د. عبد الفتاح الزين **

حول مفهوم المقاومة

يتقاطع مفهوم المقاومة مع أشكال متعددة من التظاهر والنضال، وبذلك فهو معقد. وينبغي تمييزه عن مفاهيم ذات صلة ولكن متميزة مثل التمرد والثورة والاحتجاج ... إلخ.، ولا ينبغي الخلط بينه وبين مظاهره المختلفة: أعمال الشغب والمظاهرات والانفعالات القديمة والإضرابات وغيرها من أشكال التعبير الجماهيري منظمًا أو شعبيًا؛ فالمقاومة هي فعل رفض فردي أو جماعي يشمل العقل والجسد على حد سواء إلى جانب الذاكرة بأبعادها المجالية والثقافية والإنسانية.

ويتم التعبير عن هذا الرفض في مواجهة جميع أشكال القمع، والتسلط ... في أماكن السلطة وكذلك في الحياة اليومية: المدينة، والبادية/ الريف، وأمكنة العمل والإنتاج بمختلف أنواعه وتمظهراته، والتعليم والتربية، ومقاومة الإكراه بمختلف الأشكال... وما إلى ذلك. لكنه يأخذ دائمًا بُعدًا سياسيًا ومطلبيا لتحقيق أهداف منتظرة من مختلف الأطراف.

بين ثقافة المقاومة والمقاومة الثقافية

هذا يطرح سؤالًا حول ثقافة منطقتنا ومدى ارتباطها بالقضية الفلسطينية، وما شكل هذه العلاقة وهذه المساندة؟

هل هي ثقافة قُطريَّة أم ثقافة عقدية أو دينية أو ثقافة عرقية وإثنية؟ بمعنى هل العمود الفقري لثقافتنا منحصر في:

 الفضاء القُطري والوطني معتمدًا عليه كآلية من آلية المقاومة باعتبار أن القوة الوطنية ستشكل خلفية لدعم المقاومة الفلسطينية من خلال فرز مستويات الصراع وتمفصلاتها بين صراع عربي إسرائيلي، وصراع إسرائيلي فلسطيني، ناهيك عن مقاومة الفكر الصهيوني من طرف مختلف مكونات المجتمع القطري بما فيها المكون اليهودي. على هذا المستوى نجد أن قليلا من المجتمعات القطرية في منطقتنا تقدم نماذج من قبيل ما يقدمه المجتمع المغربي. كثقافة عربية متمثلة هذه المقاومة الفلسطينية ودعمها في بعدها الرقي أو الإثني ضمن منظور عربي فلسطيني يتسامى على مختلف المكونات الفلسطينية في تعدديتها المجتمعية كثقافة إسلامية متسامية على مختلف المكونات السوسيوثقافية الفلسطينية وبالمنطقة العربية كثقافة إنسانية تضامنية من منظور الحقوق الإنسانية وفق ما تتضمنه القرارات الدولية ضمن تيار عالمي يندرج في مقاومة عارمة للغطرسة الصهيونية ولكل عملائها وطابورها العالمي بما يضمن الأمن والسلام بأرض السلام: فلسطين، كل فلسطين.

هذه الأسئلة تحيلنا إلى سؤال ثقافة المقاومة باعتبار أنها تعبير إنساني يرفض القمع والخنوع، وتناهض التخلف مطالبة بتنمية بشرية مستدامة ومتحمَّلة ودامجة لكل مكونات المجتمع القطري مع التضامن مع المحيط الإقليمي، وتشتغل كتربة خصبة لمبادئ الحرية والديمقراطية واحترام الاختلاف والتنوع كروافع لهذه المقاومة. هذا سؤال، يرى العديد من المحللين والخبراء أن أنظمتنا بالمنطقة ما زالت غير قادرة على تلبيته.

