«هالة» تودع حلم الطب من أجل بر والدتها مريضة السرطان: «بعوض تعبها معايا»
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
زوج متوفى، وابنة صغيرة، ومصدر دخل منعدم، وجسد مزقه المرض، ومنزل مُهدّم يجول حوله شبح الإيجار والطرد للشارع، حياة لا يملؤها سوى الوحدة والفقر.. كانت هذه مُجتمعة وأكثر الظروف التي عاشتها الأم الأربعينية «أم هاشم»، ابنة محافظة دمياط، بعد وفاة زوجها تاركًا لها ابنتهما لتعولها وتتكبد مصاريف تعليمها بالعمل في مهن تحني ظهور أقوى الرجال.
تأرجحت حياة «أم هاشم» تارة بالعمل في الأراضي الزراعية وأخرى في المقاولات وثالثة في أعمال العتالة، حتى تمكنت أخيرًا من الاقتراب بابنتها الوحيدة إلى بر الأمان؛ إذ تخرجت الابنة في كلية التمريض، وراحت الابنة تعمل على رد الجميل وتبحث عن تكريم لوالدتها يليق بقصة كفاحها، ومأوى يحميهما من الشارع ويتناسب مع كونهما «اتنين ستات من غير راجل».
قصة كفاح الأم بعد وفاة الأببصوت حنون هادئ جمع في ثناياه كل مشاعر الحب والعطف والرغبة في رد الجميل، روت الفتاة العشرينية فتحية عوض الباز، قصة كفاح والدتها، خلال حديثها لـ«الوطن»، وكيف كانت هي ملجؤها الآمن والوحيد، موضحة أنها ومنذ أن اختلطت أنفاسها بنسمات الهواء من حولها وهي ترى في والدتها الأب والأم والأخ والأخت وكل شيء؛ فهي الوحيدة التي تحنو وتُدلل وتعول في ظل غياب دور الأب وأنها عند وصولها إلى المرحلة الثانوية توفيَّ والدها تاركًا إياها وأمها تعانيان الوحدة وضيق الحال، لتبدأ والدتها في حَمل عناء العمل لتوفير قوت يومهما.
سنوات طويلة قضتها الأم وهي على هذه الحال، لم يكن يشغل عقلها وقلبها خلالها إلا التحاق ابنتها بكلية الطب، وهو ما تحقق أخيرًا، ليدُب معه الأمل في حياة الأم ويغزو الفرح قلبها؛ ولكن إلى أيام أو شهور معدودة فقط؛ إذ هاجم الأم مرض السرطان قبل سنوات طويلة واحتاج وقتها لاستئصال الرحم، ثم عاد يهاجمها ثانيةً ولكن هذه المرة في الكبد، كما أُصيبت بضعف عضلة القلب، إلى جانب مشكلات في العظام سببت لها إعاقة حركية ومعها فقدت قدرتها على العمل كما في السابق، لتقرر الابنة التخلي عن حلمها؛ تخفيفًا عن كاهل الأم.
التخلي عن حلم «كلية الطب»«لما دخلت كلية الطب فرحت جدًا، خاصة أني قدرت أسعد ماما وأحقق حلمها اللي بتحلمه من وقت ما خلفتني، بس بعدها لقيت الحِمل تِقل قوي عليها ومش قادرين على المصاريف فقررت أحول من طب لتمريض»، قالتها «هالة»، وأنه رغم حزن والدتها لهذا القرار في البداية، فقد عادت تشاركها فرحة الدراسة في كلية طبية، مُنتظرة يوم تخرجها ومن بعده زفافها.
ومع مرور هذه السنوات الطويلة، ظلت «هالة» متذكرة لكل ما تكبدته والدتها من أجل تربيتها وتعليمها، وكيف رغم كونها أرملة مُسنة مريضة ومن ذوي الهمم، لم تُقصر في حقها أو تتوانى عن تلبية احتياجاتها قدر الإمكان، ومع كل ذلك، ظلت محتفظة أيضًا بكل مشاعر الحب والتقدير والامتنان لوالدتها، محاولة رد الجميل لها وإسعادها: «ماما هي كل حاجة في حياتي، أنا من غيرها ولا حاجة، نفسي أفرحها بأنها تتكرم على قصة كفاحها معايا.. دي واحدة محاربة سرطان وأرملة ومن ذوي الهمم، وفضلت تشتغل وتتعب لوحدها وتصرف عليا بالحلال لحد ما علمتني وخلتني ممرضة.. نفسي الدولة تكرمها علشان تعوض تعبها معايا».
