إسرائيل تخسر الحرب وتواجه مأزقًا إستراتيجيًا
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
صوّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهجوم على رفح على أنّه المهمة الأخيرة التي تفصل إسرائيل عن إعلان النصر في حربها على غزة. علاوة على أن غالبية الإسرائيليين فقدوا ثقتهم بإدارة نتنياهو، ولم يعودوا يُصدّقون ما يقوله عن الحرب. إذ إنه مع دخول شهرها الثامن والعجز العسكري الإسرائيلي المتواصل في تحقيق أهدافها، وآثارها الكبيرة على إسرائيل وعلاقاتها بالعالم، وعودة الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، يَظهر بوضوح أن إسرائيل لا تخسر الحرب فحسب، بل صنعت لنفسها مأزقًا إستراتيجيًا كبيرًا يصعب الخروج منه.
وإذا كان هجوم رفح مُصممًا كما – يدّعي نتنياهو – للقضاء على الكتائب العسكرية الأربع المتبقية لحركة حماس في قطاع غزة، فإن الواقع على الأرض يُخالف ذلك. لا تزال المقاومة الفلسطينية قادرةً على مواصلة القتال بقوَّة وإلحاق الألم بالجيش الإسرائيلي، حتى في مناطق سبق أن أعلنت إسرائيل السيطرة عليها، والقضاء على وجود المقاومة فيها.
على عكس الأشهر الماضية، عندما كانت إسرائيل تتعمّد القتل والتدمير الهائل على نطاق واسع كوسيلة لتحقيق نصر سريع، فإن الهجوم على رفح مُصمم بدرجة رئيسية كوسيلة للضّغط على حماس من أجل انتزاع صفقة تُساعد نتنياهو على الادّعاء بأنه استطاع تحقيق أهداف الحرب، والانصراف بعد ذلك إلى توظيف الصفقة في معركته الداخلية للخروج من هذه الحرب بأقلّ ضرر عليه.
مع ذلك، يُظهر المقترح الإسرائيلي الجديد لإبرام صفقة شاملة مع حماس، والذي أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن وليس نتنياهو، حجمَ المأزق الإستراتيجي الكبير الذي تواجهه إسرائيل أوّلًا، ونتنياهو ثانيًا.
عندما قرَّر نتنياهو إطلاق الحرب، كان هدفه القضاءَ على حركة حماس، وإعادة ترميم الردع الإسرائيلي، واستعادة قدرة إسرائيل على مواصلة إدارة الصراع بالطريقة التي فعلتها قبل هذه الحرب. لكن النتائج العكسية التي حصدتها ضاعفت من آثار الضربة الكبيرة التي تلقتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
فمن جانب، استطاعت حركة حماس إظهار أن القضية الفلسطينية لا تزال قادرة على التعبير عن نفسها بقوة، وفي عكس مسار الصراع، وإجبار العالم على الاعتراف بأنّ الحل، الذي يمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة بالحصول على دولة والتخلص من الاحتلال، هو وحده من يجلب السلام. ومن جانب آخر، أفسدت الحرب مساعي إسرائيل لتعزيز اندماجها في المنطقة، وسمّمت علاقاتها مع الغرب، وأظهرت واقعها كدولة متمرّدة على القانون الدولي والإنساني.
يكمن جانب رئيسي من أسباب المأزق الإستراتيجي الإسرائيلي في صمود المقاومة الفلسطينية، الذي حوّل مهمّة نتنياهو من حرب لإخراج غزة من معادلة الصراع إلى حرب تعجز إسرائيل عن الخروج منها بنصر واضح. ولم يعد أمام نتنياهو سوى خيارين للخروج من هذا المأزق.
الخياران هما: إما مواصلة القتال لأشهر إضافية أخرى، وربما لسنوات من أجل تحقيق الأهداف المُعلنة وغير المُعلنة، وهذا ما لم يعد مُمكنًا بأي حال. أو التخلّي عن هذه الأهداف والتفاوض مع حماس على إنهاء الحرب، مقابل استعادة الرهائن الإسرائيليين، والانسحاب من قطاع غزة.
وعند النظر إلى الأهداف الثلاثة الرئيسية المُتمثلة بالقضاء على حماس، واستعادة الرهائن ومنع أن تُشكل غزة تهديدًا لأمن إسرائيل في المستقبل، يظهر أنها مُصممة بشكل عام لإخراج غزة من معادلة الصراع عبر احتلالها وتهجير سكانها، وإعادة نشر المستوطنات فيها. وهذه كانت في الواقع الأجندة الحقيقية للحرب.
وحتى في الوقت الذي يتعرّض نتنياهو لضغوط من الداخل، ومن الولايات المتحدة للقبول بتصور واقعي لليوم التالي لنهاية الحرب، فإن مثل هذا التصور لم يعد مُصممًا لإدارة انتصار إسرائيل في غزة، وإنما لإدارة فشلها ولإيجاد مخرج لها من المأزق الإستراتيجي.
إن الأضرار الكبيرة التي لحقت بإسرائيل لم يعد بالإمكان إصلاحها ولا حتى الحد منها. والأبعاد الأكثر أهمية في المأزق لا تقتصر على العجز العسكري في تحقيق أهداف الحرب، بل تشمل ثلاثة آثار إستراتيجية، أولها، انهيار مفهوم الردع، الذي صمّمته إسرائيل لعقود طويلة لتجنّب حرب بهذا الحجم، وهذا الارتداد الإقليميّ والدوليّ لها.