ومع ذلك نرى أن مجتمعاتنا المختلفة تجتهد عبر قواها في استثمار كل فضاءات التعبير الممكنة لمساندة النضال الفلسطيني لعل أهمها المظاهرات الجماهيرية، وجمع المساعدات ... ناهيك عن الدعم الفكري والروحي (المهرجانات التحسيسية والتوعوية والفنية)؛ حيث نسجل تراجع الدعم العملي الذي شكل إرسال الجيوش العربية في كل من حروب سنة 1967 و1973 أعلى أشكال الدعم، ناهيك عن المشاركة الجماهيرية من قبيل مشاركة المغاربة منذ حرب 1948. وهذا التراجع جاء وليد التحولات العالمية التي بدأت تخلط بين المقاومة والإرهاب وتجاذب ثقافة المقاومة بين العقدي والحقوقي الإنساني.

ومع العولمة النيوليبيرالية التي تستقوي بها إسرائيل وقواها الصهيونية نطرح سؤال مقاومة الثقافة، وهو ما يجعلنا نتحدث عن مدى مقاومة ثقافة بلدان المنطقة للثقافة المهيمنة باعتبار لأن تسوِّق لنماذج، أكثر من أنها تطرح مفاهيم يمكن لكل ثقافة وفق فاعليتها التعامل معها، فضلًا عن استلهام تجارب نجاح بعض مكوناته والاقتداء بها؛ حيث إننا بدأنا نشاهد منذ بداية تسعينيات القرن الماضي تراجع هذه المشاركة الفردية أو الجماهيرية العملية لأسباب متعددة غالبيتها يرتبط بحرية التنقل في هذه المنطقة لمواطينها وتيسير هذا الانخراط.

أمثلة مغربية عن التضامن المغربي

الجمعية المغربية لمساندة تحرير الجزائر تحولت إلى الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني

هناك مؤلف بعنوان “فلسطين.. قضية وطنية”، أعدّه الأخ عبد الصمد بلكبير، وقد صدر عن “دار الملتقى” يوثّق لمكانة النضال والمقاومة الفلسطينية لدى عدد من المسؤولين الوطنيين والأعلام المغاربة من قبيل: علال الفاسي، المهدي بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد، عمر بنجلون، أبراهام السرفاتي، عزيز بلال، إدمون عمران المالح، عبد الكبير الخطيبي، أحمد المجاطي، جاكوب كوهين، إسماعيل العلوي، جمال بلخضر، لحسن أيوبي، عبد الإله بلقزيز، عبد الإله المنصوري، وسيون أسيدون وآخرون ... وقد خصَّص ريع هذا العمل لدعم القضية الفلسطينية، وتحضر فيه نصوص وشهادات وحوارات ووثائق؛ من بينها ديباجة استنجاد صلاح الدين الأيوبي بالسلطان المغربي يعقوب المنصور الموحدي، وتوقيف حي المغاربة بالقدس، ووثائق وقفية لمغاربة لفائدة فلسطين عموما والقدس على الخصوص، ناهيك عن تأريخ لوعي المغاربة بالقضية الفلسطينية ودفاعهم عنها؛ ومن بينها العريضة التي وقّعها آلاف المغاربة في شتنبر من سنة 1929، والتي وجّهوها إلى رئيس وزراء إنجلترا، عبر قنصلها العام وباشا مدينة فاس، علما أن سلا شهدت في المناسبة نفسها اكتتابا لدعم الفلسطينيين قمعته السلطة الاستعمارية الفرنسية. فهناك أشكال من الدعم والمساندة الفعلية للمقاومة الفلسطينية دون تمييز. ولا ننسى أن القمة العربية المنعقدة بالرباط سنة 1974الرباط كانت مناسبة للاعتراف بكون منظمة التحرير الفلسطيني الممثل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني.

لجنة القدس التي يرأسها المغرب والتي تجتهد بأشكال مختلفة لتقديم الدعم والمساندة للمقدسيين خصوصا وعبرهم لكل الفلسطينيين على العموم. وهذا يشهد به كل أطياف شعبنا الفلسطيني الذين نجد من بينهم من يحملون جنسية مغربية وأصولهم مغربية لأن الجنسية المغربية لا تسقط. وحتى لا أطيل يمكنكم زيارة موقع لجنة القدس. وهذا النوع من الدعم والمساندة تقدمه العديد من الدول العربية بأشكال مختلفة.