«هالة»: نفسي في شقة أقعد فيها أنا وأمي متطمنينوإلى جانب تكريم والدتها، أشارت الفتاة العشرينية إلى معاناتها ووالدتها في الحصول على سكن آمن وآدمي، موضحة أنهما وفي ظل مرض الأم، غير قادرتين على تحمُل ثمن إيجار الشقة: «إحنا اتنين ستات من غير راجل ولا سند، نفسي في شقة أقعد فيها أنا وأمي متطمنين».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: رد الجميل ذوي الهمم تكريم الأم قصة كفاح مرض السرطان كلية الطب كلية التمريض
إقرأ أيضاً:
هالة الطعام الصحي.. كيف تخدعنا العبارات التسويقية؟
مع تزايد الوعي الصحي في السنوات الأخيرة، أصبح كثير من المستهلكين يسعون لاختيار منتجات غذائية توصف بأنها "صحية"، ويلجؤون إلى عبوات تحمل عبارات جذابة مثل "خالي من السكر المضاف"، "عضوي"، أو "غني بالبروتين". وغالبًا ما تمنح هذه المصطلحات إحساسا بالطمأنينة بأنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح نحو نمط حياة أفضل.
لكن الواقع يكشف أن العديد من هذه المنتجات لا تحقق بالضرورة الفوائد الصحية المرجوة، بل قد تحتوي على مكونات خفية أو بدائل ضارة تعوض العناصر التي تم تقليلها. وهو ما يجعل الكثير من المستهلكين عرضة للتأثر بحيل تسويقية مصممة بعناية لاستغلال الوعي الصحي دون تقديم قيمة غذائية حقيقية.
خلال العقود الأخيرة شهد العالم ارتفاعا كبيرا في الوعي الصحي، كما أدى ازدياد معدلات الأمراض المرتبطة بنمط الحياة كالسكري والسمنة إلى اتجاه الكثير من الأفراد للبحث عن خيارات غذائية صحية وهو ما ترك أثره على السوق. وفقا للتقارير فقد بلغ حجم مبيعات الأطعمة الصحية عالميا أكثر من 594 مليار دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 859.43 مليار دولار أميركي بحلول عام 2030. أما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فقد حقق سوق الأطعمة الصحية أكثر من 16 مليون دولار في عام 2024، مع توقعات بنمو سنوي مركب يبلغ 9.5% حتى عام 2031.
رغم ما تروّج له شركات الأغذية من حرص على صحة المستهلك، فإن الهدف الأساسي لكثير منها يظل تحقيق الأرباح، وهو ما يدفعها إلى استخدام إستراتيجيات تسويقية متعددة، من أبرزها ما يُعرف بـ"تأثير هالة الصحة" (Health Halo Effect).
تُشير هذه الظاهرة النفسية إلى ميل المستهلكين لتقييم المنتجات على أنها صحية لمجرد احتوائها على كلمات أو إشارات إيجابية مثل "طبيعي" أو "غني بالألياف"، دون التحقق من مكوناتها الفعلية أو قيمتها الغذائية الكاملة. وغالبًا ما تبرز هذه العبارات جانبًا إيجابيًا جزئيًا وتتجاهل الجوانب السلبية، مما يؤدي إلى ثقة زائفة بالمنتج.
يرتبط هذا التأثير بعدة انحيازات إدراكية، من بينها "التحيز التأكيدي"، الذي يجعل الأفراد يبحثون فقط عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم المسبقة، و"تحيز المظهر"، حيث يُفترض أن المنتج الذي يبدو صحيا من الخارج لا بد أن يكون مفيدا بالفعل.
أظهرت دراسة نُشرت في عام 2022 بعنوان "تسويق الأغذية وأثره على تصور الأشخاص للصحة" أن أكثر من 60% من المشاركين أعادوا تقييم مدى صحّة المنتجات الغذائية بعد الاطلاع على عبواتها. هذا التحوّل في الانطباع يؤكد التأثير القوي للعناصر البصرية في التصميم التسويقي، مثل الكلمات المستخدمة والألوان، على إدراك المستهلكين واتخاذهم للقرار الشرائي.
إعلانغالبًا ما تحمل المصطلحات التسويقية دلالات مضللة لا تعكس بالضرورة القيمة الغذائية الحقيقية للمنتج. فعلى سبيل المثال، لا يعني وصف منتج بأنه "قليل الدسم" أنه منخفض السعرات الحرارية، إذ تلجأ بعض الشركات إلى تعويض الدهون المزالة بإضافة كميات أكبر من السكر أو النشويات لتحسين الطعم، مما قد يجعل المنتج أقل فائدة من النسخة الكاملة الدسم.