فكرة أن إسرائيل ستكون قادرة في المستقبل على ردع هجمات أخرى على غرار هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أو خوض حرب كبيرة بكفاءة عسكرية عالية أصبحت مثار شك كبير. ويتمثل الأثر الثاني بتغذية الحرب للاستقطاب العنيف داخل إسرائيل حول نظرة الإسرائيليين إلى مستقبلها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وهذا الاستقطاب سيزيد من مُعضلة إسرائيل في تشكيل حكم قابل للاستقرار لفترة طويلة.
أما الأثر الثالث، فيتمثل بإعادة إحياء القضية الفلسطينية وفرض معالجة الصراع كأولوية على السياسات الإقليمية والدولية. ويظهر هذا الأثر كأخطر التهديدات التي تواجه اليمين الإسرائيلي بعد هذه الحرب.
إن فكرة أن إسرائيل قادرة على الاندماج في محيطها الإقليمي بدون معالجة الصراع، لم تعد واقعية بأي حال بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقد لا يكون السلوك، الذي تنتهجه الولايات المتحدة الآن نحو إعادة تبنّي خيار حل الدولتين، مُستدامًا؛ لأن إدارة بايدن أوشكت على نهايتها، وقد لا يبقى الديمقراطيون في السلطة.
لكنّ الحاجة الأميركية إلى حل هذا الصراع ستبقى قائمة بمعزل عن الرئيس الذي سيدخل البيت الأبيض بعد نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل؛ لأنه السبيل الوحيد الذي يُمكن أن يُحول إسرائيل إلى دولة طبيعية في هذه المنطقة، ويُساعد الولايات المتحدة على تخفيف ارتباطها بالشرق الأوسط.
على الرغم من أن نتنياهو يُكابر في الاعتراف بحقيقة أن إسرائيل تخسر الحرب، ويُظهر أن عزيمته لم تتراجع، لكنّه لم يعد بمقدوره المُضي قدمًا فيها وتجاهل الآثار الإستراتيجية الكبيرة لها. وكل يوم يمضي على هذه الحرب التي لا يُمكن لإسرائيل تحقيق نصر فيه، لن يعمل سوى على تعميق مأزقها الإستراتيجي في حقبة ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويجلب لها المزيد من التكاليف الباهظة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أکتوبر تشرین الأول أن إسرائیل هذه الحرب لم یعد
إقرأ أيضاً:
بن غفير يطالب نتنياهو برفض صفقة التبادل واحتلال غزة
طالب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعدم القبول بمقترح صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية في غزة، والاستمرار في الإبادة الجماعية على القطاع.
وقال بن غفير: “أدعو رئيس الوزراء إلى التراجع عن مخطط الاستسلام والعودة إلى خطة الحسم”، في إشارة إلى حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.
وزعم بن غفير، أن وعدا مستقبليا بنزع سلاح غزة، وصفقة جزئية في الوقت الحالي تشمل انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من مناطق تم السيطرة عليها، والإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، وإعادة “إنعاش” حماس من خلال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، “يبعدنا عن تحقيق الهدف ويعد مكافأة للإرهاب”.
وادعى أن “الطريق الوحيدة للحسم ولإعادة أسرانا بأمان هي في احتلال كامل لقطاع غزة، ووقف تام للمساعدات الإنسانية، وتشجيع الهجرة”.
ورغم دعوات أهالي الأسرى المحتجزين الإسرائيليين في غزة نتنياهو إلى قبول مقترح الصفقة، إلا أن
وفي وقت سابق السبت، أفادت مصادر إسرائيلية، أنّ الحكومة برئاسة نتنياهو، اتخذت قرارا بإرسال وفد إلى العاصمة القطرية الدوحة، لإجراء مفاوضات ضمن جهود الوساطة الجارية مع حركة حماس، بشأن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ومساء الجمعة، قالت حماس إنها سلمت الوسطاء ردها على المقترح بعدما أكملت بخصوصه مشاوراتها الداخلية ومع الفصائل والقوى الفلسطينية.
ووصفت ردها على المقترح بأنه “اتسم بالإيجابية”، وأكدت “جاهزيتها بكل جدية للدخول فورا في جولة مفاوضات حول آلية تنفيذ” المقترح.
وفي وقت سابق السبت، طالب أهالي الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة في مؤتمر صحافي بتل أبيب حكومة نتنياهو بالموافقة على الاتفاق المقترح لصفقة مع حركة حماس، والعمل على إنهاء الحرب في القطاع.
يشار إلى أن المعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى أكدوا مرارا أن نتنياهو يواصل الحرب استجابة للجناح اليميني الأكثر تطرفا في حكومته، لتحقيق مصالحه السياسية الشخصية، لا سيما استمراره في السلطة.
ويقدر الاحتلال وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها أكثر من 10 آلاف و400 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
ومن المتوقع أن يغادر نتنياهو صباح الأحد، إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفق “هآرتس”.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية عن مسؤولين إسرائيليين لم تسمهم، أن ترامب قد يعلن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، خلال اجتماعه مع نتنياهو، الاثنين.
ومنذ 7 أكتوبر/ 2023، ترتكب دولة الاحتلال بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت هذه الحرب أكثر من 193 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.