نحن نعيش في عالم من الصور المجازية دون أن ندري. ولذلك قد تربط ما تستخدمه من لغة أو تعيشه من خبرات وتفاعل واقعي أو افتراضي بصورة مجازية ما. امتلأت حياتنا بالصور والمقاطع التي تبثها شبكات التواصل الاجتماعي مثل تطبيق الواتس أب الذي اكتسح حياة الناس الواقعية وحوّلها إلى حياة افتراضية غير حقيقية تسمح للخيال بالمزيد من الصور المجازية التي قد تجعل المعنى سائلاً، أي بمصطلحات ما بعد الحداثة متعدداً إلى الدرجة التي يمكن أن تعثر فيه على معان غير متوقعة.
ربما المثال التالي يجلي هذا الكلام النظري ويوضح هذه الفكرة الغامضة.
لنقرأ على سبيل المثال هذه الآية الكريمة التي وردت في سورة لقمان: “و لا تصعّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور.” ولنتأمّل الآية الكريمة الأخرى التي وردت في نفس المعنى تقريبا من سورة الإسراء:” ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا.” ترى، ماالصورة المجازية التي نعيشها هذه الأيام وتقترب من هذه اللغة الراقية الثرية العجيبة التي وردت في القرآن الكريم؟
ربما الصورة المجازية التي جاءت في ثنايا الآية الثانية تتجسّد حقيقة في مسيرات التخرّج التي امتلأت فيها ساحات الجامعات والمدارس الثانوية والمتوسطة والابتدائية، وربما من دون مبالغة ساحات مدارس رياض الأطفال. ماذا يفعل الخريجون في بهو الجامعة مثلاً في احتفالات التخرّج الباذخة؟ ماذا تعني مسيرة التخرّج؟ لا شيء في الواقع. هم فقط يمشون مرحاً مختالين فخورين يجرّون عباءاتهم وقبّعاتهم أمام الجمهور. فكّر في الآية الكريمة وأنت مع الجمهور تتأمل هذا النوع من المسيرة. ألا تنطبق الصورة المجازية مع الصورة التي تشاهدها حرفياً أمامك؟ لا يقف الأمر عند هذه المسيرة وحسب بل يتعدّاها إلى صور الهاتف المحمول وما أدراك ما الهاتف المحمول؟ لنغادر بهو الجامعة ونتجه إلى صالات الأفراح مثلاً. تخيّل أنك مدعو لحضور حفل زواج ما. تجلس في القاعة تشرب القهوة وتتحدث مع الآخرين. فجأة يظهر أمامك شخص ما وهو يحمل كاميرا ويصوبها نحوك ويطيل المكوث في وجهك. ماذا تفعل؟ هل ستكمل القصة التي كنت قد بدأت سردها مع جارك أم أن تلقائيتك ذهبت إلى غير رجعة؟ هذه اللحظات التي كنت فيها تحت أضواء الكاميرا حوّلتك إلى مجرد ممثل. نحن الآن مجرد ممثلون نعيش في مسلسل تمثيلي طويل لا نهاية له. الحياة الحقيقية هي في مكان آخر حيث لا هاتف ولا كاميرا تحيط بك.
السياق الذي جاءت به الآية الكريمة الأولى يتناول مجموعة وصايا قدّمها لقمان الحكيم لولده. وهل هناك أعزّ من الولد لكي يوجّه لقمان له هذه النصائح التي ذكرتها السورة الكريمة؟
لو كان لقمان الحكيم يعيش بيننا الآن وتلقّى دعوة لحضور مسيرة تخرّج لابنه، فلن يذهب أبداً لسبب بسيط ذكره هو شخصياً، وهو: أن الله لا يحب كل مختال فخور.
khaledalawadh @
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الآیة الکریمة
إقرأ أيضاً:
من قلب الجدار القديم .. نافذة مفتوحة على إنسانية بلا حدود
في مساحة فنية ضمن معرض للصور المتصورة بالمحمول ، خطفت إحدى الصور المعلّقة الأنظار بقدرتها على تجسيد روح الحياة البسيطة في لحظة عميقة وهادئة.
تنقل الصورة مشهداً نابضاً بالواقعية لامرأة تطل من نافذة بيت تقليدي، في لقطة تنضح بالعفوية والدفء الإنساني.
تبدو الشخصية في الصورة غارقة في تفاصيل يومية صغيرة، يديها تمتدان نحو قطعة قماش تتدلّى من حبال الغسيل، بينما ينساب الضوء على الجدار الطيني القديم ليصنع لوحة تجمع بين البساطة وطيبة القلب .
ما يلفت الانتباه هنا ليس المشهد في حد ذاته، بل الروح الهادئة التي تنبعث من الصورة، وكأنها لحظة التقطتها الحياة قبل أن تلتقطها الكاميرا.
يُشيد الزوار بهذه اللقطة لما تحمله من صدق شديد؛ فهي ليست مجرّد صورة، بل حكاية تختزل علاقة الإنسان بمكانه، وتبرز جانباً أصيلاً من الحياة في البيوت الشرقية. النافذة المفتوحة، الجدران القديمة، ضوء الشمس الذي يعانق الظلال، كلها عناصر تجعل الصورة أقرب إلى مشهد سينمائي مكتمل، لكنها تحتفظ بروحها الخام دون أي تكلّف.
اختيار هذه الصورة لعرضها في معرض دولى لهواوى العالمية يعكس رغبة القائمين على المعرض في تقديم أعمال تلامس الإنسان قبل أن تدهشه تقنياً. فهي تذكّر المشاهد بأن الجمال الحقيقي قد يوجد في لحظة عابرة، في حركة يومية بسيطة، أو في نظرة شاردة تحمل ما هو أعمق من الكلمات.
بهذه التلقائية التي لا تُصطنع، نجحت الصورة في أن تكون واحدة من أكثر الأعمال تأثيراً في المعرض، لأنها ببساطة تُعيد تعريف الفن بوصفه مرآة للحياة، لا تحتاج سوى لعين صادقة تلتقطها.