ولا ننسى في نهاية هذه المداخلة أن نقدم بعض التوصيات التي تدعم الحق الفلسطيني حق إنساني وتسانده في حفظ ذاكرته التاريخية بمختلف أبعادها وكذلك وقف هذه الإبادة الإنسانية والمجالية لفلسطين ليس فقط عبر قتل المواطنين الفلسطينيين بل ومحو وجودهم التاريخي والحضاري. ولعل أهمها في سياق مداخلتي هذه:

العمل على حفظ الذاكرة الفلسطينية بمختلف تعبيراتها وتجلياتها في تعدديتها المجتمعية بما فيها ذاكرة الشتات الفلسطيني ضمن موسوعة شاملة وضع برنامج حول دعم ثقافة المقاومة بمنطقتنا العربية ليس فقط لدعم النضال الفلسطيني كحق إنساني في الوجود والعيش بكرامة ولكن أيضا كحق في الدفاع عن كرامة المواطن والنهوض بوضعه الإنساني كرافعة للحق الفلسطيني.

** سوسيولوجي مغربي

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إنطلاق “جوائز فلسطين الثقافية” في دورتها الثالثة عشرة – 2025/2026

صراحة نيوز- حددت أمانة “جوائز فلسطين الثقافية” نهاية كانون الثاني/ يناير 2026 كآخر موعد لتلقي المشاركات لدورتها الثالثة عشرة 2025/2026، بعد أن كانت الأمانة العامة لـ “الجوائز” اتخذت قرارا وبالإجماع، وحرصا منها على القيام بواجباتها الوطنية والإنسانية تجاه ما يمر به الأهل في “قطاع غزة” و”الضفة الغربية” وعموم فلسطين من أزمة إنسانية و وطنية؛ الإستمرار في تخصيص جائزتين للمرتبة الأولى في كل جائزة، قيمة كل منهما (2500) دولار؛ الأولى تذهب حصريا للمشاركين من الأهل في “القطاع” الحبيب؛ دعما وتقديرا وإكرامًا وإكبارًا لصمودهم ولتضحياتهم العظيمة من أجل فلسطين.
أما الجائزة الثانية، فيتم التقدم لها ضمن مسار التنافس الحر وبنفس الآلية المعتادة السابقة، بمشاركة كافة المشاركين، ووفق شروط الجوائز الموضحة على موقع “المؤسسة”، على أن يكون عنوان الثيمة الخاصة بالأهل في قطاع غزة: “إبداع رغم العدوان والقصف والدمار”
وتم التأكيد على التوجه نحو فلسطين و”القدس” و”قطاع غزة” في هذه الدورة أيضا، والخروج بثيمة موحدة لـ “جوائز فلسطين الثقافية” لهذا العام عنوانها: “القدس و”القطاع” وعموم فلسطين… ومناهضة الصهيونية”، أما فيما يتعلق بـ “جائزة الفكر التنويري ونقد الفكر الاستشراقي: إدوارد سعيد “؛ فتكون ثيمة هذه الدورة: “مناهضة الفكر الصهيوني الإستشراقي”. كما تم الاتفاق على إعطاء رؤساء اللجان الحرية الكاملة في إحداث أية تغييرات في تشكيلة لجانهم، والدفع بدماء جديدة في منظومتها ممن يتمتعون بالدراية العلمية والاختصاص، وتقديم أية تصورات مقترحة لتحسين وتطوير الجوائز، كما تم الإتفاق على استمرارية مشاركة فئات عدة من أبناء الدول غير العربية المناصرين للقضية في بعض الجوائز وهي: “جائزة الكاريكاتير: ناجي العلي”، “جائزة التصوير الفوتوغرافي: وليد الخطيب”، و”جائزة الفن التشكيلي: جمال بدران”، باعتبارها جوائز عربية وعالمية، مخصصة للناشئة وطلبة الجامعات العرب بمن فيهم طلبة الماجستير والدكتوراة (دون الأربعين عاما)، وتكون المشاركات باللغة العربية. أما فيما يتعلق بـ “جائزة الفكر التنويري ونقد الفكر الاستشراقي: إدوارد سعيد” فيسمح المشاركة باللغة الإنجليزية، فيما تحدد اللجنة الخاصة بالجائزة الشروط المتعلقة بالسن.
