيين.
ووفقا لاستطلاعات رأي أجراها معهد "بيو للأبحاث"، فقد صوت 92% من الأميركيين الأفارقة لصالح بايدن في انتخابات 2020، في حين أعلن 75% من السود الأميركيين نيتهم التصويت له في انتخابات هذا العام. كما صوت 66% من الهيسبانيك اللاتينيين لصالح بايدن في انتخابات 2020، مقابل 32% لصالح ترامب.
وأشار المحلل السياسي بيتر روف إلى أن فكرة أن ترامب يُعامل بشكل غير عادل يتردد صداها مع هؤلاء ممن لديهم خبرات سيئة مع نظام العدالة الجنائية الأميركي. وقال "إنه يجعل ترامب يرتبط بهم، ويقترب منهم بطرق لا يمكن لبايدن ونائبته كامالا هاريس القيام بها".
من جانبه، أشار أزنوزيس إلى أن المحاكمة قد تجذب مزيدا من ناخبي الأقليات لصالح دعم ترامب، وأضاف "أن مواجهة النظام القضائي يتردد صداها لدى عديد من الأقليات التي تشعر أنها تحصل على معاملة سيئة داخل هذا النظام".
وكلما كانت ظروف المحاكمة "سياسية وسخيفة"، يتابع، زاد احتمال أن يكون لها تأثير إيجابي بين الأقليات. ويراها كثيرون مثالا على كيفية معاملتهم بشكل غير عادل في كثير من الأحيان.
تعاطف الأقليات
وتحدثت مديرة برنامج التحليلات السياسية التطبيقية بجامعة ولاية ميريلاند كانديس توريتو عن رؤيتها لتأثير المحاكمة على جذب ناخبي الأقليات إلى جانب ترامب.
وقالت للجزيرة نت إنه إذا خرج ترامب منتصرا من تهم الفساد (حتى إذا تمت إدانته ببعض الجرائم)، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة يقين هؤلاء الذين يترددون في التحول والتصويت له من أبناء هذه الأقليات.
أما الأكاديمي ماير، فيرى أن بعض الدوائر في الحزب الجمهوري تحاول أن تجعل الأمر يبدو وكأن الأقليات تتعاطف مع ترامب. وأوضح "نعم ترتفع نسب دعم ترامب إلى حد ما بين السود والهيسبانيك (المنحدرين من إسبانيا والبرتغال)، لكنني لا أعتقد أن ذلك بسبب المحاكمة، بل بسبب العوامل الاقتصادية".
هل تدعم المحاكمة صورة ترامب المنتصر؟ويتفق أغلب المعلقين الأميركيين على أن ترامب يستغل محاكمته للكسب على كل الأصعدة، وهو لا يتردد في جمع مزيد من الأموال على ما يعتبره "مظلومية قضائية واستهدافا من أجهزة الدولة العميقة".
وفي حديثها للجزيرة نت، أشارت توريتو إلى أن من أهم أهداف ترامب من المحاكمة ما يتعلق بالإيحاء لأنصاره أنه انتصر فيها، وتغلب على مؤامرات الدولة العميقة كما يصورها لهم، وذلك بغض النظر عن قرار المحكمة النهائي.
وتعتقد أنه ستتم إدانة ترامب في بعض التهم الـ34، وليس كلها. وإذا انتهى الأمر كذلك، فربما يرون منه ترويجا للانتصار، لأن ترامب يُعد نفسه بلغة نصر لاستخدامها لاحقا، وما يهم مؤيديه هو أن يهزم نظاما قضائيا يرونه فاسدا، حسب توريتو.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت ترامب ی إلى أن
إقرأ أيضاً:
بالفيديو.. جورج عبد الله للجزيرة نت: عودتي ليست نهاية النضال والكفاح المسلّح حقٌ مشروع
عكار- في بلدته الكنعانية القبيّات، شماليّ لبنان، كانت والدة المناضل اللبناني جورج عبد الله تترقب عودته كل صباح، تُحصي الأيام على أمل أن يعود ابنها حرًّا، لكن الموت عاجلها قبل أن ترى لحظة الإفراج وتعيش فرحتها.