كذلك، فإن وصف المنتجات بأنها "عضوية" لا يضمن بالضرورة أنها أكثر صحة. فالزراعة العضوية تهدف بشكل أساسي إلى حماية النظم البيئية وتقليل استخدام المواد الكيميائية، وهي أهداف بيئية نبيلة، إلا أن وجود هذا الوصف على عبوة منتج لا يعني بالضرورة أنه مغذٍ أو أفضل من الناحية الصحية مقارنةً بغيره.
أما كلمة "طبيعي"، فهي من أكثر المصطلحات شيوعا وغموضا، إذ تستخدم دون ضوابط واضحة، وغالبًا ما تغفل حقيقة احتواء المنتج على مكونات مثل الفركتوز بنسب عالية، كما هو الحال في بعض العصائر التي تحمل هذا الوصف.
ومن الجوانب التي يغفلها كثير من المستهلكين أيضا محتوى المنتج من الصوديوم، فرغم التركيز الشائع على السعرات الحرارية والدهون والسكريات، فإن الصوديوم غالبًا ما يُدرج في نهاية ملصق القيم الغذائية ويصعب على المستهلك العادي فهم تأثيره، رغم ارتباطه المباشر بمشكلات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
تشير دراسة حديثة من جامعة ليفربول إلى أن 5 دقائق فقط من مشاهدة إعلانات الأطعمة السريعة كافية لدفع الأطفال لاستهلاك نحو 130 سعرة حرارية إضافية، حتى إن لم تتضمن الإعلانات طعامًا معينًا، بل مجرد شعارات تجارية.
لكن التأثير لا يقتصر على الأطفال؛ فاليوم تتخفى الإعلانات داخل محتوى يبدو توعويًا أو تجريبيًا على وسائل التواصل، مما يجعل المستهلكين عرضة للتأثر دون وعي. لم تعد الشركات تعتمد فقط على نجوم الفن، بل تلجأ إلى مؤثرين وأخصائيي تغذية لنقل صورة صحية عن منتجاتها، مما يدفع البعض لشراء منتجات لمجرد أن "الجميع يمدحها" على المنصات الرقمية، دون التحقق من قيمتها الغذائية الحقيقية.
يتجاوز التأثير النفسي لهالة الصحة قرار الشراء ليؤثر على كميات الطعام التي نتناولها، حيث يؤدي اعتقاد المستهلك بأن هذا المنتج صحي في بعض الأحيان إلى دفعه لتناول كميات أكبر منه دون قلق، كما وجد أن الأشخاص الذين يعتقدون أن وجبتهم صحية كانوا أكثر عرضة لإضافة الأطباق الجانبية والمشروبات والتحلية وهو ما يقود إلى العديد من المخاطر، من بينها تفاقم مشاكل السمنة وأمراض القلب والسكري بين المستهلكين الذين ينخدعون بالمظهر الصحي للمنتجات.
إعلانولا يقتصر تأثير هالة الصحة على العبارات المكتوبة على الملصقات فقط، على سبيل المثال قد يعتمد أحيانا على سمعة الشركة ومدى مشاركتها في المسؤولية المجتمعية، فبعض المستهلكين يفترضون أن الشركات المسؤولة اجتماعيا تصنع منتجات أفضل وصحية أكثر، وهو ما يجعلهم يتجاهلون التدقيق في محتوى منتجاتها.
كيف تتجنب فخ التسويق الصحي؟اقرأ الجهة الخلفية من العبوة: لا تعتمد فقط على العبارات البارزة على وجه المنتج، بل تحقق من جدول القيم الغذائية والمكونات.
تعلم قراءة الملصقات الغذائية: فهمك للمعلومات المكتوبة سيساعدك في اتخاذ قرارات صحية ومدروسة.
احذر العبارات العامة مثل "طبيعي" أو "عضوي": فهي لا تعني بالضرورة أن المنتج مفيد للصحة، وغالبًا ما تُستخدم كأدوات تسويقية.
وازن بين السعرات والقيمة الغذائية: فبعض الأطعمة منخفضة السعرات تفتقر إلى العناصر الغذائية المفيدة، والعكس صحيح.
راقب الكمية التي تستهلكها: فحتى المنتجات "الصحية" قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا تم تناولها بكثرة.
تجنب الأطعمة فائقة المعالجة: فهي غالبًا ما تحتوي على نسب عالية من السكر، والدهون، والملح.
ابتعد عن المنتجات التي تحتوي على:
دهون متحولة زيوت مهدرجة نكهات وألوان صناعية محليات مضافة مواد حافظةيبقى الوعي هو خط الدفاع الأول للمستهلك. فاختيار الغذاء الصحي لا ينبغي أن يُبنى على الشعارات البراقة، بل على المعرفة الدقيقة والتحقق من الحقائق.