وفي تصريحاتٍ هادفة، قال الدكتور أسعد عبد الرحمن أمين عام “جوائز فلسطين الثقافية”: “نحن لا نمنح الجوائز فحسب؛ نحن نمنح فلسطين فرصةً أن تُكتب من جديد، أن تُروى كما يجب، أن تُستعاد عبر الإبداع، لا عبر الأخبار العاجلة”. فالجوائز، كما أكد: “..باتت مشروعًا وطنيًا وثقافيًا فلسطينيًا – عربيًا – إنسانيًا، يتجذر عامًا بعد عام في ذاكرة الإبداع العربي، ويستقطب أجيالاً من المبدعين الذين يكتبون فلسطين في دفاترهم، وفي أصواتهم، وفي نُطق قلوبهم، وستستمر الجوائز في احتضان المبدعين من الدول غير العربية المناصرين للقضية الفلسطينية، مؤكدا أن “..جميع نشاطاتنا وفعالياتنا ضبطت إيقاعها أحداث فلسطين وصولا لفضح ممارسات الإحتلال الإسرائيلي وجرائمه ضد الإنسانية..”، داعيا المؤسسات الثقافية للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه عدواناً متصاعداً في فلسطين المحتلة؛ معلنا نجاح “الجوائز” على الدوام في إستقطاب لجان عربية متخصصة مرموقة موسعة للتحكيم في كل من: “جائزة الفن التشكيلي: جمال بدران”، و”جائزة الكاريكاتير: ناجي العلي”، و”جائزة التصوير الفوتوغرافي: وليد الخطيب”، مع الوعد بدراسة عديد المطالبات الداعية لمشاركة غيرالعرب في ” جائزة الفكر التنويري ونقد الفكر الاستشراقي: إدوارد سعيد “.
هذا، مع العلم أن آخر موعد لاتخاذ لجان التحكيم القرارات النهائية بخصوص أسماء الفائزين هو نهاية كانون الثاني/ يناير 2026، ويكون حفل تسليم الجوائز في بداية آذار/ مارس 2026. وللراغبين في الاشتراك في أي مسابقة من المسابقات الست المذكورة ومعرفة الشروط التفصيلية، يمكنهم زيارة موقع مؤسسة فلسطين الدولية:

https://pii-diaspora.org

مقالات مشابهة

  • «الأعوام الثقافية» تعمق الروابط مع إندونيسيا
  • كواحدٍ من رموزها الثقافية.. مدينة برمنغهام تعلن تفاصيل جنازة أوزي أوزبورن
  • إنطلاق “جوائز فلسطين الثقافية” في دورتها الثالثة عشرة – 2025/2026
  • الخارجية الفلسطينية: هناك حراك دولي لإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني
  • رئيس الوزراء الفلسطيني يثمن دور المملكة وفرنسا في دعم القضية الفلسطينية
  • السرايا اللبنانية تودع زياد الرحباني: صوت الكرامة والمقاومة يغيب
  • عضو المجلس المركزي الفلسطيني: مؤتمر حل الدولتين أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية
  • لحود ينعى زياد الرحباني: فنان الوطن والمقاومة
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: قطاع غزة يحتاج إلى 600 شاحنة مساعدات يوميا
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: 40 ألف رضيع بقطاع غزة حياتهم في خطر لعدم توفر حليب الأطفال