على مدى أكثر من 4 عقود، لم تغب صورة عبد الله عن ذاكرة المكان، وصارت أيقونة للنضال، تُرفع في المسيرات الشعبية، وتُعلّق على جدران البيوت والمحال، وتحملها أمهات القرى كما يحملن صور أبنائهن المفقودين في الحروب والمنفى.
وفي زاوية من منزله القروي، ما تزال الرسائل بخطّ يده محفوظة بعناية، تفوح منها رائحة العناد والكرامة. وبجانبها، رُصّت الكتب التي قرأها مرارًا تحت ضوء الزنزانة الخافت، فهو الذي اختار أن يُبقي فكره حرًّا وروحه عصيّة على الأسر.
ومنذ لحظة الإفراج عنه قبل أيام من سجن لانميزان الفرنسي، تحوّلت القبيّات إلى محجٍّ للوفود الآتية من مختلف المناطق اللبنانية، واستقبلته بلدته كما الأبطال، على وقع الزغاريد ودموع الفخر، وسط أهازيج تروي حكاية الصبر والانتصار.
وفي بيته الحجري البسيط، لا تهدأ الحركة، ولا تنقطع الزيارات، نساء يحملن الورود، وشبان يرفعون الأعلام وصوره، ورفاق درب يأتون ليصافحوا الصمود في شخصه.
وبين أرز عكار، ما يزال جورج عبد الله يستقبل الضيوف بابتسامة واثقة، ونظرة ثابتة، وذاكرة لا تشيخ، كأن الأسر لم يُفلح في كسر شيء من صلابته، بل صقله ليكون شاهدًا حيًّا على زمن لا يُنسى.
في مقابلة خاصة للجزيرة نت، يؤكد المناضل عبد الله أن لحظة خروجه من السجن ليست نهاية الرحلة، بل بداية لمرحلة نضالية جديدة تعكس تحوّلًا في موازين القوى، وتُعبّر عن هزيمة سياسية للدولة الفرنسية التي باتت تدرك أن استمرار اعتقاله تحوّل من ورقة ضغط إلى عبء ثقيل.
إعلانويقول: "نحن أمام مرحلة جديدة، مفتوحة على كل من سألتقيهم في لبنان من مناضلات ومناضلين وجماهير، والاستقبال فاق كل توقّعاتي والوجوه التي احتشدت كانت مرآة لصلابة شعبنا ووفائه، وهذا ما يبعث على الطمأنينة والثقة".
واستعاد عبد الله مشهد الاستقبال من عناصر أمن الدولة عند وصوله، واصفًا إياه بـ"المفاجئ والدافئ"، وأضاف أن قائد القوة وضباطه تصرفوا "كأحبّة"، ولم أتوقّع هذا المستوى من الحميمية، وهذه اللمسة التي تعكس جوهر لبنانيّتنا إن صحّ التعبير".
وعن أجواء اللحظة الأولى، يقول: "منذ أن كنت على متن الطائرة، شعرت بهذا التضامن الشعبي الذي يُفرح أي مناضل، سواء في السجن أو خارجه".
وعن سنوات الأسر، التي تجاوزت 40 عاما، يقول عبد الله: إن قسوة السجن لم تنجح في عزله عن شعبه وقضيته، ويضيف أن الاعتقال بحد ذاته مؤلم، لكنه كان محاطًا بحركة تضامن واسعة، خاصة من مناضلين فرنسيين وممثلين سياسيين كانوا يزورونه بانتظام، ويبقونه على تواصل دائم مع ما يجري.
وكان عبد الله يتلقى -حسب قوله- 5 رسائل أسبوعيا، كل واحدة منها تحتوي على 90 صفحة من الصحافة اللبنانية والعربية والفلسطينية، مؤكدا أنه "لم يكن منقطعا، بل منخرطا في التفاصيل، وفاعلا في نضالات رفاقي، رغم قضبان السجن". ويختم "المناضل لا يُحفظ في البرّاد، لا يُجمَّد كقطعة لحم، ليبقى حيّا عليه أن يظل في قلب النضال".
ويرى عبد الله أن النضال ليس مجرّد تضحيات تُقدّم على مذبح الوطن، بل فعل وجودي نابع من ارتباط عميق بالقضية، ويقول: "من يرى النضال عبئا لن يصمد، أما من يستمد صموده من وجدان شعبه فإنه يستمر، صمودي هو امتداد لصمود أهلي وشعبي".
وفي السياق، عبّر عن أمنيته بأن يحظى الأسرى الفلسطينيون ولو بجزء من التضامن والدعم الذي تلقّاه هو خلال سنوات أسره، مؤكّدًا أن فاشية الاحتلال الإسرائيلي تستدعي موقفا أمميّا جامعا.
وحين سؤاله عن مشروعية الكفاح المسلح اليوم، رد عبد الله بحزم "الكفاح المسلح ليس شعارا نظريا، بل أداة ضرورية في مواجهة العنف الصهيوني والعنصرية الإمبريالية، هو واقع نعيشه يوميا في غزة، ولبنان، وساحات نضالية أخرى".
وشدد أن هذا الخيار لا يتناقض مع بناء الدولة، بل يعكس غيابها، ويقول: "نريد دولة تحمي أبناءها، بجيش قوي مسلّح، ونحمل السلاح حين يُجرّد الجيش من سلاحه، وعندما يتوفّر جيش وطني قادر، فنحن جنوده وضباطه من أهلنا".
ويضيف "المليشيا لا تنشأ من الفراغ، بل من تقاعس الدولة، والطبقة السياسية هي من جرَّدت الجيش من أدوات الدفاع، وليس الأمهات أو عمال الأفران".
وحول أداء الدولة اللبنانية في متابعة قضيته، يقول عبد الله: "في بعض المراحل، قامت بما يلزم، لكن في كثير من الأحيان كانت غائبة بالكامل، لا أطلب منها أن تتحمّل عني عبء الأسر، لكن في محطات مفصلية، كان هناك من أدّى واجبه بمسؤولية ووطنية".
وخصّ بالشكر وزيرة العدل التي زارته في سجنه، وقال: "كانت حاملة لرسائل تضامن، ومجسّدة لصورة لبنان الحقيقي الذي نحلم به"، وأشاد بدور بعض الدبلوماسيين اللبنانيين الذين كلّفوا بمتابعة ملفه، مبديا امتنانه لهم، ومعتبرًا أن تقدير الجهد لا يعني بالضرورة تبنّي موقف رسمي.
إعلانويصف عبد الله فرنسا بأنها دولة "مرتبطة عضويا بإسرائيل، تاريخيا ومصلحيا"، ويقول إنها "تُجاهر بعدائها للحركة الوطنية العربية"، لكنه يُشدّد على أن لبنان –رغم صغره الجغرافي– يبقى منبعا للحياة والنضال.
ويؤكد "كنت مناضلًا وسأبقى، أمضيت 41 عامًا في السجون، و21 عامًا قبلها في النضال، وموقعي تحدده المعركة، لكن أملي يكبر حين أرى هذا الاصطفاف الشعبي العريض في وجه مشروع صوملة لبنان".
ويُحذِّر عبد الله من محاولات تحويل لبنان إلى "بقعة رخوة تحرسها إسرائيل"، موضحا أن "لبنان ليس هشًّا، بل قلعة صمود، من صمد وحده في وجه إسرائيل يستحق احترام العالم العربي، وليس خذلانه".
ويضيف "قُصفت أحياؤنا في بيروت، ولم نجد دولة عربية واحدة تزوّد الجيش بصاروخ، واليوم، يُطلب نزع سلاح المقاومة (حزب الله) من دون أن يقدّم أحد بديلا، نحن من سيعيد للجيش كرامته، ونحن –مع شعبنا– نتّفق: لا يحمي لبنان إلا جيشه القوي".
ووجَّه عبد الله رسائل مباشرة إلى العواصم العربية، متسائلا "من سيحمل الخبز والماء إلى أطفال غزة؟ أين المسلم الواحد بين ملايين المصريين، يتقدّم نحو غزة لإسقاط آلة الإبادة؟".
ويُذكّر بـ"غريتا"، الفتاة الأوروبية التي قطعت المحيط بقارب صغير حاملة علبة حليب إلى غزة، متسائلًا: "إذا كانت غريتا فعلتها، فما بال شعوب بأكملها لا تستطيع أن تُرسل شربة ماء؟".
ويختم "الأزهر ليس مؤسسة رمزية، بل ضمير حيّ للأمة، واليوم عليه أن يصرخ، لا صمت بعد المجازر، لا حياد مع الإبادة".